أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظفر النواب - المعلم ذو المحضر السمكي ..















المزيد.....


المعلم ذو المحضر السمكي ..


مظفر النواب

الحوار المتمدن-العدد: 6373 - 2019 / 10 / 8 - 05:43
المحور: الادب والفن
    





قصيدة المُعلم ذو المحضر السَمَكي..
--------------------------------------------مظفر النواب .







ألا أيُّها اليَأس
يا مُثقَلاً بالغَرائِز
سُمّاً عَلى شَفَتيَّ امتَقع
ألا أيُّها الزَبد الأرجوان الثَقيل
عَلى شَفَةِ المُلحِدين
بكل القبائل فلتَرتَفِع
هذه رايَةُ الحَدسِ
لا الواهِمة
إننا أمَّةٌ نائمة
على شاطئ الهَجرِ وَحدي
كثيرُ الإشاراتِ للسُفُن العربية
يا هارِبين
ألفُّ عُروق عُيوني
على ما تَرَكتُم
مِنَ التضحِيات الرَخيصَة
والخَزَف الأُمَويِّ المُهَشَّم
والطُرقاتُ المَليئَةُ بالليل
لا أَتَبَرأ مِنكُم
فأُمي هي النَخلةُ الحالمة
وأمي هي الأنهُر الحالمة
وأمي التي عَلَّمَتني
على الصَبرِ
آنئِذن عَلَّمَتني
على الجُملةالحاسِمة
أيا وطني البدَويَّ
نِساؤكَ مَنهوبَةٌ
ويُباهي رِجالُكَ
بعد الهزيمَةِ ليلاً بأَعضائهم
ولهم خُطَبٌ مِن زمان الأَباعِرِ
في كل يومٍ
فتلك هي القصَّةُ القاصمة
ألا أَيُّها اليأسُ
يا سيِّدَ المَوقِف
الآن إعصف
أُعانِقُ روحك
أُقَبّلُ أَقدامَكَ المُتعَبات
من الأدعاءات
والوَرَم الثَورَويِّ
ودُعرِ السياسة بين الجيوب
وبين الحُلوق لِتَعطس
سَفين التَفَرّدِ واللامُبالاة
ها قادِمة
تَمَرّد..فهذي الشَراذِم
يا مُبتَلىً بالشَراذِم
إما مُساوِمَةٌ
أو على وَعيِها نادِمة
تمرَّد..فَإنّ السكاكينَ سيّان
حامية الحَزّ أو ناعِمة
قَوافلُ أجدادِنا
تَحملُ الوطن العَربيَّ
إلى مكة قادمة
ومكَّة بيعَت على دُفُعاتٍ
فأين قُريشُ
تُعيدُ لنا الحَجَر الوَحدَويّ
فنحن بدون الحِجارة
ليست تَقومُ لنا قائمة
ألا أَيُّها الزَبَدُ الأرجوانُ
سفينة حُزني التي قادمة
ولستُ لِأحتاجَ ريحاً
ولا أيّ أشرِعَةٍ
فالشِراعُ الوحيدُ
صُراخُ سُكوتي
بأقصى القَبائل
يا وسَخاً ...يا قَبائل..يا نائمين
وأَبلَغُ مَن صاحَ صَمتٌ
لقَد أَطعَمَتنا الحُكوماتُ
ألسُنَنا ثُمّ آذانِنا
ثُمَّ قامت تُؤَذِّنُ
للحَربِ بالواهِمة
وإنّ العدوَّ على فرسَخَين
مِنَ العاصمة
وطَهرانُ أيضاً
على فَرسَخين
مِنَ العاصِمة
كَتَبنا المَكاسِب
والجُمَلَ العَنتَريةَ
فوق المَيادين
ثمَّ أقتَرَبنا
فطارت رؤوسٌ
وطارت أكفٌ
وطارت أراضٍ
وأخشى تطيرُ
بنا العاصِمة
ولم يبقَ إلّا
بأن يُكتَبُ القَبر
ضِمنَ المكاسِب
في القائِمة
