أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله بير - لا تدع الديدان تقترب















المزيد.....

لا تدع الديدان تقترب


عبدالله بير

الحوار المتمدن-العدد: 5550 - 2017 / 6 / 13 - 15:17
المحور: الادب والفن
    


كانت الغيوم مبعثرة على صفحة السماء بشكل عفوي، كأكوام القطن بعثرتها ريح قوية، بقع داكنة رمادية وأُخرى بيضاء كأنها جبال من ثلوج . بعض منها لها لونٌ بين الأحمر والبرتقالي لان الشمس صارت مثل برتقالة على الافق وهي تودع العالم في نهار خريفي معتدل وتشع لوناً برتقالياً مائلا إلى الاحمرار في ارجاء السماء ، تمر نسمات باردة من الهواء والتي تلاعب الأوراق غير المتساقطة من شجر الحور العالية على ضفة جدول الماء. مر الرجل العجوز بقرب شجرة الحور قائلا لها: انتِ رمز الجمال في هذا البستان ، شموخكِ يبهرني ، علوكِ يعطيني طاقةً عظيمة . لما وصل العجوز إلى شجرة اللوز الهرمة والتي اكل الدهر منها و شرب ، وكيف أن الدود قد نال منها تقريباً، وأصبح في كل جذع وفرع فتحات, و نشارة الخشب تخرج منها, قال:
- أنا لا أعرف كم تتحملين هذه الديدان؟
تحدث العجوز الى الشجرة وهو يلامس جذعها الثخين، ونظر الى أعلاها ثم أضاف :
- تصيب الديدان الجذع الكبير فيك, قد لا تصل إلى الأعلى، ولكن ما فائدة ذلك، عندما يتحطم جذع الكبير في الأسفل ينهار كل شيء وتسقطين.
بعد هذه الكلمات حاول العجوز أن يجلس تحت الشجرة ويسند إليها ظهره، ولكن السنين أيبست عظامه ومفاصله فأصبح جلوسه صعباً، مع آهة عميقة خرجت من روحه, جلس الشيخ متحدثاَ مع نفسه:
- ها انا ذا جلست ولكن كيف السبيل الى النهوض مرة أخرى؟
ثم رفع راسه ناظراَ إلى شجرة اللوز:
- نحن متشابهان، ومختلفان، نحن الاثنان أصابنا الهرم، تأكلك الدود وتأكلني آلام المفاصل والروماتيزم، كلاهما علة، ثم علاجنا مشابه، فعلاجك القطع وعلاجي الموت يعني نحن الاثنان نسير الى الفناء وفي النهاية يأكلنا الدود ، تأكلك فوق الارض ، تأكلني تحت الأرض .
سكت العجوز لبرهة ثم دمدم مع نفسه:
- الشجرة مثل الانسان تنمو صغيرة، جميلة وتهز اوراقها وتلعب مع الهواء كما الأطفال، ثم تصبح شابةً, وتتناسل وتتكاثر، ثم تهرم وتصيبها العلل والديدان فتموت لتأخذ مكانها شجرة أخرى وتقوم بنفس الدور مثل الانسان، هذه هي سنة الحياة، إنها فعلاَ متتالية عجيبة، مع كل هذا تبقى الحياة و نحبها و لكن تصبح ثقيلة علينا أحياناً بسبب الديدان، من أين تأتي هذه الديدان القبيحة، وكيف السبيل إلى إبادتها .
هز العجوز رأسه:
- اذن الديدان سبب كل مشاكلنا، انها سبب مشاكل كل البستان، انها تنخر في كل شيء، لا يهمها سوى الشبع، إنها كائنات قذرة، طفيلية، تأتي في لحظات الضعف، أجل إنها كائنات مستغِلة، لا بد من قطع السبل عليها كي لا ندعها تقترب منا ، إنها تسرق منا لحظاتنا الجميلة في حياتنا ، لابد من القضاء عليها ، ستصبح الحياة أحلى و أجمل بدونها.
سمع العجوز فجاءةً دندنة والتفت بسرعة، سمع صوت غريب وكأنه صوت شخص لا يستطيع الكلام إلا بصعوبة يقول:
- احذر، احذر يا صديقي من الديدان.
وماهي إلا لحظات حتى خرجت ديدان كثيرة، من كل حدب تنسل وكأنها جيش جرار، تخرج من كل شجرة وكل جذع، صغاراً وكباراً، ذكوراً واناثاً، ذوي لحى، محلقين، من يحمل قصبة أو عصا أو معولاَ او سيفاَ صدئاَ ، جيش جرار من الديدان ترأسهم دودة بيضاء ذات رأس أسود فاحم كبير تضع بعض شارات الشجاعة على صدرها، وتحمل منجلاً كبيرا، اصطفت الديدان في صفوف منتظمة وحسب الصنف والعمر. اجتمع جيش ضخم من الديدان في صفوف منتظمة وكأنها تدربت لسنوات ، وعلى يدي أمهر القادة ، الدودة ذات الرأس الاسود في المقدمة ومعها عدة ديدان أخرى تبدو انها اقل منه رتبةً وأهمية، صعق العجوز لما رأى ذلك فقام من مكانه بصعوبة مستنداً باحدى يديه على العصى التي يحملها وامسك بالآخرى جذع شجرة اللوز الهرمة، و قال:
- هذا يعني أنها الحرب لا محالة .
فردت عليه شجرة اللوز الهرمة:
- إنها الحرب، انهم ومنذ سنوات يستعدون لهذه الحرب، فلنقاتل حتى النهاية، انتبه للميمنة وأنا سأكون في الميسرة، إنهم اقل مما توقعت .
فرد العجوز عليها:
- حسناً.
ورفع عصاه واستعد للمعركة وماهي إلا لحظات حتى سمع كلاهما صوت بوق قوى جداً وبلغة لم يفهماه صاحت الدودة ذات الرأس الأسود،و مع صياحها تحركت أرتال من الديدان راكضين مع عويل وصياح وهياج نحو الرجل العجوز و شجرة اللوز الهرمة، فقالت الشجرة للعجوز:
- تمالك نفسك، تمالك، استعد، اصبر قليلاً، قليلاً بعد، قليلاً بعد، دعها تقترب أكثر، أكثر، أكثر.
ما أن اقتربت الديدان، قالت شجرة اللوز الهرمة للعجوز:
- الآن .
انحت شجرة اللوز الهرمة حتى وصلت فروعها العليا الأرض وحركتها يمنة ويسرةً و الديدان تتطاير هنا وهناك, ولما رأى العجوز ما فعلت الشجرة فعل مثلها، حرك عصاه على الأرض، تهشمت الديدان المهاجمة وتحطمت وتطايرت في الهواء وانسحقت. ابيضت ساحة المعركة بالديدان, إما ميتة او تأخذ أنفاسها الأخيرة او مقسمة على نصفين, ما تبقيها متماسكة تلك المادة الصفراء اللزجة التي تخرج من أحشائها، انسحبت البقية تجر ذيولها أو تعرج, أو تهشم نصف راسها، كل هذا أربك معسكر الديدان ، نظر العجوز إلى شجرة اللوز الهرمة وابتسم لها:
- انتصرنا، انتصرنا، انها مجرد ديدان، لا شيء مجرد ديدان .
فردت عليه الشجرة:
- لم تنتهي المعركة بعد، إنهم يحضِّرون لهجوم ثانٍ، لابد ان نستعد له أيضاً .
فاخرجت شجرة اللوز الهرمة صوتاً عجيباً وكأنه صياح ثور هائج، وكررت صياحها ثلاث مرات، إلا أنها لم تتلقى أية استجابة، فقالت ومسحة حزن بادية على ملامحها:
- بقية الأشجار ترفض أن تحارب، إنها تتجنب الديدان، نحن وحيدان في هذه المعركة فلنستعد لها .
وهما يستعدان للجولة الثانية للحرب، فإذا بالدودة ذات الرأس الأسود، تطلق صيحة عجيبة, و انشطر جيش الديدان إلى نصفين و كأنها تفتح الطريق ثم تقدمت مجموعة من ديدان ذوات رؤوس سوداء إلى مقدمة الجيش في مسافة غير بعيدة عنهم وحركت راسها وكأنها لولب فولاذي، وغاصت في الأرض، والشيخ وشجرة اللوز ينظران إليهم، ما هي إلا لحظات حتى بدأت الأرض تهتز تحتهما و كذلك بدأ صوت يشبه الألم يصدر من شجرة اللوز الهرمة ، ومعها بدأ الدم يخرج من الاطراف السفلى للعجوز و خرجت الديدان من الأرض تحتهما و اخذوا ينهشون في جسميهما ، حتى اسقطوهما أرضاً و أصدر سقوطها دوياً عظيماً و ما رآه الشيخ قبل ان يغمض جفنيه و إلى الابد أن بقية الأشجار في البستان تتساقط ، و اخر ما رآه منها كان سقوط شجرة الحور على الجدول .



#عبدالله_بير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في رواية - الخيميائي - لباولو كويلو Paulo Coelho -.
- قراءة في قصيدة (كلما أنَّ الجسدُ من أسره رَفرَفت الروح) للشا ...
- ملائكة في طريق الجحيم
- ميادة
- قراءة في رواية - الجريمة والعقاب - لفيودور دوستويفسكي - .
- الهرمنيوطيقا (فلسفة التأويل).
- قراءة لديوان (نارنج) للشاعرة نارين ديركي
- ماركس وفوكو والصراع أو الحرب
- اليمن و تجسيد أزمة الإسلام


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله بير - لا تدع الديدان تقترب