احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1533 - 2006 / 4 / 27 - 10:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إختار حزب كديما اولمرت الشاروني ان يكون حزب العمل برئاسة عمير بيرتس شريكه الاستراتيجي الاساسي في الائتلاف الحكومي الذي يقيمه برئاسة ايهود اولمرت. وهذا التوجه ليس وليد صدفة، خاصة وان القضية المركزية الاساسية المطروحة على اجندة الحكومة الجديدة التي ستقام هي القضية السياسية، قضية تجسيد المرحلة الثانية من برنامج شارون الاستراتيجي في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ السبعة والستين، مرحلة مدلولها السياسي تنفيذ خطة فك الارتباط احادية الجانب في الضفة الغربية ترسم الحدود السياسية النهائية لاسرائيل وبشكل يضمن ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة والقدس الشرقية المحتلة الى اسرائيل ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة. وبين حزب العمل وكديما يوجد انسجام في الموقف من هذه القضية. فكديما اولمرت الشارونية املت شرطا اساسيا على كل من يريد الانضمام الى الائتلاف الحكومي برئاسة اولمرت ان يوافق على "خطة التجميع" التي اعلنها اولمرت، وهو الاسم الذي اطلق على الخطة الاحتلالية لاعادة الانتشار في الضفة الغربية. فالانسجام في الموقف السياسي بين كديما والعمل سهّل على كديما عملية التفاوض مع حزب العمل الذي يزحف قادته على بطونهم للوصول الى الكراسي الوزارية. وهذا الانسجام في الموقف السياسي بين الحزبين يحظى بمباركة وتأييد ودعم ادارة عولمة ارهاب الدولة الامريكية لانه ينسجم مع الاستراتيجية الامريكية ومخططها للهيمنة في المنطقة. فالادارة الامريكية معنية بقيام حكومة اسرائيلية مستقرة نسبيا حتى تستطيع القيام بدورها كمخفر استراتيجي في خدمة الاستراتيجية العدوانية الامبريالية الامريكية في المنطقة. ولهذا فان التفاوض بين الحزبين، كديما والعمل، قد اسفر عن ثلاث نتائج تم الاتفاق بينهما حولها. النتيجة الاولى، توسيع اطار الحكومة لتشمل عددا من الوزراء لم يكن له مثيل في تاريخ حكومات اسرائيل منذ قيامها، والحديث يدور عن 27 الى 28 وزيرا بضمنهم سبعة الى ثمانية وزراء بلا حقائب (وزير بلا وزارة). وزيادة عدد الوزراء سيكلف خزينة الدولة اربعمئة مليون شاقل اضافي. وللشراكة الاستراتيجية بين كديما والعمل خصصت حصة الاسد من الكعكة الوزارية حيث فصلت لهما معايير خاصة ومتميزة اذ ان المقياس الذي اتفقا عليه هو 2,7 نائب كنيست لكل وزير اضافة الى اعتبار رئيس كديما اولمرت ورئيس العمل بيرتس لا يخضعان لهذا المقياس، وانما اضافة لعدد الوزراء من كل حزب بينما المقياس للاحزاب الاخرى المرشحة لدخول الائتلاف هو اربعة اعضاء كنيست عن كل وزير.
وحسب هذه المعايير المزدوجة يكون لحزب كديما احد عشر وزيرا وللعمل سبعة وزراء، أي انه في قضايا الحسم السياسي يكون للحزبين الاكثرية المطلقة لتمرير واقرار أي قرار في الحكومة.
والنتيجة الثانية، ان "الجنرال الاجتماعي" عمير بيرتس، تحول حسب الاتفاق مع كديما اولمرت الى "جنرال امني" فعمير بيرتس العمل تراجع وتنازل عن مطلب ان يكون وزيرا للمالية يمسك بمفاتيح التأثير على طابع التطور الاقتصادي والاجتماعي، كما تراجع وتنازل عن شرط معارضة المأفون العنصري الفاشي الترانسفيري افيغدور ليبرمان وحزبه "يسرائيل بيتينو" الانضمام الى الائتلاف الحكومي. وموافقة عمير بيرتس على تسلم وزارة الامن يعني من حيث المدلول السياسي القبول بان يكون حزب العمل المتعهد الثانوي في تجسيد السياسة "الامنية" العدوانية لحزب كديما الشاروني، الامر الذي يعيد الى الاذهان دور بنيامين بن اليعزر من حزب العمل الذي عين وزيرا للامن في حكومة الليكود – العمل الشارونية – البيرسية والجرائم الدموية التي ارتكبت ضد الفلسطينيين في عهده. فتعيين عمير بيرتس وزيرا للامن جاء للتغطية على عورة السياسة العدوانية لكديما الشارونية ولتضليل الرأي العام العالمي تحت ستار ان عمير بيرتس من "حمائم" حزب لعمل. ولتلبيع عمير بيرس طعم وزارة الامن، وافق اولمرت كديما على ان يتسلم حزب العمل حقيبة وزارة المعارف الهامة (يولي تمير). هذا اضافة الى وزارات البنى التحتية والزراعة والسياحة وشؤون القدس ووزير بلا وزارة.
