أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - فأر الحقل














المزيد.....

فأر الحقل


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6370 - 2019 / 10 / 5 - 15:25
المحور: كتابات ساخرة
    


عند أول الليل من ليالي أيلول الساحرة، كنت أجلس تحت مظلة التوتياء التي ترتاح عليها دالية في البيت الذي أرتاده أسبوعياً في القرية، أتابع قراءتي لرواية جميلة للكاتب رفيق شامي بعنوان «الجانب المظلم للحبّ». وبينما كنت مستغرقاً سمعتُ خربشةً في الدالية التي تعلوني. نظرتُ إلى الأعلى مستطلعاً، وإذ بفأرٍ على وشك السقوط من حافّة المظلّة يحاول جاهداً التعلّق بغصن الدالية كي لا يقع على الأرض فيكون قريباً مني وقد يلاقي حتفه على يدي. وبعد نجاحه في التعلّق، لفت انتباهي أنه ثبت في مكانه ينظر باتجاه السطح وجسمه يرتعش خوفاً.. فكّرتُ ما هو سبب ذعره طالما أنه نجا من السقوط؟ فجأةً قرّر تغيير مكانه وبدأ يتعربش بصعوبة على أغصان الدالية مبتعداً مسافة مترٍ عن حافّة المظلّة، واستدار ماكثاً يراقب السطح وهو في غاية الاضطراب والاحتراس. يلتفت بسرعة بين الحين والآخر صوبي بنظرة مستغيثة وكأنه يلتمس نجدتي. دقّقتُ النظر بالسَّمت الذي يتجه إليه رأسه، وجدتُ قِطّاً على حافة المظلّة متربّصاً بسكون القنّاص. يتحيّن الفرصة المناسبة للهجوم على الفأر المسكين لافتراسه. خالجتني مشاعر المؤازرة والتضامن مع الفأر فخاطبته بصوتٍ مسموع: «تعال، لا تخفْ! بإمكانك القفز على الأرض والفرار من هذا القطّ اللعين. وأقسم لك بأنني سأوفّر لك الحماية ما استطعتُ إليها سبيلا..» تطلّع صوبي الفأر وكأنه يقول بعد أن استشعر شيئاً من الأمان: «احلفْ مرةً أخرى! فأنا لا أثق ببني البشر. الذين لطالما نصبوا الأفخاخ لفصيلتي ولا يتورّعون عن إلحاق الأذى بنا أنّا وجدونا». قلت له مجدداً: «أقسم لك، طيب جرّبْ واقفزْ. فأنتَ على الحالتين مهدّد بالموت. انظرْ إلى القطّ، إنه يتهيّأ للانقضاض عليك وسوف يلتهمك خلال ثواني.. هيّا اسمعْ منّي وجرّبْني.. ثقْ تماماً لن ألحقَ بك أيّ مكروه. هيّا!». وكأنه فهم ما قلته واختار أهْونَ الشرَّين. فما كان منه إلا وأن قفز على الأرض بالقرب منّي من علوّ مترين ونصف، وانطلق بسرعة هارباً متغلغلاً في الحقل المليء بالأعشاب. وسمعتُ صوت حركة القطّ وهو يغادر سطح المظلّة محاولاً اللحاق بالفأر، ولكن دون جدوى.
شعرتُ بزهوّ الانتصار وكأنني أنا المطارَد وقد نجوتُ من موتٍ محقّق.
بعد مغادرة العدوّين اللدودين ساحة المعركة، صرتُ أفكّر: لماذا تعاطفتُ مع هذا الفأر مع أنه مؤذي للإنسان؟ فهو يخرّب الأثاث والمفروشات والملابس وينقل الأمراض. ناهيك عن شكله المقزّز للنفس؟ ولم أتعاطف مع القطّ؛ هذا الحيوان الأليف اللطيف المرح ذي الشكل الجميل، المفيد.. فهو يحافظ على المنزل من القوارض والحشرات، ويرسم البسمات على الوجوه لدى التعامل معه وينشر السعادة؟!
تُرى، هل السبب لأن الفأر مخلوقٌ ضعيفٌ قياساً بالقطّ؟ ويتمتّع بحقّ الحياة كغيرة من الكائنات؟
أم لأنه ذكّرني بذلك الجرذ الذي كان يسلّيني في زنزانتي المنفردة عندما استضافتني الأجهزة الأمنية في أحد أقبيتها الرهيبة. حيث كان يقاسمني رغيف الخبز بحذرٍ في بداية الأمر، ثم اعتاد على زيارتي في الزنزانة كل يوم لينالَ حصّته الشرعية وكأنه أحد نزلائها؛ إنما دون أن يتعرّض (للصّعق بالكهرباء أو فلقة بالدولاب أو تلقّي الركلات والصفعات وهدر الكرامات..)؟



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع عدم الموافقة!
- خطاب رسمي
- من ذكريات «الزمن الجميل!»
- روسيا وتركيا و«الكباش» المعلن والمخفي
- أوَّلُ مهمّةٍ حزبيّة
- هل روسيا «الأمّ الرؤوم» لأصدقائها؟
- سورية إلى أين؟!
- هل الحلفاء أخوة؟!
- «القرضاوي» والمسيحية
- مرةً أخرى عن العلمانية
- ذَكَرُ العجل
- دوامُ الحال، من المُحال..
- المنشور
- جاري والدكتورة
- قراءة في «بالخلاص يا شباب!»
- قراءة موجزة في «زمن مستعمل»
- «العمى»
- «الانفجار السوري الكبير»
- قراءة في «بجعات برّيّة»
- كنّا أشقّاء، وسنبقى..


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - فأر الحقل