أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية حكيم لباي ج9















المزيد.....


رواية حكيم لباي ج9


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6347 - 2019 / 9 / 10 - 05:54
المحور: الادب والفن
    


في وسط هذه المعمعة والصراع تحدث أحيانا أن تخترق الصدفة وحدها سيرورة الحدث لتزيد من حدة الصراع وتشعل نارا جديدة أو تنجح في المساعدة على إطفاء الحرائق... نعم الصدفة وحدها جاءت بمواطن من أهل لباي كان قد خرج منذ وقت مبكر مع أول اشتداد الأزمة وقبل أن يرحل الكاهن عن مدينة الرب المقدسة، كان ذلك ساناي أحد معارف خادم المعبد وقد يكون قريبه، فهو من رواد المعبد القدامى الذين لم يفارقوه لأسباب كثيرة، أول ما وصل أراد أن يتأكد مما لديه من مفاجأة من العيار الثقيل فلم يذهب إلى مكان أخر توجه فورا صوب المعبد... كانت المفاجأة أمامه أقوى مما كان يظن أنها ستهز المدينة..... لا يوجد أحد في المعبد وهذا أوان الصلوات والترانيم.... لا أحد فيه غير خادمه المسكين وحيدا يؤدي صلواته بخشوع ويكلم ربه.
ما إن أنتهى أو يكاد حتى هجم ساناي على قريبه بسيل من الأسئلة حتى نسي أن يؤدي التحية المعتادة، فرح الخادم به أيما فرح خاصة وأنه من بقية من بقي من عائلته ولم يكن في البلدة سواهم من أقرباء....
_ على مهلك دعني أختم صلواتي فأمامنا وقت طويل للحديث يا ساناي...
_ ولكن أخي أنا غير مصدق أين الناس أين هم عن الرب هذا وقت الصلوات والترانيم ... لمَ لم يحضر أحد؟ ما هذا الذي أراه في بلدة الرب؟؟؟؟ ماذا حدث أقسم بالرب عليك .... كنت على عجل من أمري أن أصل ولم أخطط للعودة أصلا حتى أكتشفت ما يغضب الرب فعدت ورجلي تسابق نظري كب أرى أسوار المدينة...
_ مهلا ها قد أنهيت كل شيء والآن حدثني أيها المارق كيف لك أن تترك مدينة أباءك وقد كنت مؤمنا دوما أن المصير لا يقرره إلا رب لباي ماذا حدث حتى تختفي سرا وتعود سرا....
_ دعك عن أسباب ذهابي وأسمع أسباب عودتي ففيها ما يشيب الرأس وقد يغضب ذلك ربنا الذي لم يعد يسمعنا كما في الأول.....
_ هات ما عندك فأذاني متحفزة تماما لتسمع....
_ أولا سأسأل عن سيادة الكاهن هل هو هنا ؟....
_ وما يفرق إن كان هنا أو في غير مكان كلمني عن سر عودتك..... أولا...
_ كل الأسرار ستكتشف لو كان ما جئت به صحيحا أو مجرد خطأ في التصور والتشبيه....
_ قل يا هذا الرجل غادر المدينة من أشهر والكل هنا ينتظر إطلالته مجددا.... فالموت حصد ما حصد فكلف الحاكم سيادة الكاهن الأكبر بمهمة إنقاذ بلدة الرب من مصيرها المجهول...
_ الآن يا قريبي سأقول...
_ قل سريعا فقد أبلغتني النصب وأنت تدور وتدور حول سرك ولا تتكلم؟؟؟
_ نعم .... أتعرف (سانجاي) مدينة الآلهة الثلاث...
_ بالتأكيد أعرفها فقد خاضت كل حروبها معنا ولم تنجح في هزيمتنا إلا أنها دمرت جزءا من السور قريبا من البحر حتى أنها حاولت أن تغزونا من البحر فلم تنجح وتحالف مع مدن كثيرة لكن الرب نصرنا عليهم....
