أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 2















المزيد.....

تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 2


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1534 - 2006 / 4 / 28 - 12:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


السرائر والضمائر ومهمة التحرر من وحدة العقدة والعقيدة

لقد توصلت في مقالي السابق والذي كان يحمل عنوان "وداعا أيها الزمن الكاذب" إلى أن "نهاية الجعفري" هي بداية الصراع التاريخي الفعلي في العراق. بمعنى أنها حررت للمرة الأولى الجميع من الالتزامات الحزبية والاتفاقات السرية التي تعودت عليها الأحزاب السياسية من خلال نقلها إلى ميدان العلنية الاجتماعية، ومن ثم إلى ميدان الدولة. وهي عملية لا تخلو من الاعوجاج والتشوه، لكنها الطريقة الوحيدة للاستقامة والتكامل.
فقد كانت الاتفاقات الحزبية التي لا تمثل غير نفسها و"قياداتها"، الوجه المقلوب "للاتفاقات" بالمعنى الشرعي. ومن ثم يمكن النظر إليها باعتبارها الوجه "الديمقراطي" لزمن الدكتاتورية. فقد أفرغت التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية المجتمع والدولة من كل مكنوناتهم الذاتية. ومن ثم أفرغت المرء من ذاته، والمجتمع من قواه السياسية الحية، والفكر من مهمته النقدية والإرشادية. ولم تبق سوى علاقة الخضوع والاستبداد. من هنا كان لجوء الأحزاب السياسية إلى الاتفاق فيما بينها تعويضا عن عجزها على التوجه إلى المجتمع والحصول على تأييده ودعمه وبالتالي استمداد الشرعية منه. وهي حالة لها ما يبررها، بل ويعطي لها صفة الشرعية السياسية. ولكن حالما يجري الانتقال إلى ميدان الدولة، فان التمسك بها يعني البقاء ضمن نفسية وزمن الدكتاتورية وانتفاء الشرعية. وهي الحالة التي نعثر على الكثير من مكوناتها في مجرى الأعوام الثلاثة بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية. بمعنى تزاوج وتعايش الأساليب والمواقف المتعارضة والمتضادة تجاه النسبة الضرورية بين الشرعي والسياسي.
وبما أن جميع الأحزاب السياسية في العراق لم تعرف ماهية وحقيقة الممارسة الشرعية العلنية، من هنا صعوبة توقع ارتقاءها السريع إلى مصاف الشرعية الفعلية. أما ممارستها السياسية فلا تخلو من نفسية وذهنية العمل السري، أي اشد وأحط أنواع الممارسة السياسية. وهي البقية الباقية والمترسبة في قاع الذهنية المتحكمة في سلوك ونفسية اغلب القيادات السياسية للأحزاب في العراق. ولعل أهم مظاهرها هو بقاء قادة الأحزاب في هرم السلطة بدون تغير وتبدل لعقود عديدة. وهو دليل على أن فكرة الهرم السياسي هي في هرمية الذهنية أو هرمها أو عقم الأحزاب وقواعدها عن تقديم نماذج جديدة أو أن الأحزاب لا أجيال فيها، لأنها من رعيل لا علاقة له بالزمن والتاريخ والحياة. ومهما كانت نوعية التفسير أو التبرير، فإنها تصب في نهاية المطاف في مستنقع الخبرة الخبيثة، أي الخبرة المحكومة بالنزوع نحو السلطة والتسلط وليس تجديدها بقوى حية. وهي النتيجة التي نلمح مظاهرها المتنوعة في "خبث" المواقف على أنها "سياسة". بل عادة ما يجري مطابقة السياسي المحنك مع قدرته على المكر والخداع.
