احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1455 - 2006 / 2 / 8 - 09:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في افتتاحية صحيفة "الاتحاد" صحيفتنا، أكدنا قبل يومين، ان نشر الرسومات الكاريكاتيرية المشينة والمسيئة للنبي العربي الكريم محمد بن عبد الله (صلعم) وللشعوب العربية والاسلامية في صحيفة دانمركية ينطوي على مدلول سياسي سافر وبارز يندرج في اطار الهجمة الاستراتيجية للقوى الامبريالية والرجعية اليمينية المحافظة والنيوليبرالية والعنصرية ضد الشعوب والبلدان المستضعفة ضحايا التمييز القهري الطبقي المعولم لوضعيتها في التقسيم العالمي الرأسمالي للعمل وفي ظل الطابع الشرس للعولمة الرأسمالية الامبريالية بزعامة الامبريالية الامريكية. فنشر رسومات البذاءة المسيئة للرسول الكريم لا يعكس مجرد التعبيرعن رأي شخصي لرسام او لرسامين محقونين بمورفين الشوفينية العنصرية والاستعلاء القومي والاثني والديني ضد شعوب "العالم الثالث" وبضمنها الشعوب العربية والاسلامية، بل تعكس اكثر من ذلك وابعد من ذلك. تعكس حقيقة تجند اقلام فئات يمينية فاسدة مغرقة في رجعيتها مؤطرة داخل احزاب يمينية او خارجها، من رسامين وكتاب وشعراء وفنانين ورجال دين يمينيين ممن سيّسوا الدين وديّنوا السياسة، تجند هذه الاقلام في خدمة الاستراتيجية الكونية العدوانية الامبريالية واحتكاراتها عابرة القارات ومتعددة الجنسيات للهيمنة على بلدان العالم الثالث في آسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية ونهب ثروات وخيرات شعوبها. فهذه الاقلام، ومنهم اصحاب الرسومات السافرة والمسيئة في الصحيفة الدانمركية، مجندة في اطار خدمة الخطة الاستراتيجية العدوانية الامبريالية الامريكية للهيمنة عالميا تحت يافطة "الحرب الكونية ضد الارهاب" التي تقودها ادارة عولمة ارهاب الدولة المنظم الامريكية. ولطمس المضمون الطبقي والبعد الطبقي السياسي وتبرير البلطجة العدوانية لاستراتيجية الهيمنة الكونية التي تختفي وراء "الحرب الكونية ضد الارهاب" تلجأ ادارة بوش وخدامها في كل مكان الى خلط اوراق الصراع الدائر وذلك من خلال الايحاء وكأن الصراع لا يعدو كونه صراع حضارات، بين الغرب المتحضر والعالم الثالث المتخلف الذي يعيش في غربة عن ممارسة الدمقراطية والحياة العصرية، الايحاء وكأن الصراع في جوهره وابعاده لا يعدو كونه صراعا بين الديانات، صراعا اثنيا، بين الاسلام والمسيحية. وحيث ان الشعوب العربية والاسلامية تعيش في اطار بلدان العالم الثالث، او البلدان النامية المتخلفة اقتصاديا فان "نقمتها" على الغرب المتحضر يجعلها تجنح للارهاب، ويصبح كل عربي اومسلم في نظر ارباب استراتيجية الهيمنة الامبريالية ارهابيا، ويستحق توجيه ضربة استباقية له او لبلده لكبح جماح عمله الارهابي المرتقب!! كما يحق تحت يافطة "حرية الفرد في التعبير عن رأيه" تحقير الشعوب النامية وشتم دينها ودنياها وطابع حياتها.
لقد أردنا بهذه المقدمة الطويلة الكشف عن الخلفية الحقيقية والمدلول السياسي الحقيقي وراء الرسومات الاستفزازية المنحطة ضد النبي محمد (ص) التي وردت في الصحيفة الدانماركية والتي سريعا ما نقلت نشرها صحف يمينية رجعية وسافرة في العديد من البلدان الاوروبية، في فرنسا والمانيا والنرويج وسويسرا والنمسا واستراليا وغيرها،الامر الذي يعكس حقيقة الرابطة العضوية بين هذه الرسومات السافرة واستراتيجية الهيمنة الامبريالية على ساحة الصراع الطبقي كونيا.
