أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ميثم الجنابي - حق تقرير المصير- في العراق – الإشكالية والمغامرة















المزيد.....

حق تقرير المصير- في العراق – الإشكالية والمغامرة


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1295 - 2005 / 8 / 23 - 13:40
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


إن الشعارات الكبرى على قدر حجم التحولات الكبرى التي تحدث في التاريخ الخاص (للأمم) أو التاريخ العام (العالمي). ذلك يعني أنها محكومة أما بطبيعة الإيديولوجية السائدة أو بفاعلية الفكرة وشعارها المناسب بالنسبة للمصالح القومية أو الإستراتيجية للجهة التي ترفعه وتدافع عنه (دولة كانت أو حزبا). وهو حكم ينطبق في الواقع على أي شعار مهما كان شكله ومحتواه. ذلك يعني، أن الشعارات السياسية هي على الدوام تعبير عن مصالح وأسلوب لبلوغها. وهو أمر لا يتعارض مع ارتقاء الوعي الإنساني في كيفية مواجهة المشاكل وحلولها. ومن بين هذه الشعارات الكبرى شعار "حق الأمم في تقرير مصيرها". وهو شعار شكل احد البنود الكبرى لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية منذ بدايات القرن العشرين، إلا أن تجارب القرن العشرين الأمريكية كانت في اغلبها فعلا مناقضا له. وهو تحول لا يعكس "الخبث" الأمريكي، بقدر ما انه يعبر عن "مكر التاريخ" المعاصر الذي جعل من الولايات المتحدة قطبا عالميا و"إمبراطورية ديمقراطية" تتنازعها أطراف المتضادات في كل شيء، بما في ذلك الموقف من قضايا الحرية والديمقراطية والحق. وهو تناقض مميز لحالة الخلاف أو عدم التطابق الفعلية بين الشعار السياسي والمصالح القومية، الذي يطبع سلوك الدول جميعا دون استثناء. وإذا كان الأمر كذلك، فان ذلك يعني أن الشعار السياسي هو شعار مرحلي، أو انه في أفضل الأحوال جزء من ارتقاء الرؤية السياسية وجزء من إشكاليات الصراع الواقعية. فقد كان شعار "حق الأمم في تقرير مصيرها" هو الصيغة الأمريكية الجديدة للدخول إلى العالم بعد تقوقع طويل. كما انه الأسلوب الذي كان بإمكانه منافسة أوربا القديمة وإيقاف نزاعاتها وراء ظهر "المارد الأمريكي" الجديد. وتاريخ الاستبدال الأمريكي لمواقع الكولونياليات الأوربية القديمة في أسيا (فيتنام وكل دول الهند الصينية والفيليبين واندونيسيا وغيرها) وأمريكا الجنوبية (جمهوريات الموز) وأفريقيا والعالم العربي (الدعم غير المقيد لإسرائيل، وأخيرا احتلال العراق) هي مجرد حلقات في تحور الفهم الأمريكي "لحق الأمم في تقرير مصيرها" بوصفه جزء من تغير وتبدل الأولويات في "المصالح الحيوية" للولايات المتحدة، أي رؤيتها الإستراتيجية.
وبغض النظر عن كل خلفيات وبواعث شعار "حق الأمم في تقرير مصيرها"، فان تاريخه السياسي يبرهن على أن هذا الحق هو ليس هبة معطاة، بل هو اقرب ما يكون إلى الوجه الآخر لتضحيات الأمم أو النتيجة المترتبة عليها من اجل بلوغ ما ترتئيه حقها الأكبر ومصيرها الذاتي. وإلا فبأي معنى يمكن أن يكون المصير غير ما تصير إليه الأمم بإرادتها. وذلك لأن المضمون الفعلي لحق تقرير المصير يتطابق مع حقيقة ما تريده الأمم وما تسعى إليه بوصفه مصيرها. من هنا يمكن التعامل مع الفكرة على أنها شعار، غير أن مضمونها الواقعي عادة ما يتوقف على واقعية الرؤية وعقلانيتها في بلوغ هذه الغاية. وهو ما يشكل البعد التاريخي في الشعار وتجسيده. أما البعد الآخر (المعنوي) فهو إشكالية اشد تعقيدا مما يبدو للوهلة الأولى. والقضية هنا ليست فقط في أن حقوق الأمم ليست هبة، بل ولأن اكتسابها الفعلي هو عين تحقيقها. وتحقيقها هو عين النضج الفعلي في مصير الأمم. وبهذا المعنى يصبح "حق تقرير المصير" هو حق الجميع في أن تقرر مصيرها كما تريد.
