أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - جسر الأئمة أم طريق المذبحة المقبلة للانحطاط السياسي العراقي















المزيد.....

جسر الأئمة أم طريق المذبحة المقبلة للانحطاط السياسي العراقي


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1305 - 2005 / 9 / 2 - 12:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن المرء ليصاب بالدهشة للوهلة الأولى حالما يرى صورة الفجيعة التي التقطتها ونقلتها مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. وهي صورة سوف تطغي على أساليب الإثارة واغتيال الوعي العقلاني فيما يتعلق بمضمونها الفعلي من وجهة نظر البدائل والمستقبل في العراق. إذ ليس محاولات الجماهير عبر جسر "الأئمة" وانحسارها فيه وموتها عليه سوى الصيغة التي يمكن رؤية رمزية الانقطاع المحتمل لجسر الانتقال من التوتاليتارية البعثية إلى توتاليتارية السلفية الجديدة والطائفية السياسية. إننا نقف أمام لوحة يعيد القدر فيها رسم صورة معبرة عن حقيقة ما يمكن أن تؤدي إليه كل محاولة مخالفة لحقيقة الهوية الوطنية العراقية. وهو قدر يصب بالضرورة، كما تبرهن عليه كل الأحداث التاريخية المأساوية لعراق القرن العشرين، وبالأخص بعد انقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958، الذي ادخل البلاد في هوجاء صراع دائم وانعدام فعلي للاستقرار الشامل فيه. وهو أمر يشير إلى أن العراق لم يصنع، بل لم يقترب بعد من فكرة الوطنية العامة بوصفها الإطار القادر على صنع منظومة سياسية واجتماعية قادرة على توحيد الجهود، رغم اختلافها السياسي والفكري، على مرجعيات وطنية كبرى.
إنني أتذكر عندما كنت صغيرا، سماع أحاديث النسوان في البيوت، عندما كن يتكلمن عن "هجوم محتمل" لرجال من الاعظمية على الكاظمية "للفعل بنسائها"، وعن بطولات رجال من الكاظمية تصدوا لهم على رأس الجسر. وهي أحاديث نساء كما يقال. لكنها لا تخلو من بقايا الانقسام والتجزئة والانحطاط التي كانت تفعل فعلها بنا نحن الصغار. وهي ذكريات كانت تتغلغل في أعماق الذاكرة وتعيد إنتاج صورتها المفتعلة مع كل تأزم في الواقع والحياة والرؤية والمستقبل. لكنها مرت مع مرور الزمن لكي أواجهها من جديد بعد رجوع العائلة من البصرة إلى موطن الطفولة: الكاظمية. فهي المنطقة المثيرة والملهمة بتاريخها وعبق أسواقها القديمة وعرباتها الجملية التي كانت تقلنا عبر شارع النواب إلى "المركز"، أي الصحن الكاظمي. وهو الطريق الذي كان يثير بي دوما ذكرى المدرسة الأولى. وهي الأولى من نوعها أيضا التي كانت الدراسة فيها مختلطة بين البنات والبنين (مدرسة العروبة). والتي علمتني معنى الحرية واحترام البنات وتقدير النساء! كما علمتني إمكانية تذليل كل "ذكريات" الماضي وأقوال النسوان. وحالما كنت اذهب لزيارة "بيت جدي" في بغداد الجديدة فقد كان الطريق عبر الاعظمية مرورا بجسر الأئمة هو الطريق "الوحيد" والمفضل.
وها هو "جسر الأئمة" يتحول من جسر صانع لذكريات جميلة إلى طريق الجحيم للأطفال والنساء والرجال، باختصار لكل أولئك الذي لم يكن انتقالهم عليه سوى جزء من مغامرة الوعي وخبث "النخبة" السياسية الحالية. فالجسور مهمتها ربط الشواطئ والأطراف وسكانها، وليس تعريضهم للقتل والموت المجاني. وهي حالة حالما تتكرر، فإنها تصبح جزء من قدر اللعبة لا من لعبة القدر. وحالما تجمع بينهما، فان كل ما يجري من موت مفاجئ عليها يصبح جزء من تخطيط العقل الماكر لرجل السياسة أو المغامرة الساذجة للوعي الجماهير في عدم إدراك المغزى الحقيقي القائم وراء ما يقوم به من أفعال وحركات.
فالفاجعة "الكاظمية" هي أولا وقبل كل شيء فاجعة النخب السياسية والوعي الجماهيري المخدوع، أي الاشتراك المباشر وغير المباشر والفعال للرذيلة السياسية والانحطاط العام. وهي نتيجة مترتبة بالضرورة على كل انحراف فعلي عن حقيقة الهوية الوطنية العراقية التي مازالت رهينة القوى "الصاعدة" من مستنقع الانحطاط والقابعة في دهاليز الاحتلال. وهي فاجعة تشير بدورها أيضا إلى أن الموت البطيء أو المفاجئ هو النتيجة المترتبة على كل فعل سياسي للنخب التي تجعل من سياسية الابتعاد عن حقائق الوطنية العراقية أسلوبها للسيطرة والتحكم. وإذا كنت جموع العراقيين هي التي دفعت ثمن هذه المغامرة الرذيلة، فان التطور السياسي والاجتماعي العراقي القادم سوف يضع النخب السياسية الطائفية والعرقية أمام حساب عسير.