انه من الطبيعي جدا ان تثير هذه الرسومات المنحطة موجة عارمة من النقمة والاحتجاجات والمظاهرات الصاخبة التي اجتاحت البلدان العربية والاسلامية ومختلف التجمعات العربية والاسلامية في البلدان الاوروبية وغيرها. فتصوير النبي العربي محمد (ص) بالرأس الارهابي يعتبر اساءة سافرة لجميع الشعوب العربية والاسلامية تدمغ جميعها بالارهاب. ادانة هذا العمل والتوجه السافران والاحتجاج عليهما بالمظاهرات الجماهيرية شرعي ومطلوب جدا، ولكن حذارِ من فقدان البوصلة الصحيحة، وتحول النشاطات الاحتجاجية الى خناجر سامة في قلب القضية العادلة المطروحة على جدول الاحتجاج، والى وسيلة تصرف انظار الشعوب عن عدوها الرئيسي ولا يستفيد من ورائها سوى من يخطط الى الايقاع بهذه الشعوب وبلدانها في مصيدة التبعية له. حذارِ من مغبة تجيير المظاهرات الاحتجاجية في خدمة المخططات الامبريالية، وخاصة الامريكية ضد الشعوب من ضحاياها.
وانا في تحذيري هذا لا القي الكلام على عواهنه او اطلاق شعار "اللهم اني بلغت"، فيحز في نفسي وفي نفس كل من تهمه قضايانا المصيرية العادلة ما حدث امس الاول، الاحد، في العاصمة اللبنانية بيروت. فقد خرجت الى الشوارع مظاهرة جماهيرية مهيبة شاركت فيها الالوف المؤلفة من ابناء وبنات الشعب اللبناني من مختلف الوان الطيف السياسي والديني الطائفي، وذلك احتجاجا على الرسومات المهينة والاستفزازية بحق النبي العربي الكريم والشعوب العربية والاسلامية.
الى هنا كل شيء تمام وحسن وشرعي ومطلوب، ولكن فجأة تغير طابع المظاهرة الجماهيرية السلمية، وكأن الامر كان مخططا، فقد جرت اعمال تخريبية سافرة، تحطيم حوانيت وحرق سيارات لبنانية، والاسفل من كل ذلك الاعتداء على كنيسة وتحطيم نوافذها. لا شك بان زمرة مدسوسة ارادت صرف المظاهرة عن الهدف الحقيقي، الذي من اجله سارت الوف المحتجين، وهو استنكار الرسومات المهينة للرسول الكريم، وبهدف خدمة اهداف سياسية يخطط لها اعداء مصالح الشعب اللبناني. فجريمة الاعتداء السافر على الكنيسة وحرق متاجر ودكاكين وسيارات وتخريب اثاث تابع لمسيحيين ومسلمين لبنانيين الهدف من وراء ذلك والذي يتوخى تحقيقه اعداء الوحدة الوطنية للشعب اللبناني، اصابع الشر والتآمر الامريكي وبعض القوى اللبنانية العميلة والخادمة لمخططه العدواني في لبنان – الهدف تأجيج الفتنة الطائفية والصراع الطائفي في لبنان لصرف انظار الشعب اللبناني عن البرنامج الامريكي، الرجعي للهيمنة في لبنان في اطار مخططه للهيمنة في المنطقة. فالاعمال التخريبية التي نفذتها العصابة المدسوسة تنسجم مع المخطط الامريكي لخلق ما يطلق عليه "الفوضى الايجابية" في لبنان، أي نسف قواعد الاستقرار في لبنان وتأجيج الصراع الداخلي – الداخلي اللبناني لتسهيل تمرير مؤامرة تجريد المقاومة اللبنانية، خاصة حزب الله، ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين من السلاح وخلق موازنة قوى جديدة في لبنان تخدم مصلحة الهيمنة الامريكية وعكاكيزها في لبنان.