أن مطابقة مضمون الحنكة السياسية مع المكر والخديعة تعكس مضمون السياسة في العرف التقليدي للتقاليد الراديكالية المتخلفة، أي المعزولة عن منظومة الفكرة وأهدافها المعلنة. وهي الممارسة التي أكثر من جسدها في تاريخ العراق الحديث التيارات الثورية من اشتراكية وشيوعية وقومية. وعلى قدر اقترابها من السلطة يبرز "خبثها" الفعلي، أو مكرها السياسي المبتذل. وهي الصفة التي أكثر من جسدها في مجال الدولة والسلطة قديما وحديثا الحركات القومية (العربية بنموذج البعث والكردية بنموذج الحزبين التقليدين) ولحد ما الحزب الشيوعي. وهو أمر لم يكن معزولا عن قيادته القومية الصغيرة (الكردية) لفترة طويلة. وفي هذا يكمن سر خراب السرائر والضمائر في اغلب الأحزاب السياسية الحالية في العراق. وليس اعتباطا أن تكون الأحزاب القومية الكردية والحزب الشيوعي دوما في سلة واحدة رغم الاختلاف الجوهري، فيما يتعلق بالغاية والوسيلة والقوى المحركة. وهو أمر لا غرابة فيه. فقد كان تاريخ الحزب الشيوعي والأحزاب القومية الكردية نموذجا لفقدان المبدئية والنزعة الأخلاقية في الموقف من "الأشقاء" و"الأصدقاء" و"الحلفاء". والقضية هنا ليست فقط في تحالفهم مع "الأعداء الطبقيين" و"القوميين" بل ولاقترافهم اشد أنواع الخيانة الاجتماعية والسياسية في مواقف لا تحصى دون ادني رؤية نقدية للنفس بالشكل الذي يذلل وحدة العقدة والعقيدة، أي الاستعداد على اقتراف اشد الرذائل السياسية وتبريرها "بقوة وصلابة" لا تعرف لين الروح الإنساني وشفافية الضمير الأخلاقي. ولعل الموقف من التحالفات الأخيرة بين الاتجاهات القومية الكردية والشيوعية والعلاوية والطائفية السنية الفاقعة ضد الائتلاف الشيعي دليلا إضافيا ما بعد المائة على ما في هذه العقدة الصلدة من خراب للضمائر والسرائر.
لقد وقفت هذه التيارات جميعا ضد القوة التي قارعت لعقود عديدة الدكتاتورية الصدامية بقوة المكون الفعلي للعراق والتاريخ الثقافي والضمير الأخلاقي. وبغض النظر عما في آراء القوى المكونة للائتلاف الشيعي من قيم وأفكار يمكن الاختلاف معها أو حولها، إلا انه التيار الذي يمثل من الناحية الواقعية والفعلية القوة الكبرى القادرة في ظروف العراق الحالية والمستقبلية القريبة على دفع العملية السياسية صوب فكرة الدولة الشرعية والمواطنة الدستورية والنظام الديمقراطي. بمعنى القوة التي تتمتع برصيد قادر على تأهيلها الذاتي وتنشيط قواها وتحولها الداخلي صوب صعود القوى الأكثر واقعية بهذا الصدد. وهو الأسلوب الوحيد الضروري بالنسبة للعراق في ظروفه الحالية من اجل تذليل زمن الدكتاتورية وترسيخ قواعد وأسس البدائل العقلانية فيه.
ذلك يعني أن الوقوف ضدها كان محكوما "بتكتيك" النفسية المتآمرة التي تجد في تفتيت الخصم أسلوب انتصارها. وهي مبدئية أو مبادئ تشكل مضمون الفكرة السياسية المقلوبة في تاريخ العراق الحديث. بمعنى أن الهمّ العميق والدفين للنشاط السياسي وقوة القوى السياسية يقوم ليس في التوجه نحو المجتمع، بل بالالتفاف على القوى "الحليفة" و"الصديقة". وهي ممارسة يمكن رؤيتها في كل دقائق الفعل اليومي للحركات والأحزاب السياسية العراقية. وهي نفسية تعبر أولا وقبل كل شيء عن نفسية الأقلية. وليس غريبا أن تلتف قوى الأقليات جميعها ضد الائتلاف الشيعي في "مشكلة الجعفري".
