أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - أزلام السلطة ورجال الدولة -1-2















المزيد.....

أزلام السلطة ورجال الدولة -1-2


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1380 - 2005 / 11 / 16 - 12:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما يقف المرء أمام حالة متدنية من الممارسة السياسية تقترب في أدق تفاصيلها من حد الابتذال المريع، فان التنظير المجرد حولها يصبح شيئا اقرب إلى "التبجيل" منه إلى النقد. بما في ذلك في اشد صيغه نفورا منها واحتقارا لها. وهي الحالة التي اعترتني وأنا اقرأ الخبر المنشور في أكثر من موقع وجريدة على لسان احد الناطقين باسم رئيس الوزراء المؤقت(!)، من أن هناك "مسئولا واحد على سبيل المثال له 3600 حارس راتب كل واحد منهم ما بين 400 إلى 500 دولار في الشهر". إضافة إلى "مخصصات سكن في 15 إلى 16 بيت في المنطقة الخضراء وما يتبعها من تأثيث". وهي إشارة كانت تهدف إلى نقد هذه الظاهرة ولكن من خلال البحث عن "بدائل" تقول، بان العراق يمتلك أموالا طائلة يجري تبذيرها، مع أنها تكفي لحل الكثير من مشاكله الاجتماعية والاقتصادية، التي لم تفعل النخب السياسية الحالية إلا على تعقيدها. أو على الأقل أنها لم ترتق إلى مصاف ما كان يأمل به الناس. وكان من الأجدر به أن يذكر الاسم، من اجل ألا يضع هذه المهمة الجلية والواضحة بالنسبة له على أكتاف الآخرين أو تخمينهم مع ما فيه من جرح للمرء في حال الخطأ و"اكتشاف" مكلف بجهوده مع انه لا معنى له في حال الصواب. إضافة إلى ما في هذه العلنية من أهمية بالنسبة لتربية النخبة السياسية الجديدة في مواجهة نفسها بنفسها. لاسيما وأنها إحدى القواعد العادية بالنسبة لفكرة وممارسة الديمقراطية السياسية الاجتماعية وبناء الدولة الشرعية. وبغض النظر عمن كان يجري الحديث، وهو مما لا شك فيه ممن ينتمي إلى "الفئة العليا" الجديدة في "السلطة الديمقراطية"، فإننا نقف من جديد أمام الإشكالية العصية التي ميزت تاريخ العراق المعاصر. والمقصود بذلك إشكالية "أزلام السلطة" و"رجل الدولة". وهي الإشكالية الأكثر تعقيدا بالنسبة لمصير الدولة الشرعية، مع أنها الأشد جلاء في تاريخ العراق المعاصر. وهو جلاء يستمد أسسه من الحقيقة القائلة، بان مصير الأمم والدولة مرهون في حالات كثيرة بطبيعة نخبها السياسية. كما أن النخبة السياسية هي الوجه الآخر أو الاستمرار الخشن لطبيعة النخب الاجتماعية والفكرية.
وإذا كانت النخبة السياسية هي الصيغة العملية للنخب الاجتماعية والفكرية، فان ارتباطهما الفعلي يمكن رؤيته في مستوى ارتقاء الأمم وانحطاطها. وليس مصادفة أن تسعى النخبة السياسية الخربة إلى تخريب النخب الفكرية والاجتماعية بمختلف الأساليب والوسائل. طبعا إن هذا الاستنتاج لا يخلو من إشكالية أعمق وهي، لماذا وكيف تسمح النخب الاجتماعية والفكرية للنخبة السياسية الخربة بالصعود والاستيلاء على السلطة؟ ولماذا لم يكن دورها الروحي قادرا على تحصين المجتمع من صعود "أزلام السلطة" إلى سدة الحكم؟ وكيف يمكن حل هذه المعضلة المثيرة بالنسبة للعراق في ظروف الانتقال الصعبة من التوتاليتارية إلى الديمقراطية؟ وهل يمكن تحقيق ذلك في ظل نخبة "ديمقراطية" تتلذذ بجيش من الحراس والخدمة والحشم ومختبئة في "المنطقة الخضراء" القابعة في وسط كومة من القذارة والتصحر المادي والروحي للمجتمع؟
طبعا ليس من مهمة هذا المقال الإجابة على كافة هذه الأسئلة، واكتفي هنا بالقول، بان التاريخ الواقعي للعراق يكشف عن أن مقدمات صعود أزلام السلطة إلى سدة الحكم أصبح أمرا "مقبولا ومعقولا" بالارتباط مع تغلغل واتساع نفسية "الشرعية الثورية" والفكرة الراديكالية، اللتين شكلتا في الواقع أسلوب ومبرر انتقال الحثالة الاجتماعية بمختلف أصنافها وأشكالها من مواقعها الهامشية إلى مركز الوجود السياسي. وهي ظاهرة تاريخية يمكن تفسيرها بدقة علمية بما في ذلك بمعايير ومفاهيم العلم السياسي، إلا أنها استطاعت في ظروف العراق ما بعد انقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958 أن تتحول إلى جزء من تقاليد خشنة ما زالت تتحكم بنفسية وذهنية العوام والخواص على السواء. وهو الأمر الذي جعل من العامة خاصة ومن الخاصة عامة. من هنا غياب النخبة بالمعنى الدقيق للكلمة بوصفها القوة الروحية والفكرية لمشاريع البدائل والإبداع المتجدد. تماما بالقدر الذي جعل من هامشية الأمس نخبة سياسية وفكرية! بحيث نرى من لم تتعد حصيلته العلمية مدرسة في أطراف المدن، أو تعليم تقليدي في الجبال، أو وثيقة مزورة من وثائق (شهادات) "المدارس الحزبية" أن يكون قائدا سياسيا ومفكرا ومنظرا، أما في الواقع فان كل هذه الحصيلة لا تساوي غير الابتذال المادي والمعنوي للسياسة والفكر. وهي نتيجة لم يكن بإمكان النخب الاجتماعية والروحية العراقية مواجهتها في كل مجرى النصف الثاني من القرن العشرين بسبب تراكمها الأولي الضعيف في المرحلة الملكية وانهيارها شبه التام في المرحلة الجمهورية.
إذ لم تكن المرحلة الجمهورية، أو بصورة أدق مرحلة الجمهوريات الثلاث السابقة (1958، 1963، 1969) سوى طبقات متراكمة لسيطرة الهامشية والأطراف والأقليات وهمجيتها الشاملة. وقد يكون هو التراكم الفعلي الوحيد الذي حصل في العراق! وهو تراكم قذر بلغ ذروته، أو هوة انحطاطه في زمن الدكتاتورية الصدامية. أما النتيجة فإنها جلية أيضا في افتقار العراق لنخب فكرية وروحية مبدعة. وهو واقع جعل من "أزلام السلطة" القوة التي تمثل فكرة النخبة وتتماهى معها كما لو أنها حاملة الفكر والتفكير والإبداع، مع أن مهمتها الأساسية تقوم في تجسيد المشاريع والبدائل التي تقدمها النخبة المبدعة من رجال الفكر والعلم والأدب والفن. وفي هذه الحالة تكمن مفارقة العراق الحديث وسر انحطاطه المريع. وهي نتيجة وجدت انعكاسها في المعارضة السياسية العراقية، التي أخذت معالمها الباطنية تبرز على حقيقتها في مرحلة "الجمهورية الرابعة" (2003)، بوصفها جمهورية النخبة السياسية المستلبة. وهي نخب أهم ما يميزها أسماء مضخمة وهموم صغيرة!!
وقد أدى كل ذلك إلى أن تكون النخبة السياسية الحالية في العراق هي الوجه المتحزب للانحطاط، أي الأكثر اغترابا من الوقائع والحقائق، والأكثر ابتذالا للقيم، بما في ذلك تلك التي ترفعها في شعاراتها وتنادي بها وتعتاش عليها!! وإلا فكيف يمكن تصور هذا "الهجوم الديمقراطي" العنيف على اقتسام "الغنيمة الصدامية" التي لم تكن في الواقع سوى ثمرة النهب الوحشي الذي لا مثيل له لثروات العراق ومستقبل أجياله. بعبارة أخرى، لم يكن هذا الولع بالأعداد الهائلة "للحرس" و"الحماية" والركض وراء "قصور الشعب" الصدامية سوى الوجه الآخر لتقاليد سياسة المغامرة والمؤامرة المميزة للحثالة الاجتماعية التي وجدت في "السياسة" و"الأحزاب" مرتعها. وهي إمكانية ملازمة لانحطاط الدولة والمجتمع والثقافة. من هنا ليس بإمكان النخبة السياسية العراقية الحالية السائدة أن تكون شيئا غير مكرر أول وثاني لصدام والصدامية بالمعنى الحرفي والمجازي.