_ السيد الكاهن الأكبر الآن في سانجاي يعيش مترفا وقد نوع ثوب الرب عنه... لقد عرفته وعرفت من معه من الحرس المقدس... وسألت بشكل متخفي عنه قيل لي أنه أصلا من مدينة سانجاي ومن حاشية حاكم المدينة الآن كما كان أبوه وجده من قبل.
_ هل أنت في كامل وعيك أيها المخبول كيف يكون الكاهن الأعظم في سانجاي مكرما معززا وهو الذي كان يدعو الرب دوما أن ينصرنا عليها... أخبرني هل تناولت شيئا في الطريق أذهب عقلك .... هذا كان بأختيار الرب وإرادته ...
_ يا قريبي تعرف أني أمهر من يحفر الآبار المائية في هذه المنطقة وعموم جيرانها.... قد عملت أشهرا في سانجاي دون أن يعرف هويتي أحد حتى تم أستدعائي ذات يوم لحفر بئر في حديقة تعد حديثا... رأيت كليم الرب كاهننا الأكبر هناك... لم تكن حديقة مما نعرف بل أشبه بالجنة طولا وعرضا.... بقيت أياما عدة حتى تأكدت تماما أن الرجل وصل حديثا لهناك وأشترى أملاكا وضياعا كثيرة وأشترى كثيرا من الجواري.
_ أتعرف أنت همن تتحدث؟..
_ بالطبع يا قريبي عن كاهننا الأكبر....
_ عليك أن تبتلع لسانك فورا ولا تتكلم بالموضوع أبدا حتى أأذن لك.... قد يكون كلامك هذا هو السيف الذي ستذبح به .... هل وصلك تحذيري أيها الغبي.... حسنا فعلت أنك جئت فورا إلى عندي وإلا لو سمعك أحد قد تدفن أنت وسرك تحت أحجار السور حتى لا يجرؤ أحد أن يمس سيادة الكاهن الأكبر بكلام سيء.
_ ولكن كلامي ليس سيئا أنا أتكلم الحقيقة كما هي دون تزويق أو تضليل...
_ الناس لا تحب مواجهة الحقيقة لأنها مرة ومؤلمه تستمع بالوهم لأنه لا يكلفها شيء فقط أنها يرمي بها نحو الهلاك من حيث لا يعلمون.
طلب خادم المعبد من قريبه أن يبقى معه في المعبد مقيما حتى يجد مكانا ليعيش فيه إن أراد، أخبره الضيف أن إقامته ستكون قصيرة جدا حتى يستريح من السفر ثم يعود لعمله هناك، لا شيء لديه هنا فقد أراد فقط أن يبلغ أهالي بلدته عما جرى فهو من عشاق لباي وربها الكريم، كان وقع هذا الكلام مناسبا للخادم وبذلك يمكنه أن يحتفظ بالسر معهما طالما أنه تحت نظره وسيعلم كل شيء مباشرة، هيأ له غرفة نظيفة من غرف حرس الكاهن المتروكة، كما هيأ له طعاما يأكله وطلب منه أن يرتاح جيدا وأن لا يحاول الخروج من المعبد إلا بأذنه.
تأكد خادم المعبد بأن قريبه أستسلم للنوم متعبا ومرهقا من السغر حتى غادر المكان متوجها إلى بيت الحكيم داريو ليقص عليه ما سمع وما أخبره به ضيفه المفاجئ، الغريب أن الحكيم لم يكن مندهشا ولم يكن الأمر مستغربا عنده وقابله ببرود....
_ أرى السيد الحكيم غير مبال بالقصة ولا مهتم أصلا بها.
_ لا يا صديقي الأمر فعلا غير مستغرب فأنا أول من عر ذلك وأعلم تفاصيل أكثر منها لكن المشكلة أن لا أحد سيصدقني أو حتى يمنحني أذنه لسماعها، الكل مفتون بالكاهن وإيمانه وهو كليم الرب والناطق باسمه، هل تظن أحد من شعب لباي يمكنه أن يسمعك.
_ ولكن يا سيدي أن تكون لك هواجس وشكوك غير أن يكون معك الدليل الجازم؟.....