بعبارة أخرى، أن جذر المشكلة لم يكن في الجعفري أو شخصيته السياسية أو حتى حزبه وعقيدته، بل في مشكلة الأقلية والأغلبية بوصفها ظاهرة سيادة وخضوع. وهي ظاهرة مشوهة بحد ذاتها، لكنها تعكس طبيعة الانحراف في الدولة العراقية الحديثة التي جعلت من غلبة الأقلية أسلوب الجمع ألقسري لمكوناتها. وقد كان هذا القسر الأسلوب الملازم لصعود الدكتاتورية، وبالأخص الصدامية. فالدكتاتورية في اغلبها هي أسلوب تحكم الأقلية بالسلطة. ولا معنى للأغلبية أن تزاول الإرهاب والقهر المنظم. انه أمر يتنافى مع كينونتها. كما أن وجود الأغلبية ينهك نفسية الإرهاب والقهر. وبالتالي يمكن النظر إلى التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية على أنها مسخ لعقدة (الأقلية) والعقيدة (الكونية). فقد كانت الصدامية الصيغة النموذجية لنفسية الأقلية في كل مكوناتها وممارساتها، كما شكلت النتيجة "الطبيعية" لتراكم تقاليد الأقلية وهيمنتها في تاريخ العراق الحديث. من هنا أصبح صعود أغلبية شيعية إلى الحكم "ظاهرة مشوهة" ونموذجا فاقعا "للطائفية"، لأنه كشف عن الطائفية السياسية الفعلية للأقلية التي كانت سائدة للدرجة التي لم يكن بإمكان المرء مشاهدتها، لأنها في كل مكان!
إن صعود "الأغلبية الشيعية" إلى الحكم ومظهرها "المفزع" هو دليل أولا وقبل كل شيء على أنها كانت أغلبية مهمشة. وإلا فمن الصعب فهم أو تحسس غرابة أن تكون الأغلبية في موضع الاتهام على وجودها في هرم السلطة ومؤسساتها. بعبارة أخرى، إن صعود الأغلبية الشيعية إلى الحكم وتكتلها السياسي هو الوجه الآخر للطائفية السائدة في تاريخ الدولة العراقية الحديثة. وفي هذا يكمن جذر المشكلة أو مشاكل الصراع الدموي العنيف. إذ لا يمكن أن تظهر مشكلة الأغلبية المهمشة دون الأقلية المهيمنة بنفسية وذهنية الأقلية، أي أن علاقة الأقلية والأغلبية في هذه الحالة هي علاقة مشوهة بحكم الكمية والنوعية والوظيفة والغاية. وذلك لان إمكانية سيادة الأقلية وتهميش الأغلبية غير قابلة للتجسيد بالطرق الاجتماعية والديمقراطية والحقوقية. من هنا تحول أسلوب الانقلاب العسكري والإرهاب المنظم والقهر الشامل إلى نمط العلاقة الوحيد في قيادة الدولة وأدواتها. إذ لا إدارة في الدولة، أي أن الدولة لا تعرف معنى وماهية الإدارة لشئون المجتمع، لأنه لا وجود لمجتمع بالمعنى الدقيق. انه مجرد كيان موحد بقوة القهر. من هنا الفزع الجسدي الشديد للأقلية الطائفية (السنية) وهلعها المعنوي بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية الذي وجد انعكاسه في الصمت الرهيب في البداية والمشاكسة في النهاية والاتهام المتزايد للشيعة بالصفوية والعلقمية والفارسية وما شابه ذلك. أي أننا نقف أمام الوجه الحقيقي لنفسية الأقلية التي وجدت نفسها خارج إطار "عراقها" المسلوب دون أن تعي بان تاريخها السياسي الحديث هو زمن السرقة القبيح للعراق العربي. إذ ليست هذه الاتهامات في الواقع سوى الصيغة الدعائية لنفسية وذهنية الأقلية الطائفية السياسية التي تتعامل مع الأغلبية العربية ومكون العراق المادي المعنوي والروحي على أنه شيء لا علاقة له بالعراق والعرب. وعندما يدرج المرء أسماء البصرة والعمارة والناصرية والسماوة والكوت والنجف وكربلاء والديوانية والحلة وبغداد وأراضيها وبشرها خارج إطار العراق والعروبة، فان المرء يتوصل إلى استنتاج بسيط، وهو أن الحديث يجري حول دولة وتاريخ وجغرافيا لا علاقة لها بالعراق. وهي حقيقة! بمعنى أن هذا الموقف يعكس وجود دولة وتاريخ وجغرافيا الطائفية السياسية التي لا علاقة جوهرية لها بالعراق والعروبة، أي دولة وتاريخ وجغرافيا الأقلية ونفسيتها وذهنيتها المناسبة. وفي هذا يكمن سر التفاف القوى العربية الطائفية (الأقلية السنية) والعرقية الكردية (الأقلية القومية) والشيوعية (تكتل الأقليات) في الصراع ضد "الجعفري". ذلك يعني أن الجذر المشترك والقاسم الفاعل في تكتيك القوى لم يكن محاربة "النزعة الدينية" أو "الاستبدادية" للجعفري و"استفراده بالسلطة" وما شابه ذلك، لأنها صفات أكثر من يجسدها من يدعي خصومتها له، أو على الأقل أنها صفات تشترك بها بأقدار مختلف اغلب القوى السياسية في العراق الحالي.
