أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح8 _1















المزيد.....

رواية (السوارية) ح8 _1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6332 - 2019 / 8 / 26 - 20:07
المحور: الادب والفن
    


شخصيات من السوارية
سيد ابو سويعية شخصية بسيطة حد التلاشي عميقة قد لا نفهم سر وجودها بيننا، جسد نحيف تبرز الأضلاع من بين الفتحة الواسعة للثوب الذي يرتديه (عدل) يحتزم عليه بحزام من قماش أخضر كعادة غالب السادة، ويعتمر السيدية الخضراء والصفراء على رأسه، حافي القدمين يسير والعكاز في يده اليمين ويقوده طفله الصغير، كان أعمى منذ أن رأيته أول مرة لا أعرف إن كان ولد هكذا أو فقد بصره لاحقا، موسعة في كل شيء، يحفظ القرآن عن ظهر قلب، نسابة لا يشق له غبار شاعر يحفظ عشرات الأنساب بمجرد ذكر اسم القبيلة أو العشيرة.
فنان في كل دروب السحر والروحانيات والعرفانيات تجتمع عليه الناس إن حل ضيفا في بيت من البيوت، لا تستغرب إن وجدت لديه جواب حاضر لكل سؤال غائب، برغم كل هذا فهو مصاب بالفقر المدقع المزمن لا يستعطي ولكن يقبل الهدايا والإكراميات بهذا العنوان يأبى الصدقة، لباسه هو صيفا هو شتاء، كثيرا ما أجده يعاني من البرد ويرتجف أيم الشتاء لكنه لا يلبس الجديد ولا ما يساعده على التوقي من البرد مهما أشتد، لا يأكل في بيت أحد لكنه يشارك ما يقدم له كضيف طاري (أستكان شاي) أو كعك أو أي شيء بسيط، شهدته وهو يعالج الأطفال الصغار بقراءة القرآن أو كتابة حرز ولا أفهم كيف يتير له كتابة ما يريد.
البركة تحل معه أينما وجد لكنه محروم منها أو يتجنبها لسبب ما أو لغرض ما، كان بوهيميا حد اللا معقول، طفله مثله تماما بعمر ست إلى سبع سنوات حافي القدمين يرتدي ثوبا باليا يعلوه الوسخ وكأنه متعايش على ذلك أو لأن لا أحد في بيتهم يعتني به، شخصية لليوم تظهر بين فترة وفترة على شاشة ذاكرتي تحاول أن تستفز مكنون الذكريات، حتى أني فكرت أن أرجع لكل من عايش تلك الفترة وعرف شيئا عن السيد أبو سويعية، أصله حياته معرفته بكل تلك المفردات من المعرفة التي كان يختزنها وكأن العالم الوحيد الذي يملك كل هذا الخزين، أختفى أو فقدت أثره بعد أن عدنا إلى مدينتي كربلاء لا أعرف كيف أنتهى به الأمر أو ماذا حل به وبعائلته التي كانت تسكن أطرف المدينة في بيت أشبه بزريبة منه إلى بيت بني آدم.
برغم فقره المدقع وبساطته المتناهية لكن لا أحد يجرؤ أن يمسه بسوء أو يستهزئ به أو بشكله العام، كان مع ذلك كله صاحب نكته وحضور ظريف أينما ما حل، دخل مرة إلى محل جدي للحلاقة فنزع السيدية وجلس على الكرسي مقابل المرأة التي لا يرها، وهذه المرة الوحيدة التي يتسنى ليفيها مراقبته عن قرب والبحث عن ما خلف هذه الشخصية المعلنة برغم من صغر سني ، ما إن أنتهى من حلاقة شعر رأسه بالموس ولحيته حتى بانت ملامح شخص أخر بحاجة إلى بعض التحسينات والتغيرات ليخرج كائنا أخر غير أو سويعية الذي يتنقل من مكان لمكان داخل السوارية ليلتقط ما يرزقه الله.
لم يكن الرجل صانع حدث وليس لها من السوارية إلا دار سكن ومع ذلك أستطاع أن يكون جزء منها من تاريخها ومن وجودها، الذي يظن أن القوة والمال والجاه يمكن أن يصنع الرجاب ويصنع التاريخ واهم، الكثير من هم في القاع وجودهم ضروري وحضورهم جزء من ذاكرة المدينة بالرغم من أنهم لا يملكون ما يملك غيرهم، الفقراء أحيانا كثيره هم روح المدينة عندما يتخلون عن الركض خلف الكبار وخلف من يملكون ولكن لا يصنعون شيئا إلا تضخيم ذاتهم، مثل الماء تماما بالرغم من أنه مباح وبلا ثمن لكنه يبقى هو الحياة وهو رمز البقاء.
