أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله بير - التيه بين اغتراب الواقع و ماض مغترب قراءة في مجموعة قصائد ( حكايات لجبين كاترين ) للشاعرة نداء عادل ( القراءة : عبدالله بير)















المزيد.....

التيه بين اغتراب الواقع و ماض مغترب قراءة في مجموعة قصائد ( حكايات لجبين كاترين ) للشاعرة نداء عادل ( القراءة : عبدالله بير)


عبدالله بير

الحوار المتمدن-العدد: 6345 - 2019 / 9 / 8 - 03:28
المحور: الادب والفن
    


"لا شيء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم " توفيق الحكيم .
هل هناك ألم أعظم من ضياع الوطن ؟ يتبادر هذا السؤال الى ذهن القارئ حينما يتمعن في قراءة مجموعة قصائد الشاعرة العراقية المغتربة ( نداء عادل ) ، التي صدرت من قبل الهيئة العامة للكتاب في جمهورية مصر العربية في شهر أغسطس و 2019، و تتألف المجموعة من عشرين قصيدة جميلة ، وهي بمثابة لوحات فنية لغوية في منتهى الروعة ، استخدمت الكاتبة اساليب مختلفة في بنية هذه القصائد و اثارت تساؤلات عدة . فالاغتراب أيا كان نوعه يعتبر من الآلام العظيمة التي تجعل من الانسان ضائعا في الحياة . لذلك لجأت الشاعرة الى عالم الكتابة للتعبير عما يجول في خاطرها و التفكير في الاغتراب كعملية قيصرية للعيش. و الكتابة نفسها فعل اغترابي يحمل معه اخطار كثيرة ، و يحمل في طياته الكثير. ينظر العلماء و الفلاسفة الى الكتابة كثورة كوبرنيقية في مجال الوعي الانساني ، و التي ادت به الى الهروب من المواجهة المباشرة و التخفي وراء الكلمات .
من هنا و بطول التاريخ الانساني نجد ان الكتابة فعل خطير، مُنعت كتب و أحرقت و نهبت مكتبات. مع ذلك بقت الكتابة من اروع ما ابدعه الانسان خلال مسيرة تاريخه الطويل في الارض . لا يتم فعل الكتابة إلا بفعل اخر و هو بدوره لا يقل خطورة و اهمية منها وهو فعل القراءة ، اي أن عمليتي القراءة و الكتابة من اخطر العمليات التي تتخوف منها السلطات مهما كانت نوعها ، لذا يعتبر { الكتاب (النص ) و القراءة} من الاشياء المهمة في بناء الوعي الانساني و التأثير في رؤية الانسان للواقع الذي يعيش فيه .
( حكايات لجبين كاثرين ) مجموعة قصائد ، تتناول قضية الاغتراب ، باستذكار الماضي و التعايش معه في حاضر مغترب بأسلوب شعري جميل ، حيث استخدمت الشاعرة كلمات تضج بالألم و البعد عن الوطن و مراتع الطفولة . فالقارئ يجد كلمات محددة استخدمت للتعبير عما يجول في خاطر الكاتبة مثل ( غريب ، اصفر ، ارصفة ، حقيبة ، كاس فارغ ، الافق ، قفص الصمت .... الخ ) من الكلمات التي تؤكد ازمة الاغتراب لدى الشاعرة . الالتجاء الى الاهل و خصوصا الاب الذي يعبر عن الملاذ الامن في خضم امواج الحياة العاتية التي تتقاذف الإنسان يمينا و شمالا و تجعل منه ريشة في مهب الريح ،حيث لا يمكن التنبؤ بما سيحدث في المستقبل لأنه منزوع الجذور و يطير بلا وجهة معينة .
استخدمت الشاعرة ( الاب ) كرمز عن الوطن او السلام او الهدوء و الطمأنينة و مناجاته من خلال القصائد كتعبير مجازي و كناية عن الحامي عندما تقع الشرور و تصبح حياة الانسان مهددة.
وصف الواقع الاغترابي بأسلوب شعري جميل ، عملية صعبة لان التفكير و البحث عن مسكن او لقمة عيش قد يشتت فكر الانسان و لا يمكّنه من جمع افكاره و صبها في القوالب الادبية كالشعر او القصة ، فالشاعرة ( نداء عادل ) خرجت من هذا الاطار الضيق الى رحابة الادب و كتبت كلماتها في منتهى الرقة و منتهى العذوبة لتصور واقعها المرّ ، ملتجئة إلى ذكريات طفولتها و ومقارنة ذلك الماضي المر بالحاضر الأمرّ .
( عندما حل المساء
مثلي غريبا
بكيت
صار الورد اصفرا كالموت ......)
في هذه الصورة الشعرية يتبين للقارئ كيف ان كلمات مثل ( المساء و غريب و اصفر و موت ) كلها تعبر عن الضياع و الغربة ، ولكن السؤال هو هل هذا الجمع بسيط ؟ هل يستطيع ايا كان ان يجمع هذه الكلمات معا في نصي ادبي؟ ابداً فجمع هذه الكلمات تحتاج الى مهارة و شعور بألم كبير كي يتمكن الشخص من ان يجدل كل هذه المعاني معا .
( في شوارع المدينة
بعدها صرنا نقيس دربنا للمدرسة
بجثث تلفها الاعلام ....)
الن يكون الانسان معذبا في الارض لو كانت ذكرياته اقسى من حاضره ؟ و هذا ما نراه في قصائد الشاعرة و كيف مرت بتجربة طفولة مرَّة، فلم تكن لها ذكريات مع الفراشات او الازهار بل مع الموت و الجثث و الخوف ، لذلك تصبح الطفولة اكثر اغترابا من الحاضر ، اذاً اين المفر من كل هذا؟ القصائد و الكلمات و الجمل و العبارات التي تنقل الانسان للعيش في فردوس يوتوبي جميل يحمل عنه بعضاً من مآسيه .
( ما قيمة شعراء بلا ذاكرة ؛
غريب بلا حنين
حبيب لا يتنظر عودة غائب ؟
سيهدأ زجرها في بحر بلا قوارب
هناك ....)
ترتكز جمالية القصائد على كثرة انزياحات اللغة التي تبنتها الشاعرة للتعبير عما تريد توصيله للقارئ من آلام الغربة و مرارة الفراق عن الحبيب ، او الوطن او الاهل ، لذا نجحت في ربط ماهو متناقض و غير متوقع ، حيث شكلت لوحات جميلة من خلال تلك الانزياحات التي تشكل في النهاية لوحة كبيرة ، فسيفسائية صنعت بيد ماهرة على ذاكرة القارئ .
(بعض الصباحات لا تأتي برفق
ثائرة هي في وجوه نجمات المساء ،
عاجزة عن تأنيث الغياب .
و القمر لم يزل هنا ،
يأبى الرحيل عن حوائط القبرات التي حنطنا سويا
يشي بنا للشمس
و الجليد بيننا يعلو همسة تلو اخرى .)
جمالية القصائد في هذه اللوحات اللغوية التي تثير تساؤلات عديدة في روح القارئ ، هل يمكن للمعاناة ان تصل الى الحد الذي يفقد فيه الانسان الامل ؟ و كيف للإنسان ان يكون متوحشا لدرجة ان يجعل حياته و حياة غيره اشبه بغابة كبيرة لا تحكمها سوى قوانين الوحوش ؟ و كثيرة هي تساؤلات نداء في هذه المجموعة ، و نستطيع ان نتلمس من خلال القراءات المتكررة كيف أن لها الخبرة و التمكن من التلاعب بالكلمات كي توصل رسالتها المليئة بالألم و الفقدان و تكون صوت معبر لكل غريب في هذا العالم المليء بالشرور و الغربة و الضياع .
(حكايات لجبين كاثرين) هي في الحقيقة لوحات فنية جميلة ، نسجت بأنامل ماهرة ، و دراية تامة بما يشغل نفس الانسان, حين يحس بالضياع في هذا العالم ، وقد استطاعت تطويع اللغة لإيصال رسالتها الانسانية الى العالم ، و التعبير عما يجول في كمائن روحها، إظهار مواساتها من خلال جمل شعرية مستخدمة اسلوب التناقض او الانزياح او التغير في وظائف الكلمات ، حيث يدخل القارئ في متاهات و دهاليز شعرية في منتهى الروعة و يجد نفسه واقفا في احدى محطاتها او يرى نفسه كانه هو الذي سرد كل هذه الحكايات .




#عبدالله_بير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب - تأسيس ميتافيزيقا الاخلاق -
- عودة إلى السماء
- المحاكاة
- ذكريات سرور
- صديقي لم يكن ارهابيا
- قراءة في كتاب السيميولوجيا و التواصل
- فتاة من طينة الذهب
- ندم اللقاء
- قد لا يأتي الأمل أبداً
- الذي لي ليس لي دائماً
- الخير يأتي اولاَ
- العباءة
- افتح قلبك لتسمع روحك
- الظل
- لا تدع الديدان تقترب
- قراءة في رواية - الخيميائي - لباولو كويلو Paulo Coelho -.
- قراءة في قصيدة (كلما أنَّ الجسدُ من أسره رَفرَفت الروح) للشا ...
- ملائكة في طريق الجحيم
- ميادة
- قراءة في رواية - الجريمة والعقاب - لفيودور دوستويفسكي - .


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله بير - التيه بين اغتراب الواقع و ماض مغترب قراءة في مجموعة قصائد ( حكايات لجبين كاترين ) للشاعرة نداء عادل ( القراءة : عبدالله بير)