أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله بير - المحاكاة














المزيد.....

المحاكاة


عبدالله بير

الحوار المتمدن-العدد: 6027 - 2018 / 10 / 18 - 01:17
المحور: الادب والفن
    


المحاكاة
تجول في المدينة يبحث عن قصة جديدة ، يتفصح الوجوه و الاماكن عسى ان يجد ضالته ، بعد انقطاع الالهام عنه إثر قراءته قصة لكاتب مشهور اثرت في طريقة تفكيره .
بعد ساعات بدأ الاعياء و التعب يتسربان إلى جسده و روحه واحس باليأس ، فاقتحم مقهاً شعبياً قديماً لأخذ استراحة و شرب كوبٍ من الشاي . كان الزبائن مجاميع من العتالين و الحمالين و عاملي النظافة و باعة متجولين و باعة القطع الأثرية في السوق القديم ، كانوا يتبادلون شذرات الاخبار و المواضيع المختلفة ، بدأ يرتاح لان جو المقهى كان مفعماً برائحة السجائر و الابخرة المعطرة برائحة الشاي المختلطة بزفير الزبائن .
مسح بعينيه المقهى من اقصاه إلى اقصاه ، مع كل الوجوه الموجودة فيه ، وهم يتحدثون و يتضاحكون ، فطلب كوباً من الشاي ، اخرج علبة السجائر ، بدا يدخن و يشرب الشاي و يتحدث مع نفسه :
- كل شيء طبيعي ، كل شيء طبيعي ، يقولون لو اردت ان ترى بشكل مغاير ، غير زاوية النظر لديك ، كيف يحدث ذلك ؟ فهذا عتال يبدوا عليه علامات الرضا و ذاك المعمر ذو الملابس الرثة يبدو فرحاً جداً و وجهه مشرقٌ و علامات السرور بادية عليه . وذلك الشاب المعوق ذو الرجل الواحدة ، جالس كأنه ملك الزمان. نظر إلى كوبه و السيجارة على وشك الانتهاء ، فلم يكمل الشاي و خرج بعد أن دفع حسابه لصاحب المقهى .
مشى باتجاه الحي القديم ، و خطط للتسكع في ازقتها ، عله يعثر على ضالته ، لكن ما استوقفه و منعه من ذلك هو وقوف مجموعة من الشبان حول مجنون يسخرون منه وهو نائم و قد افترش الرصيف و ذهب في سبات عميق ، صنع من ورق مقوى مخدة ، كان رث الثياب, اشعث الشعر ، ملتحٍ ، غزا الشيب صدغية و بعض من لحاه . نظر خلسة من وراء ظهورهم ، كان وجه المجنون يبدوا ملائكياً على قارعة الطريق و هو في ذاك السبات عميق ، لم يكدر صفو نومه أي شيء في هذه الدنيا ، فراشه الرصيف و مخدته ورق مقوى ملفوف و لحافه مظلة حديدية لدكان مغلق . احس ببركان من الافكار تنفجر في راسه ، بدأت الاسئلة تتزاحم و لا تدع له مجالاً للأجوبة, تشرق أخرى قبل مغيب الأولى ، كيف ، لماذا ، ما ، مَن ، متى ، اين ......؟؟؟؟؟؟؟ فرجع على عقبيه و راسه يتمايل من الافكار و لا يعرف من اين يبدا و اين ينتهي ، و طفق يردد مع نفسه :
- وجدتها ، وجدتها .....
عاد إلى البيت ، وهو يخطط في عقله أمراً و يتسأل :
- كيف يكون جانب الجنون من الحياة، كيف ؟
عكف في البيت لأشهر دون ان يغتسل او يبدل ملابسه او حتى يحلق لحيته او راسه ، فاصبح كالذي راه في الشارع رث الثياب أشعث الشعر كث الحية . نظر إلى نفسه في المرآة بعد اشهر ، فتفاجئ ، لأنه لم يكد يعرفها، فذهب إلى غرفة المكتب و فتح صفحة بيضاء جديدة في دفتره و كتب اعلاها " حياة مجنون "
ثم خرج إلى الشارع حافياً ، يتلبس الجنون . يجلس حيث يشاء ، يفترش الارصفة و يتناول من القمامة او ما يرمى له من طعام ، ينام في الشارع و يلف ورق مقوى لتكون له مخدة. مع كل اشراقة صباح يعود إلى البيت و يكتب جملة او جملتين مما شعر او احس او سمع او رأى في الليلة الماضية . ولت ليالي الخريف اللطيفة و بدأت برودة الشتاء تعشعش في الارصفة و توجع أطرافه, إلا انه استمر في اللعبة ، كان يصحو مع صوت الرعد او سيولٍ تمر تحته و تبلل ثيابه ، كان يقول في نفسه:
- لم تكتمل القصة بعد .
في احدى صباحات الشتاء الباردة جداً ايقظه شخص كان له مثل منظره و لكنه لم يكلمه ، إنما هزه و لما استفاق و كان يرتجف من البرد اوضح له الرجل بإشارات يدوية ان الجو بارد جدا، فعلا كانت كل بقعة في جسده وكأنها قطعة من ثلج فعاد إلى البيت طلباً لبعض الحرارة ، مكث يوماً او بعض يوم في كي يستعيد عافيته ، وكتب ملاحظاته مثل كل يوم ، وعاد إلى الشارع . في احدى الليالي كان البرد يقرص العظام و غطى الصقيع كل شيء ، كان يفترش رصيفاً تحت سقيفة احدى الدكاكين ، ملء كيس من نايلون بأوراق او بقايا اكياس ممزقة و جعلها مخدة له وافترش قطعة ورق مقوى و التحف بأكياس نايلون متهالكة ، كانت اسنانه تصطك و جسده كله يرتعش، كان البرد لا يطاق وهو يقول في نفسه :
- لم ارى او اسمع بان مجنوناً مات من البرد ، لابد أن لهم حيّل لقهر هكذا برد .
ظل يردد في نفسه هذا الكلام إلى ان شعر بدفً يقتحم رجليه و يتصاعد رويداَ رويداً إلى ان وصل إلى ركبتيه و احس انه يغطس بهدوء في حوض ماء دافئ ، فغفى .
في الصباح الباكر تجمهر بعض الباعة المتجولين و بعض العتالين الذين خرجوا للعمل و بعض الموظفين وهم في طريقهم إلى العمل على جثة رجل رث الثياب كث الحية و قد تجمد من البرد حتى الموت .



