أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - الملعبُ البلديّ والسُّلُّمُ الخشبيّ














المزيد.....

الملعبُ البلديّ والسُّلُّمُ الخشبيّ


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6382 - 2019 / 10 / 17 - 15:25
المحور: كتابات ساخرة
    


كأغلبية صبيان حارتنا كنت أعشق كرة القدم. ولمّا كانت أحوالنا المادّية متماثلة وليس بمقدورنا شراء أيّ نوع من طابات كرة القدم، فقد صنعنا من مجموعة أقمشة مهترئة أحضرناها من بيوتنا أول كرة وبدأنا نلعب بها. وكثيراً ما كانت تفلت بعض شرائط الأقمشة من موضعها فنتوقّف عن اللعب لحظات، وسرعان ما نقوم بإعادة تأهيلها لنستأنف نشاطنا بمنتهى السعادة. إلى أن تفتّقت عبقريّتنا على فكرة أن يقوم كل منّا بادّخار ما تيسّر له من فرنكات. وبعد حين نجمع ما ادّخرناه ونشتري كرة قدم حقيقية. وبالفعل، فقد تمكّنّا بعد أقلّ من شهر من تحقيق حلمنا. واتفقنا على أن تبيت الكرة كل يوم في بيت أحدنا تحقيقاً للعدالة فيما بيننا. وحينما جاء دوري بإبقاء الكرة لديّ، كان مقرّها في فرشتي وفي حضني.
بدأت هذه الهواية مع مرور الأيام تتعزّز، إلى أن أصبحنا من مشجّعي الفرق الرياضية في اللاذقية. كانت أهمّ الأندية آنذاك في أواسط ستّينيات القرن الماضي: (نادي اللواء، ونادي الساحل، ونادي الجلاء، ونادي الحرية..) وصرنا نحضر التدريبات والمباريات الودّية التي تُقام في الملعب القريب من حيّنا جنوب شركة سادكوب. أما المباريات الكبرى التي تتمّ في الملعب البلدي مع أندية المحافظات الأخرى، فكانت مأجورة وتبلغ قيمة تذكرة الدخول ليرة واحدة. ولمّا كانت جيوبنا خالية دوماً بسبب ضيق الحال، فقد كنت وبعض الأصحاب نمشي عدة كيلومترات ونصعد إلى هضبة القلعة المطلّة على الملعب البلدي، والتي تبعد عنه مئات الأمتار لنتابع مباريات كرة القدم. طبعاً لم نكن قادرين على مشاهدة اللاعبين والكرة من تلك المسافة إلاّ لِماماً. ولم نكن نتمكّن من رؤية كامل مساحة الملعب؛ فقد كان الثلث الجنوبي منه محجوباً عنّا بسبب السُّور والمدرَّج. ونكتفي بالاستمتاع بباقي الثلثين، متحسّرين بين الحين والآخر عندما تهيج جماهير المشجّعين لدى اقتراب الكرة من حارس المرمى الجنوبي المحجوب عنّا. وتبدأ عندها التخمينات، تُرى هل سُجِّلَ هدف، أم ضربة جزاء، أم كانت الرمية خائبة؟
إلى أن فطن أحد أفراد شلّتنا بأن ثمة شابّاً فهلويّاً ينصب سُلُّماً خشبياً على سور الملعب من الخارج بعيداً عن الباب الرئيسي، يمكّن الراغبين بحضور المباراة من خلال الصعود على السُّلُّم والنزول إلى الملعب لقاء ربع ليرة. ولمّا كان ارتفاع السّور يبلغ حوالي ثلاثة أمتار، فقد كانت مخاطرة حقيقية لدى القفز من على السّور إلى أرض الملعب. فلم تكن تخلو مباراة من إصابات المتفرّجين الصّغار الذين يتسلّقون السور، من خدوشٍ ورضوض أو حتى كسور في أجسامهم الغضيضة.
اقترحتُ على رفاقي تجريب تسلّق السور عبر السّلّم. فكان جوابهم «من وين يا حسرة!» أعلمتهم بأنه لديّ حصّالة نقود سأُفرِغُ محتواها، وسأعزمهم على حسابي حضور المباراة المزمع إقامتها بين نادي الساحل ونادي بردى الدمشقي الجمعة القادمة.
