أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - العقدة العراقية – خرافة الانحطاط وأسطورة العظمة















المزيد.....

العقدة العراقية – خرافة الانحطاط وأسطورة العظمة


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1364 - 2005 / 10 / 31 - 10:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن الحالة التي يمر بها العراق الآن لا يتكرر فيها في الواقع سوى ما هو مميز لحالات الانحطاط الذي يجعل من كل الأحوال أمورا مقبولة. بحيث يتحول التوكل المزيف إلى علامة التقية، والتقية إلى أسلوب السرقة والابتذال، والوطنية إلى متاجرة زهيدة، والزهد إلى احتيال على عقول البسطاء. باختصار إننا نعثر على كل الأشكال المحتملة للرذيلة بوصفها جزء "حيويا" من الحياة. وهي الحالة التي تجعل من الخرافة أمرا معقولا عند أولئك الذين يشكل الانحطاط والتخلف مرتع وجودهم الفعلي!! وهي أيضا حالة ليست غريبة على واقع الانحطاط.
فالعقدة العراقية الحالية هي في جوهرها الصيغة المعقدة لزمن الانحطاط الذي ميز تاريخه الحديث. وهي عقدة سوف يحلها الزمن بالضرورة عبر تحويلها إلى جزء من تاريخ وعيه الذاتي. إلا أنها عملية محكومة أساسا بمستوى ارتقاء النخب السياسية والاجتماعية الجديدة القادرة على رؤية الأبعاد العقلانية والنفعية في الفكرة الوطنية المبنية على أسس الشرعية والقانون وقواعد المجتمع المدني والثقافة الحرة. وبدونها لا يمكن إنتاج شيئا غير خرافات عرضة للزوال والاندثار المريع "لانتصاراتها" و"انجازاتها"، لأنها في الواقع لا شيء!
وعندما نتأمل التاريخ العراقي في مختلف مراحله وإبداعه الذاتي في ميدان الدولة والفكر، فإننا سوف نقف بالضرورة أمام إغواء المقارنة الحية من اجل إغراء العقل على تأمل ماضيه، أو تأسيس الفكرة من اجل أن تعمل لصالحه الحقيقي. وهي مقارنة لا ينبغي أن تبتلع الفكرة من اجل ألا يكون الأسلوب غاية بحد ذاته. فمن المعلوم، أن المقارنات التاريخية حالما تصبح أسلوبا من أساليب الوعي السياسي، فإنها عادة ما تؤدي إلى إنتاج وإعادة إنتاج مختلف أشكال الوعي الاجتماعي. فعندما تكون أسلوبا من أساليب الوعي المبتذل، فإنها تؤدي بالضرورة إلى إنتاج مختلف أشكال الوعي المشوه وعقده المتناقضة. وهي نتيجة يستتبعها بالضرورة أيضا ترسيخ حالة الانحطاط الفكري والسياسي. وعلى العكس من ذلك، كلما كانت المقارنة تتمثل حقائق الأحداث التاريخية، فإنها تؤدي بدورها إلى ترسيخ أسس الرؤية الواقعية والتفاؤل العقلاني بالمستقبل.
والقضية هنا ليست فقط في أن المقارنة قادرة على صنع عوالم متنوعة في الرؤية والمزاج الاجتماعي، بل ولما فيها من قوة على تأسيس الرؤية الواقعية أو تخريبها، عقلنة المزاج الاجتماعي أو جعله مخبولا. إذ ليست المقارنة في الواقع سوى الصيغة الصورية لمنطقية الكلمة. فكلمة الجنون تصبح عقلا عندما تكون في محلها، كما أن كلمة العقل تصبح جنونا عندما لا تكون في محلها. ونفس الشيء يمكن قوله عن المقارنة التاريخية بوصفها صيغة صورية عن كيفية رؤيتنا وتمثلنا لحقائق الماضي وأحداثه. بمعنى أن فاعليتها ونوعية تأثيرها في الرؤية والمواقف الاجتماعية متوقفة على ما إذا كان توظيفها يرمي إلى إثارة المزاج الاجتماعي والإبقاء عليه أسير التقاليد اللاعقلانية، أم تمثله بالشكل الذي يجعل منها قوة إضافية في تأسيس وبناء وعي الذات التاريخي العقلاني.
فالحالة الأولى عادة ما تميز نفسية وذهنية القوى السياسية التقليدية والمغامرة، بينما الثانية هي الصفة الملازمة لقوى الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي. وذلك لان غاية الأولى هي الإبقاء على نفسية العوام التقليدية وذلك لسهولة توظيفها السياسي بما يخدم المصالح الضيقة للنخب السياسية، أما غاية الثانية فهي نقل المزاج الاجتماعي إلى مصاف الرؤية السياسية الواقعية، بوصفه الأسلوب الملازم لبلوغ التحرر الاجتماعي الفعلي.
كل ذلك يحدد قيمة وأهمية وفاعلية المقارنة التاريخية بالنسبة للوعي السياسي، انطلاقا مما فيها من قدرة على صنع الوحدة الثقافية في الوعي الاجتماعي من جهة، وشحذ الرؤية النقدية في الوعي السياسي من جهة أخرى. وهي جوانب غاية في الأهمية بالنسبة للوعي الوطني الذي تعرض، كما هو الحال في تاريخ العراق المعاصر، إلى تهشيم وتخريب هائلين، أي إلى انقطاع راديكالي دمر بصورة لا مثيل لها تراكمه الذاتي (العراقي).