وقد جاءت هذه الاعمال التخريبية في وقت برزت من خلاله ملامح انفراج في العلاقة بين حزب الله وأمل من جهة، وبين الحكومة اللبنانية من جهة اخرى، انفراج يتجسد بطريق عودة وزراء حزب الله الى الحكومة بعد ان استجاب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى طلب حزب الله باعتبار قواته "مقاومة" وليست "ميليشيا" والانكى من كل ذلك، ان اعداء مصالح الشعبين اللبناني والسوري، يحاولون تجيير الاعمال التخريبية للزمرة الموتورة العميلة للدس على سوريا والتحريض عليها ولدق الاسافين بين لبنان وسوريا وذلك من خلال الاتهام الباطل وكأن ايدي سوريا كانت وراء هذه الاعمال التخريبية وذلك لمنع الاستقرار في لبنان. والمؤسف جدا هذا التدهور المعيب في موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي يردد هذه التهمة التضليلية الكاذبة وكأن النظام السوري كان وراء الاعمال التخريبية لنسف قواعد الاستقرار في لبنان ونشر الفوضى وكوسيلة لاستعادة مواقعه ووجوده في لبنان تحت يافطة ان النظام اللبناني عاجز وقاصر عن توفير الامن والاستقرار ولا مفر من اعادة الوجود السوري في لبنان. ان مثل هذا الاتهام الباطل لسوريا، وقبل اجراء أي تحقيق مع مرتكبي جرائم التخريب، لا يخدم سوى المخطط الامريكي الذي يشغل مكابس ضغطه وتأمره لتدجين النظام السوري في حظيرة خدمة استراتيجيته للهيمنة في المنطقة، او للاطاحة بالنظام السوري اذا امكن.
وكلمة لا بد منها في نهاية المطاف، انه من الحكمة بمكان توجيه النقمة الاحتجاجية الى العنوان الصحيح، الى المخطط الاستراتيجي الامبريالي، وخاصة الامريكي، المعادي لمصالح الشعوب العربية والاسلامية والى خدامه من الاقلام والقوى المأجورة المختلفة. ولا يمكن معاقبة شعب بأكمله بجريرة مجرم سافل او زمرة مجرمين سفلة وعنصريين، فاذا كان رسام دنمركي سافل ومنحط وعنصري او امثاله في فرنسا او النرويج او المانيا فلا يعني ذلك توجيه سلاح الانتقام من شعوبهم، من رعاياهم في البلدان العربية والاسلامية، ففي هذه البلدان اوساط ليست قليلة تناصر حق الشعوب العربية والاسلامية بالتطور الحضاري وادانة المخططات العدوانية الامبريالية، اوساط واسعة من هذه الشعوب تتضامن مع النضال العادل للشعب الفلسطيني لكنس الاحتلال وانجاز حقه في التحرر والاستقلال الوطني كما تدين الاحتلال الامريكي للعراق وتطالب بتحرير شعب العراق من دنس وجوده. علينا ان لا نفقد البوصلة على ساحة المواجهة.
لقد هاجمت ولاحقت الهواجس مخيلتي وانا اتابع المظاهرات الجماهيرية الصاخبة المحتجة على رسومات الاساءة للرسول محمد (صلعم)، وهمست في سري، أين كان هؤلاء وفي وقت كان فيه المحتل الاسرائيلي يرتكب المجازر الهمجية ضد الشعب الفلسطيني ويدنس مقدساته في القدس والاقصى الشريف، أين كان هؤلاء والاحتلال الانجلوامريكي يدنس كرامة وحرية الشعب العراقي ومساجده وكنائسه!! والشعوب، كما يعلمنا التاريخ وتجاربه الغنية تمهل ولا تهمل.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