أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح1














المزيد.....

رواية (السوارية) ح1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6308 - 2019 / 8 / 2 - 20:50
المحور: الادب والفن
    


أفتتاحية الذاكرة
ذكرياتنا في الحياة تماما تشبه الماء بين شطي نهر لا يمل من الجريان ولا ينسى أن الوجود ما هو إلا بقاءنا أحياء، لذا لا تموت المدن التي نسكنها أو نمر فيها أو في جزء من حياتنا قد تشبهنا نحن بني الإنسان تولد وتنمو وتكبر ثم تصبح عروس او ثكلى لكنها لا تترك فينا إلا تاريخها المصفوف ذكريات في عمق ما نكسبه منها وفيها، الفرق أننا نكبر ونشيخ ونرحل أما هي تكبر وتتجمل لكنها تبقى على أناقتها وكأن الزمن يمنحها قوة مضاعفة حتى لو بنسبية ما، معظم المدن كانت حكايات صنعها الناس وأخرى مجرد قصص صنعتها هي لنا لنعيش وكأننا أولادها.
المدينة التي تنام وفي حضنها نهر أو تغفو وعلى ضفتي شط تمتد وكأنها تعاشر شريك عمرها الأبدي هي الأكثر حظا على أن تنشر الحب والسلام بين أبنائها وتستظهر فيه لغة الشعر كما تستظهر مياه (الدهلة) وجه الأرض بعد موسم قحط، دون أن تنقص من حظها في التبرج والتغنج كصبية تلفت نظر أترابها أنها مطلوبة للعشق والحب بلا حد ولا مدى، فكيف بمن توسدت نهرين على ذراعيها كأنها تتوسد الأب يمينا والأبن شمالا مزهوة باسمها ولا تبارح سريرها حتى لا توقظ النائمين من حولها.... إنها السوارية مدينة نحتها الماء قبل أن تكتبها دواوين السلطة بأنها مدينة تمنح الحياة لمن يعشق رائحة الطين والعنبر والتين على ذائقة حكايات لا تنتهي من حيث تبدأ.
الذكريات مكنونات عجيبة نامت في أذهاننا ولا تترك دواخلنا مثلها مثل الماء يجري بين جرفي أنهارنا حقيقة أو تشبيه، وفي كل مرة نرجع بها إلى تلك الأيام التي فرطت من بين أيدينا، نتذكر وجوه وأحداث ومواقف كنا نعتقد أنها خمدت ولم تعد تعط نارا فتشب للحظة وكأننا تجاوزنا الزمن، وعدنا بين لحظاتها شوقا وأحيانا لنستطعم بما فيها من سعادة أو ألم، النهر بالنسبة لي كان كائنا مجهولا أخاف اقتحامه للعمق أو حتى أبتعد عن جرفه لكنني أحبه... كيف لا أدري أنه جزء من ذلك الماضي الذي عشته في السوارية فتى غريب عن أهلها أو لأني أصلا لا أنتمي لطينها ولا لطيانها.
أترابي ممن ولدوا على أديمها أعترف أنهم أكثر شجاعة واجرأ مني في ممارسة لعبة القفز من على جسرها العالي دون خوف أو وجل، كانوا يعلمون أن السوارية لا تأكل أطفالها ولا تغرق من عجن من طينها، الغريب أني لم أحاول ولو مرة واحدة أن أقفر للماء، بل كنت مدمنا على السباحة بالــ (الكيش) أو قريبا من جرفها، وكل منجزي في ذلك الوقت أني ذهبت للربع وهي شاخصة الجسر التي يقف عليها من جهة المدينة، كان هناك ضلع مربع يربط بين أعمدة الشاخصة الأربع يجلس عليها البعض حين يشعر بالتعب من السباحة... كنت أتمنى أن أصل للـ (نص) ولو لمرة واحدة ولكن حكاية قديمة ما زالت لليوم وأنا على مشارف الستين تنقر في ذاكرة رأسي، كيف ضاع فيها (خالي نازك) تحت الماء ولم يرجع مرة أخرى ليكمل مشوار العبور للجهة الأخرى... حكاية سمعتها مرات ومرات ولدت كرها دفينا للماء، كما ولدت في داخلي مقتا للغدر... الماء غدار ولا يؤمن جانبه حين يكون طافحا وسريعا في شط السوارية.