فالتجارب التاريخية للأمم تبرهن على أن انحطاط الأمم قد لا يقف عند حد، خصوصا عندما تمارس هي "بمحض إرادتها" حب السباحة في مستنقعات التخلف والرذيلة. لكنها ممارسة تشير أولا وقبل كل شيء إلى أن "النخبة" السياسية هي التي تقف على الدوام وراء هذا الانحطاط، بوصفه الأسلوب الذي يعبر أما عن مستوى إدراكها السياسي، أو طبيعتها الذاتية أو تطبعها التاريخي. وما جرى من أحداث فاجعة ومثيرة للعقل والضمير هو احد النتائج الملازمة للفعل المبطن والمستتر القائم في نوايا النخب السياسية في ظروف العراق الحالية، واقصد بذلك أولا وقبل كل جهة أخرى النخب السياسية للحركات والأحزاب الشيعية المستبدة حاليا بالسلطة السياسية.
ففي أسلوبها "تجميع" و"تحشيد" الجماهير ينعكس مستوى إدراكها السياسي. وهو مستوى يميز جميع الأحزاب السياسية التقليدية في العراق، التي تعتقد بان كمية الجماهير الحاشدة والمكتظة هو معيار الحقيقة. وهو أسلوب يعكس طبيعتها بوصفها قوى راديكالية همها الأساسي هو العيش بمعايير الزمن. فهي لا تحترم الوقت ولا الجهد البشري ولا قيمة المستقبل. إن حشد الملايين في ظروف العراق الحالية هو تبذير وإسراف ملايين الساعات الضرورية من العمل من اجل إعادة عمران العراق. إننا لا نعثر على أي جهد يرمي إلى ترميم الخراب الشامل في العراق. على العكس أن الانهماك الجدي الوحيد هو تعميق وتوسيع الخراب الفعلي للعقل والضمير وتقاليد العمل، أي كل ما يشكل أساس ومقدمة وقاعدة البديل الديمقراطي والاجتماعي المتطور. كما نعثر في هذه الممارسة والسلوك "السياسي" على سياسة لها جذورها التاريخية العريقة فيما أسميته بالتطبع التاريخي لهذه الحركات التي تمثل وتتمثل تقاليد المؤسسات المغلقة.
إن التجارب التاريخية للأمم الناجحة والمتطورة والأكثر أخلاقية تبرهن على أن حقيقة الديمقراطية لا تستجيب للزيف الديني، كما أنها لا تستقيم مع الطائفية بشكل عام والسياسية بشكل خاص، وذلك لان هذا النوع من الوعي لا يصنع في الواقع سوى رغبة الانعزال ونفسية الانغلاق وذهنية القطيع. وهو الأمر الذي يجعل من "التضحية" قرابين للمكر السياسي الملازم للمؤسسة الدينية وأحزابها السياسية.
إن فاجعة الكاظمية الجديدة هي مجرد حلقة إضافية في سلسلة الانحطاط الديني والمعنوي والاجتماعي، وقربانا إضافيا لدماء العراقيين من اجل تعزيز سلطة الزيف السياسي للنخب الطائفية والعرقية في العراق الحالي. إلا أن التاريخ يبرهن أيضا على أن قربان الزيف لا تصنع غير أوهام وأصنام سرعان ما تنهار.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية-6 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 5 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 4 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 3 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 2 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 1 من 6
- حق تقرير المصير- في العراق – الإشكالية والمغامرة
- هوية الدستور الحزبي ودستور الهوية العراقية؟
- أشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق-2 من 2
- إشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق+1 من 2
- الخطاب القومي الكردي في العراق - التصنيع العرقي 2 من 2
- الخطاب القومي الكردي في العراق - الهمّ الكردي والهمّ العراقي ...
- مرجعية السواد أم مرجعية السيستاني? 9 من 9
- الأهمية الفكرية للمرجعية-8 من 9
- الاهمية السياسية للمرجعية 7 من 9
- الأهمية الروحية للمرجعية 6 من 9
- المرجعية الشيعية ومرجعية التقليد - الواقع والآفاق 5 من 9
- المرجعية الشيعية - الفكرة والتاريخ الفعلي 4 من 9
- فلسفة المرجعيات في التراث العربي الإسلامي3 من 9
- مرجعية الروح المتسامي ومرجعية النفس السيئة 2 من 9


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد ما فعلته دببة عندما شاهدت دمى تطفو في مسب ...
- شاهد: خامنئي يدلي بصوته في الجولة الثانية من انتخابات مجلس ا ...
- علاج جيني ينجح في إعادة السمع لطفلة مصابة بـ-صمم وراثي عميق- ...
- رحيل الكاتب العراقي باسم عبد الحميد حمودي
- حجب الأسلحة الذي فرضه بايدن على إسرائيل -قرار لا يمكن تفسيره ...
- أكسيوس: تقرير بلينكن إلى الكونغرس لن يتهم إسرائيل بانتهاك شر ...
- احتجاجات جامعات ألمانيا ضد حرب غزة.. نقد الاعتصامات وتحذير م ...
- ما حقيقة انتشار عصابات لتجارة الأعضاء تضم أطباء في مصر؟
- فوائد ومضار التعرض للشمس
- -نتائج ساحرة-.. -كوكب مدفون- في أعماق الأرض يكشف أسرار القمر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - جسر الأئمة أم طريق المذبحة المقبلة للانحطاط السياسي العراقي