أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - النخبة السياسية والمأساة العراقية! 2 - 2















المزيد.....

النخبة السياسية والمأساة العراقية! 2 - 2


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1376 - 2005 / 11 / 12 - 11:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد توصلت في الجزء الأول من هذا المقال إلى أن النخبة السياسية الحقيقية هي التي تعمل بمنطق البدائل وليس بقواعد التأقلم الكلبي. وهو استنتاج يرتقي إلى مستوى البديهية، بما في ذلك في مجال العلم السياسي. تماما كما أن من بديهيات الأمور في الفكر السياسي أن تكون قدرة النخبة السياسية أو الحزب السياسي على قدر ما فيهما من استعداد فعلي لتمثل المصالح الجوهرية للمجتمع والدولة والأمة. وفي الحالة المعنية على ما فيهما من قدرة على تمثل المصالح الجوهرية للمجتمع والدولة في العراق. لكننا حالما ننظر إلى واقع الأحزاب والنخب السياسية في ظروف العراق الحالية فإننا نقف أمام حالة تبدو فيها البديهة السياسية مطلبا "مثاليا"، أي صعب المنال!! فالأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية الشيعية العربية – قلبها في الحوزة وعيونها إلى النجف وكربلاء وأطرافها تعمل من اجل الاستيلاء على أجساد العرب لتحويلهم إلى طائفة (شيعية). والأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية السنية العربية – قلبها ينبض فقط بالاقتراب من السلطة، وعيونها إلى عروبة مزيفة وأطرافها تعمل من اجل الاستيلاء على أجساد العرب من اجل تحويلهم إلى طائفة (سنية). والأحزاب العلمانية العراقية (العربية) مشتتة القلب والأطراف مهمومة بالتحالف الكاذب مع الآخرين، أما روحها فهو التأقلم مع تقاليد السرقة والابتزاز. والشيوعيون وأمثالهم لا قبلة لهم ولا دين بعد سقوط موسكو والشيوعية غير التأقلم مع "نحن" لا قيمة لها ولا معنى. والحركة الطالبانية الكردية – لا قلب لها ولا فؤاد غير السليمانية، ولا تتقن من الحكمة السياسية سوى لعبة المغامرة السياسية في بغداد وكركوك، أما أطرافها فسائبة مع الجميع وقوتها المصطنعة في رخويتها الفعلية. أما الحركة البارازانية الكردية فقلبها في اربيل وعيونها متنقلة من ارث جبلي تقليدي إلى واشنطن وخدمها، وأطرافها متعاونة وخاذلة لأبناء جلدتها والآخرين.
إن هذه الأحكام التي لا تخلو من "قسوة" في مظهرها، لا تنفي بالطبع وجود فضائل عند الجميع. وذلك لان مضمونها الفعلي يقوم في محاولتها الكشف عن طبيعة النقص الجوهري عند النخب والأحزاب السياسية في العراق، باعتبارها النتيجة الملازمة لزمن الانحطاط الشامل في الدولة والمجتمع والثقافة. إلا أن ذلك لا يقلل من مسئولية هذه الأحزاب والنخب، كما انه لا يزيل إشكالية القضية نفسها والقائلة، بان قوى من هذا النوع ليست قادرة على تقديم وتحقيق بديل واقعي وعقلاني لتاريخ الخراب والانحطاط في العراق. وهي نتيجة يمكن وضعها في فكرة تقول، بأنه إذا كانت مآسي الأمم على قدر انحطاطها، فإن نجاحها على قدر ما فيها من نخب رفيعة المستوى ومجتمع حي هو مصدر وجودها ومعين إبداعها الأصيل. وبدون ذلك تصبح المأساة فعلا لا علاقة له بالعقل والضمير والإبداع. فالمآسي تصبح فضيلة فقط عندما تتحول إلى بلاء عظيم لقلوب أعظم، أي عندما تكون لقلوب الأمم كاللهب للذهب. فهو الأمر الذي يجعل منها طاقة لتنقية القلوب والعقول.
ودروس التجربة التاريخية للعراق الحديث تكشف عن أن مصدر مأساته تكمن في عدم تكامله الذاتي. وهو تكامل يستحيل تحقيقه دون تكامل الأحزاب والنخب السياسية في رؤية وطنية واجتماعية واقعية وعقلانية. وعدم التكامل المشار إليه أعلاه هو الضعف الذي جعلت منه العقود الخمسة الأخيرة زمنا للتجزئة المغلفة بالوطنية الكاذبة والقومية الأكثر كذبا والتدين الأشد غشا. بحيث تحول العراق إلى كتلة متراكمة من التجزئة القومية الضيقة والعرقية والطائفية الآخذة في الصعود حاليا. وهو صعود يمثل عين السقوط. وفي أفضل الأحوال لا ينتج غير انحطاط آخر لا جديد فيه ولا معاصرة! كما انه لا يفعل إلا على استثارة النفسية الدموية ونزوعها التخريبي.
