أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميثم الجنابي - العلمانية العراقية – أوهام الأقلية وأحلام الأغلبية















المزيد.....

العلمانية العراقية – أوهام الأقلية وأحلام الأغلبية


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1550 - 2006 / 5 / 14 - 10:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن التطور الدرامي للعراق المعاصر بدأ بالانتقال من زمن الصراع الحزبي الضيق إلى ميدان التاريخ السياسي. بمعنى الانتهاء الأولي من زمن التحالفات والتكتلات المبنية على نفسية الكسب الضيق والغنيمة والرشوة والابتزاز وغيرها من رذائل الحزبية الضيقة. ومن ثم لم يعن "وداع الجعفري" من الناحية الرمزية والفعلية سوى وداع الزمن الكاذب للتحالفات الكاذبة! وهي نتيجة أجبرت الجميع على الإجماع بضرورة الرجوع إلى المجتمع والقانون والممارسة السياسية العلنية مقابل التحالفات المزيفة. لكنه إجبار سوف تجري مواجهته بمختلف الأساليب والأدوات، وذلك لان الأحزاب السياسية في العراق هي من حيث الجوهر أحزاب الأقلية، بالمعنى السياسي والاجتماعي. وإذا أضفنا لها كمية الأحزاب العرقية والطائفية والجهوية الجديدة، فان ذلك يعني استعداد الأغلبية لقبول نفسية الغنيمة، ومن ثم الاستعداد لخوض مختلف "التحالفات" بما في ذلك تلك التي تنتهك فكرة القانون والديمقراطية الاجتماعية، في حال حصولها على"مقابل". وهي ظاهرة يمكن إدانتها من الناحية العقلية والأخلاقية، لكنها تبقى مكونا واقعيا وفاعلا في التقاليد السياسية العراقية (المتخلفة) وشبه السائدة في ظروفه الحالية. وهي حالة لم تكن معزولة عن زمن الخراب الهائل للدكتاتورية.
غير أن ذلك لا ينبغي أن يمنع الرؤية المتفحصة من اكتشاف البراعم الجديدة لما أسميته برجوع الأحزاب السياسية إلى المجتمع والقانون والممارسة السياسية العلنية مقابل التحالفات المزيفة. وهو رجوع مجبور وليس نتاج رؤية عقلانية تلقائية. وهو أمر طبيعي، لان الأحزاب السياسية في العراق لم تتعود ولم تعرف بعد العمل بمعايير التلقائية الذاتية. فزمن الاستبداد الطويل جعل منها أدوات متحركة ونفسية مغامرة وليس قوة اجتماعية وعقل نظري. غير أن الإجبار المعاصر في مجرى الانتقال إلى الديمقراطية والشرعية يصنع براعم الرؤية العقلانية. ولعل أهمها بهذا الصدد هو الإقرار غير المباشر، بان الأقلية هي أقلية. وهي صيغة فجة بمعايير المستقبل، لكنها ضرورية بمعايير الحاضر. فمن خلالها فقط يمكن الارتقاء إلى مصاف الكل الاجتماعي والوطني. وهو ارتقاء يرتبط بارتقاء الفكرة الديمقراطية والشرعية والمدنية والعقلانية إلى مصاف المنظومة المتحكمة في وعي ولاوعي النخب والأحزاب والجمعيات والجماعات والأفراد، أي المكونات الضرورية والفاعلة للمجتمع والدولة.
غير أن البداية الأولية التي تجعل من الأقلية أقلية سواء بمعايير الرؤية السياسية أو الحقوقية هي المقدمة التي تحررها من العيش والعمل والبقاء بمعايير النفسية الضيقة. وهي مقدمة انتقالها من عالم البنية التقليدية إلى عالم الحياة الاجتماعية والسياسية والوطنية، بمعنى إمكانية تحولها من أقلية طائفية أو قومية أو عرقية أو جهوية إلى مكونات ضرورية للتعددية الثقافية والسياسية، أي كل ما يجعل منها طاقة إضافية للإبداع والرقي الاجتماعي والوطني والإنساني في العراق. وهي عملية ما زالت في بدايتها. وهو الأمر الذي يفترض نقد "مقدماتها النفسية" التي تحولت في مجرى عقود من الزمن إلى إيديولوجيات مزيفة، ليست هي في الواقع سوى الصيغة الفجة لتقاليد حزبية أكثر فجاجة.
وسوف أتناول هنا احد جوانبها الفعالة في كيفية "توحيد" القوى وتفرقتها، و"تكتيكها" في الصراع الدائر. والمقصود بذلك قضية "العلمانية" (الدنيوية). وذلك لما لها من أثر فعلي في "تأسيس" الغطاء الإيديولوجي الذي يفسد بقدر واحد مضمونها الحقيقي ومعارضتها الجاهلة من جانب الأصولية الإسلامية. إضافة إلى ما لها من أهمية نظرية وعملية بالنسبة لبناء الدولة ونظامها السياسي، ومن ثم أثرهما بالنسبة للتطور الاجتماعي والثقافي.
