أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - حوار مابين رصيف وحانة














المزيد.....

حوار مابين رصيف وحانة


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 5556 - 2017 / 6 / 19 - 16:58
المحور: الادب والفن
    



بعد يوم قضيته متسكعاً ما بين السير على ضفاف نهر يارا وزيارة لبعض قاعات المعارض التشكيلية والاستماع أيضاً الى موسيقى الشارع وفنون المهرجين حتى
أدركني الليل.. فقصدت ترام رقم 86
الذي يمر بمحلة سكني في "كولنكووّد"
وبعد عشرة دقائق وصل الترام ونزلت
قبالة محلات التسوق " ولويث"
فطالعني فوق رصيف الشارع شبح الفتاة البوهيمية المغرقة بالصمت والحزن ذات الوجه النحيف والبائس المتشح بمعالم البراءة والخوف والعفوية
عازفة النايّ بملابسها البسيطة وهي تفترش شارع سميث ستريت بصحبة كلبها الاسود الوديع والهادئ بينما دراجتها الهوائية كانت مركونة أمام بوابة الاسواق المركزية.
فهام بيّ حينها الوجد لدى سماعي تراتيل النايّ.
ثم القيت بدولار مثل بقية العابرين أمام الفتاة البوهيمية وعبرت نحو الرصيف الاخر بينما كان صدى أنين الناي يلاحق مسامعي وهو يتوارى في معطف الليل.

قصدت زاويةِ مقهى الشاعر والتي كنت من روادها
وكان تمثال الشاعر الاسترالي "أدريان راويلنز" يطل على رصيف المقهى
في "شارع برانزيويك"
انه شاعر العبث والتسكع والفضاءات ودرويش أزقة شوارع مدينة ملبورن
كان أدريان يرسم خرائط الضياع على الارصفة ِ ويغني أمام بوابات الحانات ويهذيّ
بالشعرِ مدمدماً مع ظلهِ الراقص بموسيقى الجاز والبلوز وهو يبحث عن أسرارِ الغابات وأرض الاحلام بين قفزات الكناغر وأساطير الأبورجنيز وسواحل الجزر الوحشية النائية.
كانت ليلة أدريان الأخيرة والتي أمضاها بين حواريه الصعاليك في عدة حانات بعد أن ودع ظله الذي عشق الليل والمدينة ووصايا البوهيميّن كقمرٍ أدمن على أفيونِ الليلِ.
ليلتحق الى حانةٍ أخرى في الأقاصي البعيدة حيث أصدقائه الصعاليك بإنتظارهِ كي يلتحق بهم.
وتذكرت قرب التمثال أيضاً عراب شارع أبو نؤاس وأزقة الرشيد المتوّج بأخر أسمال الملك الآشوري جان دمو وكذلك صاحب القصائد العارية المتمرد حسين مردان وسيزيف التشرد واللعنة عقيل علي وعبد الامير الحصيري ورشدي العامل وعبد الحسن الشذر والكثير من شعراء الوجع والتسكع ..ثم عرجت نحو الحانة الاسبانية في الشارع المقابل .. فجلست في إحدى زوايا البار القريبة من حلقة الرقص التي كان يبرع بها راقصان وهما يؤديان رقصة الفلامنكو بصحبة عازفيّ القيثارات الذين يضيفون لمسات اسبانية ساحرة وسط الحانة المظلمة التي تضيئها من زوايا المنصة مصابيح حمراء وزرقاء وصفراء تنعكس على اجساد الراقصيّن.. تأملت بالراقص الاسباني ذو الملامح السمراء فذكرني بشكل الشاعر الاسباني "غارثيا لوركا" بشعره الفاحم اللماع .. وفوق ملامح وجهه كان العرق يتصبب فكان يرقص بعنفوان ويضرب باقدامه برشاقة وبقوة فوق أرضية الحانة الخشبية مثل ثور شبق.. بينما الفتاة المغناجة بملامحها الاندلسية وفستانها التقليدي الاحمر وهي تحرك بجسدها المغري كأفعى شهوانية بايحاءات مثيرة وانسيابية متناهية ومذهلة وهي وترفع بطرف فستانها مرة أو بذراعيها وتضرب على الصنوج باطراف أصابعها.. فيتعالى خلالها تصفيق وصراح رواد الحانة السكارى بالموسيقى والرقص والخمرة وذكريات ليالي الاندلس.
كان الجميع في الحانة يظنوا باني اسباني وبعض النساء كانت تتحارش بيّ بلاطفة
"هولا سنيور":
وانا أرد بلغة انكليزية مهذبة: عذراً أنا لا أجيد التحدث باللغة الاسبانية.
وفي الهزيع الاخير من الليل .. غادرت الحانة بينما موسيقى الفلامنكو مازالت تصدح في الحانة الاسبانية القديمة.

كنت أتأمل بمساء الظلِ الحزين
وهو يودع الرصيف
مثل مزمار البوهيمة الذي ترك صداه
وهو يبوح بأخر أناشيده
أما آن لهذا القلب أن يرتاح
أو للخطى الحائرة أن تدرك الطريق
يا لوحشة الليالي المترعة بالخمر


اشعر ان هنالك جرح أبدي في تضاريسِ روحي ينزف دائماً مثل نهر بينما أنا في عزلتي أسعى لتضميد هذا الجرح الموجع وتخديره بترياق الحب والخمرة والنوم مرة أو بالرسم والموسيقى والشعر والتسكع بين الحانات مرات أخرى
وكم حاولت أن أتصالح مع كل هذا الحزن أيضاً وأنا أحاول أن أرتب له غرفة أنيقة في دار وحشتي كي يستريح بها منيّ أو أستريح منه قليلاً.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عزلة الفنان في أرض الاحلام
- البومة وطلاسم الليل
- مابين المواجهة والنضال السري
- القنفذ وحجر عرق السواحل
- مساءات السيدة بولين
- يوميات مقهى ورصيف في ملبورن
- حارس معبد عشتار
- ليس للرب وطن
- مابين تعبان وترامب كانت هنالك عذابات بائع رصيف
- مشاهد من ذاكرة الانتفاضة
- اجنحة اليمام وغصن الزيتون
- حكايات أخرى من حانة هايد بارك
- الحذاء
- اصدقاء الليل والحانة
- تداعيات الذاكرة في صالة المستشفى
- حديث في مرسم
- رحلة في سوق الطفولة
- ذاكرة القلب
- حديث عابر في قطار
- تمرد ضد الاقفاص


المزيد.....




- المحرر نائل البرغوثي: إسرائيل حاولت قهرنا وكان ردنا بالحضارة ...
- مجاهد أبو الهيل: «المدى رسخت المعنى الحقيقي لدور المثقف وجعل ...
- صدر حديثا ؛ حكايا المرايا للفنان محمود صبح.
- البيتلز على بوابة هوليود.. 4 أفلام تعيد إحياء أسطورة فرقة -ا ...
- جسّد شخصيته في فيلم -أبولو 13-.. توم هانكس يُحيي ذكرى رائد ا ...
- -وزائرتي كأن بها حياء-… تجليات المرض في الشعر العربي
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي حماية ثقافة الشعوب الأصلية ولغاتها؟ ...
- -غزة فاضحة العالم-.. بين ازدواجية المعايير ومصير شمشون
- الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئص ...
- أربعون عاماً من الثقافة والطعام والموسيقى .. مهرجان مالمو ين ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - حوار مابين رصيف وحانة