إذ لا يمكن للنزعات القومية الضيقة والعرقية والطائفية أن تحصل على إجماع وطني. كما أنها غير قادرة على الخروج من مآزقها الذاتي بوصفها أيديولوجيا المأزق التاريخي. من هنا ليس صعودها سوى الوجه الآخر لسقوطها التاريخي. وهي حالة عادة ما تميز الأبعاد الموضوعية في مرحلة الانتقال الكبرى من التوتاليتارية إلى الديمقراطية. وهو الأمر الذي يجعل من صعود القوى الممثلة لهذه النزعات شيئا أقرب ما يكون إلى كبش فداء. أنها كبش بالمعنى السياسي، وفداء بالمعنى التاريخي. وهي مفارقة تعكس مفارقة العراق المعاصرة. بمعنى خروجه من نفق التجزئة التوتاليتارية المغلفة بالوحدة والدخول إليه من جديد باسم "الديمقراطية". بينما تفترض حقيقة الديمقراطية الفعل والعمل بمعايير المصلحة الاجتماعية وقوة الشرعية والقانون، وليس بمعايير ومقاييس الدعاوى الأيديولوجية.
فالقومية الضيقة والعرقية والطائفية هي قوى مجزئة. مما يجعلها بالضرورة ضعيفة من حيث إمكانياتها الوطنية، ومنهكة في ثباتها الاجتماعي، وناقصة في عقلها العراقي. وديمومتها الوحيدة هي المؤقت والتأقلم. وهي ديمومة لا تصنع ثباتا واستقرارا ديناميكيا للعراق. مما يحرفها بالضرورة عن فكرة الدولة الشرعية والمجتمع المدني والثقافة العقلانية. مع ما يترتب عليه من استعداد دائم لاقتراف الرذيلة "السياسية" والتقلب فيها بمعايير ومقاييس العابر والمؤقت.
ومن حصيلة هذين الاثنين، أي الاستعداد الدائم للتأقلم والخيانة الاجتماعية يظهر "فداءها" التاريخي. بمعنى أنها منفذة المهمة التاريخية التي جعلت الانتقال من التوتاليتارية إلى الديمقراطية، ومن اللاشرعية إلى الشرعية مهمة مقرونة بالقوى الأجنبية الغازية للعراق، بينما هي مجرد أداتها السياسية الظاهرية. وهو الأمر الذي جعل منها بالحقيقة والمجاز كبش الفداء التاريخي. وهي مهمة تستجيب إلى ما فيها من استعداد للمرور بكل أوحال مرحلة الانتقال الوسخة في العراق، ولكن بوصفها قوة انتقالية من حيث مقدماتها وتاريخها وفكرها وذهنيتها ورؤيتها للمستقبل. وفي هذا يكمن سر المأساة التاريخية الحالية للعراق. بمعنى أن صعود قوى سياسية لا علاقة عضوية لها بتاريخ العراق ومضمون كينونته الثقافية إلى "قيادة" و"توجيه" حركة الانتقال التاريخي الكبير إلى الديمقراطية هو الثمن الذي ينبغي أن يدفعه العراقيون من اجل التطهير العقلي والأخلاقي للرذيلة التي جعلت من الممكن صعود مثل هذه القوى إلى هرم السلطة.
فالقوى المؤقتة والعابرة هي النتاج غير المباشر لزمن التوتاليتارية والدكتاتورية. بمعنى إنها نتاج مرحلة الانحطاط التام في بنية الدولة والنظام السياسي والثقافة والعلاقات الاجتماعية. من هنا واقع استمرار بنية الدولة التوتاليتارية في "مؤسسات" "الحكم المؤقت". فعوضا عن التوتاليتارية نرى براعم ومظاهر الاستفحال الشامل للنعرات العرقية والقومية الضيقة والطائفية الدينية والسياسية. وعوضا عن حكم الحزب والعائلة في النظام السياسي البائد نرى توسع المحاصصة نفسها على أسس القومية والطائفية والجهوية وليس على أساس الكفاءة والنزاهة كما نراه جليا في توزيع مناصب الوزارة والمؤسسات والفساد الإداري والمالي والأخلاقي. وكما كانت حال الثقافة والمثقفين زمن الاستبداد الشامل نرى معاداة الثقافة والمثقفين على أسس أيديولوجية قومية ودينية مزيفة. وكما كان الحال بالنسبة لإبعاد المجتمع عن إدارة شئون الدولة والرقابة نرى نفس التوجه العام عن الاستمرار الفعلي في تفتيت القوى المدنية وإحلال النزعات الجهوية والعرقية والطائفية.
أما النتيجة الحتمية لهذا السلوك فيقوم أيضا في استعداد هذه الأحزاب والنخب السياسية للخيانة الاجتماعية والسياسية. وهو أمر يشير بدوره إلى أنها لم تتعظ من تاريخ المأساة العراقية، وأنها مازالت تعيش في زمن الانحطاط، دون أن تعي بان الانحطاط دوامة مخرجها الوحيد: الزوال من مسرح التاريخ والاندثار من ذاكرة الأمم!