إن العلمانية الدارجة في العبارة هي الترجمة غير الدقيقة لفكرة الدنيوية. ومضمونها العام، كما بلورته التقاليد الغربية (الأوربية والأمريكية) هو فصل الدين عن الدولة، بمعنى فصل الكنيسة عن التحكم في السياسة المدنية، مع ما يترتب عليه من جعل الدين قضية شخصية. وهو فصل له تاريخه الخاص وصراعاته الدموية والعنيفة القائمة في خصوصية الكنيسة النصرانية ودورها في مجرى أكثر من ألف عام من السيطرة شبه التامة على حياة الفرد والمجتمع والروح والجسد. ذلك يعنيـ أن العلمانية (الدنيوية) كانت وثيقة الارتباط بمجرى تطور العلاقات الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة في مجرى الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية ومكوناتها الإيديولوجية في حركات النهضة والإصلاح الديني والفكرة الليبرالية والتنوير. وهي عملية أعطى لها عصر القوميات والحركات الاجتماعية الكبرى بعدا جعلها جزء من منظومة القيم المتغلغلة في كل مسام الوجود الأوربي. بمعنى أنها تشمل ليس فقط منظومة الدولة والنظام السياسي والقانون والثقافة والعلوم فحسب، بل والعلاقات الاجتماعية والقومية وانعكاسهما في قيم السلوك المحددة لظاهر وباطن الجسد والروح لكل من الفرد والجماعة والأمة والدولة. وهو تغلغل يمكن العثور عليه وعلى أبعاده العميقة والمنظومية في كل مكونات النشاط الروحي والذهني والعقلي والعلمي والجسدي، باختصار في كل تجليات الفعل الإنساني.
إن ظاهرة الدنيوية الأوربية (الغربية) هي منظومة من القيم والمبادئ تراكمت في مجرى قرون عديدة من خلال صراع عنيف ودموي وقتال لا مثيل له في التاريخ. من هنا احتواءها على أبعاد غاية في التعارض والتضاد، وبالأخص وحدة الدموية والنزعة الإنسانية. ولم يكن ذلك معزولا عن حدة الصراع الذي جعل من "العنف" أسلوب بلوغ السلام. وهي عملية لا تشكل بحد ذاتها نموذجا مثاليا، وذلك لان أي من نماذجها التاريخية الحديثة المعروفة لا يمكنه أن يكون نمطا كونيا وذلك لاستحالة هذه الإمكانية بالنسبة لأية تجربة قومية أو تجارب قوميات. خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار تباين الأديان وتجاربها الثقافية المختلفة. وهي أمور جلية حالما نقارن بين تجارب العالم الأوربي (النصراني) والعالم العربي (المسلم).
وفيما لو تركنا المقارنة التاريخية والثقافية بين هذين العالمين وانتقلنا مباشرة إلى واقع العراق الحالي، فإننا نقف أمام أدلجة مسطحة لإشكالية الدنيوية. بمعنى أنها لم تكن أكثر من أوهام إيديولوجية حزبية. ومن ثم لا تحتوي من حيث الجوهر على أية مساع فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية جدية ومدركة لتأسيس الفكرة الدنيوية. أنها ليست أكثر من تشدق في العبارة مأخوذ من شعارات لم يجر حتى إدراك معناها الأولي. وليس مصادفة أن تكون محل صراع واختلاف بين التيارات القومية والشيوعية!! بمعنى محاولة كل منها تقديم نفسه باعتباره الممثل "الشرعي الوحيد" لفكرة العلمانية. وهو صراع لا علاقة له بالفكرة الدنيوية. ففي إيديولوجية الحزب الشيوعي لم تكن أكثر من ترديد باهت وجاهل لبضعة شعارات وبعض أفكار مجتزئة من بعض الكتب أو الكتيبات الماركسية عن الدين، بينما لم تتعد في إيديولوجية حزب البعث أكثر من مزايدة رخيصة لسحب البساط من تحت أقدام "أذناب الخارج" و"الملحدين"!! وفي كلتا الحالتين نقف أمام حالة غاية في التخلف والاستيعاب المسطح للفكرة الدنيوية. بمعنى جهل مضمون وجوهرية العقلانية والحرية فيها. والتاريخ الحديث لكليهما هو دليل قاطع على ما في هذا الجهل من تجهيل بمضمون العقلانية والحرية. وهي حالة اقرب ما تكون إلى الصيغة اللاهوتية عن تلبيس إبليس! مظهرها الرفض ومضمونها العبودية المتبجحة بذاتها، التي لا ينبغي أن يشاركه أو ينافسه فيها احد! لقد كان إبليس يريد أن يكون لحاله فقط عبدا لله بلا منافس ولا شريك!! وإلا فان الإخلاص للإلوهية سوف ينقلب إلى عبودية تامة لإيديولوجية الإغواء والإغراء! وليست صور ونماذج الصراع السياسي العراقي فيما يتعلق بالدنيوية سوى الصيغة النموذجية لاستلهام "نفسية الشيطان".
فالقوى السياسية التي اشتركت في "إخلاصها التام" من اجل إسقاط الدكتاتورية الصدامية، تحولت بعد "سقوط الصنم" إلى سدنة جدد لإغراء وإغواء إحداها الأخرى من اجل البقاء بالقرب من "رب العرش" (السلطة والمحتل!!). وبما أن القوة التي أخذت تبرز في مجرى الصراع الذي لا تحكمه قواعد قانونية ودستورية (رغم إقراره الشرعي عبر الاستفتاء الوطني العام!) هي "قوى دينية" (شيعية) من هنا بروز ورقة "العلمانية" بين "الأقلية" السياسية، أي الجماعات والاتجاهات والتيارات والحركات والأحزاب التي تعيش وتعتاش وتتعايش بنفسية وذهنية الأقلية. من هنا "التكتل العلماني" بين "الشيوعيين" و"الديمقراطيين" و"البعثيين المنشقين" و"الوطنيين العراقيين" و"القوميين الأكراد"، باختصار بين قوى لا يجمعها شيء جوهري غير نفسية وذهنية الأقلية. من هنا اندفاع "العلمانية"، بوصفها شعار الإغراء الجديد أمام "الخارج" للحصول على تأييد مادي ومعنوي!
إن جميع التيارات والاتجاهات والحركات والأحزاب السياسية العراقية الحالية ليست "علمانية" لا بالمعنى الغربي ولا الشرقي! وذلك لان العلمانية منظومة وليست شعار. أما الادعاء المزيف للحركات القومية الكردية في العراق عن "علمانيتها" فهو مظهر من مظاهر رخويتها المادية والمعنوية. فهو شعار لم يطرح سابقا، ولم يجر مطابقته مع مضمون الحركة القومية الكردية. وذلك لان كل مضمونها وشعاراتها لم تكن في الواقع أكثر من ترديد باهت لشعارات الحركات والأحزاب الوطنية والديمقراطية والشيوعية والقومية العراقية. وهو أمر طبيعي! فالأقلية (والقومية بشكل خاص) لا يمكنها أن تكون قاطرة محركة. إضافة لذلك أن هناك فرقا جوهريا بين العلمانية وضعف التدين أو انعدامه! فالحركات القومية عموما في كل مكان ليست دينية في بداية ظهورها ومظاهرها الأولية. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الحركة القومية الكردية في العراق هي حركات جهوية وذات بنية تقليدية وضعف ذاتي في مكوناتها التاريخية والثقافية، من هنا تتضح رخاوة الفكرة الدنيوية فيها. أنها ليست فكرة، بل نفسية إغواء وإغراء. بمعنى استعدادها لقبول مختلف الصور. وهو أمر جلي حالما ننظر إلى تاريخها السياسي وطبيعة تحالفاتها وتبدل مواقفها.
إن حقيقة الدنيوية (العلمانية) ونموذجها الممكن هي الثمرة المتراكمة من تجارب متكاملة في بناء الدولة والأمة والاقتصاد والعلم والتكنولوجيا والثقافة والقيم. وهو مشروع البديل العراقي وليس واقعه الحالي! بمعنى انه جزء من أحلام الأغلبية ومساعيها العملية وليس وهما أيديولوجيا من أوهام المخادعة النظرية للأقلية المغلقة!



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيطان - الملاك الضائع ودراما الوجود الإنساني
- كتاب جديد للبروفيسور ميثم الجنابي - الحضارة الإسلامية - روح ...
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 2
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 1
- (2) التشيع العراقي والفكرة العربية
- التشيع العراقي والفكرة الوطنية والقومية-1
- العراق - السقوط والبدائل -2
- لولا سيف الحجاج ولسان الحسن-1
- العراق - السقوط والبدائل وأزمة المرجعيات الكبرى
- حزب إسلامي أم حزب شيطاني
- النخبة السياسية ومهمة البديل الوطني في العراق
- النخبة السياسية في العراق المعاصر – أحزاب الطريق المسدود
- النخبة السياسية في العراق - أزلام وأقزام
- النخبة السياسية العراقية - زيف وتزييف
- فلسفة البديل العراقي
- أزلام السلطة ورجال الدولة 2-2
- أزلام السلطة ورجال الدولة -1-2
- كتاب جديد لميثم الجنابي - العراق ورهان المستقبل
- النخبة السياسية والمأساة العراقية! 2 - 2
- النخبة السياسية والمأساة العراقية! 1 - 2


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميثم الجنابي - العلمانية العراقية – أوهام الأقلية وأحلام الأغلبية