فعندما نقول، بان العراق يقف أمام مفترق طرق، أو انه يعاني من ثقل عقدة فعلية بين التاريخ والزمن فيه، قان ذلك مؤشر إلى طبيعة وحجم الخلل الفعلي في استمرار مكوناته ومقوماته الذاتية. وهي مكونات ومقومات لا يمكن عقلها دون وحدة ارثه الثقافي بشكل عام والسياسي بشكل خاص. إذ فيهما ومن خلالهما يمكن للوحدة الاجتماعية والوطنية أن تتفاعلا بوصفها قوى ديناميكية في توسيع مدى ونوعية الاعتدال والعقلانية. لاسيما وان هذه المقارنة تصب في اتجاه تأسيس وتوسيع وترسيخ بنية وعي الذات القومي والتاريخي حالما يجري وضعها بمعايير الرؤية الواقعية والحالمة. غير أن ذلك لا يعني سحريتها في هذا المجال، بقدر ما أنها تشير إلى واقع يقوم فحواه في بقاء واستمرار المشكلة أو الإشكالية كما هي، ومن ثم الدوران في فلك الاجترار الدائم للزمن. مع ما يترتب على ذلك من استثارة مريرة لتناقض الزمن والتاريخ في الوعي وانعكاسه الأكثر مرارة في البقاء ضمن فلك الدوران الدائم في عبث الزمن الضائع! وليس مصادفة أن تكون عبارة "الزمن السيئ" و"الزمن الضائع" الأكثر انتشارا في المزاج الاجتماعي والمقارنات السياسية والصور الأدبية في تاريخ العراق الحديث. وهو واقع يشير إلى انه لم ينجز معنى الحداثة، وان تاريخه الحديث في اغلبه هو زمن سيئ وضائع، أي لا تراكم فيه ولا تطور نوعي. بمعنى افتقاده لمعنى التاريخ ومقوماته فيه. إذ يبدو تاريخه الحديث مجرد سلسلة من الانقلابات العاصفة كل منها حلقة قائمة بذاتها مهمتها "البناء الجديد"، أو "الانطلاق من الصفر" كما لو انه ولادة بلا استمرار، أو ولادة ميتة. هي حالة فعلية وليست تصويرا أدبيا.
وحالما ننقل هذه الصورة الأدبية إلى ميدان الرؤية السياسية التاريخية، فإننا نقف بالضرورة أمام الحقيقة الصارمة القائلة، بان التاريخ لا يعرف تكرارا، وان التكرار هو من نصيب الزمن فقط. فالأحداث التاريخية لا تتكرر إذ لا تكرار في الوجود، إلا أنها تتكرر في الذاكرة التاريخية، أو على الأقل تستثيرها بالشكل الذي يمكن أن يجعل منها عبرة ضرورية لعبور المراحل المعقدة في تاريخ الأمم، كما هو الحال في مراحل الانتقال الكبرى، أو التحولات الراديكالية الجارفة. غير أن تكرار المقارنات التاريخية يشير بدوره أما إلى عدم الاستفادة من تجارب التاريخ، أو استمرار جذور الأزمة وعدم الخروج من دورتها. ففي الحالة الأولى نقف أمام واقع يشير إلى ضعف الوعي الذاتي في مستوييه التاريخي والقومي، وفي الثانية إشارة إلى انعدام وجود البدائل الفعلية القادرة على جعل الزمن تاريخا متكاملا في حياة الدولة والمجتمع، أي في تراكم كينونتهما الثقافية.
وهي الحالة التي أكثر من يجسدها العراق أكثر من أي بلد عربي آخر في التاريخ الحديث. بحيث يمكننا أن نرى فيما يجري صورة لأحداث سحيقة في التاريخ والوعي الذاكرة. فهو يبدو في مظهره ومحتواه الآن كما لو انه الكيان الذي يمر بحالة اقرب ما تكون إلى حالة مرور بمعصرة تعتصر أرواح وعقول وأجساد كل من فيه وتجبرهم على البحث عن خلاص يعيد لهم معنى الحياة وقوة الشباب، كما اعتصر قبل آلاف السنين جلجامش ورماه في لجة البحث عن سعادة أبدية تعيد له قدرة التعايش مع الحياة وإشكالاتها الكبرى. بمعنى البقاء في عز الشباب والقوة، والفناء في إشكالاتها المبدعة. وهو بحث تتوج في العثور على إكسير الحياة الأبدية لتسرقه أفعى الغفلة والإرهاق. وهي الحالة التي يواجهها العراق اليوم.
إننا نستطيع أن نرى في وجوده وكفاحه حالة أشبه ما تكون إلى حالة جلجامش الأسطورية. غير أن الفرق الجوهري بينهما يقوم في أن عظمة العراق القديم هي التي صنعت أساطيره على عكس ما يحدث الآن. وهي حالة تشير إلى مفارقة كبرى يقوم فحواه في الحقيقة القائلة، بان الأسطورة لا تصنع عظمة، بل العظمة هي التي تصنع أسطورة.
فالقوى الطائفية والعرقية والسلفية المتخلفة، باختصار قوى الانحطاط الاجتماعي والسياسي لا يمكنها أن تصنع عظمة لان حدودها محكومة بخرافة الانتماء الضيق وفقدان الإبعاد الوطنية الحقيقة في التخطيط والرؤية والفعل. وليس التزاحم والمنافسة الحالية من اجل وضع كلمة "العراق" أو "العراقية" على لافتات التحالفات والتكتلات لخوض الانتخابات سوى العلامة التي ترمز إلى بداية إدراكها لقيمة الأبعاد الوطنية في القول والفعل والرؤية. ولكنه إدراك لم تحدده بعد حقيقة الأبعاد الوطنية. بمعنى أن الوطنية العراقية لم تتحول بعد إلى مضمون وجوهر وغاية الأفعال السياسية، أي أن "الوطنية العراقية" ما زالت جزء من مغامرة الصراع السياسي وليس أسلوبا لتأسيس فاعليته في بناء الدولة والمجتمع والثقافة. وهي أساليب لا تفعل في نهاية المطاف إلا على تصنيع خرافات جديدة مصيرها الزوال. بينما المهمة الكبرى تقوم في التحرر من ثقل الخرافات أيا كان شكلها ومضمونها من اجل صنع عظمة قادرة على بعث أسطورة الحياة فيه بوصفها جهادا واجتهادا من اجل التحرر من ثقل الزمن واجتراره الدائم. لكي يكون بإمكان العراق الانتقال فعلا إلى بناء تاريخه الذاتي الحر