أُذَكِّرُكُم أن بين البيوت
التي تَسكنون
وبين جُيوش العَدوِّ
ولا فَرسَخينِ ولا يَحزَنون
على فَرسَخٍ مِن هُنا
تُذبَحُ الدورُ مِن وَجهِها
والشبابيكُ تُبنى
وَهَمهَمَةُ الطُرُقات
ومَدَّ صَغيرٌ لِدَبابةٍ
جوعَ كَفَّيهِ
فَليَخجَل اللهُ
مِن خَير ما أَخرَجَت يَدُه
إننا أُمَّةٌ نائمة
ألا يا أَعاريبُ
يا نَسَبي في التَثاؤُبِ
يا مِلَّةً كل شِبرٍ لها حاكِمٌ
وَحِمَت أُمُّه
عُملَةً أَجنبية في يَومِه
ثُمَّ قامَت ولمَّا تَزل واحِمة
ألا أَينَ تلك الفُؤوس
التي تَحفِرُ اللّحد
أَعمَقُ مِن كل لحدٍ
فما عُدتُ أَحتَمِلُ اللهو
َإنّ هذا الضجيج
يُثيرالأَسى والدَعارةَ فيَّ
وما عادَ في الأَرضِ نَزلٌ
أُسَمّيهِ بعد الهزيمة بيتي
وكل الذئاب أستَفاقَت نَهَشَتني
وأَعجَزَها أَنّ لحميَ
يَحمِلُ عَثرةَ صَوتي
وكل الذئاب استَفاقَت
ففي أَيّ صُبحٍ سَأُعدَمُ رَمياً ؟
وأَيُّ السكاكين
في خِفيَةٍ تُشحَذُ الأن ؟
تَلمسني فجأة
في الظَلامِ المُشَجَّرِ
بالصَمت واللوز والعندليب
وأَيُّ طُقوسٍ ذئابِيةٍ
سَتُقامُ على جثتي
في العَشاءِ الرهيب
لعلك يا موتُ يا موتُ
والحرسُ القَبَلِيُّ سيَقتادني
في الدُروبِ الكئيبةِ
تبقى حبيبي
ألا تَسمَعون الصُداحَ الحزين
على شجر اللوز ؟
تِلكُم إذاً ساعتي
غير أني ولستُ أَخافُ
وأَسمَعُ صوتَ الذين
مَضوا مِن هُنا واثِقين
وأَقرأُ حيثُ رَمَوهُم
عواصفَ لمَّا تَزَل غائِمة
ألا أَيُّها الغُرباءُ
تعالوا نُكَوِّن جَيشاً مِن الغُرَباءِ
ونجتاحُ إحدى الحدائِق
في الليل
نُخرِجُ أَحزاننا الغاضِبة
فعَمّا قَريب تُؤجَّرُ كل الحَدائق
للوطنِ الذَهَبيِّ
ونُذبَحُ مِثل البَهائِم
في غَفلَةٍ مِن طُقوسٍ مُزَوَّرةٍ
إننا أُمَّةٌ حَمَّلَت رَبّها عِبئَها
واستَشاطَت لأصنامِها غاضِبة
أَشِر أَيُُها اليأسُ
أن تَخرَسَ المُديَةَ الكاذِبة
لأَسمَعُ جيلاً
سيبصِقُ فوق مَقابِرِنا
كلّكُم واحداً واحداً جبناء
ورِثنا الهَزائِمَ مِنكُم تَقاليد
والخوفَ واللغةَ الناعِبة
لقد ذَبُلَت نَجمَةُ الصُبح
إنّ المدافعَ نائِمَةٌ في النَدى
مرحباً يا مدافع
والجُندُ يتَثائَبون
في الصمتِ
يا مرحَباً سَيطولُ التَثاؤُبُ
والبرتقالُ الحزينُ يُصدَّر
شُمّوا على البُعدِ يافا
فأَنتم لأَجبَنُ
مِن أَن تكونوا هناك
وأَجبَن مِن أَن تكونوا هُنا
فَنِصفٌ رِجالٌ إلى نِصفِهِم
ثُمَّ نِصفٌ عَلى نِصفهِم مُخبِرين
ونِصفُ الذين إلى نِصفِهِم
مَركَسوا نَفسَهم
بكتابٍ إلى اللهِ يَشكو
فأَين الرِجالُ؟
على البُعدِ شُمُوا
لَقَد يَعبِقُ البرتقال
وحتى عَلى البُعدِ
أَنفاسُكُم سوفَ تُحصى