_ وما قيمة الدليل إذا كان الناس لا تؤمن بأصل القضية وهو على أستعداد لمحاربة الرب لو ظهر علنا وقال لهم كل الحكاية.
_ إنك سيدي الحكيم عبئا أخر كيف لي أن أتصرف الآن.
_ عليك كما قلت لصاحبك أن تبتلع لسانك ولا تثرثر حتى تتهيأ أسباب الحديث عندها قد نجد من يصدق.
_ وعلى ما تريد سيدي الحكيم داريو وهل ستخبر ذيلام بذلك؟
_ نعم ولكن بطريقتي الخاصة أنت فقط عليك أن تحافظ على السر من أن يخرج من صومعته والباقي يساعدنا الرب عليه...
أشبه بالخائب خرج الخادم من دار السيد داريو مقتنعا بجزء من الكلام ومستغربا كيف له أن يعلم الكثير عن سيده الكائن وهو لا يعلم إلا ما أعلنه قبل فترة للسيدة والسيد ذيلام، قرر أن يتوجه لدار سليلة ويخبرها بما حدث لعل لديها أمر أخر، المشكلة أنه لا يريد أن يقرب من تلك الدار فقد تكون عيون جواسيس الشرطة ترصد المكان أو يتهم بشيء لم يفعله ولا مرة في حياته، ليس من سبيل إلا أن يبعث طارقا من المارة يطرق عليها الباب ويخبرها أنه في أنتظارها في المعبد وهذا ما حصل فعلا.
حل الصباح على دار الحاكم وما زال الرجل ممددا في سريره وعائلته تستكشف الأمر طبيبه الخاص الذي حضر باكرا وقد جهز له دواء ينتظر أن يصحو من نومته ليلده منه، تكلم السيد ذيلام مع الطبيب حول نوع من الشراب معروف يعيد للمريض جزءا مهما من وعيه وبدأ يشرح له مصدره، كانت المفاجأة أن الطبيب قد أعد نفس الدواء ومن ذات العشبة التي ذكرها الحكيم داريو، زادت ثقة الرجل بمعلمه وعلمه وقال أن الرجل فعلا حكيم ويعرف في الطب كما يعرف بالحكمة إنه لا يقول شيئا إلا ومعه دليل يزرع ثقته ويقينيته برجاحة عقله وعلمه.
كانت فكرة ذيلام التي خطرت له مع الحديث مع الطبيب لماذا لم نستفيد من هذه العشبة الطبية هنا ونجعل منها بابا من أبواب أقتصاد البلدة، هناك الكثير منها ينمو في لباي ويمكن حتى زراعتها والإكثار منها بدل أن تترك الأراضي تموت هنا لقلة المطر وضعف الأرض وإهمال إصلاحها، سأبدا بذلك حتما حين ينهض أبي من مرضه سأجعل من أرض لباي منجما يدر ذهبا على أهلها، من الهين أن تجد من يكون مستعدا لهذه الفكر فأكثر الفلاحين اليوم معطلين ومتعطلين من العمل والأرض بحاجة لخدمة، سأكلم الحكيم في مشروعي القادم وسأنتظر أن نبدأ معا.
وصلت السيدة سليلة إلى المعبد باكرة تستفهم عن الأمر الجلل الذي جعل الخادم أن يبعث لها ليلا، قد يكون هناك أمر ما.... من المؤكد أن شيئا حدث أو قد سيحدث في هذه الأثناء لا بد أن يكون مهما، باشرت بتنظيف المكان وإشعال الشموع كما كانت تفعل ذلك قبلا وهي طفلة صغيرة تقربا من الرب، جاء الخادم ومعه ضيفه الذي تفاجأ بوجود السيدة سليلة مستغربا كيف تدخل هذه السيدة المكان ومن سمح لها أن تدنس مكان الرب، نظرة بنظرة أستغراب في وجه قريبه الذي أمره بالصمت وأنه سيعلم كل الموضوع لاحقا.
_ أهلا بالسيدة سليلة وأنا اعتذر أن أفزعتك ليل أمس ولكن هناك ما يستحق أن تعلمي به.
