!!..سوق للمقاومة

توفيق الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 1552 - 2006 / 5 / 16 - 17:47
المحور: القضية الفلسطينية
    

خرجت من المسجد والتقطت مع الذين التقطوا وكما تعودنا بعد صلاة الجمعة ‏منشورا صادرا عن أحد أجنحة المقاومة الفلسطينية المعروفة .‏
الأمر حتى اللحظة عادي جدا ولا يستحق الذكر ولكن غير العادي والمذهل كان ‏عندما قرأت مضمون المنشور وهو باختصار يؤكد تفريغ أكثر من 13000 شخصا ‏من الصناديد المستقومين على كادر المقاومة بينما في الحقيقة وبعد الحصر والتدقيق ‏تبين أن عدد الذين ينضوون تحت المقاومة الفعالة فعلا لايتجاوز ال2500 بمعنى أن ‏‏80% من المسجلين تحت بند النضال والمقاومة ليسوا أكثر من كوادر ‏بطالة..ويسترزقون زورا وبهتانا باسم أشرف وأنبل ظاهرة..!!‏

هذه المعلومات ان صدقت - وأنا أرجح ذلك بناء على المعطيات الملموسة من حولي ‏‏–فهي تعطي لصورة الفساد بعدا جديد ذا معنى وتؤكد بما لايدع مجالا للشك ان كل ‏شيء مهما كانت قدسيته وجلت قيمته بات قابلا للتجارة والاسترزاق..‏
فالمقاومة بهذا الشكل أصبحت سلعة ومجالا للكسب وسوقا رائجا لمن يسحبون ‏القرش من العيون المغمضة..!!‏

أنا لم أستغرب ما كان في الماضي من تفصيل للمقاومة على مقاس البترو دولار
ولكنى أستغرب الان وفي ظروفنا الاقتصادية الصعبة أن يقوم نفر بنشل ما نتسوله ‏من الأمم الأخرى تحت أقدس المسميات وأطهرها.‏
وكأنه لايكفي أن هناك بالامس واليوم من تسلق المقاومة الى الاضواء والمناصب
مكتفيا بتأبين لائق لشهيد..أو بتعليل راقص لضرورات المرحلة..!!‏
والأنكى من ذلك أن يافطات كبيرة لطالما أرعدت وزمجرت وتغنت بالمقاومة لم ‏تطلق رصاصة واحدة منذ أكثر من عام..!!‏
يا الهي..‏
كم من الخطايا ترتكب باسمك وباسم الدرة اليتيمة التي خرجنا بها من مخيم ‏الشاطىء الى الكرامة فالوحدات فتل الزعتر فبيروت فالانتفاضتين..!!‏
وكم من البطولات التي درست لنا في كتاتيب النضال الثوري ..تبين بعد خراب ‏مالطة أنها كانت في معظمها مجرد تخاريف زائفة..!!‏
وتسألني نفسي..ماذا تبقى لكم..أذا تحولت المقاومة الى بطالة مقنعة ‏وشعارها..ثورة..ثورة حتى آخر الشهر..؟!!‏
ماذا تبقى لكم..اذا أضحت المقاومة وهي عنوان وجودنا عنوانا مألوفا للفساد ‏والافساد..؟!!‏
نعم ..‏
ان كون المقاومة الفلسطينية أشرف وأنبل ظاهرة في التاريخ البشري الحديث لاينفي ‏انها كانت في كثير من الاحيان مخترقة ومستهدفة من الصديق قبل العدو وتفتقر الى ‏قيادة مؤهلة والدليل على ذلك سقوط الكثير من رموزها غيلة وغدرا وتصفية ‏حسابات..!!‏

لقد كانت نقطة ضعف المقاومة الفلسطينية انها لم تركز على بناء الانسان الفلسطيني ‏في الداخل والشتات بناء يعتمد على القيم بقدر ماركزت على كيفية الطخ حسب ‏المعادلات والتحالفات وأهواء واجتهادات لا تستند الى استراتيجيةوانما تنزلق في ‏بعض الحالات الى صراعات ونزاعات نحن في غنى عنها من منطلق المصلحة ‏الوطنية
بل والاكثر من ذلك انها كانت مجالا لاسترزاق الحيتان من تجار السلاح كبارهم ‏وصغارهم، وكانت أحيانا جزء من لعبة المصالح بين المنظمة والدول العربية ‏وماجرى لنا في عمان ولبنان لم يكن الا بسبب اختلال مأساوي في هذه اللعبة . ‏

ان استنزاف ما مقداره 5 مليون دولار شهريا من قوت الشعب الفلسطيني لصالح ‏مقاومة على الورق ماهو الا خيانة وطنية بكل معنى الكلمة لاتقبل التبرير ولا ‏التهوين..!!‏
واذا كان هذا الهدر في مقاومة فصيل واحد فكم كان ويكون الهدر والنزف في ‏مقاومة الفصائل كلها..؟!!‏
وكم كان ثمن فساد ادارة مؤسسات الوطن وفساد ذمم بعض المسئولين..على مدار ‏عمر الثورة؟!! ‏
وللان أسأل نفسي عن العلاقة مثلا بين مقاومة شعب وشراء مزارع في أفريقيا أو ‏مصانع في أوروبا..!!‏



كثيرة هي الحكايات عن فساد كان وربمالازال موجودا ويعلن عن نفسه دون مواربة
أحد الكبارمثلا وهو مدير في احدى المؤسسات الرسمية كان يكلف الوطن "فكة" ‏‏200 ألف دولارشهريا..!!‏
وأحد الصغار يكلف الوطن مبلغا تافها يعادل 20 ألف شيكل قيمة مكالمات دولية ‏لاحبابه وخاصته في الخارج..!!‏
أما أحدث فوازير الفساد فتسأل : كيف جمع رئيس قسم في احدى الوزارات ‏مليوووووون دولار في ثلا ث سنوات مع ان راتبه لايتجاوز 600دولار..؟!!‏

الفضائح لاتنتهي..والرائحة تنبىء عن تفسخ ذممي وحتى تاريخه لم نسمع عن اعتقال ‏حوت أو ديناصور والاغرب من ذلك انك أحيانا تقرأ أو تستمع لفاسد يتحدث بحماس ‏شديدعن محاربة الفساد..!!‏
الى هذا الحد تختلط عليناالادوار وتضيع الحقيقة ولابد من وقفة شجاعة وسريعة أمام ‏مافيا الفساد مهما كان ابوها..حتى ولو كان أبو مازن نفسه ..!!مع اني أنزه الرجل ‏واحترمه لنظافة يده رغم براجماتيته التى لا أحبها .‏

اني أعتقد ان أبا مازن يقف بقدراته عند باب التمنيات ولا يستطيع لاسباب عديدة ‏التقدم أكثر باتجاه الممكنات ولربما يستطيع القادمون ممن استبدلوا أكفان الجهاد بحلل ‏السلطة أن يفعلوا شيئا ..!!‏
والمقدمات التي نراها بعيدا عن العواطف والشعارات الخضراء أو الصفراء في ‏سيناريو الحصار الاقتصادي والمالي حتى الان توحي الى حد ما بالنهايات فبرنامج ‏زيد يختلف عن برنامج عبيد ولن تسير القافلة برأسين مختلفين في اتجاهين ‏متناقضين..وبالتالي فاني أعتقد ان الاضعف سيترك الحلبة بعد محطة أو محطتين .‏
وأتمنى أن تخيب الاحداث القادمة ظنى..!!‏

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل