|
قد لا يأتي الأمل أبداً
عبدالله بير
الحوار المتمدن-العدد: 5797 - 2018 / 2 / 24 - 17:45
المحور:
الادب والفن
" لا بد أن يأتي في يوم من الأيام ، يخرجني من هذه القذارة " هكذا كان عزت يتحدث إلى نفسه عندما يكون وحيدا أو وهو يحفر الارض لأساسات دار ما أو ينقل قوالب إسمنتية وهو في اقصى حالات الإرهاق . كان هناك أمل يحاول أن يشرق بين طيات افكاره القاتمة .لم يتولد هذا الشعور لديه بعد الزواج و الأعباء الثقيلة التي رافقت زواجه ، إنما كان يرافقه في ايام العزوبية ايضاً . عاش عزت في اسرة فقيرة في ضواحي المدينة ، كان والده عامل بناء ، ولديه عائلة كبيرة تتكون من زوجة و أحد عشر طفلاً ذكوراً و اناثاً ، وكان تسلسل عزت من هذه السلسلة الرابع . دخل عزت المدرسة في السنوات الأولى من عمره ولكن تركها فيما بعد ليلتحق بوالده و اخوته الذكور في العمل . بعد أن تزوج عزت بفتاة تصغره بعامين ،ترك المنزل مثل باقي اخوته الأكبر منه ، لم يتجاوز عزت العشرين من العمر حبنما تزوج و ترك المنزل ليحمل اعباء الأسرة و الأطفال .استأجر عزت بيتاً أو شبه بيت, كان مكوناً من غرفتين ضيقتين و ملحقاتهما . كانت حياته هادئة في البداية حيث هو و زوجته وحيدان في البيت ، و ما أن مر عام حتى ملأ ضجيج أول طفل لهما البيت و تغير النظام كله ،زادت المصروفات و قل الخروج و السهر عند الأصحاب و الأصدقاء . بدأ يحس بأن حياته انقلبت رأساً على عقب . واستمرت سلسلة الولادات حتى الطفل الرابع ذكراً و أنثى ، ملئ البيت بالأطفال ، بقي عزت في البيت نفسه ، و مع توسع العائلة صَغُر البيت شيئاً فشيئاً ، حتى ضاق به ، لم يكد يعود إلى البيت من العمل مع والده مرهقاً و تعباً ، حتى تنهال عليه شكاوى الأولاد و البنات و الزوجة الكل يشتكي على الكل ، فوق ما كان يعاني من جسده كان يعاني من جيبه ايضاً ، لان العمل قل و الشتاء على الابواب ،فالعمل في هذه الايام يقل و المصاريف تكثر .كان كل فكر عزت يدور حول كيفية توفير قوت الشتاء و مواد التدفئة و ملابس للأطفال ، بدا يمد يده إلى مدخراته كي يعوض ما ينقصه من المال ، بقيت فكرة المنقذ لديه ثابتة و كانت بالنسبة اليه كعقيدة يؤمن بها و يردد مع نفسه دائماً في البيت و في العمل " سياتي في يوم ما و يقول لي ، يا عزت انا صديقك القديم فلان ، ماذا تعمل الآن ؟ تعال عندي ، فانا غني جداً ، اعمل عندي و سأغير حياتك ، ساهب لك بيتاً و سيارة و ملابس جميلة و طعام راقي ، تعبت كثيراً ، تعال و استرح الآن ". وفي كل مرة يصحو من هذا الفكرة و والده يوبخه لكسله و لتباطؤه في العمل . في احدى الليالي ، وبينما تشتكي له زوجته من سوء الحال و قسوة الحياة ، البنات بحاجة إلى ملابس جديدة و العيد على الابواب و البيت بحاجة إلى اغراض ، و هي ايضاً بحاجة إلى مستلزمات لاستقبال مولودها الجديد قال لها عزت : - اصبري ، سيأتي ، حتما سيأتي ، لن يخيب ظني أبداً . كان عزت في تلك اللحظة بين حالة الهذيان و الصحو و لم يكن يعرف ماذا يقول ، فقالت زوجته : - مَن الذي سيأتي ؟ هل سيأتينا ضيوف ؟ ماذا تقول ؟ مع هذه الكلمات أفاق عزت و قال : - ماذا؟ فردت زوجته : - من الذي سيأتي ؟ فقال بهدوء و كان غارقاً في تفكير عميق جداً : -لا شيء ، لا شيء ، إنها مجرد فكرة . سكت عزت لبعض الوقت فردت زوجته مرة أخرى بأن و أولادها بحاجة إلى ملابس جديدة للعيد و مستلزمات و حاجات للبيت و عليه اعطاءها بعض المال ، لكن عزت هز راسه موافقاً وقال : - غداً سأتدبر الأمر . تمتم عزت يتكلم مع نفسه : - نحن على أبواب الشتاء ، أرجو أن يأتي صديقي في هذه الأيام و إلا سيكون هناك مشاكل ، إلى ذلك الحين يجب أن أتدبر بعض المال لأتجنب الثرثرة في البيت . في احدى ايام الشتاء الماطرة و البرد قارس ، كان عزت يجلس القرفصاء في احدى زوايا المقهى ، وكان الجو كئيباً في الداخل و الخارج ، ففي الداخل دخان سكائر ، وبخار اباريق الشاي ، وصيحات الزبائن الذين يلعبون الدومينو و لعبة الطاولة ، بينما في الخارج مطر غزير و ضباب كثيف و رائحة عفونة و رطوبة تملأ انوف المارين ، ولم يتوقف المطر منذ الساعات الأولى من الصباح لذلك كان هذا اليوم بالنسبة لعزت يوم عطلة ، وفي العادة يذهب إلى المقهى في مثل هذه الأيام لقضاء الوقت بعيداً عن ضوضاء البيت و الأولاد. القي عزت نظرة إلى الخارج من خلال الزجاج المغطى بالبخار و قال في نفسه : - اليوم ، لم اذهب إلى العمل أيضاً ، متى سيتوقف المطر يا إلهي ، إن لم يتوقف المطر الليلة ، سأكون مضطراً أن استدين بعض المال و مرة أخرى سأكون مديوناً فوق طاقتي ، يا إلهي كن عوناً لي . يحاول التخلص من رماد سيكارته و هو غارق في التفكير ، سمع صوتاً غريباً يناديه : - عزت ، عزت رفع عزت رأسه بهدوء و نظر إلى جهة الصوت ، فسمع مرة أخرى يناديه : - عزت ، انت عزت أليس كذلك ؟ فرد عزت عليه : - نعم ، انا عزت ، تفضل أخي ماذا تريد ؟ فرد صاحب الصوت : - أنا صديقك عامر ، صديق طفولتك ، صديقك في المدرسة ، ألا تتذكر عامر البدين ؟ ما أن سمع عزت هذه الكلمات ، و كأنما انقشعت كل الغيوم التي في السماء و اشرقت الشمس ، وأنار وجهه ضياء غريب ، و اصبحت ابتسامته بارزة على وجهه ، و قام من مكانه و استقبله أحسن استقبال ، وهو يردد في نفسه : - ألم أقل إنه سيأتي في يوم من الأيام . ها قد أتى . اجلسه عزت بجانبه ،رحب به ترحيباً عظيما ، طلب له كوب شاي و اعطاه سيكارة ، سعد به عزت أيما سعادة ، أول ما سأله عزت كان عن حياته و اختفائه كل هذا المدة وقال : - عامر البدين ، ولكن لم تعد بديناً مثل قبل ، اين كنت ؟ وماذا فعلت في حياتك ؟ ومن أين تأتي ؟ لم يدعه عزت ليجيب على هذه الأسئلة حتى انهال عليه بوابل أخر من الأسئلة ، وكان في نفسه رغبة قوية بان يقول له عامر " قم يا رجل ماذا تفعل في هذا الوكر الوسخ ، قم دعني البسك الحرير ، واطعمك ما لذ و طاب ، تنام على ريش النعام " و لكن كان عامر يضحك و هو يشرب الشاي ، لم يجيب عن اسئلة عزت و طلب منه أن يحدثه عن حياته ،فتحدث عزت عن حياته ، و المصاعب التي يواجها ، في سبيل إعالة عائلته ، وهو يتنظر مولوداً جديداً ، اما صديقه عامر فتحدث عن البلاد التي سافر إليها ، كيف يعيش الناس هناك ، ان الحياة في تلك البلاد صعبة للغاية ، ولا يستطيع المهاجر الاندماج سريعاً في تلك المجتمعات و يبقى غريباً عنها مدة طويلة ، ومَن لم يتحمل ذلك يعود إلى وطنه ثم قال : - انا منذ عشر سنين سافرت إلى خارج الوطن ، مررت بدول كثيرة ، سافرت و معي مبلغ من المال ، ولكن لم اتزوج بعد ، افكر الآن في الزواج ولكن ، أولاً يجب علىّ أن استقر في البداية ، وأن أجد عملاً ، لأنني لن اعود إلى الخارج مرة أخرى. ثم تحدث عامر عن أيام الطفولة و المدرسة وتصرفاتهم البلهاء في ذلك الزمن ، ثم اضاف : - بحثت عنك كثيراً يا عزت ، حتى وجدتك ، لأنني في حاجة ماسة إليك ، لم أجد أحداً غيرك كي اهرع إليه ، تعرف أنني بعدت منذ زمن عن هنا و كل شيئ تغير ، و لم أعد أعرف الناس الآن لذلك لجات إليك ، في الحقيقة أنا مدين بمبلغ كبير صرفته في طريق عودتي من الخارج ، و لا املك فلساً واحداً الآن ، لذا رأيت من الأحسن ان ألجأ اليك لتساعدني ، اعطني مبلغاً من المال سارده اليك حالما أستطيع ، وخذني معك إلى العمل . فهل لك أن تساعدني في ذلك ؟ .
#عبدالله_بير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذي لي ليس لي دائماً
-
الخير يأتي اولاَ
-
العباءة
-
افتح قلبك لتسمع روحك
-
الظل
-
لا تدع الديدان تقترب
-
قراءة في رواية - الخيميائي - لباولو كويلو Paulo Coelho -.
-
قراءة في قصيدة (كلما أنَّ الجسدُ من أسره رَفرَفت الروح) للشا
...
-
ملائكة في طريق الجحيم
-
ميادة
-
قراءة في رواية - الجريمة والعقاب - لفيودور دوستويفسكي - .
-
الهرمنيوطيقا (فلسفة التأويل).
-
قراءة لديوان (نارنج) للشاعرة نارين ديركي
-
ماركس وفوكو والصراع أو الحرب
-
اليمن و تجسيد أزمة الإسلام
المزيد.....
-
إعادة طباعة قصة -القنديل الصغير-، للروائي الفلسطيني غسان كنف
...
-
إطلاق دورة جديدة من جائزة غسان كنفاني للرواية العربية
-
-ذاكرة قلب- يثير تفاعل الجمهور في الموسم الرمضاني 2024
-
روسيا.. جمهورية القرم تخطط لتدشين أكبر استوديو سينمائي في جن
...
-
من معالم القدس.. تعرّف على مقام رابعة العدوية
-
القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل
...
-
“اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش
...
-
كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
-
التهافت على الضلال
-
-أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|