_ لا عليك وكأني أعرف الرجل أليس هو السيد سانجاي قريب الذي ترك المدينة منذ زمن...
_ نعم أنه هو بلحمه وشحمه ودمه جاء في أمر غريب مساء الأمس، ولولا أن حراس البوابة يعرفوه جيدا ما سمح له أحد أن يدخل المدينة بتاتا.
_ نعم حاول بعض الحراس منعي ولكنني أخبرتهم من أكون فتعرف البعض منهم علي وسمح لي بالدخول.
_ هكذا إذا مرت عليهم مشكلة الدخول ولكن يا سيدي أتذكر جيدا أنك كنت من أمهر من يكتشف أبار المياه ويستخرجها بكل مهارة..... قد يكون الرب بعثك لتفعل ما يساعد البلدة على أسترداد عافيتها فالمطر أبى أن يحل ضيفا علينا وقد يبست الأشجار ولم يعد أحد يزرع شيئا.
_ لا ليس هذا قصدي ولا في نيتي... إنما جئت لأمر أخر.
_ سيدتي سأكلمك عن أمر أخر لا يعرف به هنا إلا ثلاثة أنا والسيد سانجاي قريبي والحكيم داريو... إنه كلام لا نود أن يكون خارجنا نحن الأربعة الآن.
_ تفضل فإذناي طرقها الكثير من الأسرار هذه الأيام.
_ وما تسمعينه الآن من ضيفي سيحطم أخر الطرق التي يمكن أن نعذر عقولنا من أن نستوعبها.
_ يا سانجاي السيدة وأنا والحكيم داريو والسيد ذيلام ابن حاكم المدينة نعمل على إصلاح حال مدينة الرب وتعاهدنا أن نبذل كل شيء من أجل أن تنهض من جديد قبل أن يبتلعنا الموت، الكثير من شعب لباي المقدسة أخذه الهلاك وصار طعاما للدود والكلاب أو أبتلعته الأرض دون رحمة، حتى جبانة المدينة لم يعد فيها من متسع للمزيد، لا تعلم ماذا حل بنا بعدك.... والجميع ينتظر عودة الكاهن الأكبر لعله يأتينا بحل.
_ الآن توضحت الأمور قريبي ولن يكون الأمر علي هين ولكنني أبت لباي وعلي ما عليكم أقسم بالرب على ذلك.
تكلم سانجاي بكل ما عرف عن الكاهن وما جرى من أجل ذلك وتركه للعمل المثمر في بلدة الأعداء مدينة الآلهة الثلاث، وقد عزم زيادة في اليقين أن يخبر البلدة عما شاهد وسمع ولكن قريبه منعه من الكلام وحذره من ذلك وهو ممتثل لما قال، المشكلة يا سيدتي أن هناك كلاما قد لا يكون دقيقا جدا أنهم يعدون العدة لفعل شيء ما ضد مدينة الرب وها أنا بين أيديكم أسمع وأطيع.
كانت السيدة بين مندهشة ذاهلة وبين أن ما سمعته من قبل يجري في سياق واحد.... أن من جعل الكاهن الأكبر يتحكم بالمدينة ومصيرها ليس الرب ولا حتى أهل لباي، إنهم أعدائها أعداء الحياة، لكن المصيبة الكبرى أن الكلام لو تأكد فإن المدينة ستكون عاجزة عن الدفاع عن نفسها في هذا الوضع المنكسر، حتى العسكر الذي يدافعون عنها مشتتين منهم من سحقه الجوع والمرض ومنهم من تحول إلى خدمة وحراسة السادة الكبار.... أه يا مدينتي العزيزة لا حياة لي وأنا أراك مريضة مقعدة لا تملكين شيئا من أمرك ... سنتوسل للرب أن يرينا الطريق الأصوب وأن يحمي مدينته المقدسة.
في بيت الحاكم الأمور تبدو شبه مستقرة فقد نهض الحاكم من سريره مستغربا حالة القلق والحيرة البادية على وجوه الحاضرين، كان يظن أنه أصابته وعكة صحية خفيفة وأن الأمر لا يستحف كل هذا القلق والحيرة، تناول فطوره وأستعد للحديث مع نجله خاصة وأن أثر الدواء الذي لده الطبيب به قد بدأ يعطي ثماره، إنصرف الطبيب بعد أن تأكد من صحة الحاكم أنها مطمئنة وأن من الضروري جدا أن يأخذ هذا الدواء بأنتظام حتى يعود كما كان فالمدينة بحاجة له وعليه أن يتصرف بقوة.
دخل الحاكم وأبنه في قاعة الأجتماع ولم يسمح لأحد أن يقترب حتى من الباب ولا حتى السيدة زوجته، كان الأمر أشبه بخلوة وقد طال أمدها دون أن يعرف أحدا بالقصر ما يدور تحت، بذل الشاب ذيلام كل جهده بالدفاع عن موقفه ولكن الحاكم أراد أن يختبر ولده من خلال الحوار الطويل أنه قادر على أن يفعل شيئا خاصة وأن ما وصله من كلام شيخ التجار وصاحب الشرطة مساء الأمس أثار هواجسه من أن الرجلين لديهما خطة قد تزيح ذيلام من مكانته ويستولي أحدهم على المنصب، أخيرا أتفقا معا على خطة من ثلاث نقاط تبدأ الأولى بدعوة مجلس الشيوخ للانعقاد مساء هذا اليوم ليشرح الحاكم موقفه من كل ما يجري، وطلب من ولده أن يتصرف وكأنه لا يعلم شيئا.
هذا أنتصار أخر لذيلام وقد يكون أنتصارا لمدينة لباي نفسها خاصة وأن السيد الشاب طلب من والده أن يذهب مباشرة للمعبد ليصلي ويشكر الرب على أنه أعاد الصحة لأبيه، تأكد الحاكم تماما أنه ولده مشروع مناسب لأن يكون حاكما جيدا لشعب الرب فهو مستقيم جدا وشجاع في الدفاع عن أفكاره ومستمع جيد وقادر على التفريق بين الأمور العامة والخاصة، أرسل الحاكم رسله إلى أعضاء مجلس الشيوخ وطلب منهم أن يكون الأجتماع هنا في داره لأسبابه الصحية، فيما خرج السيد ذيلام قاصدا الرب ومعبده كما أخبر والده بذلك.
ما أن هم السيد ذيلام بالدخول حتى وجد السيدة متهيأة للخروج منه فطلب منها البقاء للصلاة وتلاوة التراتيل والترانيم فقد نهض أبوه سالما من المرض، أعتذرت السيدة عن البقاء وقد أمضت الصباح كله هنا وعليها أن تتنظف فقد شاركت في تنظيف المعبد والأعتناء به، طلب منها أن تعود بأعتباره الآن صار نائبا للحاكم ومتولي أمر العسكر والشرطة وله كل صلاحيات الحاكم حتى إشعار أخر، سمع خادم المعبد والسيد سانجاي الأمر وبدت الفرحة على محيا الجميع، ثم عادت وأعتذرت من حماقتها تلك، ودخل الجميع إلى المعبد وطلب من حارسه الشخصي أن يذهب إلى دار الحكيم داريو ليقيم فيهم الصلوات فهو أحق من غيره بذلك.
أجواء الخريف التي أظهرت كتلا من الغيوم في سماء لباي أنعشت أمال الكثيرين بأن موسم الأمطار هذا العام سيكون قريبا منهم إذا بقيت الأحوال هكذا، لباي صحيح أنها مدينة كبيرة ومترامية الأطراف لكنها تتنفس حياتها من المطر فهو سر بقاءها وسر عظمتها فقد كانت من قبل تخزن الغلات في صوامعها موسم على أخر، فلم تشكو من مجاعة ولم تشعر يوما بحاجة إلى حفر بئر أو البحث عن ماء للشرب، فماؤها قريب والجبال القريبة كانت تزودها بكل ما تحتاج له من سقاية، الآن الناس تتعلق قلوبها في السماء بانتظار أن يأذن الرب لها أن تسقيهم الغيث والغياث.