والنتيجة الثالثة، حتى لا يخرج عمير بيرتس "من المولد بلا حمص" في المجال الاجتماعي الذي لوّح به كأجندته المركزية فقد جرى الاتفاق بين كديما والعمل على سياسة انتقائية في القضايا الاجتماعية لا تقدم من جمل المطالب سوى اذنه. فقد جرى الاتفاق على سن قانون تقاعد رسمي لكل عامل، وهذا جيد وحسن جدا اذا ما نفذ، اما بالنسبة لمطلب الالف دولار كحد ادنى للاجور الذي اشترطه بيرتس العمل لدخول الائتلاف الحكومي فقد جرى الاتفاق مع اولمرت كديما على تنفيذه بشكل تدريجي وعلى مراحل، اضافة خمسمئة شاقل حتى نهاية العام الفين وستة والوصول الى الف دولار حتى نهاية الدورة الشرعية لهذه الحكومة اذا ما استمرت لمدة اربع سنوات في الحكم. ورغم تأييدنا لرفع الحد الادنى للاجور، ولكن هذا وحده لا يكفي ابدا في مواجهة اتساع فجوات التقاطب الاجتماعي بين الاغنياء والفقراء في المجتمع الاسرائيلي بشكل صارخ سنويا. فبدون الكف عن ممارسة السياسة النيولبرالية، سياسة اقتصاد السوق والخصخصة، بدون الكف عن ممارسة سياسة الاحتلال والاستيطان العدوانية بتكلفتها المادية الكبيرة والتي تبتلع اكثر من نصف ميزانية النفقات في الميزانية العامة فان ما توصل اليه عمير بيرتس العمل مع اولمرت كديما في المجال الاجتماعي يشبه الى حد كبير كمن يعالج الدرن السرطاني المستشري في الجسم بحبة اسبرين.
بالرغم من الاتفاق الذي توصل اليه وفدا التفاوض بين الحزبين الا انه لا تزال تعترض اقامة الائتلاف الحكومي الواسع العديد من المشاكل والعقبات اهمها ما يلي:
* اولا: الصراع "والمخابطة" داخل كل من العمل وكديما حول اشغال الكراسي الوزارية ففي حزب "العمل" هنالك من يطالب بان يكون ايهود براك وزيرا للامن بادعاء ان عمير بيرتس ليس من خريجي "الجنراليزمو" فهو مدني ويفتقر الى الخبرة في المجال العسكري. وهناك من قادة الحزب ترافقهم الخيبة لان الاحتمال المرجح ان لا يكونوا وزراء، في الائتلاف الحكومي امثال عامي ايلون وبروفرمان وداني يتوم ومتان فلنائي. فداني يتوم ومتان فلنائي يطالبان بان يجري انتخاب الوزراء في مؤسسات الحزب، في المؤتمر او اللجنة المركزية وليس من قبل عمير بيرتس.
اما في حزب كديما فان عضو الكنيست البروفيسور اوريئيل رايخمان فقد استقال من عضوية الكنيست احتجاجا على عدم تعيين اولمرت له، كما وعده، وزيرا للمعارف، كما عبر وزير الامن شاؤول موفاز عن خيبة امله بعدم تعيينه وزيرا للامن واعتبر تعيين عمير بيرتس وزيرا للامن خطأ فادحا. واعتبر شمعون بيرس الثمن الذي دفعه اولمرت لبيرتس مزعزعًا "وان التفاوض كان بيع تصفية لاملاك كديما"!! وحسب ما اوردته صحيفة "معاريب" 24-4-2006 انه تسود المرارة والخيبة العديد من قادة كديما لان اولمرت لا يشاورهم وتوصل الى الاتفاق مع عمير بيرتس دون الرجوع اليهم. وبعض هؤلاء القادة امثال الوزير مئير شطريت يتخوف من ان لا يسند له اولمرت وزارة المالية. وحسب ما اوردته الصحيفة "بان الاوساط المقربة من اولمرت تقول بان الخطوات التي يتخذها اولمرت قد تؤدي الى تفكك كديما، ويطرح ايضا احتمال انقسام في الحركة، فعدد الخائبين لم يعرف بعد، لان اولمرت لم يقرر بعد نهائيا كيفية اشغال الحقائب الوزارية"!
* ثانيا: مطالب الكتل المختلفة لدخول الائتلاف. فالمأفون ليبرمان من يسرائيل بيتينو يطالب بان يكون وزيرا للامن الداخلي والا سيكون في المعارضة، هذا في وقت قرر فيه المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، واعلن انه يلغي ويشطب امكانية ان يكون ليبرمان وزيرا للامن الداخلي، فقانونيا من يخضع للعدالة بتهم جنائية لا يمكن ان يكون المسؤول الاول عن الشرطة. ولهذا يحتمل ان تفتح ابواب "سوبر ماركيت" حكومة اولمرت كديما لحزب ميرتس – ياحد برئاسة يوسي بيلين لدخول الائتلاف. كما ان حركة شاس تطالب بان يكون المقياس ليس اربعة اعضاء كنيست لكل وزير بل ثلاثة، هذا اضافة الى المطالب المالية للمؤسسات الدينية للحريديم.
وبرأينا ان كديما اولمرت ستنجح في اقامة ائتلاف واسع من كديما والعمل والمتقاعدين ويهدوت هتوراة وشاس وليبرمان (يسرائيل بيتينو) او ميرتس. والسؤال الذي يطرح نفسه الى متى ستعمّر هذه الحكومة التي تواصل انتهاج السياسة الشارونية الكارثية سياسيا واقتصاديا اجتماعيا؟ وهل سيقصف اجل حكمها قبل الموعد كما كان مصير حكومات اسرائيل المتعاقبة منذ العام 1992 وحتى الحكومة الشارونية – البيرسية الاخيرة.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