|
رواية حكيم لباي ج2
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6342 - 2019 / 9 / 5 - 02:48
المحور:
الادب والفن
على غير العادة توجت السيدة سليلة لبيت الساحر الأكبر وطلبت من الخادم مقابلة سيده فورا، كانت الأمور بينهما في السابق يشوبها الفتور أحيانا بسبب طلبات سليلة المكثرة بخصوص ما تعتقد أن الحكيم فيروزي يناصبها العداء بدون أسباب واضحة، في كل مرة تكون الاستجابة فورية منه مقابل نسبة من الأرباح التي تجنيها السيدة من عملها، الآن الوضع تغير بصورة جذرية لم يعد هناك عمل.... لم يعد هناك زبائن يمكن أن يتوقع الساحر الأكبر أنه سيحصل عليها، خرج الخادم من مكمن سيده ليبلغها أعتذاره عن مقابلتها الآن، عليها أن تعود بعد ثلاثة أيام ليرى إن كان يستطيع أن يمدها بما جاءت تسأل عنه، أنتزعت سليلة قلادة كانت تزين رقبتها وهي أخر ما تملك من ثروة وسلمتها بيد الخادم، كانت تعرف تماما أن الأمر ليس بيد السيد. _ هذا جيد سيدتي قد أجد لك عذرا معه رغم أنه قد أغلق على نفسه ولم يعد يستطيع أن يفعل شيئا... سأحاول... _ عزيزي... سيكون لك الكثير فقط أقنع مولاك أن يفتح لي بابا قد أغلقها الموت هناك... تعرف أني الكثير من الجميلات الآن ينتظرن أي حركة في المدينة فلديهن أطفال وقد يحتجن إلى المال سريعا وإلا ستكون المدينة خالية تماما من الحياة لو تأخر السيد من عمل شيء مهم..... _ سنرى ولكن هل من قطعة ثانية يمكن أن ترقرق لب مولاي سريعا.... _ نعم هناك المزيد مما تشتهي أعدك بذلك ولكن الآن الوضع لا يسمح البته... _ هل أعتبر هذا وعد حقيقي....؟..... _نعم يمكنك الوثوق بالسيدة سليلة وأنت تعرف أن سيدك كان يثق بكل وعودي... _ حسنا.... سأرى... مرت الدقائق ثقيلة على السيدة وهي تحاول أن لا تظهر قلقها وتبرمها من أستغلال الخادم لها وتتذكر كيف كان يقف ذليلا أمامها متوسلا أن تسمح له أن يجتمع مع واحدة من جميلاتها بدون أن يصل خبر لسيده، لقد عزمت أن تنقم منه وتسترد قلادتها التي لم تفارق صدرها منذ أن منحها رجل غريب زار المدينة قبل سنين ليكون أول رجل يطأها..... وقع خطوات الخادم أثار أنتباها فيما أستعادت توازنها النفسي وترسم ابتسامه خبيثة على وجهها أنتظارا لخبر سار وعاجل، لم يكن شعورها وحدسها مخطئ أبدا فقد جلب الخادم النعل المخصص لكل من يريد مقابلة السيد الساحر الأكبر المبجل، ها هي الآن سعيدة وجها لوجه مع أول خطوة يمكن أن تساعدها في طريق تعرف أن لا أحد في المدينة يملك مفاتيحه غير من هي أمامه. _ سيدي العظيم لا حاجة لي أن أتكلم فأنت أعرف بي وبالمدينة وما حل بها، وتعلم أن هناك من الأسرار الفظيعة التي أوقفت حياتنا وشلت المدينة وكأن غضبة الأسياد لا تنزل الأرض... أتوسل إليك هناك الكثير من الدموع والألم، الحزن هو سيد الموقف هنا وقد جئت وأنا على ثقة أن شيئا ما قد تعرفه ولم تبح به لأحد، تذكر سيدي تلك الأيام الجميلة التي جمعتنا معا... لم أكن أبخل بشيء عليك.... لقد منحتك جسدي كاملا قبل أن أمنحك المال والقوة ... تذكر ذلك.... تذكر كم سعينا معا لأن نجعل الناس سعداء.... أشار بيده لها تجلس أمامه دون أن تقاطع تواصله مع الأرواح المسخرة لعله يصل إلى ما تريد، فتحت أزرار القميص الذي يخفي خلفه صدرا مكتنزا وبان ثم أسدلت شعرها على أكتافها وأغمضت عيناها وأسترخى ذلك الجسد المشدود وهي تستغرق تماما في عالم الساحر الأكبر، إنها الآن تتذكر أول جلسة لها معه وهي تبحث عن أي وسيلة وبأي ثمن يعيد لها حبها للرجل الغريب الذي منحته حبا بلا حدود ثم أختفى فجأة ودون مقدمات، في تلك الفترة كانت تتمنى الموت أو تدفع أي ثمن لقاء معرفة السبب وراء كل ذلك وجلست طويلا بين يدي ساحرها المفضل حتى أستبد بها وأستبدت به ونسيت أمر الغريب. تمتم الرجل بكلمات إعجازية تكاد أن تكون أشبه بتراتيل موزونة ومقفاة تتراقص على أثرها خيوط الدخان المتصاعد من المجمرة، وأظهر الكثير من فنون السحر وهو يقلب الجمر المتقد بعصاه ذات الرأس المدبب المغلق بمعدن الفضة، شعرت السيدة سليلة برعشة تجتاح جسدها وتسري في أوصالها وكأن شيئا ما تسلل إلى ذلك الجسد الفاتن بتفاصيله، فراحت تتمايل يمينا وشمالا على وقع كلماته ثم تملكها خدر جميل بدا يشل حركتها شيئا فشيئا، لتجد نفسها مضطرة لأن تستلقي وفي شبه غيبوبة منعشة... مر وقت ما على غفوتها مسلوبة الإرادة والشعور عما جرى وما زال الدخان يتصاعد والبخور عطر الاجواء برائحته النفاذة، أستعادت سليلة شيئا من وعيها وكأنها في رحلة حلم إلى عالم فقدت لذته من زمان ومات الإحساس والشعور به، إنها تلملم بعضها وتلحف نفسها وجسدها العاري بما كانت ترتديه، كانت رغبتها بعد هذا السفر أن تعرف جوابا حيرها منذ أشهر، هل المدينة مسكونة بجن أم لعنة السماء صابتها، لعل الساحر يعرف أين ومتى وكيف تم ذلك... بصوت لا يكاد يخرج من حنجرتها سألته... _ أه يا عزيزي أخبرني....... يكاد قلبي يتوقف... أخبرني أرجوك.... ماذا أخبرتك الأرواح.....؟..... _ إنها الكارثة يا سليلة .... الكارثة الكبرى التي لا أكاد أصدقها بعد هذا العمر!!!!..... إنهم يخبرونني بالرحيل ... الرحيل أو الهلاك لنكون طعاما للكلاب... _ لا أصدق يا عزيزي لا أصدق ... ماذا فعلنا لننال كل هذا الأنتقام... وكيف لنا أن نرحل... سنموت أحياء وتأكلنا الكلاب ونحن لا نستطيع فعل شيء... ألا تعرف أن اللعنة ستلاحق من يهرب من لباي إلى عالم أخر... _ أنا سأرحل يا عزيزتي سأرحل سيكون عالمي أمن تحرسني هذه الأرواح... _ وهل من حل أخر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ _ لا حلول حاضرة وممكنة فقط الرحيل هو الخيار الأوحد. _ يا سيدي وكيف لي أن أرحل هل ترحل معي سنواتي الجميلة التي قضيتها في لباي؟.... هل سترحل معي ذكرياتي المحفورة في قلوب الناس وعقولهم؟.... لا أكاد أصدق كيف ستكون سليلة خارج الأسوار.... أنظر كيف أرتعش الآن وأنا أسمع كلامك عن الرحيل.... أكاد أختنق.... إنها لباي ... أتعرف معنى لباي هي والروح كلمتان تنبضان معا لا تفترقان.. _ أما أنا سأكون خارج أسوارها مهما كان ما تقولين... قد يكون برحيلك مفتاح للفرج وعودة الحياة هنا.... أنتن سبب هذا البلاء.... أنت وزمرة البغايا من جلب اللعنة... عذا ما تقوله الأرواح. _لكن هذه البغايا هي من جعلت منك رجلا ذا مكانة ومال ... أنسيت أم أنك لا تعرف أنك تعيش مندما يجمعنه من طالبي المتعة... أنسيت هذا الجسد الذي كان حلمك ووهبته لك دون مقابل وحتى دون حب لإرضائك.... لن أرحل.... _ ستندمين عندها تذكريني وقد لا يسمح لك الأوان حتى أن تتذكري... أخرجي أيتها العاهرة النجسة... فقد غضبت عليك أرواحي.... بدأ الكاهن يتمتم أولا ثم بدأ بالصراخ وسليلة منبهرة بما حدث.... أكملت أستعادة نفسها وهندامها ورمت المجمرة في وجه الساحر بقوة وخرجت تبكي بحرقة لتجد الخادم يقف خلف الباب، أمسكته بقوة وأنتزعت من يده القلادة وبصقت على وجهه ثم خرجت من الدار وهي ما زالت ترتدي النعال المخصص... ركض ورائها الخادم يحمل نعلها الذي جاءت به يتوسل لها أن تعيد له ما أخذته وإلا سينال اللعنة.... أخذت منه النعل وسارت بعيدا فيما جلس الخادم في وسط الشارع يبكي كأنه طفل فقد شيئا أثيرا لديه.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية حكيم لباي ج1
-
قراءة دستورية في تركيب النظام التشريعي في الدستور العراقي.
-
رواية (السوارية) ح8 _1
-
رواية (السوارية) ح7 _2
-
رواية (السوارية) ح7 _1
-
رواية (السوارية) ح6
-
رواية (السوارية) ح5 _2
-
رواية (السوارية) ح5 _1
-
رواية (السوارية) ح4 _2
-
رواية (السوارية) ح4 _1
-
رواية (السوارية) ح3 _2
-
رواية (السوارية) ح3 _1
-
أختلاجات في عرض الحقيقة
-
رواية (السوارية) ح3
-
رواية (السوارية) ح2 _2
-
لعنة ال لو
-
رواية (السوارية) ح2
-
رواية (السوارية) ح1
-
القانون بين وجوبية التطبيق ورغبة الخارجين عنه.
-
العبودية وامتهان كرامة الإنسان
المزيد.....
-
التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
-
“رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس
...
-
الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
-
أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين
...
-
75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا
...
-
قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا
...
-
نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت
...
-
بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما
...
-
الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب
...
-
مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025
...
المزيد.....
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
المزيد.....
|