احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1491 - 2006 / 3 / 16 - 12:48
المحور:
القضية الفلسطينية
ألظاهر ان حزب "العمل" وصل الى قناعة ذاتية انه لن يكون الحزب الاكبر، من حيث عدد النواب الذي ستتمخض عنه نتائج الانتخابات، للكنيست السابعة عشرة في الثامن والعشرين من شهر آذار الحالي، ولن يكون رئيسه عمير بيرتس من سيكلف بتأليف الحكومة الجديدة. وهذا ما تؤكده مختلف استطلاعات الرأي وفي وقت لم يتبق لموعد يوم الانتخابات البرلمانية سوى أسبوعين تقريبا. ولا يغير من هذه الحقيقة ادعاءات عمير بيرتس ان حزب "العمل" سيفاجئ بالنصر الذي سيحققه، فهذه الادعاءات، حسب رأينا، هدفها الاستهلاك الانتخابي لحصد مزيد من الاصوات. وما يؤكد ذلك ان قيادة حزب "العمل" وعلى رأسها عمير بيرتس، بدأت تطلق التصريحات عن استعداد هذا الحزب للدخول في ائتلاف حكومي اذا لم ينجح حزب "العمل" بتأليف الحكومة! والترجمة السياسية لهذا الموقف هو العودة الى مواقف الزحف على البطون لدخول أروقة حكومة كوارث قومية تقودها قوى اليمين ويشغل حزب "العمل" في اطارها مقاولا ثانويا في مجال تجسيد سياستها. وكل همّ حزب "العمل" منصبّ هذه الايام للحصول على اكبر عدد من اعضاء الكنيست ليحصل على اكبر عدد ممكن من الكراسي الوزارية، في حكومة الكوارث المرتقبة برئاسة اولمرت كاديما الشارونية. والشروط التي يشترطها هذا الحزب لدخول أي ائتلاف حكومي مقبل ليست تعجيزية أبدا، بل متواضعة جدا ويمكن لاي حزب يميني متطرف ان يقبلها. شروط تعكس مدى انهراق حزب "العمل" وحنين قادته الى الكراسي الوزارية، وقد حدد رئيس حزب "العمل" عمير بيرتس، هذه الشروط في لقائه مع الصحفيين مساء الاثنين 13/3/2006 بعد خروجه من اجتماع انتخابي عقد في تل ابيب، طرح بيرتس امام الصحفيين ثلاثة شروط اساسية لا رابع لها لدخول أي ائتلاف حكومي بعد الانتخابات، وهي رفع الحد الأدنى للأجور الى الف دولار، تجسيد قانون شركات قوى العمل، وسن قانون التقاعد لكل مواطن!! لا اعتراض لدينا حول هذه الشروط الثلاثة، ونبصم بالعشرة موافقة على تجسيدها على ارض الواقع، ولكنها شروط احادية الجانب ومبتورة من خلفيتها الطبقية والسياسية، فهذه الشروط تتطرق فقط الى احدى القضايا الثلاث المطروحة على أجندة المجتمع الاسرائيلي، وتشغل بال الرأي العام والجماهير الشعبية الواسعة في اسرائيل والمنطقة وعالميا، تتطرق الى بعض القضايا الاجتماعية وبشكل مبتور وانتقائي يأخذ في الحسبان النتائج ويتجاهل المصدر والسبب، فمعالجة جذرية للامور الثلاثة التي طرحها عمير بيرتس، تستدعي معالجة مسبباتها، ونقصد اجراء تغيير جذري في السياسة الاقتصادية- الاجتماعية، وخاصة عدم ممارسة منهج ونهج الليبرالية الجديدة التي لا تنتج ولا تعيد انتاج سوى تعميق وتوسيع فجوات التقاطب الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء، فالأغنياء يصبحون اقل عددا واكثر ثراء، والفقراء اكثر فقرا، وعمير بيرتس وحزبه لا يعارضان النيوليبرالية بل هما من أنصارها. والأنكى من ذلك ان شروط بيرتس العمل تتجاهل عمدا القضيتين المركزيتين الأساسيتين الأخريين، فلم يطرح أي شرط بالنسبة للموقف من القضية المركزية الاولى، لقضية الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني- العربي، ولا بالنسبة لقضية التمييز القومي المنهجية ضد الأقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل، وحق المواطنين العرب بالمساواة القومية والمدنية، الجماهيرية والفردية.