هذا كله لا يمنعني أن أستلذ أحيانا بالسباحة قريبا من الجرف بعيدا عن (الهبنات) و (الدوارات) التي تلف ما تقترب منه أو تنزلق الأجساد نحوها، كنت أخشى أيضا من الأولاد السيئين حين يسرقوا الثياب من مكانها حين نودعها للنزل للشط، سرقوا مني دشداشتي البازه الجميلة مره فخشيت الذهاب للبيت لأنني أعرف ما ينتظرني هناك، رموا بتلك الثياب في بئر كان محفورا قريبا من الجرف يستخدم في أيام الصيهود لتبريد مكينة أل شلاش أو بقايا ما كان منها، البئر القديم مهجور وملئ بالزيت الأسود زيت المكائن الثقيلة، ليس بإمكاني إخراجها وليس بإمكاني لو أخرجتها أن تنظف من ذلك القرف الذي حولها إلى قطعة من السواد..... مضيت إلى الدار وقد حل الغروب لا أعرف كيف أبرر كل الذي حصل ووطنت نفسي لشيء أخشاه.
عندما أتممت الدراسة المتوسطة وقد أصبحت شابا يافعا لم يعد شط السوارية يستهويني أو حتى يغريني بالسباحة فيه، كنا ننظم مجموعات من الطلبة وأثناء فترة ما بعد الظهيرة نذهب إلى المسناة على كتف شط المشخاب الكبير قريبا من مشروع الماء، حيث تليق السباحة هناك للرجال فقط، لكن عقدة الخوف تلازمني من الذهاب بعيدا في وسط النهر، أيضا عقدة أن أقفز للماء كما يفعل غيري تصطدم بخشيتي من أن يرتطم رأسي بحجر أو شيء أخر مع أن لا أحد حدث معه ذلك، كنت أخاف (الرفش) أيضا أن يمسك بي ويسحبني إلى عمق الماء لأتحول إلى وجبة دسمة للكائنات التي تتخذ من عمق النهار ملاذا لها، لم أسمع ولم أرى رفشا أكل أحد قبلي... لكنه الخوف المتأصل في من حكاية خالي نازك.
لا أنسى تلك المشاهد المؤلمة لبعض الغرقى الذين أطاح بهم النهر في كل موسم تتجدد الحكاية، ولا أنسى حكايات البحث عنهم ومشاهد اللوعة من ذويهم وهم ينتظرون أن يطفوا غريقهم على وجه الماء بعد أن سلموا أن لا أمل بعودتهم أحياء، الفتى الذي مكث أربعة أيام في الماء ما زالت صورته لا تفارقني، فقد أمسكه عرق أحد الأشجار الممتدة داخل النهر من أن يذهب بعيدا أو يطفوا، صورته الشاحبة البيضاء توحي لي أن النهر قد يكون من مصاصي الدماء أيضا، أين ذهبت تلك الملامح السمراء التي صنعها لهيب الحرارة وكثرة السباحة فأسمرت ثم إبيضت.
الماء في النهاية حياة وموت وحياة تتجدد بذاتها تزرع الأمل كما تزرع الرب في عقول البعض، لم تكن عبارة أن الماء حياة دوما حقيقية بالنسبة لي، وكيف وهي المسؤولة عن خالي نازك وأخرين، وأيضا مسؤولة عن تشريد الكثيرين أيام الفيضانات ونحن نسمع من بعد نداءات الاستغاثة القادمة من بعيد (حيهم .... حيهم)، تلك التي تحبس أنفاسي وأتخيل مصير الفلاحين الفقراء الذين جرفت أكواخهم المبنية من حصير القصب (البواري) أو تلك القبب المبنية من طين الفرات الذي يذوب مع أول لقاء له مع الماء فينهدم ويتهدم وكأنه بيت عنكبوت.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القانون بين وجوبية التطبيق ورغبة الخارجين عنه.
- العبودية وامتهان كرامة الإنسان
- هل لنا أن نجعل الدين ديمقراطيا في الواقع؟
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج1
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج2
- أساليب النهج الكهنوتي في رسم دائرة الوعي الديني
- العقل الجمعي بين الوعي المختار وهوس الجماعة
- الحاجة الفعلية للديمقراطية وحصاد الربيع العربي
- الأستحمار الفكري والمعرفي وعلاقته بمفهوم العقل الجمعي
- نداء...إلى متظاهر في شوارع البصرة
- قانون التداولية والمطلق المحال....
- الديمقراطية التوافقية الإشكالية والمشكلة
- ((وجعلنا في التراب كل شيء))
- القراءة الإشكالية وإشكاليات القراءة في النص الديني
- الفكر التنويري بين العودة المشروطة وبين التخلي عن نقطة البدا ...
- بين الإلحاد واللا دينية مشتركات ومفاهيم مغلوطة
- الشعور الديني او مظهرية الدين في الذات الإنسانية
- ليس كل الشعر كلمات
- الإعلام العربي ومشكلة الوظيفة وإشكاليات السلطة
- الديمقراطية الواهمة ..... الديمقراطية الإسلامية....


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح1