أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميثم الجنابي - التشيع العراقي والفكرة الوطنية والقومية-1















المزيد.....

التشيع العراقي والفكرة الوطنية والقومية-1


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1517 - 2006 / 4 / 11 - 10:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لقد كانت كلمة حسني مبارك الأخيرة عما اسماه بولاء الشيعة العراقيين لإيران، هي الصيغة "الرسمية" لخراب فكرة الدولة ورجل الدولة. وهو خراب تؤدي إليه بالضرورة سياسة الاستفراد بالسلطة وتبعاتها المريرة. بعبارة أخرى، إن الحافز الدفين والأعمق لكلمة حسني مبارك لا ينبغي البحث عنه في "الجهل" و"الغباء" وما شابه ذلك كما نراه في صراخ المواقف العجولة. وقد لا تخلو العبارة المنسوبة لحسني مبارك عن هذه المكونات، إلا أنها تبقى جزئية وعابرة عندما يجري النظر إليها بمعايير الرؤية التاريخية والسياسية والقومية، أي بمعايير الرؤية الضرورية لتفسير وفهم كلمات أزلام السلطة، بما في ذاك في العراق نفسه، ممن بدء يذرف الدمع على ما في هذا الاتهام من بطلان، بينما كان وما يزال همه العمل من اجل شق "الائتلاف الشيعي". وهي حالة يمكن فهمها باعتبارها جزء من تقاليد الصراع السياسي المبتذل وضعف التقاليد السياسية المحكومة بالقانون والوعي الوطني الحقيقي.
إن كلمة حسني مبارك هي حلقة أو جزء مدرك من مجرى الصراع السياسي الإقليمي والقومي والدولي حول العراق. وذلك لان حسني مبارك يعرف أو ينبغي أن يعرف على الأقل، بان التشيع ليس غريبا على العرب، بل هم صانعوه. وان الدول العربية الكبرى وإمبراطورياتها التي تأسست، والتي لعبت دورا هائلا بالنسبة لتطور الثقافة والعلوم والنزعات الإنسانية وثيقة الارتباط بالتشيع، بما في ذلك في مصر. ويكفي المرء هنا الإشارة فقط إلى أن الدولة العباسية في المشرق والفاطمية في المغرب كانتا من حيث شعاراتهما وأهدافهما المعلنة في البدء حركات تسعى لإنصاف أهل البيت. والقاهرة نفسها، بوصفها عاصمة مصر العربية هي من تأسيس الشيعة الفاطميين، التي أرسى أسسها وبناها القاهر بالله احد اكبر الخلفاء الفاطميين. كما أن رأس الحسين الحقيقي أو الموهوم مدفون في القاهرة. بعبارة أخرى، إن حسني مبارك لا يمكنه جهل هذه الحقائق البسيطة، وألا لافترض ذلك منا عدم معرفته بتاريخ مصر وعاصمتها. بل أن كلمة العاصمة ليست معزولة عن تاريخ التشيع ومفاهيمه عن العصمة. فالعاصمة هو ما يعصم المرء والمجتمع والدولة من السقوط. والعصمة فكرة جوهرية في التشيع.
وليس المقصود بذلك الدخول في ولع الجدل التاريخي والفكري عن الكلمات والمصطلحات ولكن من اجل البرهنة على أن اتهام الشيعة بشكل عام وشيعة العراق بشكل خاص بالولاء لغير ذاتهم ليس جهلا أو غباء بل هو عين "السياسة" التي لا تعني بالنسبة لأزلام السلطة غير أسلوب المراوغة والغنيمة. وهو نفس مضمون الحكم الذي يمكن إطلاقه عن أن السنة في العالم العربي كان ولائهم للأتراك. وهو ولاء اقرب إلى الواقع من الناحية التاريخية والسياسية. لان الانتفاضات الكبرى والفعلية ضد السيطرة التركية العثمانية كانت أساسا تجري وتحدث بين شيعة العراق واليمن الزيدية (الشيعية). لكنها مقارنة رخيصة ومسطحة للغاية، لأنها تضع الأمور ضمن سياق الجدل الطائفي، ومن ثم جر الأطراف جميعا لدركات الانحطاط السياسي.
وعندما يتصدر رئيس دولة كبيرة مثل مصر، فان كلامه يفترض بالضرورة أن ينطلق من الرأس، أي من العقل وليس من الغريزة. وهو مطلب اقرب ما يكون إلى إشكالية منه إلى بديهية. فالرئيس في الدولة العربية لا يعني بالضرورة انه رأس. وهي المفارقة التي تحل لغز الفكرة التي طرحها حسني مبارك في تقييم الذكرى الثالثة للاحتلال الأمريكي للعراق. والقضية هنا ليس فقط في أن نظامه، شأن اغلب الأنظمة العربية والصدامي بشكل خاص، كانت من حيث الفعل ضمن سياق التمهيد والعمل على احتلال العراق، كل على قدر ما فيه من رذيلة. ومن بين أهم هذه الرذائل هو فقدان الشرعية الاجتماعية والوطنية الحقيقية. وإذا كان العراق يترنح في مسعاه الصعب لاجتياز مرحلة الانتقال من الاستبداد إلى الدولة الشرعية تحت لكمات وضربات مختلف القوى الداخلية والإقليمية، وبالأخص تحت ضربات التخلف والانحطاط الذي تركته التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، فان محاولة حشره في صراع متخلف تبقى احدى المهمات الملازمة للأنظمة غير الشرعية. وبما أن اغلب الأنظمة العربية الحالية لا تتسم بالشرعية الحقيقية، من هنا يمكن فهم الباعث الدفين والأصلي لأسرار "التباكي" و"الحرص" عليه من إمكانية وواقع الحرب الداخلية.
إن المنطق الفعلي للمصلحة القومية أو الرؤية القومية العربية السليمة بهذا الصدد يفترض إرساء وتحقيق النظام الديمقراطي الاجتماعي والمجتمع المدني وتداول السلطة وتحقيق التنمية والتطور العلمي والثقافي والصناعي الشامل. إلا إننا لا نعثر عليه في أي مكان. إن تحقيق هذه المهمات في أي دولة عربية هي المساعدة الكبرى والفعلية والجوهرية بالنسبة للعراق. بعبارة أخرى، إن العراق بحاجة إلى ظهير فعلي في بناء الدولة الشرعية وليس من خلال الحرص على عروبته المستلبة. فهو ادعاء نابع إما عن جهل وإما عن رياء أو كليهما. والقضية هنا ليست فقط في أن شيعة العراق هم عين العراق وذاته بل وفيهم ومن خلالهم وبهم تراكمت تاريخيا كينونة العراق العربية وأثرها في الكل العربي القديم والمعاصر.