غير أن تجارب التاريخ بشكل عام والسياسية بشكل خاص تشير إلى أن إطلاق هذا الحق بالصيغة الآنفة الذكر سوف يجعل من الحق هراوة أو أداة للاقتتال، ومن تقرير المصير أسلوبا محتملا للاستعباد والإذلال. كما نراه على سبيل المثال في تحول "التحرير الأمريكي" للعراق إلى "احتلال" و"الديمقراطية" إلى سبيكة متخلفة من الطائفية والعرقية. طبعا أن هذه النتيجة لم تكن ثمرة ملازمة لما كانت الولايات المتحدة تنوي القيام به، بمعنى أن ما يجري في ظروف العراق الحالية هو الوجه الآخر والاستمرار "الطبيعي" للخراب الذي تركته التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، إلا أن ما يجري فيه الآن يكشف أيضا عن الحقيق القائلة، بان حق تقرير المصير في العراق والتحرر والديمقراطية هي ليست هبة، بقدر ما أنها ترتبط بمستوى تطور الوعي الاجتماعي والوطني في كيفية مواجهته وحله للإشكاليات الكبرى.
والإشكاليات الكبرى التي يواجهها العراق حاليا تقوم في كيفية إعادة بناء نفسه بصورة حرة استنادا إلى قواعد الشرعية والديمقراطية الاجتماعية والفكرة المدنية. بعبارة أخرى، إن المضمون الواقعي لفكرة تقرير المصير في ظروف العراق الحالية تقوم في كيفية تصيره في دولة شرعية ديمقراطية مدنية. فهي الرؤية الواقعية والعقلانية لتقرير المصير الفعلي للجميع. في حين أن فكرة حق تقرير المصير في ظروف العراق الحالية عادة ما يجري حصرها بفكرة "الاستقلال الكردي" عن العراق. ذلك يعني، إن فكرة حق تقرير المصير تصبح "حق" الاستقلال، و"حق" الأكراد فقط. وهو حق لا خلاف عليه من حيث المبدأ والصيغة المجردة. بمعنى أن للأكراد حق تقرير المصير بأنفسهم، بما في ذلك حقهم في الانفصال وبناء دولتهم المستقلة. ومن الناحية المبدئية، الإنسانية والحقوقية لا خلاف حول حق الأكراد التام والشامل والمطلق بتقرير المصير، أي بالانفصال عن العراق وبناء الدولة القومية المستقلة، أو تحديد نوع العلاقة الممكنة مع العراق أو مع غيره من الدول.
وهو حق ينبغي الاعتراف به للجميع دون استثناء، بما في ذلك في العراق. بمعنى حق التركمان والكلداآشوريين وغيرهم بوصفهم أقليات مكونة للعراق، شأنهم شأن الأكراد. فمن الناحية التاريخية والثقافية ليس "كردستان" العراق سوى أرض الآشوريين، كما أنها أرض التركمانيين بالمعنى التاريخي والسياسي والدولتي. بمعنى أن للآشوريين والتركمانيين أحقية تاريخية وثقافية وسياسية ودولتية في شمال العراق لا يمكن مقارنتها بحال الأكراد فيه. فالتركمان اعرق وأحق من الأكراد في شمال العراق بمعايير التاريخ والدولة والسياسة والثقافة والزمن. أما بالنسبة للآشوريين فإنهم سكانه الأصليين وواضعي أسسه العامة والخاصة وهويته التاريخية والثقافية بوصفهم قوما عراقيا. أما العرب فإنهم من تماهت وتطابقت فيهم هوية العراق. فهم ذات العراق بالمعنى المتعارف عليه تاريخيا وثقافيا ودينيا وقوميا وإقليميا وعالميا. أي أنهم حقيقة العراقية والعراقيين. فالعرب هو عراقيون، كما أن العراقيين عرب على الأقل من ناحية التاريخ والثقافة. وظل كذلك حتى في أكثر مراحله انحطاطا، أي في أواخر المرحلة العثمانية. فقد ظل متشكلا من وحدة الموصل وبغداد والبصرة، أي كل وادي الرافدين أو "العراق العربي" بعد اجتزاء بعض مناطقه الأصلية وضمها إلى تركيا الحديثة وإيران. وهي حقيقة جرى وضعها أيضا في "تقسيم" المنطقة وإخراج العراق بصيغته الحالية من أحشاء السلطنة المنحلة بعد اتفاقية سايكس بيكو. والاستثناء الوحيد والنسبي هو للسليمانية. فقد كانت اربيل ودهوك آشورية تركمانية عراقية، وكركوك تركمانية آشورية عربية كردية عراقية.