الشخصية الثانية أيضا من قاع المجتمع ومن عصارة الظلم والإهمال والتفاوت في النظر إلى إنسانية البشر، إنها غفلة الدبية امرأة تجاوزت الأربعين من العمر ليس فيها أي مسحة من الجمال عاشت مع الجاموس كل حياتها، لا تعرف ما يعرفن النساء ولم تك يوما محط أهتمام، شأنها أن تركض خلف الحيوانات التي تربت معها في بيت أخيها ناهي الدبي في هامش صغير من حياتهم، كنت أظن وكما عرفتها أنها على شيء من عدم العقل أو الجنون الخفيف، لذا كانت تتعرض دائما للسخرية ليس من الصغار فقط بل حتى من نساء النزيزة.
غفلة وفي غفلة من الزمن تزوجت من نعيمة الرجل القصير الدميم الذي لا يملك حتى عائلة او أسم فقط حمار منهك يجر عربة تنوء من قدمها وتهالكها، صامت لا يتعاطى مع احد ولا يتكلم مع احد ليس له صديق ولا قريب غير حماره والعربة، لا يتوقع أحد أن يجد نعيمة غير غفلة ولا تجد غفلة غير نعيمة ليقترنا ببعض لعلهما فقط أن يكونا مع بعض، لا أمل غير أن يجتمعا ويجمعا فقر على فقر ومهمش على مهمشة وتنتهي الحكاية عند هذا الحد، في مجتمع مثل السوارية لا حل غير هذا ولا أمل أن تتغير الموازين طالما أننا ننظر للفرد من خارجه دون أن نرى حقه الأصلي في البقاء وأن يعيش وجوده المحض، كان زواج نعيمة وغفلة واحدة من الحكايات التي يتندر بها البعض أما استنكارا لها أو للتسلية والضحك، الإنسان في السوارية بني على ما بنيت عليه المدينة ما تملك وما خلفك وما تستطيع أما الهوية الإنسانية المجردة لا قيمة لها ولا تقدير بالرغم من كم هائل من مثل وقيم يتباهى بها البعض، قيم لا ترحم الإنسان ولكنها تقف بأجلال لما في جيبه أو على بدنه من مظاهر العز والجاه.
قد أكون أنا أول من أسعدته أخبار نعيمة وغفلة ليس لأني أقرب لهم أو أنحاز للفقراء وإن كنت صغيرا، ولكن ما اسعدني تلك الشجاعة التي تمتع بها الأثنان، أو قد تكون هناك قصة ما وراءها ولكنهما أثبتا بالرغم من كل التهميش والعزل والنظرة الدونية التي مارسها المجتمع ضدهم لكنهم فعلوا ما هو صحيح أو ما يجب أن يكون، رأيتهما أكثر من مرة بعد الاقتران لم يتغير فيهم شيء هي على ذات الملبس الذي ترتديه وكأنها تمارس مهنتها طوال اليوم بلا راحة ولا تغيير، ونعيمة كذلك لا يبدو أنه تغير فها هو كما رأيته أول مره بصمته الدائم وملامحه الكاملة وأن الأمر حدث في كوكب أخر.
ما ترسخ في ذهني مع قلة تجربتي وإدراكي في ذلك الوقت أن الفقراء يعيشون لغيرهم ويبنون لسواهم ولكن لا أحد يحفل بهم أو يعيش لأجلهم طالما أنهم لا يملكون ولا ينفعون لأن يملك غيرهم، عالم مريض مهزوز ومهزوم في قيمه وكأن الناس ليسوا من آدم وأدم ليس من تراب، وتبقى قصة نعيمه وغفلة من قصص الإنسان التي بجب أن تحرك ضمير المجتمع ليتعافى من نفاقه الداخلي ويخرج من دائرة المصالح والأنا والغرور، من يومها وللآن قاطعت أي مظهر من مظاهر الفرح والمشاركة مع من لا يؤمن بأننا جميعا أبناء هذا الطين وهذا الماء.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (السوارية) ح7 _2
- رواية (السوارية) ح7 _1
- رواية (السوارية) ح6
- رواية (السوارية) ح5 _2
- رواية (السوارية) ح5 _1
- رواية (السوارية) ح4 _2
- رواية (السوارية) ح4 _1
- رواية (السوارية) ح3 _2
- رواية (السوارية) ح3 _1
- أختلاجات في عرض الحقيقة
- رواية (السوارية) ح3
- رواية (السوارية) ح2 _2
- لعنة ال لو
- رواية (السوارية) ح2
- رواية (السوارية) ح1
- القانون بين وجوبية التطبيق ورغبة الخارجين عنه.
- العبودية وامتهان كرامة الإنسان
- هل لنا أن نجعل الدين ديمقراطيا في الواقع؟
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج1
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج2


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح8 _1