وليس صدفة، حسب رأينا، ان حزب "العمل" لم يتطرق الى برنامج كديما اولمرت السياسي الكارثي لتسوية الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، ولم يطرح عمير بيرتس وحزبه أي بديل سياسي جذري لبرنامج كديما، والحقيقة هي انه لا توجد فوارق جذرية، بل توجد قواسم مشتركة بين العمل وكديما. في الموقف السياسي الأمني من القضية الفلسطينية وحلها. فبرنامج كديما يطرح تسوية للصراع على اساس خطة فك الارتباط احادية الجانب، تجاهل الطرف الفلسطيني وقرارات الشرعية الدولية، يتم في اطار هذه الخطة اتمام تهويد القدس وضواحيها وضم كتل الاستيطان الى اسرائيل (ارئيل وغوش عتصيون وغور الاردن...) واتمام بناء جدار الضم والفصل العنصري لمساهمته في رسم الحدود السياسية لاسرائيل. وعلى رأي اولمرت انه خلال عشر سنوات سيتم انهاء الصراع، أي ضم اكثر من نصف مساحة الضفة الغربية الى اسرائيل ومنع قيام دولة فلسطينية ذات مقومات طبيعية قابلة للحياة. وبرنامج حزب العمل يتطابق عمليا مع برنامج كديما ولكن بفارق واحد هو، ان حزب العمل يطرح تجسيد هذا البرنامج الاستعماري عن طريق التفاوض مع القيادة الشرعية الفلسطينية وعلى امل ان تخنع هذه القيادة للاملاءات التصفوية الاسرائيلية، وإذا لم تركع فلا يعارض حزب العمل اتخاذ خطوات وخطة اسرائيلية احادية الجانب، فرض حلول احادية الجانب.
وهذا التطابق في الموقف المعادي لثوابت الحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية بين العمل وكديما، يفتح المجال ويجعل الاحتمال كبيرا بإقامة حكومة وحدة قومية كارثية بين الحزبين وشاس، وبعض الاحزاب اليمينية والأصولية الدينية اليهودية. واحد زعماء حزب العمل، رئيس المخابرات (الشاباك) السابق، ومرشح مركزيّ في كتلة الحزب للكنيست، عامي ايالون، ومرشح الحزب لتولي منصب وزير "الامن" في حالة الّف هذا الحزب برئاسة عمير بيرتس الحكومة المقبلة، كان في تصريحاته اكثر وضوحا من رئيسه عمير بيرتس. ففي مقابلة مع صحيفة "صاندي تايمز" اللندنية يوم الاحد الماضي 12/3/2006، وبعد ان سرد تاريخه الاسود المخضب بدماء ضحاياه من الفلسطينيين، بعد ان تفاخر بقوله "قتلت كثيرا من العرب، على كل حال اكثر مما قتله مقاتلو حماس من اليهود واكثر من أي احد آخر" بعد اعترافه هذا بأنه مجرم حرب يتقمص دور نصير التسوية السياسية مع الفلسطينيين وان توجهه واقعي، يقول "انا مستعد للتفاوض مع حماس اذا قبل هذا التنظيم حل الدولتين"! أي القبول بدولة فلسطينية مقطعة الاوصال، دولة كانتونات منفصلة عن بعضها البعض بجدار الضمّ والفصل العنصري وبؤر المستوطنات الكولونيالية. ولإملاء حل ينتقص من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية يقترح ايالون هذا "اقامة محور برغماتي" مع دول المنطقة التي تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل، مع مصر والاردن والمغرب وتركيا، وان هدف هذا المحور هو تقليل تأثير حماس على ما يجري في المنطقة. اذا اقمنا هذا المحور ،يؤكد ايالون- نكسر حماس ونرى عندها القوى البراغماتية بين الفلسطينيين!! انه يمنّي نفسه ببلورة وايجاد قوى فلسطينية تفرّط بالحقوق الوطنية الشرعية، وبالنسبة لعامي ايالون فان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لم يعد بذي شأن. يقول فض فوه، في المقابلة عن ابي مازن " احب الموسيقى في حديثه، في كلماته، ولكن ليس اعماله، انا اعتقد انه زعيم ضعيف"!!.