إن السلوك الأخير "للقوى المتحالفة" على "أسس مبدئية" يعبر أولا وقبل كل شيء عما يمكن دعوته بآلية الفعل الخفية لنفسية الأقلية وذهنيتها. وليس اعتباطا أن تلتقي التشكيلات السياسية للأقليات المتنوعة والمختلفة والمتصارعة في "وحدة مبدئية" ضد "الائتلاف الشيعي"، أي ضد القوة التي كانت من حيث الجوهر وعلى امتداد العقدين الأخيرين ظهيرا للأكراد والحركات القومية الكردية والشيوعيين. وان تندفع هذه القوى للتحالف مع تيارات لا غبار على هويتها الطائفية السياسية بالنسبة للإنسان البسيط وليس المتعرك في الصراع السياسي. ذلك يعني أن التعرك السياسي هنا هو أيضا حرفة محكومة بنفسية الاستحواذ والتملك والسلطة من خلال "التحالفات"، أي من خلال الالتفاف على المجتمع. وإلا فبأي معنى يمكن لهذه القوى التي اشتركت بحماس منقطع النظير (من بواعث ونوايا مختلفة) في الإعداد للدستور الدائم والاستفتاء عليه والمشاركة في الانتخابات، أن تتخلى عن نتائجهما وان تطالب بالاستعاضة عن الدستور باتفاقات جنتلمانية، والاستعاضة بالاستحقاقات الوطنية عوضا عن الانتخابية؟! كما لو أن الدستور والانتخابات الديمقراطية وأصوات المواطنين لا جنتلمانية فيها ولا مواطنة ولا استحقاقا!! وهي أيضا حقيقة! فنفسية الأقلية لا يمكنها الاحتكام إلى الفكرة الديمقراطية، كما أنها لا تقر بفوز الأغلبية. من هنا لم تكن فكرة الاستعاضة نفسها سوى عين السرقة لفكرة "الجنتلمانية" و"الوطنية" و"الاستحقاق". وهي سرقة لها أخلاقها الخاصة وبواعثها الكامنة في نفسية وذهنية الأقلية التي حكمت السلطة والدولة واغلب الأحزاب السياسية على امتداد القرن العشرين. وليس اعتباطا أن تتبلور في تقاليد الأحزاب السياسية في العراق ما أسميته بوحدة العقدة والعقيدة من خلال تضافر نفسية الأقلية وفكرة الكونية! وهي مفارقة خفية تعبر عن طبيعة التناقض بينهما. إذ ليس مصادفة أن تستحوذ وتصادر الأقلية العربية السنية الفكرة القومية بأشد أشكالها تطرفا وعرقية ودموية وتجعل منها إيديولوجية الدولة والحزب والمجتمع بحيث رسمت شعاراتها في كل مكان بما في ذلك على جدران المراحيض! وليس مصادفة أن تكون "الثورية" و"الديمقراطية" هي إيديولوجية