أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - الديني والدنيوي في مسودة الدستور - تدين مفتعل وعلمانية كاذبة















المزيد.....

الديني والدنيوي في مسودة الدستور - تدين مفتعل وعلمانية كاذبة


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1313 - 2005 / 9 / 10 - 11:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن الجدل الذي أثير وما يزال يثار حول ما يسمى بقضية العلمانية في مسود الدستور "الدائم" المقترح للعراق، لم يلامس حقيقتها كما هي. وذلك لان الدستور لا يحتوي من حيث الجوهر على رؤية واضحة ومحددة لإشكالية الدين والدنيا، أو الديني والدنيوي بشكل عام وكيفية تجسيدها في وثيقة قانونية كبرى مثل الدستور. وهو أمر جلي في طبيعة المواد الدستورية المسجلة فيه. فهي خليط من تصورات وأحكام ومفاهيم وقيم لعل الديباجة هي صيغتها النموذجية. حيث نقف أمام "مقدمة" تحتوي على خليط غير متجانس من القيم والمفاهيم والأحكام لا يجمعها سوى رغبة القوى المشتركة في كتابة مسودة الدستور من اجل إبراز تاريخ معاناتها الخاصة.
إننا نقف أمام مقدمة مهمتها الرجوع إلى الخلف أو الماضي. وفيها تبرز بوضوح الخلفية الإيديولوجية المميزة لكل ديباجات الدساتير العراقية السابقة، بعد انقلاب الرابع عشر من تموز. وهو تقديم لا يهم ولا "يلهم" سوى كاتبيها وذلك لأنه ينبع أساسا من رغباتهم لتصفية الحساب مع الماضي من اجل "مستقبلهم" هم لا لمستقبل العراق. بينما حقيقة الدستور هي العمل من اجل تنظيم وتقنين الصيغة العامة للحقوق والواجبات بمعايير الدولة ومصالح المجتمع الكبرى. بعبارة أخرى إن الدستور الحقيقي هو الدستور الذي يتمثل تجارب الدولة والمجتمع بالشكل الذي يجعله قادرا على تأسيس هوية المستقبل. وحالما نضع هذه الفكرة بوصفها المرآة الناصعة أمام مسودة الدستور الحالية، فإننا سوف لن نر فيها غير لوحة سوداء عندما نتأملها بمعايير الدولة الشرعية والبديل الديمقراطي والرؤية العقلانية وحجم الخلل الهائل والخراب العنيف والتضحيات الرهيبة التي قدمها العراق والعراقيين في مجرى سيطرة الراديكالية السياسية بشكل عام والبعثية الصدامية بشكل خاص.
إننا نقف أمام استعادة فجة لنفسية وذهنية الراديكالية السياسية التي حكمت العراق في غضون أربعة عقود حالكة تعيد من حيث أثرها التخريبي القرون الأربعة المظلمة في تاريخه. ولعل قضية الدين والدنيا أو الديني والدنيوي، أو إشكالية العلمانية والدين هي احد نماذجها الأكثر بروزا. ففيها تبرز مظاهر الرؤية المتخلفة تجاه الحقوق والواجبات، كما نعثر فيها إلى نكوص عن تجارب الراديكالية وحتى الدكتاتورية منها بهذا الصدد. إضافة إلى نفيها خراب الماضي بتخريب المستقبل.
فالتناقض الصريح بين مواد الدستور الداعية بمختلف صيغها المباشرة والمستترة لجعل الإسلام مصدرا رئيسيا للتشريع مع الدعوة في الوقت نفسه لجعل الديمقراطية منهاج الدولة والمجتمع والقانون، بمعنى ألا تتعارض التشريعات مع "ثوابت الإسلام" ومع "الديمقراطية" هو بحد ذاته تناقض يصعب حله بمعايير القانون وقيم الحرية. وهي صيغ تعبر أولا وقبل كل شيء عن نفسية وذهنية القوى القائمة وراءه، أي القوى الإسلامية الشيعية والقومية الكردية. ومن ثم لا يعني التقاءها واتفاقها في الواقع سوى مساومة سياسية هي اقرب ما تكون إلى "زواج متعة" لا إلى عقد اجتماعي مختوم بقواعد الرؤية القانونية وفكرة الحق.
إذ لم تتعد مسودة الدستور كونها "وثيقة اتفاق" سياسية لا تشكل بحد ذاتها إلزاما قانونيا على المدى القريب والبعيد، شأنها بذلك شأن "قانون الحكم المؤقت". فقد كان القانون جزء من لعبة السياسة ومستلزماتها كما تعودت عليها الأحزاب في العراق وليس "قانونا" بمعنى جزء من رؤية حقوقية بشكل أي اختراق لها جريمة تعرض صاحبها للمسائلة والعقاب. دع عنك ما في "قانون الحكم المؤقت" نفسه من انعدام للشرعية بحد ذاته. وقد يكون ذلك هو سر الانتهاك الفعلي له بوصفه نتاجا لانعدام الشرعية. وما جرى يجري بعده هو استمرار له لا غير. أما التبرير السياسي فيبقى حتى في أفضل وسائله وسبله ومستوياته مجرد جزء من لعبة الخيال المريض لا من لعبة الديمقراطية المقيدة بقواعد القانون والحق، أي بفكرة الدولة ومصالح المجتمع الكبرى. وهي الحالة التي شكلت "مساومة" القوى السياسية الدينية (الشيعية) والقومية (الكردية) استمرارا لها، بمعنى انتهاكا للقانون وفكرة الحق باسم الدستور والشرعية. وهي مفارقة تعكس مستوى الاغتراب الفعلي لهذه القوى عن إدراك حقائق التاريخ العراقي المعاصر وعدم الاعتبار من تجاربه المريرة وما أدت إليه.
