أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الحديقة وأسوار الذاكرة














المزيد.....

الحديقة وأسوار الذاكرة


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 5852 - 2018 / 4 / 21 - 01:32
المحور: الادب والفن
    



هنالك حدائق سرعان ما تمر كسحب تتوارى وتنسى خلف الافق وهنالك حدائق تنمو في تضاريس الذاكرة وأخيلة الطفولة ومنها حديقة "الملك غازي" التي مازالت شاخصة منذ تاسيسها عام 1926 في مدينة الناصرية وحتى يومنا هذا, حين أمر الملك "فيصل الاول" وبعد تاسيس الدولة العراقية بخمسة سنين بتشييد حديقة تحمل اسم ولده وولي عهده.
لقد أحب أغلب العراقيين الملك غازي وحزنوا فيما بعد لمقتله بحادث سيارة عام 1939 وقد شكك الكثير بحادث اصطدام سيارته بعمود كهرباء بعد أن أوعزوا عملية الاغتيال المدبرة الى المحتلين الانكليز لاسيما بعد أن دعى الملك آنذاك لتحرير الاقاليم العربية من الاحتلال البريطاني وأيضا تقاربه من الزعيم الالماني هتلر الذي أثار غضب الانكليز.
مثلما شكك العالم أيضا عام 1997 بالحادث المشابه لمقتل الاميرة ديانا من قبل المخابرات البريطانية والعائلة المالكة حين قررت الزواج من عشيقها المصري.
رحل الملوك ورحل عبد الكريم قاسم ورحل بعده الانقلابيون القوميون ثم سقط النظام البعثي وجاءت الاحزاب الاسلامية الفاسدة والظلامية لسدة الحكم وسيرحلون مثلما رحل غيرهم وكأن العراق بات حفرة تتسع لسقوط جميع الانظمة والحكام.. لكن الحديقة بقيت من معالم المدينة وبعد سنين طويلة من الغياب عن المدينة وعن الحديقة رجعت الى المدينة ومررت فوق الرصيف المحاذي للحديقة ودخلت من احدى زوايا الاسيجة ولاول مرة بعد ان كانت حديقة سرية كثيفة باشجارها وزهورها ونخيلها يجوب في ثناياها الحارس "عناد الاعرج " الذي كان يعرف كل شجرة وكل غصن في الحديقة وهو يلوح بعصاه التي لاتفارقه مهدداً الاطفال الذين يتسلقون من أسوار الحديقة لمعرفة أسرارها والتمتع بسحرها الآخاذ.
كنا نتطلع بفضول الى الحديقة باسوارها العالية وبوابتها المغلقة دائماً واذا تجرأ أي طفل وعبر الاسوار الى الحديقة سرعان ما يكتشفه الحارس حتى وان اختفى وراء الجذوع وكأن الاشجار تراقب الذين يقتحمون عزلتها فتوشي بتسلل الاطفال المشاكسين للحارس.
حتى بات البعض يسمي حديقة غازي بحديقة عناد تيمناً بحاميها القاسي!!!
كبرنا وكبرت أشجار الحديقة ونبتت أشجار جديدة ومازال الحارس عناد يحرس الحديقة الغامضة وهو يطلق العنان لصوته الشجي الريفي باغاني الابوذية التي آلفتها الحديقة والعابرون أيضاً.
على محاذاة الحديقة وعلى الجانب الايسر تقع سينما البطحاء الصيفية وكانت شجرة اليوكالبتوس الكبيرة تحمل المراهقين والاطفال الفقراء ممن لايستطيع شراء تذكرة دخول الى السينما أو لايسمح لعمره بدخول لمشاهدة أفلام الكبار فكنا نتسلق الشجرة لنختلس النظر لمشاهدة شاشة السينما في عراء الباحة.
حين تزدخم شجرة اليوكالبتوس بالمتسلقين في الليل وهم يحطون كخفافيش تحاول الاختباء كان البعض يمارس دور الحكواتية الى رفقاهم في الا ض وهم مشرابين باعناقهم نحو الحكواتيين و يستمعون بفضول بالصوت والحركة لنقل أحداث الفيلم.
ومازلت أتذكر أيضاً ذات مساء وفي منتصف العرض انكسر الغصن الكبير من شجرة اليوكالبتوس حين لم ما عاد ان تحتمل كل هذا العدد الهائل من المتسلقين فسقط الجميع أرضاً دون ان يدركوا نهاية الفيلم.
قبل أيام مررت في الشارع الذي يفصل الحديقة عن السينما التي تهدمت وشيدت بدلها دور سكنية أما الحديقة فمازالت باقية بائسة ومهملة دون حارسها عناد الذي هرم وأحيل للتقاعد ودون شجرة اليوكالبتوس وأطفالها النزقيين وموحشة دون عصافير.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أرصفة حرية التعبير
- بركة الاسماك وكابوس الغراب
- أحاديث على ضفاف دجلة
- ذاكرة شارع ومدينة
- مشاهد يومية من مقهى
- العقاب والذنب
- حوار مابين رصيف وحانة
- عزلة الفنان في أرض الاحلام
- البومة وطلاسم الليل
- مابين المواجهة والنضال السري
- القنفذ وحجر عرق السواحل
- مساءات السيدة بولين
- يوميات مقهى ورصيف في ملبورن
- حارس معبد عشتار
- ليس للرب وطن
- مابين تعبان وترامب كانت هنالك عذابات بائع رصيف
- مشاهد من ذاكرة الانتفاضة
- اجنحة اليمام وغصن الزيتون
- حكايات أخرى من حانة هايد بارك
- الحذاء


المزيد.....




- محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم ...
- شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
- موسم أصيلة الثقافي 46 . برنامج حافل بالسياسة والأدب والفنون ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الحديقة وأسوار الذاكرة