إذ نقف أمام استمرار نفسية وذهنية الهامشية المتلذذة بكميات الحرس والحشم وتبذير الأموال المسروقة. وهي ممارسات تشير إلى أن خلاف النخبة السياسية التي كانت تحمل للامس القريب اسم "المعارضة السياسية" مع الحكم الدكتاتوري، كان خلافا مع صدام حول كيفية اقتسام الغنيمة، أي انه لم يكن خلافا سياسيا اجتماعيا. وفي هذا يكمن سر انفضاحها المريع بوصفها معارضة "أزلام السلطة" وليس حاملة "البديل الديمقراطي" و"الإنساني" و"العراقي". فممارساتها السرية والعلنية، طموحها ومساعيها ليست إلا صورة باهتة للصدامية، لأنها لم تبن حتى قصرا، بل اكتفت بصراع حامي الوطيس من اجل حشر نفسها في "قصور الطاغية". وهي الصيغة المجازية لمعنى كونها مكرر ثاني للصدام والصدامية. وهو تكرار يعكس نفسيتها وذهنيتها الهامشية بالمعنى التاريخي والثقافي والسياسي أيضا.
وفي هذا التكرار يمكن أيضا رؤية الأبعاد الرمزية والفعلية في خاتمتها، ألا وهو الحكم على النفس في البقاء مختبئة في "منطقة خضراء". بمعنى البقاء فيها خضراء دوما بلا نضوج!! وهي خاتمة فعلية نهايتها القطع الدائم شأن المهمة الضرورية للحشائش. وهي الخاتمة الملازمة لأزلام السلطة، بوصفهم حشائش في زينتها! بينما شجرة الدولة هي كيان وكينونة جذورها عميقة في ارض التاريخ والشعب والوطن، وفروعها وثمارها باسقة في سماء المستقبل.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب جديد لميثم الجنابي - العراق ورهان المستقبل
- النخبة السياسية والمأساة العراقية! 2 - 2
- النخبة السياسية والمأساة العراقية! 1 - 2
- حرب أهلية = دولة كردية. وهم أو خرافة؟
- الاستفتاء وآفاق الانتقال من نفسية القطيع إلى ذهنية الاختيار ...
- العقدة العراقية – تاريخ البدائل
- العقدة العراقية – خرافة الانحطاط وأسطورة العظمة
- الشخصية العلوية – وحدة المتناقضات المغرية
- العراق وهوية المستقبل
- الاستفتاء والمحاكمة – الابتذال الديمقراطي لفكرة الحق
- العد العكسي لزواج المتعة بين القيادات الإسلامية الشيعية والق ...
- المأساة والأمل في العراق
- هادي العلوي: المثقف القطباني 11 من 11
- هادي العلوي: وحدة اللقاحية والمشاعية الشرقية 10 من 11
- هادي العلوي: المثقفية والابعاد الروحية والحضارية 9 من 11
- هادي العلوي - المثقفية والابعاد الاجتماعية والسياسية -8 من 1 ...
- هادي العلوي: المثقفية او القيمة الابدية للمثقف 7 من 11
- هادي العلوي - الثقافة الحقيقية هي الثقافة المعارضة 6 من 11
- هادي العلوي - الثقافة والسلطة كالعقل والطبع 5 من 11
- هادي العلوي - التاريخ المقدس هو تاريخ الحق 4 من 11


المزيد.....




- أمطار غزيرة وعواصف تجتاح مدينة أمريكية.. ومدير الطوارئ: -لم ...
- إعصار يودي بحياة 5 أشخاص ويخلف أضرارا جسيمة في قوانغتشو بجن ...
- يديعوت أحرونوت: نتنياهو وحكومته كالسحرة الذين باعوا للإسرائي ...
- غزة تلقي بظلالها على خطاب العشاء السنوي لمراسلي البيت الأبيض ...
- ماسك يصل إلى الصين
- الجزيرة ترصد انتشال جثامين الشهداء من تحت ركام المنازل بمخيم ...
- آبل تجدد محادثاتها مع -أوبن إيه آي- لتوفير ميزات الذكاء الاص ...
- اجتماع الرياض يطالب بفرض عقوبات فاعلة على إسرائيل ووقف تصدير ...
- وزير خارجية الإمارات يعلق على فيديو سابق له حذر فيه من الإره ...
- سموتريتش لنتيناهو: إذا قررتم رفع الراية البيضاء والتراجع عن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - أزلام السلطة ورجال الدولة -1-2