القوى العرقية الكردية بما في ذلك أسماءها، أي انتحال صفات وأسماء متنافرة مع مضمون الحركة العرقية وبنيتها التقليدية وتخلفها الثقافي! وليس مصادفة أن يكون الحزب الشيوعي مرتعا للأقليات وهيمنتها. ومن هذا الكل المشوه لنفسية وذهنية الأقلية تبلورت فكرة الموقف من الأغلبية. وهي صانعة الطائفية السياسية الشيعية بوصفها رد فعل من اجل إعادة ترتيب الأمور بصورتها الطبيعية والسليمة. ومن ثم فان الأخطاء التي اقترفها الجعفري والائتلاف الشيعي هي جزء من تاريخ الخراب والخروج على منطق وجود الأشياء وآلية فعلها السيئة وتأثيرها على الجميع دون استثناء. بمعنى أن تلك الأخطاء كانت الصيغة الضرورية لتعديل التشوه. أما النظر إليها باعتباره تشوها فهو البقاء ضمن تقاليد الماضي ونفسية الأقلية. وهو سر تحالف القوى "الديمقراطية العراقية"" و"القومية العربية" و"العلمانية الكردية" في مواجهة الجعفري، أي الائتلاف. بحيث وصل الأمر بالقادة الشيوعيين إلى الصراخ بإمكانية تشكيل حكومة بدون "الائتلاف"! وهو صراخ أشبه ما يكون بزعيق الخنيث وهو يلوح بيديه محتميا بشقاوة المحلة! والقضية هنا ليست فقط في هذه الجرأة تصدر من أفواه قوة لا وزن لها ولا اعتبار من حيث الكم والنوع في صراع القوى الحالية، بل ولوقوفها بين قوى لا تكن لهم من الجوهر أي احترام وتقدير. ثم أن المرء ليشعر بالاندهاش من كيفية تشكيل حكومة بالضد من أصوات وتأييد ثلثي العراق ومصدر تمويله شبه الشامل!! إلا انه صراخ يمكن فهمه حالما نضعه ضمن تقاليد آلية وفعل نفسية الأقلية وفكرة الكونية، أي الأقلية التي تدعي حسب تصوراتها الإيديولوجية الفجة بأنها قادرة على أن تكون إله الجميع وصانع جنتهم وجحيمهم وملائكتهم وشياطينهم! باختصار صانعة كل شيء! غير أن "كل شيء" في مجال السياسة هو أما لا شيء وأما دكتاتورية في كل شيء. وكلاهما لا معنى لهما في العراق المعاصر. إلا أن معناها الوحيد والفعلي يقوم في استنطاق نفسية وذهنية الأقلية التي دفعت رعونة الأقلية إلى التجاهر والاتحاد السافر في مواجهة نتائج الانتخابات الديمقراطية ودستوريتها. وهي ليست رعونة فردية أو شخصية أو عابرة، بقدر ما هي رعونة الأقلية المشوهة.
