أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظفر النواب - حالة عشق لاوجاع آدم حاتم














المزيد.....

حالة عشق لاوجاع آدم حاتم


مظفر النواب

الحوار المتمدن-العدد: 6383 - 2019 / 10 / 18 - 09:52
المحور: الادب والفن
    








** عن الشاعر العراقي المرحوم آدم حاتم **




مقدمة:
كان حزن آدم يتغير مع تغير المدن، يتألق كالأحجار الكريمة في ليل بغداد، يغدو نداءات طير وحشي في سماء مدينة افريقية، يستجدي كفقير بوذي ثمن تذكرة في شوارع أثينا، ولم يبخل بخيوط حبره الرقيقة على كوفية فلسطيني مقاتل، وحين استقر به المقام في الشام زارته كل الخمارات والمقاهي والصيدليات، وكان له تاريخ من الحزن، في مقهى الروضة عاش غربته بالطول خمراً وبالعرض دخاناً، وانحنى عوده في الثلاثين تحت وطأة الهم، وأخيراً فقد الأمل...سحب خيوطه من الدنيا ووضع حداً لحياته ليبقى حياً.




إهدأ
لا يطرق بابك في الليل سواك
لا شيء سوى الريح
الريح المجنونة
تعبث بالأوراق هناك
ضع معطفك الصوفي على كاهل حزنك
تأنق بالصمت سنخرج للتشييع الأزلي
فآدم مات
وبقيت وحيدا
تذهب للمقهى بعد الآن بلا ثقة بالدنيا
تضج بعينيك خفافيش السنوات
تنعى آدم أم تنعى نفسك أم تنعاهم؟
ما دمت كبيراً يا قلبي ندفنهم فيك بأحلى الظلمات
شربوا الحانات وآدم غادرها
حشد فراشات يتبع حشد فراشات
كان يدبه أحياناً كان عليه تدب الطرقات
ذهبوا الآن الى الماضي
لم يبق سوى الشرفة والشارع
يذرف آخر موتى هذا الليل
وجو الشام مطير
وبقايا طائرة من ورق
تشبه أحلام المرحوم ممزقة
رغم الوحل تكاد تطير
آدم..كان إذا اجتاز ثلاثة أرباع القنينة
يصبح مثل دمى الأطفال صغير
ويمارس بالوهم هوايته
ينزل سحاب السروال ويركض خلف الدوريات
يحيي الممنوعات خوات الليل
وقد يحلم بامرأة ساخنة
خرجت للتو من التنور الكوني
ويهمس في خجل..
سيدتي لا أملك غير الأرض سرير
سيدتي ان سرير الأرض مريح
ولقد يمضي الليل يفتش عن قن دجاج
ليمارس عادته السرية للدفء
كفانا وطناً
نهق الوحشة تتوهمهم

تركوا الأيام وجاؤوك من الأمس
تخادع نفسك أنهم الآن وراء الباب
يصيخون السمع لدمعك
الخدعة واضحة والعالم يمطر
والموت مريح وصريح
أوراق النعوة تركض في الشارع
والحبر المرحوم على المرحومين يسيح
ما من أحد في مقهى الروضة
غبر كراسي الأمس و مخلوقات الأمس وأشياء الأمس
ولم يتغير شيء حتى آدم لم يتغير بالموت كثير
"خذ جرعة مازوت"
بدأ التشييع..جحافل صمت خلف النعش
وأمن مراقبة النشطين من الأموات
وثمة من يسأل: ماذا ترك المرحوم؟
جرائد بعض الأحزاب
لتسجية الوقت بحل الألغاز
هنالك حزب يشبه لغز الموت
وآدم كان إذا جاشت غربته
لا يطلب إلا بضعة ليرات
فالبرد عريض والحزن طويل
حاول أن يتطلع من شق التابوت
غطاء التابوت ثقيل
ولقد كاد يشف به التابوت
لكثرة ما فيه من الرقة
صار الموت للطف محياه جميل
والآن هو الشفاف الأزلي
يسير بكل شوارع بغداد
ويكتب ما شاء على الحيطان
وليس تراه الحشرات الليلية
يخرج برقيات الهجرة يلصقها للزينة
يضحك لا يقصد إلا والله اللهو
فإن السلطة لا تسقط
بعض الأحزاب يكافح من أجل
سقوط الشعب وتوزيع التركات
ثم تعاوده الوحشة
يهتف من مقهى "حسن العجمي"
ويطلب آدم...آدم يطلب آدم
صمتٌ...
ويقال له ترك المقهى قبل قليل
وسيبتدأ التشييع الهزلي فآدم مات
قيل له استلقى في التابوت
ولم يتغير شيء
قهقه...حتى غادر شفافيته لثوان
رصدته الأنواء الجوية
آن لآدم أن يتوحد
أن يرتاح
استأجر إحدى سيارات الأجرة
كي يصل الشام قبيل الدفن
سيحتاج لبعض الوقت لتوديع "فريدي"
وكبار السكيرين ومخلوقات المرجة في الليل
لقد كان يحب خصوصية هذه المخلوقات
يبحث في طيات الكفن الشاحب عن ربعية خمر
خبأها لليوم الأول في مملكة الظلمات
قبل الرحلة لا بد يهاتف بغداد
ولكن ما من أحد
همهم..سيدتي كتب الحزن على كل عراقي
ودنا الموكب من حفرة آدم
شاهد حفرته..تفحصها
لا بأس
لقد بات أخيراً يملك حجرة نوم
وطناً.. حجراً يتوسده
وغطاءاً من برد الشارع
يطعم عينيه الدود ولا يطعمها أجهزة الأمن
يحدق فيمن جاء من الصحب يشيعه
ينزل في القبر بكل هدوء
يسحب عدة جرعات
للنوم لآلاف السنوات
ويوارب آخر دمعة حزن
يمسحها بالكفن المتهريء
غادر آدم دنياه
وحد لها عدة مرات
وتسيل الدمعة خضراء
هي الماضي..
هي الأم...
هي الحب..
هي العائلة المشغولة والصحب..
هي الحرمان..
هي الشعب..
يهال تراب الشام على أجمل
وجه يحمل أوجاع بلاد النهرين
ويغفو...
آدم يغفو بعد سنين
الوجه جميل القسمات حزين
والشرفة فارغة
سمار الأيام المرة
ما عاد هنالك من يجمعهم
والليل طويل
فالليل طويل جداً يا آدم
جد طويل
الهاتف عاد يرن بمقهى الروضة
ما من أحد يرفعه
بغداد على الطرف الآخر
لم تلق سوى الروضة
عنواناً للميت آدم
في أي دليل
سيدتي...
صار لنا أكثر من مقبرة في الغربة
والسلطة من أفضال الله علينا باقية
والحزن جميل



#مظفر_النواب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواء تأخر لكنه مواء ..
- جزر الملح ..
- في انتظار يوم حزين ..
- العودة إلى الرحم المكتظ بالنفسج ...
- المعلم ذو المحضر السمكي ..
- لماذا العراق ؟! ..
- ليل أم موكب موتى ؟!..
- نهر النفايات
- تقرير لمن يهمه الأمر
- من نافذتي ..
- رباعيات الصمت الجميل ومايليه ..
- لم يات ..
- موجز العاشرة ..
- تعرت سريرا
- أنا الصمت ..
- ثقب السلم
- صفر العمر
- تشييع جنازة فذائي
- مقعدي الخشبي
- تصوف ..


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظفر النواب - حالة عشق لاوجاع آدم حاتم