على ورق الرز والآلة الحاسبة
هنا أَو هنالك لا فرق
إلّا بنوع الحروف
ولسنا سوى أَحرف غاضبة
أَعوذُ بنهر الفُرات
وأَغسِلُ كفّي فيه
وسوف أُصلي
صلاة الجنازةِ فَوقي
فإني أُحارِبُ جيشاً خفياً
بِهذي المدينة
وإني لَأعجَبُ مِما أَرى
مِن سَكينة
وأعجَبُ مِن بَقَرٍ
وضَعوا كل أَخلاقِهم
ومبادِئهم
في البنوكِ رهينة
وأوحَشُ ما قد لَقيتُ
الذين على غُربَةٍ
ورَّمَت كَبِدي
يحسُدونَ اصطِباري
فوالله لولا المجاذيفُ مكسورةٌ
ما تَرَكتُ عَلى الأَرضِ
هذي السَفينة
إلهي أَعِنِّي
لِأَهزِمَ هذي المجاذيفَ
من قَبلِ أَن يَهِنَ العَظمُ منّي
ويَكسِرني الحِملُ
إني أُعاهِدُ وجهَكَ
ألّا أَعودَ ليابِسَةٍ
يُمتَطى الناسُ فيها حَميراً
وأَهلكَ في عِزَّةٍ
في ضَبابِ المُحيطِ
المُغِبِّ الرهيب
أَحِنُّ إلى جُزرٍ
ليس فيها زمانٌ
ولا كَهرُباءُ
أَحِنُّ إلى جُزُرٍ
ليس فيها ذِئابٌ
ولا كَهرباءُ
وليس تَخاف العصافيرُ
إن عَصَفَ الليلُ فيها
وجاءت جميعُ المحيطاتُ
في حُضنِها
ويَعَضُ المَساءُ
بِرفقٍ ككلبٍ أَمينٍ
وفي ريحِها يَتَمَرَّغُ
عُشبُ السماوات
والصَدَفُ الذَهّبِي
ولا يُقتل الوجهُ فيها
بِذُلِّ السُؤال
ولا ساسَةٌ تفَلوا كل آمالِهِم
ثُمّ جاءوا يبيعون
كل فَرزاتِهم للفقير إلى الله
هذا الذي واقِفٌ
تَحتَ أَنظارِكُم
لقد حَضَنَتني السياسةُ
سُخطاً عليَّ
تُريني الرِضى
فقُلتُ تَغافل
وصَعِّر لها الكَعبَ
يا سيدي كبرياءً
وإن حَرَّقَتكَ بِجَمر الغَضى
وقُلتُ تَحَمَّل شتاءَ المخانيث
لا بُدَّ يوماً يَشِبُّ اللظى
وإذاك سوف تَفِرُّ بِجيفَتِها
في الظلامِ الذئابُ
ويركبُ بَعضٌ عَلى بَعضهِ
في اللهيب الذُباب
وشِرذِمَةٌ مِن رِجالٍ لها ذَنَبٌ
سَتَعُض شَراذِمَ أُخرى لها ذَنَبٌ
أَيُّ كَشفٍ وأَيُّ حِسابٍ
ولا بُدَ يوماً
وإن أَجَّلوه الحِساب
ستَكشِفُ سَيِّئَةٌ أُختَها
فاشتِموا الآن خَلفي
وطوبى لِمَن قيلَ فيهم
لأجلِ السِلاحِ السُباب
وطوبى لِمن قيلَ فيهم
لأجل الجِياع السُبابُ
وطوبى لِمن قيل فيهم
لأجل الذي لا يُقال السُباب
أَنا الشَّعبُ
لم تَتّسِخ راحتاي
بمالٍ حَرام
مُساوَمَةً رَغمَ
ما حاوَلَتني الحُكوماتُ
والواعِداتُ الحِلاب
ولولا بِأَنك يا وطني
قَد أَشَرتَ
إنتمي ما انتَمَيتُ
ففي الروحِ مِمّا انتمت فِطرة
فِتيةٌ وانتِساب
ولولا بِأَنَّك يا وَطَني (والسُكوتُ مُرادٌ هُنا)
ما تَفَرَّدتُ واستَفرَدَتني الذئاب
أنا الشَعبُ
أَكبَر مِما تَظُنُّ الظُنون
وما تَحسِبُ الحاسِباتُ الدَقيقَةُ طُرَّاً
وأَملِكُ كل السفائِنِ في البحر
أَعرِفُها مَركباً مَركباً
صارِياً صارِياً