مما سبق نستطيع القول، بان السبب الرئيسي القائم وراء مفارقة تضافر نفسية الأقلية وفكرة الكونية، يقوم في بقاء وفاعلية الأسس والمصادر الأولية لهيمنة الأقلية على السلطة والدولة في العراق بمعايير الطائفية السياسية المبطنة، أي كل ما أدى تاريخيا إلى صنع وبلورة تقاليد وآلية خفية في وعي ولاوعي الأقليات بإمكانية استمرار هذه الحالة بوصفها حالة طبيعية. وهي حالة جعلت من الأقليات لا طبيعية في العراق. من هنا استشراء نفسية القوة والعنف والغنيمة والالتفاف والمغامرة والمؤامرة في نفسيتها وذهنيتها وسلوكها العملي. وليست "الاتفاقات المبدئية" فيما بينها "لإسقاط الجعفري" سوى نموذجا كلاسيكيا بهذا الصدد. فالجعفري لم يكن بالفعل رجل المرحلة ولا رجل الساعة. كما أنها صفات لا يمكن إطلاقها على أي من أولئك الذين وقفوا ضده موقف "الصف الموحد" من بين الرعيل السياسي الأول والأخير في العراق. وذلك لأنها صفات تفترض كحد أدنى تعايش وتفاعل وإنتاجية زمن طويل من المهارة والكفاءة والاحتراف في مؤسسات الدولة واستقرار سياسي وحكم القانون وتقاليد راسخة للديمقراطية السياسية والمجتمع المدني إضافة إلى الموهبة الفردية. لكن "إسقاط الجعفري" يحتوي على حكمة تاريخية وسياسية تقوم في "إسقاطه" وضع اللبنة الأولى لإسقاط هيمنة الأقلية. وهي عملية اقرب إلى ما كانت تدعوه تقاليد الرؤية الإسلامية بالمكر الإلهي! بمعنى أن الحق يفرض نفسه من خلال انتهاك المنتهكين له! وذلك لان نتيجة "إسقاط" الجعفري سوف تجبر الجميع، رغم نواياهم المختلفة، على الإجماع بضرورة الرجوع إلى المجتمع والقانون والممارسة السياسية العلنية مقابل التحالفات المزيفة. وهي عملية ايجابية كبرى بالنسبة لمستقبل الدولة والمجتمع والنظام السياسي، لأنها أخذت بتقرير الفكرة القائلة، بان الأقلية هي أقلية. وهي المقدمة التي تحررها من العيش والعمل والبقاء بمعايير النفسية الضيقة. وهي مقدمة انتقالها من عالم البنية التقليدية إلى عالم الحياة الاجتماعية والسياسية والوطنية، بمعنى إمكانية تحولها من أقلية طائفية أو قومية أو عرقية أو جهوية إلى مكونات ضرورية للتعددية الثقافية والسياسية، أي كل ما يجعل منها طاقة إضافية للإبداع والرقي الاجتماعي والوطني والإنساني في العراق.




#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 1
- (2) التشيع العراقي والفكرة العربية
- التشيع العراقي والفكرة الوطنية والقومية-1
- العراق - السقوط والبدائل -2
- لولا سيف الحجاج ولسان الحسن-1
- العراق - السقوط والبدائل وأزمة المرجعيات الكبرى
- حزب إسلامي أم حزب شيطاني
- النخبة السياسية ومهمة البديل الوطني في العراق
- النخبة السياسية في العراق المعاصر – أحزاب الطريق المسدود
- النخبة السياسية في العراق - أزلام وأقزام
- النخبة السياسية العراقية - زيف وتزييف
- فلسفة البديل العراقي
- أزلام السلطة ورجال الدولة 2-2
- أزلام السلطة ورجال الدولة -1-2
- كتاب جديد لميثم الجنابي - العراق ورهان المستقبل
- النخبة السياسية والمأساة العراقية! 2 - 2
- النخبة السياسية والمأساة العراقية! 1 - 2
- حرب أهلية = دولة كردية. وهم أو خرافة؟
- الاستفتاء وآفاق الانتقال من نفسية القطيع إلى ذهنية الاختيار ...
- العقدة العراقية – تاريخ البدائل


المزيد.....




- -صور الحرب تثير هتافاتهم-.. مؤيدون للفلسطينيين يخيمون خارج ح ...
- فرنسا.. شرطة باريس تفض احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في جامعة ا ...
- مصر تسابق الزمن لمنع اجتياح رفح وتستضيف حماس وإسرائيل للتفاو ...
- استقالة رئيس وزراء اسكتلندا حمزة يوسف من منصبه
- قتلى وجرحى في هجوم مسلح على نقطة تفتيش في شمال القوقاز بروسي ...
- مصر.. هل تراجع حلم المركز الإقليمي للطاقة؟
- ما هي ردود الفعل في الداخل الإسرائيلي بشأن مقترح الهدنة المق ...
- بعد عام من تحقيق الجزيرة.. دعوى في النمسا ضد شات جي بي تي -ا ...
- وجبة إفطار طفلك تحدد مستواه الدراسي.. وأنواع الطعام ليست سوا ...
- صحيح أم خطأ: هل الإفراط في غسل شعرك يؤدي إلى تساقطه؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 2