مما سبق يتضح بان فكرة "حق تقرير المصير" من حيث كونها حق الانفصال، لا تتمتع في العراق بأرضية تاريخية ثقافية حقوقية. أنها اقرب ما تكون إلى مطلب سياسي إيديولوجي. وهو مطلب له تاريخه الخاص في الرؤية الشيوعية، مع أنها تسعى من حيث المبدأ والغاية إلى القضاء على فكرة الانفصال والتجزئة. إلا إننا يمكن فهم بواعثها في خصوصية القيصرية الروسية ومستوى تطور روسيا وطبيعة الاحتلال الروسي لأراضي القوميات والشعوب والأقوام الأخرى. أما في العراق، فانه لم يجر احتلال أية أراض كردية، أو أيما ارض أخرى. وذلك لان طبيعة الأرض في العراق ليست جغرافية، بل ثقافية. بمعنى إننا نعثر في "كردستان" العراق على العراق وتراكم مكوناته الآشورية والعربية والتركمانية والكردية، أي نعثر فيه على طبقات التراكم التاريخي الثقافي للأقوام والشعوب التي أسست العراق وساهمت في بناء هويته التاريخية الثقافية واستمراريته الحديثة. ومن ثم لا يمكن لأية جهة أن تنفصل بذاتها أو تستقل بوصفها كيانا قائما بذاته، وذلك لان مكونات العراق، بما في ذلك الجغرافية هي طبقات متراكمة وليست حلقات منفصلة.
إن ربط فكرة حق تقرير المصير بالانفصال بالنسبة للعراق تعني حق التصفية العرقية. وذلك لان المقصود منه هو اقتطاع الأرض وليس الخروج البشري من العراق. بينما لا توجد ارض قومية (عرقية) في العراق. أما الانتشار السكاني فانه لا يحتوي بحد ذاته على قيمة أو دليل على ملكية الأرض أو قوميتها. وهناك العشرات، بل المئات من الظواهر والحالات التي قطنت فيها شعوب مختلفة أراض غير أراضيها، بحيث تشكل أحيانا النسبة المطلقة فيها، دون أن يعني ذلك حق "اقتطاعها" أو مصادرتها القومية. وقد تكون دول آسيا الوسطى نموذجا كلاسيكيا بهذا الصدد. إذ لا تتعدى نسبة السكان الأصليين في هذه البلدان النصف أو الثلثين. بل أن نسبة الروس في بعض المناطق تبلغ 99% كما هو الحال في كل النصف الشمالي من كازاخستان! أو وجود وانتشار الملايين من بلدان المغرب العربي في فرنسا. بعبارة أخرى أن حق تقرير المصير في العراق هو إشكالية وليس حق من حيث مقدماته، ومغامرة وليس رؤية واقعية وعقلانية من حيث نتائجه. انه "حق" بمعايير الرؤية الإيديولوجية، وإشكالية بمعايير الرؤية التاريخية والثقافية، ومغامرة بمعايير الرؤية السياسية العقلانية. وعدم إدراك هذه الخصوصية يؤدي بالضرورة إلى تحول فكرة الحق إلى إشكالية مغامرة، أي إلى احد أتعس السبائك وأكثرها تخريبا بالنسبة للمصير القومي. وذلك لما فيها من تأثير مباشر وغير مباشر على تخريب وتشويه الرؤية الواقعية والعقلانية. مع ما يترتب عليه من تدمير لإمكانية بناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي الاجتماعي والمدني، ومن ثم تهيئة الأرضية النفسية للصراع القومي والعرقي. وفي ظروف العراق والمنطقة سوف يدفع الجميع، كل على مقدار ما فيه من قوة وضعف ثمنه المناسب.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوية الدستور الحزبي ودستور الهوية العراقية؟
- أشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق-2 من 2
- إشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق+1 من 2
- الخطاب القومي الكردي في العراق - التصنيع العرقي 2 من 2
- الخطاب القومي الكردي في العراق - الهمّ الكردي والهمّ العراقي ...
- مرجعية السواد أم مرجعية السيستاني? 9 من 9
- الأهمية الفكرية للمرجعية-8 من 9
- الاهمية السياسية للمرجعية 7 من 9
- الأهمية الروحية للمرجعية 6 من 9
- المرجعية الشيعية ومرجعية التقليد - الواقع والآفاق 5 من 9
- المرجعية الشيعية - الفكرة والتاريخ الفعلي 4 من 9
- فلسفة المرجعيات في التراث العربي الإسلامي3 من 9
- مرجعية الروح المتسامي ومرجعية النفس السيئة 2 من 9
- فلسفة المرجعية والمرجع في العراق1 من 9
- الديمقراطية في العراق - خطوة إلى الأمام
- الفدرالية القومية في العراق - خطوة إلى الوراء
- النخبة السياسية في العراق – الهوية المفقودة
- هل العراق بحاجة إلى مساعدات؟
- جنون الإرهاب الوهابي - خاتم الإرهاب التوتاليتاري 4 من 4
- جنون الإرهاب المقدس – الحنبلية الجديدة 3 من 4


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ميثم الجنابي - حق تقرير المصير- في العراق – الإشكالية والمغامرة