إن اللغة العربية ووعيها العلمي والأدبي ونطق الحروف وتلاوة القرآن في كل مكان هي من إنتاج شيعة البصرة والكوفة. ومازالت البصرة والكوفة كما كانت من حيث سكنتها وملامح أهلها في كل شيء، وبالأخص في تشيعهم للعراق والعروبة. وهو تشيع تاريخي وروحي هو صانع ولائهم الفعلي كما نراه في كل تاريخ الانتفاض والتمرد على كل الأنظمة التي كانوا يجدون فيها خروجا على منطق الحق والعدل والحقيقة.
بعبارة أخرى، لقد كان التشيع في العراق منذ البدء هو تشيع للعراق، بحيث كان في احد جوانبه اقرب إلى "القطرية" الضيقة، كما هو جلي في صراعهم ضد السلطة الأموية "الشامية". وهو تاريخ عريق متغلغل في مسام العراقيين، بحيث يدعو الشيعة رغيفهم الخاص بالخبر العربي، ودجاجهم المحلي بالدجاج العربي، وزبدتهم الريفية بالزبد العربي. ويصل التطابق بين فكرة العربي ونمط حياتهم إلى حد الإفراط المضحك أحيانا. ومن هكذا ديدنه لا يمكن أن يكون ولاءه لغير ذاته.
إن غاية التشكيك بالولاء الوطني للشيعة لا تنبع من الغيرة على العراق والوطنية والعراقية والانتماء للعروبة وما شابه ذلك. وذلك لأنها أمور لا تقنع العراقيين ولا المصريين ولا غيرهم. كما أنها لا يمكنها تحقيق أي بديل ايجابي وفعلي وبالنسبة للفكرة الوطنية السليمة في العراق أو العربية في العراق أو خارجه. وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن السياسة المصرية لحسني مبارك وأمثاله كانت تصب أساس في مضمار السياسة الأمريكية بما في ذلك في "تحرير الكويت" و"تحرير العراق" مقابل مكافئات أمريكية سنوية (على شكل "مساعدات") وعربية على شكل رشوة متقطعة محكومة بالمواقف. بمعنى شراء المواقف السياسية. وهي "سياسة" لها تاريخها الخاص والعريق في مصر ما بعد الناصرية. ومن ثم لا تعني إثارة قضية الولاء الوطني للعراقيين الخلص (الشيعة) سوى تسويق موقف مقابل رشوة إقليمية أو أن يكون نتاجا لفكرة طائفية. وكلاهما أقبح من الآخر.
في العراق لا يشك المرء بوطنية القبطي المسيحي ولا يقلل منها بأي قدر كان مقارنة بوطنية المسلم، كما لا يرى فرقا بين وطنية الشافعي والشيعي وأهل الدلتا والصعيد. فكلهم سيان ضمن سياق "مصر أم الدنيا". والشيعي العراقي ليس اقل تعلقا بأرض الرافدين من أخيه المصري، إن لم يكن اشد تعلقا. إن التشيع هو في أتعس الأحوال مذهب وعقيدة. والناس تختلف في المذاهب والمشارب والعقائد. وهو اختلاف يؤثر على نوعية الانتماء الوطني لكنه لا يحدده. فالانتماء الوطني هو وحدة معقدة تتفاعل فيها الصيرورة التاريخية والكينونة الثقافية والرؤية الفردية والاجتماعية والسياسية ومستوى الثقافة وطبيعة النظام السياسي والتربية. ومن ثم من غير الصحيح ربطه بالانتماء العقائدي أو الديني أو المذهبي أيا كان شكله ومحتواه.
وإذا وضعنا التشيع العراقي ضمن هذا السياق العام، حينذاك يتضح بان الشيعة هم ملح العراق. إذ لا يعقل العراق من حيث كونه صيرورة تاريخية وكينونة ثقافية دون البصرة والناصرية (أور) والنجف والكوفة والقادسية والحلة (بابل) وبغداد. ولا معنى للعراق بدون هذه المكونات. وهي "ارض الشيعة". ومن وجهة نظر المذهب وأصوله التاريخية فانه مذهب "آل البيت النبوي"، أي "لب العرب". ومن حيث رؤيته العقائدية وتاريخه السياسي فانه يرتكز على فكرة العدل والتضحية من اجلها. وهي الفكرة التي يتربى عليها الشيعة منذ نعومة أظفارهم. مما أعطى ويعطي دوما لمشاعرهم تلك الوحدة الخفية والمرنة والدائمة للانتماء العراقي العربي المبني على فكرة العدالة والنزعة الإنسانية. وليس اعتباطا أن تظهر فيه مدارس الفكر الإسلامي الكبرى، من أكثرها عقلانية كالمعتزلة إلى أكثرها سموا وإنسانية كالمتصوفة. وجميعها نشأ في مدن العراق الممتدة بين البصرة وبغداد.
إن كل هذه المقومات تجعل من الفكرة الشيعية فكرة عراقية بالطبيعة وليس بالتطبع كما يمكنها أن تكون عند غيرهم. إذ كان بإمكان الرمادي أن تندمج بالمملكة العربية السعودية أو الأردنية الهاشمية، أو أن تندمج السليمانية بإيران، أما عراق الشيعة فهو قادر فقط على جذب الآخرين. وليس في هذا الحكم انتقاصا من احد ولا تغليب لآخر، بقدر ما أنها حقيقة تشير إلى طبيعة التطابق بين الشيعة والعراق والتشيع والعروبة. وفي هذا التطابق ينبغي البحث عن سر الهجوم العنيف للتيارات الأصولية المتخلفة والقومية المزيفة. بمعنى القومية المحكومة بفكرة السلطة وليس الدولة.
فالتحول العنيف الذي مس بنية السلطة والدولة في العراق، وفتح الباب للمرة الأولى في تاريخه الحديث للانتقال من الاستبداد السياسي إلى الديمقراطية، رغم كل ظروفها الصعبة والمعقدة والمتداخلة مع الاحتلال، تبقى العملية الأكثر خطورة بالنسبة للتيارات السياسية التي تفتعل كل ما بإمكانه عرقلة مسيرة التحول السلمي وتكامل الدولة العراقية بمعايير النظام الديمقراطي والشرعية واحترام حقوق الإنسان. وهي عملية تمس النماذج التقليدية للسلطة كما هو الحال في مصر الحالية وغيرها من الدول العربية جمهورية وملكية وقبلية وعائلية، تماما بالقدر الذي نراه في عرقلة القوى السياسية التقليدية من قومية صغيرة وطائفية سياسية وجهوية لا يعرف سلوكها السياسي فكرة التغير والتبدل في "القيادة".



