أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية حكيم لباي ج1















المزيد.....

رواية حكيم لباي ج1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6341 - 2019 / 9 / 4 - 00:52
المحور: الادب والفن
    



في عام 1388 ميلادية وفي مدينة لباي على حدود البحر الأزرق الكبير حدثت مجاعة لم تشهدها البلدة المحاطة بالأسوار من جهاتها الثلاث وحولتها إلى مدفن أشباح تتحرك بصمت، حتى البحر لم يعد فيه ما يمكن أن يسد رمق القليل من شعبها فقد هاجرت الأسماك وحتى المتوحشة والتي لا تؤكل عادة كل شواطئها، السنة الثالثة على التوالي يخرج الفلاحون خارج أسوار المدينة يحرثوا الأرض ويتهيؤوا لفصل الشتاء علهم يظفرون بقطرات المطر تسقي ما نثر من قمح شح هو الأخر في مخازن المدينة، تأت الطيور لتلتقطه حبه بعد حبه ويمضي الموسم في جدب ويباب الناس ضجت بالدعاء وتكاثر بشكل مخيف طبقة المنجمون وأهل السحر والكهنة، إنه البلاء المقيت الذي لن يغادر لباي أبدا وكأن لعنة ما أصابت المدينة.
حاول بعض الفلاحين أن ينقلوا ماء البحر لسقي أشجار التين والزيتون والتفاح فقد جفت هي الأخرى ولم يعد هناك أمل في أن تثمر من جديد، المعابد التي كانت تعج بالمتعبدين والمصلين هي الأخرى خاوية من روادها فلا شيء يدعوهم لزيارتها من جديد فقد خذلهم الرب كما يقولون، كما خلت المدينة من معظم الحمير والخيل التي كانت وسيلتهم الوحيدة للتنقل خارج أسوارها منها من هلك والباقية يقال أن الأهالي يذبحونها خلال الليل لإطعام الجائعين سرا وعلنا، لباي مدينة مرعبة حقا الموت يدور بين أزقتها في كل لحضه يطرق أبواب بيوتها بدون موعد وأحيانا هناك من يدعوه للزيارة عن عمد وتقصد.
الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفعله الأهالي هو الأنتظار فقد أرسل حاكم المدينة الحكيم الأكبر في مهمة البحث عن حل عاجل فقد ضاق هو الأخر من الشحة في كل شيء، حتى هو أصابه الوهن والضعف الجسدي ولم يعد يقوى على حضور مجلسه الرسمي وقد أقفل من شهور، فلا زوار ولا ندماء يمكنهم أن يخففوا عن وطأة الحال والشدة التي عليها الناس، الحكيم الأكبر غادر منذ أشهر ومعه ما تبقى من خزنة المدينة ليشتري ما يمكن أن يتوفر في مكان أخر والمتوقع أنه لا يعود فقد أخطأ الحاكم أن سلمه تلك الأموال دون أن يضمن رجوعه إلى البلدة وهو ليس له فيها أحد لا عائلة ولا أقارب ولا حتى ما يخاف عليه في غيابه.
خارج الأسوار كانت جبانة الموتى تتوسع يوميا بزوارها الجدد وعندما نفذ ما لدى الناس ـصبح رمي الجثث فيها شيء معتاد فالأحياء أولى من الموتى بكل شيء، السيد تراي لاما الذي يسكن المقبرة وحيدا من سنين وحارسها القديم عجز عن دفن هذه الجثث وحتى دون مقابل، يجلس كل يوم صباحا ليرى ضحايا المأساة هنا وهناك فيقوم بتغطيتها بالتراب فقط حتى لا تتفسخ وتنتشر الروائح الكريهة أو تكون طعما للكلاب الجائعة التي تغلبت على حيلة السيد لاما فتقوم بنبش التراب وتأكل ما تصلها أنيابها فيعود مرة أخرى السيد الحارس ليغطي ما بقي منها، وهكذا تستمر لعبة الكلاب معه يوميا، لكنه أصر أن لا مجال لأن تعبث هذه الحيوانات القاسية بنظام المقبرة أو تنتصر عليه.
سليلة تلك السيدة التي كانت تدير ماخور سري في المدينة وتجمع حولها كل البغي ممن يطلبن ذلك ويسعين له تشكو حالها أيضا، فقد ولى زمنها الذهبي حينما كانت تملك كل شيء وبيدها كل شيء فما من رجل في المدينة إلا وله قصة معها ومع البغايا اللاتي كن تجارتها الفريدة، لا زبائن ولا أحد يطرق بابها أو يطلب خدمة خاصة ولا حتى واحدة من تلك العشرات المحيطات بها طوال اليوم عادت لتبحث عن فرصة لديها، الجميع منشغل في الدفاع عن حياته في مواجهة الزائر الثقيل الذي شرف المدينة منذ أشهر، لقد قتل فيها عصبها الحساس قبل أن يقتل فيها الناس، المال .... العمل..... الحاجة إلى بعض الرفاهية حتى لو بالمجان، يبدو أن إبليس قد هرب هو الأخر منها.
