|
الخير يأتي اولاَ
عبدالله بير
الحوار المتمدن-العدد: 5779 - 2018 / 2 / 6 - 23:57
المحور:
الادب والفن
الخير يأتي اولاَ نظر رستم إلى قطعة الأرض التي ورثها عن والده ، والتي كانت عبارة عن أدغال و أحراش كبيرة ، كان يمكن لأكبر الضواري الاختباء فيها . كانت الأرض عبارة عن بقايا بستان قديم ، اشجار رمان و زيتون و توت غير مشذب جذوع حور و سنديان ، نبات عليق شوكي ، نعناع بري ، كل ذلك شكّل فوضى عارمة و غابة ضخمة من الأحراش . و كانت للأرض ساقية ماء كبيرة تروى بها لكنها متروكة ألآن . القرويون و بعد مغادرة رستم للقرية و وفاة والديه قسموا حصة ماء الري على أنفسهم . لذا لابد من تنظيف قطعة الأرض و استرداد حصة الماء لاستزراعها مرة أخرى . قال رستم في نفسه : - كيف سأنظف كل هذه الفوضى ؟ من أين أبدأ؟ نظر رستم إلىها وهو غارقٌ في التفكير ، أخيراَ قرر بدء العمل في اليوم التالي صباحاَ ، وفي البيت جهز العدة اللازمة للعمل مردداَ مع نفسه : - ماذا احتاج ، ماذا احتاج؟ آها ، الفأس ، المنجل ، الجرافة ، المعول ، اظن هذا يكفي ، الفأس حاد ، عصا الجرافة جيدة ، المنجل حاد ايضاَ ، و المعول جديد ، اذن كل شيء جاهز ، حسنا ، موعدنا الصبح . بعد الآذان ، نهض رستم و صلى الفجر . حمل معداته و توجه نحو أرضه ، و بدأ العمل فيه ولكن كان كالذي يتخبط في الظلام ، يضرب معولاَ هنا ، ويقطع غصناَ هناك ، يقلع نبتةَ و يجرف قرب الساقية ، يترك المنجل و يحمل الفأس ، يترك الفأس يحمل المعول او المجرفة . اشرقت الشمس و رستم مازال في تخبطه يذهب هنا و هناك ، اخيراَ وجد نفسه غارقاَ بين الأدغال ، و لم يلحظ تقدماً يذكر و لم يبشر كل هذا التعب بشيء ، حتى أنه لم ينظف ما يكفي لأن يجلس فيه. خرج من الأدغال و نظر إليها من الخارج و شعر بإحباط كبير وقال : - من الأحسن أخذ قسط من الراحة ، و أفطر ، ثم أعيد الكرّة . في الجولة الثانية من محاولة تنظيف الأرض ، لم يغير رستم من خطته شيئاً ، بدا يتخبط ثانيةَ حتى الظهيرة ، وفعلاَ ظهرت علامات كدحه على الأرض ، كانت هناك شجيرة حور مقتلعة ، بعض اغصان نبات العليق الشوكي مقطوعة ، الأرض محفورة في بعض الاماكن . عاد رستم إلى البيت منهمك القوى للاستراحة في فترة الظهيرة و تناول الغداء . سألته زوجته عن كيفية سير العمل ، رد رستم : - العمل صعب ، الأرض متروكة منذ سنين ، نمت فيه كل شيء خلقه الله ، قلع الأشجار صعبة ، هناك كثير من الأدغال ، قد يستغرق العمل اسابيع إن لم يكن اشهر ، صعب جداَ ، صعب جداَ العمل في هذه الأدغال . قالت زوجته : - أجر عاملاَ أو اثنين يساعدانك . فرد رستم : - إنه موسم العمل في القرية ، مَن يترك أرضه ليأتي و يعمل في أرضي ، لا يأتون في هذا الوقت من السنة ، انني فكرت في ذلك ، ولكن لم أفلح في إيجاد عامل واحد . بعد استراحة الظهيرة ، عاد رستم إلى العمل ، وعمل بنفس الروح العالية و على نفس الوتيرة حتى العصر لكن لم يلحظ أي تقدم في عمله ، مع أن هذا لم يشعره هذا بالإحباط في البداية ،إلا أن اليأس بدا ينسل إلى شعوره ، بدأت بوادر فشل عمله تظهر أمامه ، أخيراَ دب فيه الملل ، جلس على حافة الطريق مهموماَ ، متعباَ و يائساَ ، فسمع عم شمس الدين وهو شيخ كبير في السن ، يحترمه كل القرويين لحكمته و رجاحة عقله ،يسلم عليه و يباركه في عمله قائلاً : - الله يعطيك القوة ، و بارك الله في عملك ، تبدو متعباَ جداَ ! قام رستم من مكانه و استقبل عم شمس الدين: - شكراَ يا عم شمس الدين ، أجل تعبت جداَ اليوم ، فمنذ الفجر و أنا أعمل في هذا المكان و لم أنظف ما يكفي لأجلس فيه . كانت مع هذا الكلام ابتسامة يأس بادية على شفتيه . فقال عم شمس الدين : - يا بني ، ما هكذا تنظف الأرض ، تعبت كثيراً دون نتيجة لأنك لا تعرف كيف تقوم بذلك ، اي عمل يقوم به الإنسان ، لا بد أن يعرف من أين