|
سباق المصفقين للجراح النازفة .
يوسف حمك
الحوار المتمدن-العدد: 6256 - 2019 / 6 / 10 - 02:58
المحور:
الادب والفن
تفشي وباء الانقياد ، بات سمة العصر . و استفحال انحدار النفس أصبح موضةً يتباهى بها ممسوخ الشخصية . كما انحلال الذات في بوتقة البغي و مرتع الجور . و الأنكى من يروض نفسه طوع أمر المتجبر ، ليغدو لصاً و أجيراً . يتقمص أخلاق سيده ، مقتدياً سلوكه المتعجرف .
يمارس مهنة العبودية طمعاً و طوعاً دون إكراهٍ من القوة الجبرية . يجيد فنون طقوس الذل و المهانة . مجاملٌ حتى النخاع حفاظاً على المناصب بغية الترقية . يبيع نفسه كسلعةٍ رخيصةٍ ، و جعل كيانه إحدى مقتنيات ولي نعمته . ذاته منحدرةٌ إلى درجة الانحلال . كأنه لم يلد إلا عبداً . مع ان الإنسان يولد حراً كريماً .
كم عجيبٌ أمر الناس !! كلما كان اللص كبيراً ، كان مقامه أرفع درجةً في مرآتهم . و كلما كان الفاسد غارقاً في الإعوجاج و الدعر ، كان مبجلاً ، و احترامه فائقاً بين الجموع .
هكذا مجتمعات الشرق البائسة ، و بلدان المشرق التعيسة . قوانينها تُسن على مقاس فردٍ ، أو وفق مصالح فئةٍ قليلةٍ في الجوهر . و في الشكل صياغتها تلاعبٌ بالألفاظ ، ملغمةٌ بالألغاز . لاصطياد من تتحلى روحه بالبسالة في إبداء رأيه علناً ، و بكل جرأةٍ ، بلا نفاقٍ أو خشيةٍ من فقد منفعةٍ . لهذا فالصريح لقول الحق هدفٌ لكل مسؤولٍ فاسدٍ . و الجريء بكشف المستور صيدٌ ثمينٌ لصاحب المنصب الرفيع . ينظر إليه بعين العداوة و البغض . لأن المراتب العليا شاهقةٌ جداً - ثمنها باهظٌ للعفيف - لا يبلغها إلا دنيء النفس ، خليع الخلق ، خبيث الطبع . يتعذر للمفرط في النزاهة نيلها . و محظورٌ على الشجاع بلوغها . فمصيره إما وراء القضبان ، أو التهميش في غياهب النسيان ، أو تُزهق روحه ليُدفن تحت أطباق الثرى . بعكس المصفق المأجور مقابل حفنة مالٍ ، أو منصبٍ متواضعٍ .
على عادة الطغاة المهوسين بالتصفيق - كطاغية روما ( نيرون ) - الذي كان ولعه بالتصفيق ثقيل العيار . مما حدا به لفتح مدرسةٍ لتدريب المصفقين . وحسب المصادر التاريخية كان يصفق له خمسة آلاف عنصرٍ من بيادق الجيش و بعض المسؤولين الانتهازيين ، فور انتهائه من عزف القيثارة و الغناء . و لم تذكر تلك المصادر فيما لو كان عزفه رديئاً هابطاً فظاً ، أم عذباً جديراً بذاك الكم الهائل من المصفقين .
فبما أن ممارسة الفنون تتطلب رهافة الحس ، و رقة القلب ، و طيبة النفس . كما جودة مهارتها تستلزم صفاء السريرة ، و فطرة الموهبة ، و حلاوة اللسان ، و نقاء الضمير ، و سلاسة الطباع ......
فهيهات من دمويٍّ سفاحٍ متكبرٍ جائرٍ باغٍ ، هائج الطبع ، غليظ المعشر ، خالي الإحساس ، أن يكون لحنه عذباً كمعزوفة عازفٍ رقيق المشاعر ، مرهف الحس ...... فلا توافق بين الموسيقا و الفظاظة و الإجرام . و لا تطابق بين الغناء و العنجهية و الغلاظة و الطغيان ....
نعم ىساهم المصفقون في تكريس ثقافة الهيمنة ، و ابتلاع طُعم الخديعة بلعق الأحذية .... و الرموز أثبتوا تبعيتهم للخارج . إن كانوا رجال دينٍ ، أو سياسيين ، أو سماسرة الحروب ، و تجار الأزمات ... الجميع يدعي الحق ، و ينادي بالوطنية ، و يذرف دموع التماسيح . بعد أن مارس القتل ، و شارك بالهدم و التشرد و النهب ، و عاث فساداً ...... لا انجازات لهم سوى اختلاق الذرائع للاقتال ، و افتعال الأزمات ، و تمزيق البلاد و انزلاقها نحو المجهول .
#يوسف_حمك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حينما القهر ينقضي ، و يتبدد الظلام .
-
محنتي مع اللغات ليومٍ عسيرٍ .
-
حينما الوطن يقسو عليك ، و يرفسك .
-
حينما لا يتخلى عنك الألم البتة .
-
وحده الحوار الهادئ الرزين مثمرٌ .
-
الأول من أيار شعلة نضالٍ ، لن ينطفئ نورها .
-
البيئة القذرة ، وصمة عارٍ على جبين المسؤولين !!
-
بموته اللاذع ، أدمى رفات والده .
-
الوقوف ضد الفكر التكفيريِّ من مسؤوليات الحكومات .
-
لا ربيع في وعي مجتمعاتنا التعيسة بالمطلق !
-
التقليد الأعمى ظاهرةٌ مجتمعيةٌ مرضيةٌ .
-
الفن وهجٌ دفيءٌ لروح طفلٍ لا وطن له .
-
نوروز رمز التآلف و النضال ، للانعتاق .
-
بياض لبن الضأن ، و مذاقه !
-
المرأة ضحية الرجل ، و صمتها معاً .
-
حينما يتغير مسار الكلمات .
-
ترويض الفكر ضرورةٌ ، لبناء مجتمعٍ آمنٍ .
-
يبيع كلامه ، لكنه لا يأخذ أجره .
-
في قلوبنا أطيافٌ تضيء أرواحنا .
-
و للعشاق ساعاتٌ مرخصةٌ للإعلان عن حبهم .
المزيد.....
-
الحَلقة 159 من مسلسل قيامة عثمان 159 الجَديدة من المؤسس عثما
...
-
أحلى مغامرات مش بتنتهي .. تردد قناة توم وجيري 2024 نايل سات
...
-
انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
-
ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب
-
مهرجان كان: دعوة إلى إضراب للعاملين في الحدث السينمائي قبل أ
...
-
حفاظا على الموروث الشعبي اليمني.. صنعاني يحول غرفة معيشته لم
...
-
فلسفة الفصاحة والخطابة وارتباطهما بالبلاغة
-
غزة في المتحف العربي للفن الحديث عبر معرض -شاهد- التفاعلي با
...
-
بجودة عالية الدقة HD.. تردد قناة ماجد 2024 وشاهد الأفلام الك
...
-
استقبل تردد قناة MBC2 على جميع الأقمار الصناعية لتستمتع بأفض
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|