أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - مَنْسَف لحم














المزيد.....

مَنْسَف لحم


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6449 - 2019 / 12 / 28 - 20:44
المحور: كتابات ساخرة
    


عند الظهيرة، وقُبَيل توزيع وجبة الغداء بدقائق، فُتِحَ باب زنزانتنا ودخل رجلٌ أربعينيٌّ معزّزاً مكرّماً خلافاً لجميع الموقوفين في الفرع. وقام السجّان الذي أدخله بتوصيتنا به هاتفاً بنبرةٍ متآمرةٍ ظافرة: «ديرو بالكن عليه هه.. ما بدّي حدا يزعجه أبداً. هادا حصّتي، مفهوم؟» وأغلق الباب منصرفاً.
ألقى التحية النزيل الجديد وجلس على طرف البطّانية تحوم على وجهه ابتسامة مرتبكة. سارعنا إلى الترحيب به واستجوابه بالسؤال التقليدي: «خير يا أخ؟ شو التهمة؟» فأجاب بعد أن زمّ شفتيه مستخفّاً: «شغلة بسيطة، تهريب حديد. بكرا بإذن الله بكون ببيتي. وأنتو شباب شو تهمتكن؟» أجاب ثلاثةٌ منا بصوتٍ واحدٍ تقريباً: «نحنا سياسيين..» تابع سائلاً: «إخوان مسلمين؟» أجبناه: «لا، بل شيوعيين». حوقل الرجل متمنياً لنا الإفراج القريب.
لحظات ويتم توزيع طعام الغداء علينا (مرقة دبس بندورة مع صحن برغل). راقب الرجل الطعام بفضول متسائلاً بصوتٍ يشوبه الاستغراب والإحباط: «ليش ما بيقدّمو لحمة مع الأكل؟!» ضحكنا ساخرين وأوضحنا له بأن اللحمة باتت من الأمنيات المستحيلة التحقق هنا منذ أشهر طويلة.. وأردف أحد الرفاق متذمّراً بقهر: «إننا نحلم بشواء، حتى لو كان من لحومنا!». بدأ الرجل يهزُّ رأسه بطريقة من يتفهّم الأمر. وسرعان ما وثب من مكمنه كالمحترق، وأخذ يقرع باب الزنزانة بعنف. دقيقة وتفتح طاقتها ويظهر السجّان الذي ارتسمت على وجهه بسمة عندما وجد قبالته الرجل الموصى به (حصّته). ولمّا لاحظه مقطّب الجبين، أبدى فوراً اهتماماً بالغاً وسأله بتلهّف: «خير؟! في حدا زعجك؟»
قال له الرجل باندفاع: «لا. شوف شو بدّي قلّك، بتوصّيلي على منسف لحم خروف مع سطل لبن، بدّي ياهُن خلال ساعتين. وخُدْ هاي مصاري قدّ ما بدّك.. اليوم عازم الشباب عالغدا» وسحب من جيبه رزمة من النقود وأعطاها للسجّان. ثم عاد وجلس ونحن نرقبه بعيونٍ مليئة بالأمل. نتخاطف النظرات المرتابة سراً.

وبالفعل، بعد حوالي الساعتين من الانتظار المرير، فُتِحَ باب الزنزانة ودخل أحد عناصر الفرع حاملاً صينيّة يبلغ قطرها متراً مغلّفة بالسيلوفان بالإضافة إلى سطل لبن، ووضعهما على الأرض متمنّياً للجميع غداءً هنيئاً.
وما إن أُغْلِقَ الباب حتى هرعنا إلى الصّيد الثمين. وبطريقة همجية مجنونة نزعنا السيلوفان عن الصّينيّة، ففاحت الرائحة المثيرة وبانت قطع اللحم المشويّة المسيلة للّعاب، وانقضّينا عليها كالوحوش الضارية. وإذ بهذا الرجل (المهرِّب) الشهم قد وضع إصبعه المعكوفة بين فكّيه وطفق يشهق باكياً وجسده يختضُّ بعنف وهو يقول: «يا رب! شو هالظلم؟ مو حرام هالبشر يكونو محرومين بهالشكل؟! ولك شو ذنبُن يا الله شو ذنبُن؟»
توقّفنا عن تناول الطعام مشدوهين، بعد أن كانت شهيّتنا مفتوحة على الآخر. غير مصدّقين أن هذا الرجل في داخله هذا الكمّ من العذوبة!
شكرنا تعاطفه وسخاءه ونبله معنا. وتمنّينا عليه بإصرار مشاركتنا الطعام، وإلا فإننا لن نتذوّقه أبداً. مسح دموعه وهو ينشج وكأنه يرزح تحت موجة كبيرة من الحزن. وبدأ يأكل معنا لُقيماتٍ صغيرة مجاملاً. فعادت شهيّتنا إلى سابق عهدها، ولكن هذه المرّة بشراهة أشدّ.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حَضْرَةِ الغياب
- لماذا لم تُشكّل الحكومة الانتقالية في سورية؟
- قَصْرُ المُحافِظ
- من أين لك هذا؟!
- البَدْلةُ الزرقاء
- جُرْأة غير مسبوقة!
- الصحفي والمسؤول
- القلم
- بين الفكر والسّلوك
- الملعبُ البلديّ والسُّلُّمُ الخشبيّ
- أوّلُ أجرٍ أتقاضاه
- فأر الحقل
- مع عدم الموافقة!
- خطاب رسمي
- من ذكريات «الزمن الجميل!»
- روسيا وتركيا و«الكباش» المعلن والمخفي
- أوَّلُ مهمّةٍ حزبيّة
- هل روسيا «الأمّ الرؤوم» لأصدقائها؟
- سورية إلى أين؟!
- هل الحلفاء أخوة؟!


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - مَنْسَف لحم