احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1450 - 2006 / 2 / 3 - 10:57
المحور:
القضية الفلسطينية
إن السؤال المركزي والمصيري المطروح بالحاح على طاولة حركة المقاومة الاسلامية (حماس) بعد انتصارها الساحق في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني وعشية تسلمها لزمام ادارة شؤون الحكومة الفلسطينية الجديدة هو هل تتحمل المسؤولية الوطنية بانتهاج سياسة تفوّت على المحتل الاسرائيلي فرصة مساعيه لخلط الاوراق ديماغوغيا بهدف تضييع ومصادرة الحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية بالحرية والاستقلال الوطني؟! تفوّت عليه فرصة خلط الاوراق بين المقاومة والارهاب، بين شعب محتل يناضل من اجل حريته واستقلاله وبين محتل غاضب يحاول تقمّص دور الحمل الوديع الذي تهدد أمنه أنياب "الارهاب الفلسطيني المفترسة". فمنذ انتصار حركة حماس تركز حكومة الاحتلال الاسرائيلي ومختلف الاحزاب الصهيونية في دعايتها التحريضية على ان حركة حماس منظمة ارهابية ولا تعترف بحق اسرائيل في الوجود، ولهذا لا تفاوض مع سلطة فلسطينية تقودها حماس وعلى المجتمع الدولي قطع المساعدة المادية عن هذه السلطة! فهذه قمة الديماغوغية، فالسلطة الوطنية الفلسطينية قامت على اساس اتفاقات اوسلو والاعتراف المتبادل بين حكومة اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية المرجعية السياسية للسلطة الفلسطينية، ورغم هذا الاعتراف، وقبل انتصار حماس، وخلال حوالي سنتين جمّدت حكومة الاحتلال المفاوضات مع الطرف الفلسطيني ومارست تصعيدا همجيا للعدوان والجرائم من قتل وتصفيات واستيطان وبناء جدار الضم والفصل العنصري!
في المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الحكومة بالوكالة، ايهود اولمرت، مع المستشارة الالمانية انجيلا ماركيل يوم الاحد الماضي، اعلن بشكل تعسفي عن تجميد وعدم نقل الاموال المستحقة للسلطة الوطنية الفلسطينية عن الضرائب التي تجبيها اسرائيل للفلسطينيين وذلك بادعاء "اننا لا نريد لا سمح الله، ان يخلق وضع حيث ان الاموال التي تنقلها حكومة اسرائيل الى الفلسطينيين تمس في نهاية المطاف بمواطني اسرائيل"! انه ادعاء باطل ومناقض للاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي - الفلسطيني المبرم في العام 1994 بعد اتفاقات اوسلو، ادعاء باطل لانه بهذا الاجراء التعسفي لا يعاقب المحتل الاسرائيلي حماس، بل الشعب العربي الفلسطيني، في الضفة والقطاع، انه بمثابة عقاب جماعي لهذا الشعب، فهذه الاموال تنفق على اهداف مدنية بالاساس، اجور ومعاشات العاملين في السلك التعليمي وفي المجال الصحي اضافة الى معاشات موظفي مختلف مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، وعدم نقل اكثر من مئتين واربعين مليون شاقل المستحقة للسلطة الفلسطينية والتي يأتي موعد دفعها هذا الاسبوع، يعني عرقلة عمل السلطة وتجويع آلاف العائلات الفلسطينية! ومثل هذه السياسة التعسفية كانت من الاسباب التي أدت الى انتصار حماس والى إضعاف السلطة وحركة فتح القوة المركزية التي كانت تدير شؤون السلطة.
لقد اكدنا في معالجة سابقة (نشرت يوم الاحد الماضي) ان المحتل الاسرائيلي كان معنيا بانتصار حماس، وجميع ممارساته الاجرامية في المناطق المحتلة ساعدت حماس في تحقيق هذا الانتصار، فسلطة بقيادة حماس تسهل على المحتل تنفيذ برنامجه الاستراتيجي بمنع قيام دولة فلسطينية ذات مقومات قابلة للحياة وضم اجزاء ومساحات واسعة من المناطق المحتلة الى اسرائيل، اسهل له تضليل وتجنيد الرأي العام العالمي بخلط الاوراق بشكل ديماغوغي، فلطمس حقيقة موقف المحتل من حق شعب يرزح تحت نير الاحتلال، يطرح امام الرأي العام العالمي ابراز الموقف من حركة حماس "الارهابية" الذي يدعو ميثاقها الى "القضاء على اسرائيل"!! وتحت هذا الغطاء الديماغوغي سارعت ادارة عولمة الارهاب والجرائم الامريكية الى اعلان قطع "المساعدة" عن السلطة الوطنية الفلسطينية، ويهدد الاتحاد الاوروبي الذي يقدم حوالي 89% من مجمل المساعدات الخارجية للسلطة الوطنية بقطع هذه المساعدات اذا لم تتخلَّ حماس عن "نهجها الارهابي" وتعترف بدولة اسرائيل!!
في هذا الظرف المصيري الذي يمر به الشعب العربي الفلسطيني تتحمل حماس بوصولها الى سدة الحكم، وفي ظل الظروف الدولية والمنطقية المأساوية، مسؤولية وطنية كبرى، فهي تقف امام احد خيارين اساسيين، خيار التمسك بالايديولوجية الاصولية كمنهج ونهج في رسم وممارسة السياسة السلطوية، نسخ وممارسة منهج ونهج "الطالبان" الكارثي- الاسلام هو الحل، عدم فصل الدين عن الدولة ومحاولة وضع حياة وتطور الشعب الفلسطيني على قاطرة العصور الوسطى، قاطرة التخلف المأساوي، ومثل هذا المنهج والنهج مرفوضان فلسطينيا ودوليا ومصيرهما الفشل فلسطينيا والعزلة دوليا ومساعدة المحتل الاسرائيلي في ترسيخ وجوده الاحتلالي الاستيطاني وتضييع الحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية.
ان حركة حماس في مأزق وفي تناقض صارخ بين مدلول هُويتها الايديولوجية وبين متطلبات الواقع السياسي والاقتصادي الاجتماعي فلسطينيا ودوليا. فلانقاذ الشعب الفلسطيني من براثن الاحتلال ومن هاوية الفقر والبطالة وتجنيد التأييد الدولي للحق الفلسطيني المشروع وتقديم المساعدة الدولية لتحسين الحالة المعيشية لشعب الانتفاضة الفلسطينية يتطلب من حماس الخروج من سراديب "الطالبان". عليها التعلم من منهج ونهج الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ممثل التيار الاسلامي المعتدل في تركيا الذي توجه توجها براغماتيا وليس اصوليا في ادارة شؤون تركيا انطلاقا من قراءة صحيحة للوضع الدولي، يعمل بجد لدخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي ويفصل بين الدين والدولة. فالمطلوب من حماس السلطة ان تلتزم بالقرارات الوطنية الفلسطينية وبالمعاهدات والاتفاقات التي وقّعتها الشرعية الفلسطينية- منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية. ففي الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، في دورة الجزائر في العام 1988، تم اقرار برنامج التسوية الفلسطيني على اساس دولتين، اسرائيل وفلسطين، دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران السبعة والستين وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الشرعية الدولية. وعلى هذه الخلفية جرى توقيع اتفاقات اوسلو. وبتوقيع اتفاقات اوسلو للحل المرحلي دُق مسمار في نعش "ارض اسرائيل الكبرى"، الذي يحرم الشعب الفلسطيني من حقه في الحرية والاستقلال والدولة، كما دُق مسمار في نعش مقولة "فلسطين الكبرى التاريخية" من البحر الى النهر. ولهذا فانه ليس من الحكمة السياسية بمكان ان لا تعترف حماس بحقيقة وواقع ان الحل الممكن الذي يحظى بدعم دولي ويخلّص الشعب الفلسطيني من درب المآسي ومن براثن الاحتلال هو الحل القائم على اساس دولتين متجاورتين، اسرائيل وفلسطين، وحماس التي شاركت في انتخابات التشريعي التي جرت على خلفية اتفاقات اوسلو فليس من المعقول او من المنطق او من الحكمة السياسية ان يكون توجهها انتقائيا، نقبل هذا ونرفض ذاك، نقبل خوض الانتخابات وفق اوسلو ونرفض ما وقع من اتفاقات اوسلو، نرفض نهج المفاوضات السياسية مع اسرائيل كخيار استراتيجي للتسوية السياسية، فالسلام العادل نسبيا الذي يضمن ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف كان دائما الخيار الاستراتيجي للرئيس خالد الذكر ياسر عرفات وللشعب الفلسطيني وللرئيس محمود عباس، هذا الخيار الذي ترفضه اسرائيل الاحتلال والجرائم والدماء. المطلوب من حماس ليس ابدا التفريط بأي ثابتة من ثوابت الحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية، بحق الشعب الفلسطيني في الدولة والقدس والعودة، ولكن انجاز هذا الحق في اطار حل في مركزه دولتان، اسرائيل وفلسطين ومن خلال التفاوض السياسي. فالمحتل الاسرائيلي حاول حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني وحقوقه الشرعية عسكريا، بواسطة المجازر والجرائم التي طالت البشر والشجر والحجر في المناطق الفلسطينية المحتلة التي تعمّدت ارضها بدماء آلاف الشهداء والجرحى من مقاومي الاحتلال ومن المدنيين الابرياء، ولكنه فشل. فقضية الشعب العربي الفلسطيني هي قضية سياسية اولا واخيرا، قضية تحرر قومي لشعب يرزح تحت الاحتلال يا حماس، ولهذا فحل هذه القضية لا يمكن ان يكون الا حلا سياسيا على طاولة المفاوضات وليس في ساحات القتال، هذا ما اكدناه ونؤكده دائما لحكومة الاحتلال والجرائم من خلال مسيرتنا الكفاحية لنصرة الحق الفلسطيني المشروع وبناء جسور السلام العادل، الشامل والثابت.
أملنا، ولانقاذ الشعب الفلسطيني من المخاطر المأساوية المرتقبة التي يخطط لها المحتل الاسرائيلي وبدعم من حليفه الاستراتيجي الامريكي، ان تتحمل حماس المسؤولية الوطنية وتنهج منهجا ونهجا سياسيا حكيما ومنسقا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يساعد على اعادة اللحمة الى الصف الفلسطيني الذي هو اليوم واكثر من الامس بحاجة ماسة ومصيرية لوحدة الصف الكفاحية المتمسكة بثوابت الحقوق الوطنية، منهجا ونهجا سياسيا حكيما مبني على قراءة جيدة لخارطة الصراع منطقيا وعالميا ولمتطلبات القضية الوطنية الفلسطنية بتجنيد المتضامنين والداعمين معها ولها. فهل تحسن حماس فهم المقروء وتعدّل في هوية توجهها السياسي، لما فيه خدمة مصلحة الشعب الفلسطيني وكفاحه العادل، من اجل التحرر والاستقلال الوطني واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الشرعية الدولية.
وهل يتمخّض عن لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل القريب المرتقب في القاهرة ما يبشر بالخير؟
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