لوحةً لوحةً
أَعرفُ الخَشَبَ المُتَسَوِّسَ
والخشبَ الصَلدَ
والخشبَ المُتَحَجِّر
أعلى القوانينَ اسمي
وأعتى الأعاصيرِ صوتي
ولا أُخدَعُ
لقد أَسمَعُ البيعَ والشَّتمَ
والصمتَ خَلف الستائِرِ
أسمَعُ كل التَآمُرِ حَولي
وأبدو كأَني لا أَسمَعُ
ولكن هي الساعَةُ
الأضيَق الأوسَعُ
وحتى إذا ما اكفَهَرَّت
أكون الإله الحَقود
الذي يُرسِلُ البرق والموتَ
والسيلَ واللاجئينَ
وألوي رِقاب الحُكوماتِ
أَو أَقطَعُ
أنا الشعبُ
منذُ الخَليقَةِ
أُملي العُصور
التي سوف تأتي
وقد أُخطئُ السطر
في زَحمَة الخَلق والإضطرابات
لكنني الشَعبُ لا أَفزَع
أحِنُّ إلى جُزرٍ
ليس فيها
سوى السفنِ المُبتَلاة
بشوقِ البحارِ
ودَفّتُها بَيرقٌ أخضر
للطحالب والليل
فالبحرُ ذو زمنٍ واحد
يَتَدوزَن بالمَوج ليلاً
ويَعزِفُ عاصِفةً
نورَساً...فَرَساً... ساحلاً
وصنوجاً...يُعبئ كل الغُيوب
وأَمسحُ غَدارتي
والخُمول الذي فوق روحي
فتلك طقوس الحروب
إلهيَّةٌ موجة الليل
تَنشُبُ في اللحم
أَنيابَها اللؤلؤيةَ
ثُمَّ تَدورُ بِيَ العُمقَ حُلماً
وتَقذِفُ بي في نجوم الجنوب
أَشمّ النُجومَ
لها عَبَقٌ لا يُقاوَم
ثُمَّ أَعودُ إلى مركبي
مُثقَلاً بالنُدوب
وأوقِدُ قِنديلَ زيتٍ
يُزَقزِق في البحر والليل
ما زال مُستَرسلاً في النَحيب
ويَحضرُني باب توما
بكل النُهودِ
التي لم تَكن مِن نصيبي
سأذهب أَرجِعُ
أذهبُ أَرجِعُ
أذهب أرجِع
بين نهدين مِن زَوجَي كناري
ونهدين فَحلين
مِن أشرَف العَندليب
وأَمسَحُ غَدَّارَتي
والخُمول الذي فوق روحي
فتلك طُقوسُ الحُروب
أَيا بابَ توما
أُحِبُ دمشقَ
ولكن دمشق تُعامِلُ أَحبابَها
كالبضاعة
حتى زمانَ الخُطوب
حَمَلنا السلاح نُدافِعُ عنها
فنحن بَنو عَمّها ورَضعنا سَوِياً
وفي الحُبِ تورِقُ بَعضُ الذُنوب
غَبيٌ هو الحُب
إن لم تكن فيه بعضُ الذُنوب
وأغبى الذي سَيَلومُ مُجاهَرَتي
فأنا عاشِقٌ...وليَكن
ها هُما مِعصَماي
لمَن سَيُفَكِرُ أن يَضَع
القَيدَ حَولَهُما
طالَما قُيِّدا وتَحمَّلتُ
بغداد قد قَيَّدتني
ثلاث وعشرين عاماً
وطهرانُ قد جَلَدتني
وما زالَ نَهرُ السِياطِ بظهري
يفيضُ بِأوجاعِهِ كل ليلٍ
وبيروتُ قَد أَوصَدَت
بابَها المَصرِفيّ بِوَجهي
دمشقُ تقول أَن أُسكت
سأَخلَعُ نَعليَّ
مثلَ الفرزدَق في باب توما
وأَجلسُ في ضِلعِ مقهى
وأحصي البَطالةَ والخوف
والمُخبِرين بما فيهُمو
باعةُ اليانصيبِ
لعلَّك يا موتُ
والحَرَسُ القَبَلي سيَقتادُني
في الدُروب الكئيبة
تبقى حبيبي
سلاماً شبابيك أَحلى المَدائنِ طُرَّاً
أَمَا في الشَبابيكِ أُنثى