من بين الذين لم يقربهم حال المدينة ولا مأساتها السيد شاه خور برداي فقد بقي محتفظا بشيء من التوازن في حياته وأستطاع أن يتغلب على الأزمة دون خسائر تذكر، الكثير يتسأل عن سر ذلك لكنهم سرعان ما يتذكروا أن ساحرا مثل السيد برداي قد عرف ما سيحدث في المدينة وقد أعد لها عدتها، فقد غنم الكثير من المال حتى من حاكم المدينة ومن كل من يمر بأزمة يطرق بابه بحثا عن حل، من المؤكد أن ما لديه يكفي سنين طوال بل يكفي أخرين معه، الشيء الاخر المحير أن كثيرا من اللصوص حاولوا أن يستدلوا على خزائنه أو مكان النقود لديه وبرغم كل المحاولات الحثيثة لم يعثروا على شيء، خاف الكثير من الناس من وضع السيد شاه خور وظنوا أن الرجل ليس بساحر بل هو أكبر من ذلك بكثير، قد يكون وليا صالحا أو ربما صاحب قرب من الرب فلم يعد أحد يقرب داره ولم يفكر أحد أن يبحث عن غنيمة لديه.
كانت فكرة جهنمية تدور في ذهن رئيس الشرطة في المدينة لكنه يخشى أن يبوح بها للحاكم وهو يعلم أن ما يدور في عقله من أفكار قد تغضب سيده، لذا لاذ بالصمت منتظر حدث مهم قد يكون مفتاحا للبدء بتنفيذ خطته، حسه الوظيفي وخبرته الطويلة في تنظيم شؤون المدينة وضبط الأمن فيها توحي له أن هناك سرا يتحكم بما جرى ويجري وأن وراء السر لعنة سببها سحر ما أو فعل متعمد من شخص قادر على ذلك وبمهارة، كل الدلائل المتوفرة عند فيروزي صاحب الشرطة تلاحق الساحر أو حارس المقبرة أو السيدة سليلة.
ما ينقص الجميع هنا الشجاعة في مواجهة الواقع ربما لو أجتمعوا وناقشوا الأمر بجدية ودون مخاوف من أن يغضب أحدهم مما يطرح جعلت الجميع يغلق فمه عن حديث الحل، الفضائح ستكون سلاح الجميع ضد الجميع ولا من مستثنى بين الكبار ممن يحق لهم التكلم والقرار غير مدرج على قوائم الفاضحين، القانون الآن على الكل أن لا يفتحوا ملفات أحد فكل ملف سيفتح بعده عشرات الملفات المزعجة برغم الموت الذي يحصدهم كان الخوف من الفضيحة أشد وطأة منه.
في الأيام الأخيرة أصبحت ظاهرة غياب البعض أمرا ملفتا للنظر خاصة أولئك الذين يظهرون يوميا على مسرح الأحداث في لباي، قد يكون الموت نال منهم، ولكن مع كثرة من رحلوا فقد كان يعلن يوميا أسماء الراحلين أو توضع علامات أمام دورهم أو محل عملهم ليعرف الناس أن فلانا قد هلك، بعض المحلات أغلقت وبعض الدور أصبحت خالية من أهلها دون أن يعرف أحد متى خرج هؤلاء أو ما هو مصيرهم، خمن الكثيرون أن الهروب من المدينة قد يكون هو السبب الأكيد والحتمي وراء ذلك، لكن الجميع مؤمن وبقوة أن من يخرج من المدينة سيكون مصيره أتعس من البقاء فيها، وهذه نبوءة قديمة لا يمكن لأحد تكذيبها وقد روى التاريخ لهم عشرات القصص المؤكدة حول من جرب أن يخرج من قبل.
ذيلام الولد الوحيد للحاكم وصهر السيد فيروزي في أبنته ذات الوجه المشرق هو الأخر كان على شك يقرب من اليقين أن السكوت والصبر لا يجديان نفعا في مواجهة الموت الدوار، ولا بد من أن يفعل شيئا فقد يكون هو حاكم المدينة بين لحظة وأخرى، خاصة وأن والده لم تعد له الرغبة في تولي زمام الأمور في مدينة الموت والسقم، عليه أن يبحث عن حل وحتى مع أمله في عودة الكاهن الكبير، فقد كان الرجل شديد الكراهية له وعلى خلاف مستمر حتى في اعتراضه على زواجه من الحسناء ذات الوجه المشرق، كان الحكيم الأكبر يرى أن هذا الزواج سيجلب الشؤم على المدينة برمتها وقد يهلك ذيلام بسببها.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة دستورية في تركيب النظام التشريعي في الدستور العراقي.
- رواية (السوارية) ح8 _1
- رواية (السوارية) ح7 _2
- رواية (السوارية) ح7 _1
- رواية (السوارية) ح6
- رواية (السوارية) ح5 _2
- رواية (السوارية) ح5 _1
- رواية (السوارية) ح4 _2
- رواية (السوارية) ح4 _1
- رواية (السوارية) ح3 _2
- رواية (السوارية) ح3 _1
- أختلاجات في عرض الحقيقة
- رواية (السوارية) ح3
- رواية (السوارية) ح2 _2
- لعنة ال لو
- رواية (السوارية) ح2
- رواية (السوارية) ح1
- القانون بين وجوبية التطبيق ورغبة الخارجين عنه.
- العبودية وامتهان كرامة الإنسان
- هل لنا أن نجعل الدين ديمقراطيا في الواقع؟


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية حكيم لباي ج1