وفي الموعد المحدّد للمباراة كسرتُ الحصّالة الفخّارية، وكان فيها مجموعة من الفرنكات تقارب الليرتين. وتوجّهتُ مع خمسة من رفاقي إلى الملعب وتحديداً إلى «سُّلّمِ الفقراء». أعطيت الشّاب الذي يقوم بإدارة السلم ليرة ونصف وكنت أوّل المتسلّقين.
لدى بلوغي حافّة السّور، تلاحقت ضربات قلبي وتلفّتُّ بذعر، ثمّ ثبّتُّ نظرةً عجلى على الأرض، وجدتُ نفسي أقف على مرتفع شاهق. وقفتُ مرتاعاً وبدأت فرائصي بالارتعاد وسط صيحات مالك السُّلُّم بأن أقفز بسرعة لإتاحة المجال لغيري بالصعود. جلستُ على السّور مرتبكاً وتشبّثتُ بكلتا راحتيّ بحافّته وأدلَيتُ جسمي المرتعش نحو الأرض. ألقيتُ نظرة أخيرة إلى الأرض وجدتها أقلّ ارتفاعاً من النظرة الأولى. حسمتُ تردّدي وأفلتُّ يديّ وقفزتُ. وكانت النتيجة سليمة. ووقفتُ أنفض ثيابي مشجّعاً باقي الرفاق على النزول بطريقتي.
عندما اكتمل عددنا ونحن في غاية الحبور لنجاتنا، وقفنا هنيهةً نراقب بانبهار ولأوّل مرة عن قرب المساحة الخضراء الساحرة من الملعب، كمؤمنٍ وصل لتوّه إلى الجنّة. وإذ برجلٍ طويلٍ أسمر يحمل عصا يهرولُ نحونا ينبح بضراوة كالمسعور:
- تعا لهون انت ويّاه ولا عرصات! داخلين تهريب مه؟
جمدنا في المكان مشدوهين. اقترب منّا ملوّحاً بعصاه وصاح بنبرةٍ تآمريّة غاضبة:
- يا بتدفعوا قيمة التذاكر كاملة، يا رح زتّكن خارج الملعب!
التفت رفاقي صوبي بنظراتٍ مستنجدة متسائلة عن الحلّ؟ أحسستُ بحنجرتي تنقبض من الخوف وبدأ صدغاي ينبضان بقوة. مددتُ يدي إلى جيبي وأخرجتُ ما تبقّى معي من نقود كانت حوالي نصف ليرة. قلت له وأنا على وشك البكاء:
- والله عمّو ما معنا غير هدول..
رمق كفّي بفرنكاته القليلة وهتف بخبث:
- شو بيطلعوا هدول ولاه؟
- حوالي نصّ ليرة..
- وأنتو ولا عرصات، شو معكن؟ سأل الرجل بوقاحة أصحابي.
وبأصوات متفرّقة متداخلة قالوا:
- والله عمّو ما معنا شي. رفيقنا دفع عنّا!
لبث لحظات ساكناً يتطلّع بوجوهنا بحقد، وسرعان ما انتزع ما بكفّي من فرنكات وقال لنا:
- رح سامحكُن هالمرّة. بس المرّة الجايي كل واحد فيكُن بجيب معه ربع ليرة. غير ربع ليرة السُّلُّم، مفهوم؟ وإلاّ أقسم بربّ العباد بسْلخ جلدْكن سلخ، وبشلحْكن برّا متل الكلاب. يالله لشوف انقلعوا من هون. يلعن أبوكن واحد يقول للتّاني..
ركضنا مبتعدين عنه نتطلّع إليه بأطراف أعيننا وجلين. وعندما وجدناه قد استدار لتلقّف النازلين الجدد، شعرنا بالأمان. وبدأنا نقفز بمهارة لاعبي الجمباز ونصيح بابتهاج ونحن نتجه نحو الصفّ الأول من المقاعد. وجلسنا نتخاطف التعليقات والضحكات بانتظار بدء المباراة.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوّلُ أجرٍ أتقاضاه
- فأر الحقل
- مع عدم الموافقة!
- خطاب رسمي
- من ذكريات «الزمن الجميل!»
- روسيا وتركيا و«الكباش» المعلن والمخفي
- أوَّلُ مهمّةٍ حزبيّة
- هل روسيا «الأمّ الرؤوم» لأصدقائها؟
- سورية إلى أين؟!
- هل الحلفاء أخوة؟!
- «القرضاوي» والمسيحية
- مرةً أخرى عن العلمانية
- ذَكَرُ العجل
- دوامُ الحال، من المُحال..
- المنشور
- جاري والدكتورة
- قراءة في «بالخلاص يا شباب!»
- قراءة موجزة في «زمن مستعمل»
- «العمى»
- «الانفجار السوري الكبير»


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - الملعبُ البلديّ والسُّلُّمُ الخشبيّ