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشخصية العلوية – وحدة المتناقضات المغرية
- العراق وهوية المستقبل
- الاستفتاء والمحاكمة – الابتذال الديمقراطي لفكرة الحق
- العد العكسي لزواج المتعة بين القيادات الإسلامية الشيعية والق ...
- المأساة والأمل في العراق
- هادي العلوي: المثقف القطباني 11 من 11
- هادي العلوي: وحدة اللقاحية والمشاعية الشرقية 10 من 11
- هادي العلوي: المثقفية والابعاد الروحية والحضارية 9 من 11
- هادي العلوي - المثقفية والابعاد الاجتماعية والسياسية -8 من 1 ...
- هادي العلوي: المثقفية او القيمة الابدية للمثقف 7 من 11
- هادي العلوي - الثقافة الحقيقية هي الثقافة المعارضة 6 من 11
- هادي العلوي - الثقافة والسلطة كالعقل والطبع 5 من 11
- هادي العلوي - التاريخ المقدس هو تاريخ الحق 4 من 11
- هادي العلوي: الابداع الحر - معارضة أبدية -3 من 11
- هادي العلوي- من الأيديولوجيا إلى الروح 2 من 11
- هادي العلوي المثقف المتمرد 1 من 11
- الديني والدنيوي في مسودة الدستور - تدين مفتعل وعلمانية كاذبة
- الدستور الثابت والنخبة المؤقتة
- أورليان الجديدة وأور القديمة – جذر في الأصوات وقطيعة في الأن ...
- الحداد الرسمي لفاجعة الكاظمية = مأتم ابدي + ثلاثة أيام


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - العقدة العراقية – خرافة الانحطاط وأسطورة العظمة