تُطَرّي الفرَزدَقَ ؟
وهو يستغرقُ الدور
عَلَّ النِحافَ الصَبايا
يُسَلِّمنَ قبل الدَبيب
لعلَّكَ يا مَوتُ
تبقى حبيبي
سأَجلِسُ مِثلَ الفرَزدَقَ
في ضِلعِ مَقهى
وما بين كل تَثاؤُبَتين
أَخوضُ بِعنوانِ
إحدى الجَرائدِ كُفراً
فليسَ هُنالكَ
غيرالعناوينِ والإنحلال
وشُمُّوا على البُعدِ يافا
فقد غَيَّرَت وَجنَتيها الليالي
وشُمُّوا فهذا ضَجيجُ البَواخرِ
يدعوا بكل اللغات
حنانيننا أَيُّها العربُ القَذِرون
متى تنتهي شُحنَة البرتقال
لكم حُلوةٌ أنهم يَشتُمون
وكمْ حُلوةٌ أَننا.. أننا
وأَقبَلَ الليلُ
والتف حول المآذن
كل السَنى
وعادت قَوافلُنا
بالهزيمَةِ بعد العَنا
فأَنتم وأنتُم لأَجبنُ
من أن تكونوا هناك
وأَجبنُ من أن تكونوا هُنا
أَحِنُّ إلى جُزرٍ
تَنفُثُ الريحُ فيها هُمومي
وتغسِلُ ثانِيَةً
فَرَحي الدُنيوي
وأَرقُصُ في ساحَةِ الجنس
عريانَ بين نساء
يُضَمِّخُهُنَّ التأَجُجُ
والحيَوانُ المُثارُ
وفي الصُبحِ أَذهَبُ للنبعِ
مندمجاً بالمياه الفتية
لا إثمَ فيّ فليسَ هُنالك
في جُزر الطيرِ إثمٌ
وفي كل شِعبٍ وفي كُلِ وادٍ
أُحَيّي الينابيعَ
في زمن الشمس
إنّ الينابيع إخوتُنا
وأَقتات مِن حَلبِ ماعِزةٍ
بعد أنْ يَشبَعَ الجَديُ
يا أَيُّها الجَديُ
ذو النَظَرات الحزينةِ
من شِدّةِ الرَضعِ والإلتِذاذ
وأَفرحُ ألتَذُّ
ألتَذُّ.. ألتَذُّ
ألتَذُّ كالجَديِ... أرضَعُ
كالجَديِ.. كالجَديِ
أَقفِزُ كل الحضارة
كل السواقي
أُصبِحُ جزءًا مِنَ الأَرض
جزءًا مِن الأَبجَديّة
في واسِعِ الكون
تلك النجومُ المنكبّة
في الضوء بُرجي
وتلك السواحلُ لا تنتهي
والقواربُ جاءَت
مِن الغَيبِ منصِتةً
للمُعَلِّمِ ذو الحاجبَينِ
المَشبوبينِ بالشَيبِ
والفَرحِ البحري
ولونُ المِياه البعيدة
ما زال في شَفتيه
وأَسألُ أَهلَ القَوارب
إن وَجدوا أَيَّ معنىً
لهذي الخَليقَة في البحرِ
لم أَلتَفِت أيَّ مَعنىً على البرِّ
غيرَ الشَتائِمِ
والمالِ والإضطراب
ونحنُ بِشَكلٍ وآخَر
نَحمِلُ عُمرَ التُراب
ونَحنُ مع الكَونِ نَغرَمُ
منذُ مَتى هَرِمَ الكَونُ
لكِنَه مُتَصابي
تبَسَّمَ لي المَحضرُ السَمَكِيُّ
وقال
تعال هُنا
أَيُّها الولدُ الفَظّ والشَّهمُ
مثلَ بِلادكَ
واقرأ كِتابي
ففي الماءِ أكتُب
بالماءِ أَمحو
وبِالماءِ للسافِلينَ جوابي
ولستُ أُحَرِّفُ يا ولدي
إنَّ ذلك كُفرٌ بِأُمِّ الكتاب
وقال تَعلَّم مِنَ البَحر
لا ينتهي البحرُ
إنّ الخَلائقَ تُصطادُ بالطُعمِ
والطُعم قاذورَةٌ
دودَة عَفَن.. غايَةٌ
إحذَر الطُعمَ إحذَر
لقد قُلتُ إحذَر
وأكرر إحذَر
وإنَّ الحُروفَ الطَرِيَةَ طُعمٌ
