أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - العُنْفُ حلٌّ أحياناً














المزيد.....

العُنْفُ حلٌّ أحياناً


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6499 - 2020 / 2 / 25 - 23:23
المحور: كتابات ساخرة
    


بينما كنت أجتاز أحد شوارع المدينة، وإذ بصوتٍ مفاجئٍ لزمّور قويّ ينبّهني. جفلْتُ وأُصِبْتُ بلسعةِ رعب. التفتُّ إلى مصدر الصوت، كانت سيارة حديثة تتجه نحوي تبعد عنّي عدة أمتار!
ظننتُ للوهلة الأولى أن السائق يعرفني ويريد أن يلقي عليّ السلام. كعادة بعض السائقين الذين يحيّون معارفهم باستخدام الزمّور. تسمّرتُ في منتصف الشارع محملقاً بوجه السائق، ألفيته عابساً وقد تمهّل فاسحاً لي المجال للعبور. أمعنتُ النظر به، لم أعرفه. حينها أدركتُ أنه رجلٌ أرعن حقير يطلب منّي الاستعجال. وحيث أن هذه الحالة تكرّرت معي كثيراً خلال السنوات الماضية، ودائماً تسبّب لي الكدر والنرفزة. وتجعلني أجمجم بشتائم مهموسة بحقّ السائق، لاعناً الساعة التي وُلِدتُ فيها في هذا المجتمع المتخلف. فقد اشرأبّ مخزون الغيظ من داخلي دفعةً واحدة هذه المرة. وحيث أني عشتُ مكبوتاً طوال عمري؛ ففي البيت أثناء الطفولة ومطلع الشباب، لم أكن بقادرٍ على التعبير عن آرائي بسبب ديكتاتورية الأب وقسوته. وكبِرْتُ وترعرعتُ في ظلّ نظامٍ استبدادي جائر. حيث لا رأي إلاّ ما يؤمن به النظام. وأيّة مخالفة لما يفرضه، فعقوبة البطش جاهزة. ولا ملاذ لي تاريخياً لتخفيف الاحتقان المتراكم في أعماقي والذي يتنامى يوماً بعد يوم. فأنا لا أحضر مباريات كرة القدم، ولا تعلو هتافاتي وصرخاتي وتعليقاتي تأييداً لهذا الفريق أو ذاك. ولا ألعب بورق الشدّة وأسبُّ منفجراً على شريكي المخطئ، أو على خصمي الغشّاش. ولا يحقّ لي الاعتصام أو الإضراب أو التظاهر في القضايا العامة.. لأنفثَ ما بصدري من انفعالٍ وقهرٍ، أعبّر فيها عن حقوقي ومطالبي.
هجمتُ مقترباً من نافذة سيارته ونقرتُ بإصبع يدي الوسطى المكوّرة على البللور من جهته، فأنزله مستوضحاً. قلت له بنبرةٍ ساخطة مليئة بالتحدّي:
- لماذا أطلقتَ الزمّور وأنت تعلم أنني أعبر الشارع, ولن أقفَ عَثْرةً في طريق أحد؟
بوغِت بسؤالي. رنا إليّ مستطلعاً بصلفٍ وازدراء وهو يروزني من أعلى إلى أسفل. وتكلَّفَ رفع حاجبه الأيسر لكي يضفي على وجهه المزيد من سيماء العظمة وأجاب:
- انكسر خاطرك يعني؟
وأنا الذي يكره العنف، ولا يؤمن باللجوء إليه إلاّ في حالات نادرة، صحتُ به هائجاً بوجهٍ مفترس وقد جحظت عيناي من شدة الغضب:
- ولك أنت واحد سافل واطي قليل الذوق ولاك!
ولأول مرة منذ أكثر من أربعين عاماً وأنا على ضفاف الشيخوخة، أكون مستعدّاً لشِجارٍ بالأيدي. ركلتُ باب سيارته بخبطة مجنونة دفاعاً عن كرامتي. وكأنني أثأرُ انتقاماً عن كل ما أصابني من حَيْفٍ وظلمٍ وقمعٍ في سنين عمري كلها. وصرختُ به مستجمعاً كل ما وهبتني إيّاه الطبيعة من قِوَى، أن ينزل من سيارته إن كان رجلاً فعلاً. ويبدو أنه لاحظ استعدادي خوض معركةٍ ليس مهيّئاً لها. وخمَّنَ أنه لن يكون الفائز فيها. أو ربما أن الفارق الكبير في عُمْرَينا جعله ينكفئ ويختار المُهادَنة. قال بصوتٍ باردٍ وهو يتمعّن في عينيّ اللتين تجسَّم الشرُّ فيهما:
- رُحْ بطريقك ولك عمّي، رُحْ من وجهي أحسن لك!
- ولك يلعن شرفك وشرف الذي منحك شهادة سواقة.
قلت له وأنا متحفّزٌ في حال فتح باب سيارته، أن أبادر سريعاً إلى لكمه لكمةً قويّة مُحْكَمة على وجهه، وتحديداً بين عينيه لأحطّم عُنْجَهيّته وغطرسته.
في الغضون، تجمّعت السيارات من خلفه مزدحمةً وبدأت همروجة الزمامير.. فما كان منه إلاّ أن أقلع بسيارته وهو ينظر صوبي بعدوانيّة متلفّظاً ببعض الشتائم السوقيّة، وغادر مسرح المكان مسرعاً.
كان شرطي السير المغلوب على أمره كحالة أغلب موظّفي بلدي، يقف على مقربة من الحدث بغير اكتراث، وقد اكتفى بصافرة احتجاجية طويلة لفضّ هذا الاشتباك. ملوّحاً بيده لاستئناف المركبات سيرها. وظلَّ يعاود التلويح والتصفير وهو يرمقني بين الفينة والأخرى بحياديّة مطلقة.
اتجهتُ إلى الطرف الآخر من الشارع وأنا أرفع ياقة معطفي متابعاً خطواتي بثقة. وبوجهٍ متألّقٍ ينضحُ بالبِشْرِ والشعور بالنصر، تذكّرتُ قولاً للروائي عبد الرحمن منيف، ردّدته بصوتٍ مسموع:
«لست متأكدا ماذا ستصنع الأيام القادمة، أريد أن أبقى عنيداً، وإذا متُّ فأجمل موتٍ أن يموتَ الإنسان واقفاً، والأفضل أن يفعلَ ذلك وهو يبتسم بسخرية أيضاً..».



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشَّمس
- «الكباش» الروسي التركي إلى أين؟
- لكلّ حصان كبْوة!
- براءَةُ الخصام
- أُمْنِيّة استثنائيّة
- «الأُمّ»
- عزف منفرد
- مَنْسَف لحم
- في حَضْرَةِ الغياب
- لماذا لم تُشكّل الحكومة الانتقالية في سورية؟
- قَصْرُ المُحافِظ
- من أين لك هذا؟!
- البَدْلةُ الزرقاء
- جُرْأة غير مسبوقة!
- الصحفي والمسؤول
- القلم
- بين الفكر والسّلوك
- الملعبُ البلديّ والسُّلُّمُ الخشبيّ
- أوّلُ أجرٍ أتقاضاه
- فأر الحقل


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - العُنْفُ حلٌّ أحياناً