مقابل هرولة حزب العمل لدخول أروقة حكومة وحدة قومية كارثية مع حزب كديما وغيره، ينشط بنيامين نتنياهو وحزبه الليكودي لبلورة محور من غلاة اليمين المتطرف والفاشية العنصرية، من احزاب المستوطنين وارض اسرائيل الكبرى، من الليكود وهئيحود هليئومي والمفدال وشاس و"يسرائيل بيتينو" وغيرها. فحتى برنامج حزب كديما اولمرت الشاروني للانتقاص من الحقوق الوطنية الفلسطينية الشرعية غير كاف بالنسبة لنتنياهو الليكود الذي في مركز اجندته عدم الانسحاب من أي شبر ارض فلسطيني محتل او قلع وتقليع أي مستوطن او مستوطنة من المناطق والاراضي الفلسطينية المغتصبة. فبعد اعلان كديما اولمرت عن برنامج الحزب السياسي الذي في مركزه خطة فك ارتباط احادية الجانب في الضفة الغربية، لم يكتف بنيامين نتنياهو بالإعلان انه لن ينضم الى ائتلاف مستقبلي برئاسة كديما اولمرت، بل دعا احزاب اليمين والأحزاب الدينية اليهودية اليمينية الى بلورة محور بديل برئاسته لمواجهة حكومة كديما، او ان أمكن ان يؤلف الليكود نتنياهو الحكومة الجديدة. ودعا نتنياهو مصوّتي اليمين عدم التصويت للاحزاب التي لا تعلن مسبقا عن رفضها الانضمام الى ائتلاف مع كديما بعد الانتخابات. الرجل الثاني في الليكود، سلفان شالوم، دعا من خلال خطاب له في "بات يام" رؤساء الاحزاب اليمينية والدينية اليهودية الى الاعلان اليوم بمن يدعمون لرئاسة الحكومة.
ان هذه الحقائق حول ما يجري على الساحة الانتخابية، وخاصة توجهات الاحزاب الصهيونية المركزية، العمل وكديما والليكود، تجعل من الأهمية السياسية القصوى بمكان، ليس فقط حجب اصوات الناخبين العرب وأنصار السلام والمساواة والعدالة الاجتماعية من الناخبين الدمقراطيين اليهود عن هذه الاحزاب الكارثية المذكورة، بل الاهم من ذلك زيادة تمثيل قوى السلام والمساواة والتقدم الاجتماعي في الكنيست المقبلة، وخاصة التمثيل الجبهوي في الكنيست، فالمعركة السياسية والاجتماعية المرتقبة بعد الانتخابات قاسية ومصيرية، وتحتاج الى مناضلين مبدئيين في الكنيست ايضا، ونواب الجبهة، كما أثبتت تجربة العمل البرلماني خلال عشرات السنين انهم قدها وقدود، فبقدر ما تكون الجبهة قوية في الكنيست، بقدر ما تكون الإنجازات الكفاحية في معارك الدفاع عن قضايا جماهيرنا وقضايا السلام والمساواة والعدالة الاجتماعية اكبر. فاقصفوا الصناديق بـ "و" الوعد الوفاء، "و" الجبهة، ولتعلم الاحزاب الصهيونية ان جماهيرنا قررت هذه المرة ان لا تضيع لحاها بين حانا العمل ومانا كديما والليكود.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