حضر السيد الحكيم سريعا إلى المعبد وهو لا يعلم ما لذي يجري في الداخل وما هو المطلوب منه على وجه التحديد، قام الجميع لتحيته ورأى أن علامات الرضا والفرحة في وجه الجميع فأستبشر،....
_ تقدم أيها الحكيم لتقيم الصلاة وتقرأ الترانيم فقد أشتاق الرب لسماع أصوات شعبه.
_ ولكني لست بكاهن ولا أريد أن أكون ناطقا للرب فهذا ليس من عقيدتي.
_ نعم ونحن معك... (قالها ذيلام)...
_ الفرق بين الكاهن والمعلم أن الأول يزرع الخوف والرعب في قلوب الناس بدعوى غضب الرب، أما المعلم فأنه يفتح الطريق لهم ليصلوا للرب ويسمعوا كلامه دون واسطة...
_ ولهذا أخترتك سيدي ومعلمي لتكون حكيم المعبد من هذا اليوم بأعتباري حاكم المدينة بالوكالة وسيصدر اليوم قرارا من مجلس الشيوخ بذلك.
_ الآن يستحق الرب أن نمجده طالما كشف لنا طريقا حقيقيا لنجدة شعبه.... هلموا بنا للقاء الرب.
بعد التمجيد والصلاة تكلم الجميع بكل ما لديهم وتعاهدوا أن لا يتركوا المدينة لغيرهم، أوصى الحكيم تلميذه أولا بمحاولة أعادة تنظيم العسكر والبدء بتجميعهم من جديد وأن يستخرجوا كل المال المخبأ في المعبد وخلف الحجارة ليكون مساعدا لهم في الإنفاق دون أن يعلموا أحد، طلب أيضا منه أن يدعوا الشباب العاطل عن العمل إلى أن يجتمعوا بعد أيام ليسمع منهم ويحدد ما يمكن أن يساعدهم في العمل....
الحكيم _ أظن أن المال الذي بين أيدينا سيساهم في تحريك الأحوال وعلى الأقل للفترة القادمة بأنتظار موسم الشتاء...
سانجاي _ أما أنا فسأعمل مع بعض الشباب على حفر مجموعة من الآبار هنا وهناك لعلنا نستطيع زراعة شيء يعين البلدة وسأبدأ من اليوم استكشاف الأماكن القريبة.
سليلة _أما أنا فسأتبرع بكل ما أملك من ذخيرة لتضاف إلى ما بين أيديكم لنجعل الرب يبارك لنا ويغمرنا برضاه.
ذيلام _ سيدي الحكيم هل ينفع الآن أن نبدأ بزراعة نبة الحياة البرية لنجعل منها تجارة تعيننا في بعض الأمر ومنها نستطيع أن نشجع الفلاحين على العودة للأرض.
الحكيم _ نعم يمكننا أن نبدأ المشروع فور ظهور الماء ... أنت تفكر عمليا فلا أح يعرف قيمة هذه العشبة ما تدر من مال.
خرج الجميع من المعبد بعد أن أدوا الصلوات والترانيم وعرف كل منهم ما عليه وماذا سيفعل، بقيت الأموال بعد أن تم إحصاؤها وعدها لدى الخادم في غرفة سرية من غرف المعبد ووضع السيد ذيلام حارسه الشخصي في بوابة المعبد على أن يبعث أشخاصا أخرين لمعاونته وهم الرقيب عليهم، هيأ الخادم غرفة للحرس قريبة من الباب وأعد لهم مستلزماتها، لم يبقى وقت طويل حتى انعقاد جلسة مجلس الشيوخ وأنتظار القرار لتسمع المدينة كلها بذلك.
ذهب خادم الجامع إلى خارج المدينة ليلتقي بالسيد حارس المقبرة ويسأله عكا يدور في البلدة، الرجل قبل أن يت إلى هنا كان أيضا من خدام المعبد ولكن الكاهن الأكبر طردته من الخدمة لسبب غير معلوم فجاء ليعيش مع الأموات ويخدمهم هنا، لقد تحدث الرجل بكل ما كان من أمر الكاهن وخاصة عندما طلب منه نقل بعض الرفات البشرية خارج المدينة، كدت أجن يا أخي ما الذي جاء ببقايا تلك الجثث إلى المعبد، لم يجب الكاهن على سؤالي وخيرني بين الخروج من المعبد أو الامتثال لأمره، عندها قررت أن أخرج نهائيا وأنا خالي من عقدة الضمير.