يبدا؟. فقال رستم : - أنا بدأت من تلك الناحية ولكن نبات عُليق الشوكي اعاق طريقي و نما بشكل مكثف هناك ، و خفت أن اضرم فيها النار لأن بساتين اخرى قريبة ، لذا جئت إلى هذه الناحية و لكن جذوع اشجار الزيتون ضخمة و يصعب قلعها ، لذا لم أعمل أي شيء اليوم . فضحك عم شمس الدين من كل قلبه و رد : - لا تبحث لنفسك عن الأعذار ، لكل عمل يقوم به الإنسان صعوباته ، وعليه أن يفكر دائماَ كيف يجتاز تلك الصعوبات لا أن يبحث لنفسه عن الاعذار ، اذنٍ إذا سارت الامور هكذا ، ستبقى حتى الخريف في هذا الدغل و لن تزرع شيئاَ او قد تهرب في النهاية و تترك الأرض كما قال القرويون، اليس كذلك؟ فرد رستم : - لا يا عم شمس الدين ، لا لن اترك هذا المكان ، لقد قررت البقاء فيها مهما كانت الظروف ، حتى الخريف ، ليكن حتى الخريف و سأزرع في السنة القادمة ، ليست هناك مشكلة . فقال عم شمس الدين : - هل ستسمع نصيحتي ؟ فرد رستم : - تفضل يا عم فقال العم : - كي يثمر عملك هذا ، ابداء بالأشياء الكبيرة ثم اصغر ثم اصغر ، اولاَ اقطع الاشجار الكبيرة ، ثم تقلع نبات العليق الشوكي ،ثم تقطع الحشائش و في النهاية تجرف الأرض و بذلك تصبح جاهزة للزراعة . هكذا ستنتهي خلال أيام أو اسبوع على الأكثر ، اليوم خذ ما بقي منها استراحة و ابدأ غداَ صباحاَ ، و وفقك الله . بعد هذه النصيحة ، ودع عم شمس الدين رستم و تمنى له بالتوفيق. لما سمع رستم هذه النصيحة ، جلس في مكانه مرة اخرى ، وفكر فيما قاله عم شمس الدين و قال في نفسه : - حسناَ ، سأعمل بنصيحتك يا عم ، سأذهب إلى البيت الآن و غداَ سأعمل بكلامك. في يوم التالي ، بدأ رستم بالعمل وفق ما علمه عم شمس الدين ، و لما جاوز الظهيرة بدة بوادر عمله تظهر شيئاَ فشيئاَ ، لأن الأشجار العالية أصبحت أكواماَ من اخشاب مقطوعة ،تكوم عليق الشوكي مع نباتات أخرى في اكوام يابسة و متفرقة ، وخلال أيام استطاع رستم تنظيف أرضه تماماَ من كل شيء ، وبدأ بجرف الأرض و صارت مهيأة للزارعة . فكر رستم بزارعة بعض اشجار الفواكه كالخوخ و التفاح ، المشمش و الرمان الحلو مع زراعة بعض الخضار كالطماطم و الخيار . ثم استعادة حصة ماء الساقية من القرويين لسقي ارضه . لم ينتهي فصل الربيع كلياَ ، حتى بدأت ما زرعه رستم بالنمو ، اورقت اشجار الفواكه ، اخضّرت قطعة الأرض التي زرعت فيها الخضراوات ، ولما حان وقت سقيها لاحظ رستم بالقرب من احدى نباتات الطماطم انتفاخ في الأرض ،و بأصبعه رفع التراب ، فوجد برعماَ صغيراَ احمراَ من نبات العليق الشوكي خرج من الأرض
#عبدالله_بير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العباءة
-
افتح قلبك لتسمع روحك
-
الظل
-
لا تدع الديدان تقترب
-
قراءة في رواية - الخيميائي - لباولو كويلو Paulo Coelho -.
-
قراءة في قصيدة (كلما أنَّ الجسدُ من أسره رَفرَفت الروح) للشا
...
-
ملائكة في طريق الجحيم
-
ميادة
-
قراءة في رواية - الجريمة والعقاب - لفيودور دوستويفسكي - .
-
الهرمنيوطيقا (فلسفة التأويل).
-
قراءة لديوان (نارنج) للشاعرة نارين ديركي
-
ماركس وفوكو والصراع أو الحرب
-
اليمن و تجسيد أزمة الإسلام
المزيد.....
-
روسيا.. جمهورية القرم تخطط لتدشين أكبر استوديو سينمائي في جن
...
-
من معالم القدس.. تعرّف على مقام رابعة العدوية
-
القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل
...
-
“اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش
...
-
كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
-
التهافت على الضلال
-
-أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق
...
-
الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في
...
-
جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا
...
-
مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|