لقد قُلتُ إحذَر
لقد قُلتُ إحذَر
فللسجنِ عَينٌ وللعين نابٌ
وفي النابِ كل الذئاب
لوى أُذُني بِحَنانٍ وقَرَّبَها
مثلَ آلةِ عزفٍ إلى شفتيه
وعَمّدني بحروفٍ
وقال تَعَلَّم مِنَ الريح
لا تَحفَظ الريحُ رائِحةً نَتِنَة
رغمَ كل القبور وكل الفَطائِس
والكَلِم النَتِن والإغتياب
وأجّل حينَ تنفََس نكهةَ حُزني
وأردَف هل جِئتَ مِن وَطنٍ ؟
قُلتُ تَعني حُدوداً ؟
فأُمَتُنا ليس تَسكنُ
إلّا الحُدود
وتُنقَل أُمَتُنا كُلُُها
حينَ يُنقَلُ خَطُّ الحُدود
ويا جسدي ما بين قلبي
وكفّي حُدود
وما بين رِجلٍ ورِجل حدود
لقد صيّروني حدوداً
أفاضَ المُعَلِّمُ
في صَمتِهِ البحري
وغَمَّسَ ريشَتهُ بدموعي
ودوَّن بعضَ الحُروف
بمَحضَرهِ السَمَكيُّ
وأَخفاهُ عني وعادَ لقارِبهِ
واختفى حتى الحِجاب
صرَختُ :
يا سَيدي المَحضرُ السَمَكيُّ
متى سَأَراك؟
تَلَفّتَ كل المُحيط
وقال تكونُ مُعلّم أَيضاً
إذا ما بَقيتَ مع البحرِ
واجتَزتَ عِلمَ الحِسابِ
يا أنت لا أنتَ بحرٌ
ولا أنت بحرٌ ولا أنت بَرُّ
ولا الريحُ تَملأ ثَوبَكَ
في كُلِ مُنعَرَجٍ جَبليٍ
وليست لديكَ سفينةُ
تَهوي الغُيومُ إليها
ويهمس طير
ها أَنت بينَ المَقاهي
وبين المكاتب والأغبياءِ
تُقلّبُ عَينَيكَ في حَيرَةٍ
والقُيودُ على قَدَميكَ
فَأينَ المَفرُّ ؟
وها أَنتَ تَجرعُ ما تَجرعُ
وحينَ تَقيئ
تجَرعُ ثانية ما تَقيأتَ
حتى يَقيئ بك المَوجُ
غريب يئستَ مِن البحر
تعِبت من الأدعياء
من الزَفِرينَ مِن الخلقِ
تغرِزُ رِجلَيكَ في طينَةِ الفُقَراءِ
ليَنبُتَ جذر لها بينهم
ثُمَ أَلمَحُ وَجهَكَ
بينَ الصُخورِ
وبينَ العصافير
مُستَعجِلاً لم يَزل
بعض طعم المَدينَةِ فيك
وعاداتِها السَيِّئاتِ
وإلّا فإن العصافيرَ
في فَرحِ الصُبحِ لا تسرِعُ
تَظنّ القَبائلَ قد خَدعتكَ
هُراءٌ
فَمن مِنكُما الأخدعُ ؟
عَليمٌ بَسيطٌ هو البحر
لا يَمنَع البحرُ شَيئاً
ولكنَّه القَلعَةُ الأمنَع
ولا يَأبه البَحرُ
حينَ تَهِرُّ المَدافعُ في وَجهِهِ
وتُقامُ الطُقوسُ
فما يُرجي
فما يَزال المُكون بالبَرقِ
أو يوقِف المَدّ مُنتَظِراً أحداً
أَو يُؤخِرُ وقتَ الرذاذِ
أيا أَوجُهاً لستُ أَرضى بها
نِصفَ نَعلٍ لهذا حِذائي
تَدُقُ الأسافين
بيني وبين انكِساريَ للبحر
إني سَفينَته المُشرئِبةَ
في الإنتماء
أنا مُنتمٍ منذ آدم لِلبحر
تَهلِكُ فيّ الأقاويلُ حَيرى
كَتَبتُ المَحبةَ والعُنفَ
إسماً على لَوح بابي
وفي البابِ لي مَلَكانِ
يَخُطانِ فيَّ التقارير
فإن لم أصفّي مع الخوف
في زَمن المُفلِسين حسابي
وبالأمس حَقَّقَ
حاكِمُ عُهرٍمعي
في العراق