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق - السقوط والبدائل -2
- لولا سيف الحجاج ولسان الحسن-1
- العراق - السقوط والبدائل وأزمة المرجعيات الكبرى
- حزب إسلامي أم حزب شيطاني
- النخبة السياسية ومهمة البديل الوطني في العراق
- النخبة السياسية في العراق المعاصر – أحزاب الطريق المسدود
- النخبة السياسية في العراق - أزلام وأقزام
- النخبة السياسية العراقية - زيف وتزييف
- فلسفة البديل العراقي
- أزلام السلطة ورجال الدولة 2-2
- أزلام السلطة ورجال الدولة -1-2
- كتاب جديد لميثم الجنابي - العراق ورهان المستقبل
- النخبة السياسية والمأساة العراقية! 2 - 2
- النخبة السياسية والمأساة العراقية! 1 - 2
- حرب أهلية = دولة كردية. وهم أو خرافة؟
- الاستفتاء وآفاق الانتقال من نفسية القطيع إلى ذهنية الاختيار ...
- العقدة العراقية – تاريخ البدائل
- العقدة العراقية – خرافة الانحطاط وأسطورة العظمة
- الشخصية العلوية – وحدة المتناقضات المغرية
- العراق وهوية المستقبل


المزيد.....




- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميثم الجنابي - التشيع العراقي والفكرة الوطنية والقومية-1