أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - حارس معبد عشتار














المزيد.....

حارس معبد عشتار


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 5355 - 2016 / 11 / 28 - 20:19
المحور: الادب والفن
    


حارس معبد عشتار
كان اخر لقاء جمعني بالمهندس المتقاعد والكاتب الاشوري زيا أوديشو في مدينة ملبورن عام 2006 اما اخر اتصال تلفوني فكان قبل ثلاثة سنوات حين دعاني لحضور امسية توقيع كتابه عن تاريخ الاشوريين لكن للاسف لم يتسنى لي الحضور .. ولم اكن اعرف ان هذا الاتصال سيكون هو الاخير !!
حتى لقائي قبل بضعة ايام بالروائي اللبناني غسان طعان في شارع "سدني رود" حين اهداني اخر رواية له بعنوان "بطيء كالكوالا رشيقة كالكنغر" وهو يذكر في بعض فصول روايته شيئاً عن ذكرياته مع صديقه المقرب زيا.. الذي ولد في سوريا بعد ان نزحت عائلته من اطراف الموصل بعد مجزرة الارمن والاشوريين حين احتل السيف العثماني ارض العراق.
وبعد سؤالي عن اخبار زيا صدمت وحزنت حين شاهدت غسان يطرق برأسه فعلمت حينها بخبر وفاة الراهب الاشوري الذي مات وحيدا في داره بعد طلاقه من زوجته وعيشه في عزلة بعيدا عن العائلة .. ثم حول الدار فيما بعد الى معبد للالهة عشتار..
وفوق جدران بوابة داره كان يعلق زيا تصميم لشعار الشمس البابلية ومنحوتة لعشتار على شكل نافورة تتدفق من بين كفيها ينابيع المياه وهي تتوسط الحديقة الامامية.
كان الجيران يظنون بان جارهم زيا هو غريب الاطوار او قد مسه الجنون!!
اما زيارتي الاولى لبيت زيا شعرت وكأني ازور متحف او صومعة خلعنا احذيتنا ونحن نولج في ردهة مضاءة بالشموع..
وكان يلفنا صمت وشيء من الرهبة المفعمة بروائح البخور والنظافة المفرطة..
استقبلنا زيا بابتسامة طفولية مرحباً : اهلا بالاصدقاء اتمنى ان تعمدتوا بصلاة جدتنا المقدسة عشتار !!
وبعد ان اطلعنا على منحوتات ومقتنيات ومخطوطات ومكتبة دار زيا صاح بنا: ياهلا بالشباب هذا المساء سنترع كؤوسنا بالخمرة والحب والسلام من اجل انانا السومرية ذات الجمال الاسطوري الباهر .. وحبا لنجمة الفجر والمساء كوكب الزهرة عشتار البابلية .. وللننشد ايضا تراتيل العشق الى عشاروت الغافية فوق سواحل الفينيقيين .. او حين نثمل بالعشق في معبد افروديت لدى الاغريق .. او نغني ونكتب الشعر بين اروقة معبد فينوس على اطلال امبراطورية الرومان.
ثم استدار صاحب الدار بوجهه المتورد كالاطفال وبابتسامته الطيبة وهو يرفع بكأسه المترع بنبيذ الشيراز الاحمر قائلا لي : خيو سعد شو تحب تشرب عرق لو نبيذ لو الجعة السومرية !!
رسم السعيد اوديشو حركات بيديه وسط الدار ثم اطلق العنان لروحه بالرقص على موسيقى صباح فخري واغاني ناظم الغزالي ..
وكأن رقصته في الامسية الاخيرة كانت تذكرني برقصة زوربا الاغريقي.
كان زيا متصابيا بسلوكه وملبسه وعادة مايكرر عبارة "وحياة شبابي" رغم انه كان في اواخر السبعينات لكنه كان يرفض الخنوع او الاعتراف بالشيخوخة وبأفول الزمن.. وعادة ماكان يردد ان العمر هو مجرد ارقام.
اما الصبابة فهي كرنفال الروح .. وعشق عابق في ديمومة الحياة والجمال.
في مساء غير متوقع توقف قلب زيا عن الرقص لكن الابتسامة لم تغادر وجهه السعيد .. رحل زيا اوديشو حارس مقام عشتار .. والذي عاش ومات وحيدا بصحبة عصفورين طليقين من نوع الكناري في فضاء بيته وحديقة انيقة كان يزرع بها الكثير من الورود .. لكن احب الورد الى نفسه كان الجوري العراقي والياسمين الدمشقي.
ربما كان زيا محظوظا برحيله الابدي قبل ان يشاهد اوجاع اضافية من خسارات بلاد وادي الرافدين لاسيما بعد ان تحطمت وسرقت آثار اشور ونينوى وتدمر .. لكن الراحل سيبحث هناك بين معابد كثيرة عن مملكة عشتار وسيذرف دموع النهرين ويشتكي لها عذابات اهل سوريا والعراق الابرياء المعذبين. اما انا فسوف ارفع كأسي في هذا المساء متذكرا الراهب الاشوري زيا .



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس للرب وطن
- مابين تعبان وترامب كانت هنالك عذابات بائع رصيف
- مشاهد من ذاكرة الانتفاضة
- اجنحة اليمام وغصن الزيتون
- حكايات أخرى من حانة هايد بارك
- الحذاء
- اصدقاء الليل والحانة
- تداعيات الذاكرة في صالة المستشفى
- حديث في مرسم
- رحلة في سوق الطفولة
- ذاكرة القلب
- حديث عابر في قطار
- تمرد ضد الاقفاص
- غزلان البراري واحلام الطفولة
- مابين غيبوبة العاشق ومطارد الشمس
- ابوذية الغناء وصوفية العشق
- ذاكرة الامكنة
- انهم يقتلون الابل
- الحب ليس له وطن او دين
- رثاء لتماثيل مهشمة .. وهاربة من معابدها


المزيد.....




- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - حارس معبد عشتار