#عبدالله_بير (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات سرور
- صديقي لم يكن ارهابيا
- قراءة في كتاب السيميولوجيا و التواصل
- فتاة من طينة الذهب
- ندم اللقاء
- قد لا يأتي الأمل أبداً
- الذي لي ليس لي دائماً
- الخير يأتي اولاَ
- العباءة
- افتح قلبك لتسمع روحك
- الظل
- لا تدع الديدان تقترب
- قراءة في رواية - الخيميائي - لباولو كويلو Paulo Coelho -.
- قراءة في قصيدة (كلما أنَّ الجسدُ من أسره رَفرَفت الروح) للشا ...
- ملائكة في طريق الجحيم
- ميادة
- قراءة في رواية - الجريمة والعقاب - لفيودور دوستويفسكي - .
- الهرمنيوطيقا (فلسفة التأويل).
- قراءة لديوان (نارنج) للشاعرة نارين ديركي
- ماركس وفوكو والصراع أو الحرب


المزيد.....




- تكريم الأديبة سناء الشّعلان في عجلون، وافتتاحها لمعرض تشكيلي ...
- ميريل ستريب تعود بجزءٍ ثانٍ من فيلم -Devil Wears Prada-
- ستيفن سبيلبرغ الطفل الذي رفض أن ينكسر وصنع أحلام العالم بالس ...
- أشباح الرقابة في سوريا.. شهادات عن مقص أدمى الثقافة وهجّر ال ...
- “ثبت الآن بأعلى جودة” تردد قناة الفجر الجزائرية الناقلة لمسل ...
- الإعلان عن قائمة الـ18 -القائمة الطويلة- لجائزة كتارا للرواي ...
- حارس ذاكرة عمّان منذ عقود..من هو الثمانيني الذي فتح بيوته لل ...
- الرسم في اليوميات.. شوق إلى إنسان ما قبل الكتابة
- التحديات التي تواجه الهويات الثقافية والدينية في المنطقة
- الذاكرة السينما في رحاب السينما تظاهرة سينما في سيدي بلعباس


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله بير - المحاكاة