إلتئم شمل المجلس كاملا والحاكم يبدو لهم أكثر قوة وصحة من ذي قبل وبدأ بالتمهيد لخطاب أبنه الذي تفقا عليه من قبل، أخبر الجميع بأنه ولدواع الحفاظ على مدينة الرب وأحتراما لقدسية المدينة وحتى حين سيكون السيد ذيلام حاكما للمدينة يتمتع بكل الصلاحيات التي أحملها، وقبل ذلك أريد منكم جميعا أن تسمعوا له وتفهموا ما يريد ثم نصوت على القرار....
شاه بندر التجار _ولكن سيدي الحاكم مدينتنا تكن لك كل الاحترام والتقدير ونعرف حرصك وتفانيك لأجل خدمتها وهذا شيء مشرف يسجل لك ولتاريخك الذي سيكتب بمداد من ذهب، وبما أنك بخير وصحتك من بركات الرب أظن من واجبنا الحرص أن تبقى القائد والأب لشعب لباي مدينة الرب الواحد، ويكون السيد ذيلام مساعدك وولي عهدك، فنكسب بدل القائد قائدين شجاعين أب بخبرته وحكمته والأبن بعنفوانه وقوته.
الحاكم _ شكرا لك شيخ التجار وصديقي القديم إن من الحكمة لنا كحكام للبلد أن نختار لكل ظرف ما يناسبه فقد مر وقت طويل والمدينة تعيش مأساة ولم نستطع أن نفعل شيئا، الناس تموت وشعب الرب ينقرض، ماذا سنقول له؟ هل تقاعسنا عن العمل ؟ أم حرصنا على أموالنا أكثر من حرصنا على شعبه، أرجوكم أيها السادة أسمعوا كلامي فنحن بغير الشعب لا يمكن أن يحسب لنا حساب، لقد مات الكثيرون من أجل حماية المدينة من الغزاة وبنينا ثرواتنا بدمائهم، لا بد لنا أن نعطي شيئا لهم ولو لمرة واحدة حتى ننقذ سفينتنا من الغرق.... هل فهمتم ما أقول يا سادة؟...
صاحب الشرطة _ سيدي الحاكم أظن لا أحد منا سيعترض فأنت أب للمدينة وشعبها كما قال أخي شاه بندر التجار وما تقرره لا بد أنه صادر من حكمة وإلهام من الرب، فلنسمع كلمة السيد نائب الحاكم وولي عهده...
نظر شيخ التجار بمرارة نحو صاحب الشرطة وقد خذله مرة أخرى على ما أتفقا عليه من قبل، هذا الرجل كثير التقلب يجري وراء مصالحه الخاصة دون أن يفهم ما معنى أن يكون ذيلام حاكما للمدينة وهو لعبة بيد السيدة سليلة، ستشرب أيها اللئيم من نفس الكأس الذي أسقيتني إياه منذ قليل....



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية ح 8
- رواية حكيم لباي ج7
- كربلاء بين ذاكرة التاريخ وتأريخ الذاكرة
- رواية حكيم لباي ج6
- رواية حكيم لباي ج5
- رواية حكيم لباي ج4
- رواية حكيم لباي ج3
- رواية حكيم لباي ج2
- رواية حكيم لباي ج1
- قراءة دستورية في تركيب النظام التشريعي في الدستور العراقي.
- رواية (السوارية) ح8 _1
- رواية (السوارية) ح7 _2
- رواية (السوارية) ح7 _1
- رواية (السوارية) ح6
- رواية (السوارية) ح5 _2
- رواية (السوارية) ح5 _1
- رواية (السوارية) ح4 _2
- رواية (السوارية) ح4 _1
- رواية (السوارية) ح3 _2
- رواية (السوارية) ح3 _1


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية حكيم لباي ج9