فالمحاولات التبريرية لتمرير الدستور تحت حجة "الظروف المرحلية" و"مرحلة الانتقال" و"ما لا بد منه" و"خير قليل أفضل من شر كثير" و"درجة في مسار الديمقراطية" وما شابه ذلك تبقى من حيث الجوهر جزء من إيديولوجية التبرير ولعبة السياسة المغامرة. وهي سياسة تفقد الدستور قيمته الجوهرية بالنسبة لصنع الثبات في المجتمع والدولة والنخب السياسية. وبدونها يستحيل بناء الدولة الشرعية ومقومات فاعليتها. وذلك لان نفسية وذهنية المؤقت لا تفسح المجال أمام تراكم الخبرات والقيم والمفاهيم والقواعد، على العكس أنها تصبح مرجل حرقها الدائم. وهي ممارسة قد تنتج دخان كثيف إلا أنها لا تحمل لنا دفأ ولا بردا، بل حريقا دائما للخبرة والاحتراف. بينما هما القوتان الضروريتان للمجتمع الديمقراطي الحي.
بعبارة أخرى إن تبرير ما جرى بمفاهيم "المرحلة الانتقالية" و"المساومة" هو تبرير الخروج على منطق وحقيقة الدستور بشكل عام والدائم منه بشكل خاص. فالدائم يفترض نوعا من الثبات الديناميكي لا ينتجه غير فكرة الحق كما هي. ولا حق ولا حقوق ثابتة وواضحة المعالم في رؤية الدستور لعلاقة الديني وبالدنيوي. إلا أن الواضح فيها ومن خلالها زيف القوى القائمة وراءه. بمعنى إننا نقف أمام قوى إسلامية شيعية كان همها الأساسي هو تثبيت رؤيتها الضيقة والطائفية كمحاولة للالتفاف على الشيعة من خلال تحويلهم إلى طائفة، من هنا "تنازلها" للقوى القومية الكردية من خلال إدخال بعض مواد "القانون المؤقت" إلى "الدستور الدائم". وهو تناقض قانوني صارخ لكنه مفهوم من وجهة نظر المداهنة السياسية. أما القوى القومية الكردية "العلمانية" فقد قبلت بالمواد الدينية مقابل الحصول على "جميع المكتسبات". وليس المقصود بها من حيث الجوهر سوى الإبقاء على "خلاف الأرض" في العراق!! من خلال المواد المنقولة من "القانون المؤقت" إلى الدستور، واقصد بذلك ما يسمى المادة 58. بعبارة أخرى إن الهم الباطني والوحيد للقوى الكردية "العلمانية" هو المادة 58، أي كركوك وليس غيرها، تماما كما كان الحال في الموقف من "قانون الحكم المؤقت"، أي أن الجوهري فيه بالنسبة لها هو المادة 58. وفي كلتا الحالتين لا توجد في الواقع سوى نفسية الغنيمة.
ذلك يعني إننا نقف أمام قوى سياسية لا تفهم حقيقة الدستور والدستور الحقيقي على انه تنظيم قانوني رفيع المستوى للحقوق المدنية وشكل الدولة ونظام الحكم وغيرها من الأمور الجوهرية بالنسبة لوجود المجتمع، بقدر ما تعتبره أسلوبا للحصول على غنائم. إن الدستور بالنسبة لها هو مساومة سياسية. ومن ثم فان كل المواد المسجلة فيه هي في الواقع مواد مؤقتة لأنها تنبع من هاجس المؤقت في الموقف من المفاصل الجوهرية للقانون الدائم (الدستور). وهو أمر يعطي لنا إمكانية القول، بان إشكالية الديني والدنيوي في مسودة الدستور هي إشكالية الخديعة القائمة في التقاء "تدين" مفتعل عند القوى السياسية الشيعية و"علمانية" كاذبة عند القوى القومية الكردية.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدستور الثابت والنخبة المؤقتة
- أورليان الجديدة وأور القديمة – جذر في الأصوات وقطيعة في الأن ...
- الحداد الرسمي لفاجعة الكاظمية = مأتم ابدي + ثلاثة أيام
- جسر الأئمة أم طريق المذبحة المقبلة للانحطاط السياسي العراقي
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية-6 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 5 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 4 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 3 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 2 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 1 من 6
- حق تقرير المصير- في العراق – الإشكالية والمغامرة
- هوية الدستور الحزبي ودستور الهوية العراقية؟
- أشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق-2 من 2
- إشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق+1 من 2
- الخطاب القومي الكردي في العراق - التصنيع العرقي 2 من 2
- الخطاب القومي الكردي في العراق - الهمّ الكردي والهمّ العراقي ...
- مرجعية السواد أم مرجعية السيستاني? 9 من 9
- الأهمية الفكرية للمرجعية-8 من 9
- الاهمية السياسية للمرجعية 7 من 9
- الأهمية الروحية للمرجعية 6 من 9


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - الديني والدنيوي في مسودة الدستور - تدين مفتعل وعلمانية كاذبة