#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النخبة السياسية والمأساة العراقية! 1 - 2
- حرب أهلية = دولة كردية. وهم أو خرافة؟
- الاستفتاء وآفاق الانتقال من نفسية القطيع إلى ذهنية الاختيار ...
- العقدة العراقية – تاريخ البدائل
- العقدة العراقية – خرافة الانحطاط وأسطورة العظمة
- الشخصية العلوية – وحدة المتناقضات المغرية
- العراق وهوية المستقبل
- الاستفتاء والمحاكمة – الابتذال الديمقراطي لفكرة الحق
- العد العكسي لزواج المتعة بين القيادات الإسلامية الشيعية والق ...
- المأساة والأمل في العراق
- هادي العلوي: المثقف القطباني 11 من 11
- هادي العلوي: وحدة اللقاحية والمشاعية الشرقية 10 من 11
- هادي العلوي: المثقفية والابعاد الروحية والحضارية 9 من 11
- هادي العلوي - المثقفية والابعاد الاجتماعية والسياسية -8 من 1 ...
- هادي العلوي: المثقفية او القيمة الابدية للمثقف 7 من 11
- هادي العلوي - الثقافة الحقيقية هي الثقافة المعارضة 6 من 11
- هادي العلوي - الثقافة والسلطة كالعقل والطبع 5 من 11
- هادي العلوي - التاريخ المقدس هو تاريخ الحق 4 من 11
- هادي العلوي: الابداع الحر - معارضة أبدية -3 من 11
- هادي العلوي- من الأيديولوجيا إلى الروح 2 من 11


المزيد.....




- بايدن لـCNN: لن نورد أسلحة لإسرائيل إذا دخلوا رفح.. ولم يتجا ...
- بصور أقمار صناعية.. كم تبعد المساعدات الإنسانية عن غزة؟
- سفير إسرائيل بـUN يرد على تصريحات بايدن لـCNN
- -حماس??بايدن -.. بن غفير يهاجم بايدن ولابيد يعلق: إذا لم يطر ...
- تعرف على التاريخ المثير للجدل لنقل الشعلة الأولمبية
- -كان قرارا كارثيا-ـ غضب في بايرن إزاء طاقم التحكيم أمام الري ...
- العرض العسكري.. روسيا تحيي الذكرى الـ79 للنصر على النازية (ف ...
- مواطنون روس ينظمون مسيرة -الفوج الخالد- في لبنان ومصر (فيديو ...
- أنقرة: تركيا الدولة الأولى في تقديم المساعدات الإنسانية لغزة ...
- لابيد يدعو نتنياهو إلى إقالة بن غفير


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - النخبة السياسية والمأساة العراقية! 2 - 2