فكان العراقُ جوابي
وما عُدتُ أَخشى
سِوى أَن يقول لِيَ البحرُ
أبحِر غداً
أيُّها النورس الكَهلُ
إنَّ جَناحَيك أوهَنُ مما تُكابِرُ
والريحُ مَجنونَةٌ وحشَةً
مثلما يَضرِب القطرَ
جنح الغراب
ورغمَ قِتالِك فيما مَضى
مِن عَواصِفَ
حتى تَتبع وجهكَ بالبرقِ
هذي العَواصِفُ أنتَ
وكل الجِهات اختَفَت من عليكَ
فمن كاشف ناجذيهِ
غسلت إنائي مرتين
ومن لاحسٍ قدميك
ويغري كل الذئاب
أرِح فقراتك
في غَفوة الشَمس
يا نورساً أتعَبته الرياح الدَنيئة
لا تترك الشّكَ
فممّ حزيناً من القمع
أنت مِن البحر
يا مُنتمٍ جهرةً للإله الوحيد
الذي إسمه الشَّعب
أو اسمه البَحرُ
أو اسمه الله
أو اسمه في السؤال
كما في الجَواب
ولستُ أُحَرِّفُ يا ولدي
إن ذلكَ كُفرٌ بِأُمِ الكتاب
ألا تَسمَعون الصُداحَ الحَزينَ
على شَجَرِ اللَوْز
والتين يقطر
من قطرات السحاب
إذ يستلقي
تلكم إذاً ساعتي
قَرُبت ساعتي
بينَ مَفرَزةِ الجُندِ أَمضي
يُتَوِجُني عَرَقٌ أبيَضٌ
والشَبابيكُ نائمَةٌ
وخُطى الجُندِ والمُخبِرينَ
وأسمع صَوتَ العَشيرةِ
أسمَعُ صَوتَ المُهودِ
مُبارَكة دوحةُ الحُب
قد منحتنا المواليد
واللحظات القليلة والمُطمئنةَ
ما بين أطفالِنا
ها أنا موشِكٌ
أفتح الأربعين
بلا أي طفلٍ
وأسمعُ صوت المواليد
في فرحٍ أبويٍ أكيد
ويدفعُني الحَرس القَبَليُ
بكَعب البنادِق
أصعدُ مُكابَرةً
فَرَسا.. فَرَساً
ليت أَن المَدينة تَستيقِظ الآن
كم موحِشٌ أن أسيرَ إلى الموتِ
دون عيونٍ عراقيةٍ
في الشَبابيك
تضحكُ واثِقَةً
من خلال الدُموعِ السَخية
والقَهر
أن نهارَ غَدٍ بَلشَفيٌ
وبعد غَدٍ وهي تمطِرُ
في الصبح
تغسِلُ الشجرَ الشارِعيَ
تكونُ الحُكوماتُ
زالت مِن الجَذر
وارتَفعَ العَلم الأُمَمي
على دَولة الأرضِ
إذ ذاك ترتاحُ
في ظُلمةِ القبرِ كلُ عظامي
أنام يا منتمٍ فطرة
للإله الوحيد
ولكن يا سيدي المحضر السمكيّ
أحن إلى جزرٍ
ليس فيها زمان ولا كهرباء
وبالحِسِّ والحُبِّ
روحي تُضاء.



#مظفر_النواب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا العراق ؟! ..
- ليل أم موكب موتى ؟!..
- نهر النفايات
- تقرير لمن يهمه الأمر
- من نافذتي ..
- رباعيات الصمت الجميل ومايليه ..
- لم يات ..
- موجز العاشرة ..
- تعرت سريرا
- أنا الصمت ..
- ثقب السلم
- صفر العمر
- تشييع جنازة فذائي
- مقعدي الخشبي
- تصوف ..
- كتابات بنفسجية
- تصوف
- من الرباعيات .. حيرة
- ثلاث لقطات كاميرا خفية
- مقدمة حزينة


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظفر النواب - المعلم ذو المحضر السمكي ..