أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا لاغة - المرجع الهووي و رنين ملاعق التطبيع















المزيد.....

المرجع الهووي و رنين ملاعق التطبيع


رضا لاغة

الحوار المتمدن-العدد: 6186 - 2019 / 3 / 29 - 20:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في هذا الأفق المحموم و رنين ملاعق التطبيع يلهث المتلهفون على السلطة من النهضة و النداء إلى خوض انتخابات تشريعية و رئاسية ، عبر بثّت رسائل عريضة للداخل و الخارج و حتى للجماهير تبشّر بضياع المرجع الهووي المقاوم و تجرّنا جرّا بصفاقة لا يضارعها صفاقة أيّ صفيق إلى التطبيع الذي يدوس على الذاكرة و المجد و الأصل. فرأينا وفود رياضة في دول الخليج و زيارة صادمة لنتنياهو إلى عمان و تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط بمصر و الذي يضم سبعة دول بما في ذلك دولة الكيان الصهيوني. واليوم نستعد لخوض الانتخابات التشريعية والرئاسية بتونس لتعقد قمة عربية يتفنن المطبعين فيها من الرؤساء العرب إلى دمج الكيان الصهيوني ضمن أحلاف إقليمية.
عجيب أمر السلاطين العرب ، الكيان الغاصب يتحوّل إلى حليف للذود عن الوجود.
في هذا الجوّ المائع نسمع أيضا شعار " الإسلام في خطر" كشكل من أشكال الهروب إلى الأمام وخلط الأوراق لعدم التعاطي مع المحاور الصحيحة التي يدركها شعبنا العربي في تونس بالفطرة أو يكاد.
لن نتحدث عن القمة العربية و لكن نريد أن نحلل هذا الخطاب التحريضي لتجييش مشاعر الناس و التي عوض أن تجذّر حركة ثقافة الحرية و المقاومة استسلمت بشكل لاواعي و لا إرادي إلى الهوية كحنين، كاندفاع عميق يقوّض عملية الانتقال لتغدو الهوية و كأنها معطى جاهزا قائما داخل زمنية مقدسة لا مجال لمساءلتها أو إضافة وتعديل عنصر منها، فلم يكن مستغربا أن يقع الشعب في شباك دعاة الهوية الزائفة التي عطّلت الحاضر والمستقبل و انشغلت بالماضي ، لقد فهمت الهوية كقفزة إلى الوراء بدل أن تكون عطاء متجددا لصنع المستقبل . وهو حمل لا يقدر عليه إلا من له صلة بالجدل ، فهو إذن تقدمي أو لا يكون.
إن مظاهر التحديث التي اعلن عليها الإسلام السياسي (حركة النهضة) كفاعل سياسي ، تطرح بحدّ ذاتها اشكالا علائقيا في الممارسة السياسية. هل أن مثل هذه المراجعات تتنزل في سياق التكتيك السياسي و بالتالي تغيير الأفق السرّي الذي يسعى إلى تحديد نفسه كنص انتخابي دعائي أم تعكس مشروعا مجتمعيّا يحدد موقعه الداعم للحداثة؟
و خلافا لهذا الأفق الهووي يأتي الاتجاه الثاني الليبرالي الذي يوقع نهاية عصر الهوية فينقلب المفهوم لديهم إلى عائق يبذر كرها وعماء تاريخيا ثوريا ينطلق من تشويه فهمنا لذاتيتنا . إزاء هذين الاتجاهين يحتدّ الضغط الإيديولوجي ليتحوّل المجتمع إلى ميدان معارك ليبقى السؤال : أين يتموقع خطاب الهوية ؟ و ما خلفية تعدد المقاربات الثقافية؟
قبل أن نتوقف عند المأزق النظري الذي يحيل إليه السؤال نشير إلى أن مفهوم الهوية لا يبدو أقلّ وضوحا من مفهوم الحداثة ذاتها.لذلك ليس غريبا أن نفسّر دعوة فتحي المسكيني إلى ضرورة إعادة إنتاج معنى الهوية غير التراثي ليحلّ محلّه بلغة سارتر الوجود لذاته أو بلغة ابن سينا ممكن الوجود. أي أن المعنى الحقيقي الذي يحيل إليه هذا المفهوم هو " ما نستطيع أن نكونه" وليس «ما نحن " أو ما كنّا عليه. إن الاضطلاع بالهوية كأفق للتفلسف يرمز إلى عملية " الانتقال الصعب من ثقافة الأصالة إلى ثقافة الحرية" .
و يمكن أن نحدد الخطوط العريضة للمعالجة المفهومية بهذا الشكل:الهوية هي جزء من التراث و لكنه ليس الأساس الذي يستوعبها. و ما يوضّح خطأ التيارات الهووية أنها لم تطوّر فهمها للهوية من موقع تصوّرها للمستقبل. إن خطرها يكمن في الاعتقاد بأن الهوية هي بعث للماضي والحال أنها "سعي دائب إلى التحرر". فبقدر ما ينفصل مفهوم الهوية عن المستقبل وبالتالي عن الحرية بقدر ما يزداد فهمنا سوءا، وبقدر ما نماثله مع الذاتية بقدر ما يلتبس علينا. "يظل هذا السؤال غامضا إلا بقدر ما نعتاد على المرادفة بين هويتنا وذاتيتنا" .و لكننا هنا نصطدم بما يشبه التناقض فيما افترضه فتحي المسكيني و ما انتهي إليه في بلورة معنى الهوية. فمن جهة يعتبر أن الجيل الشبابي هو جيل ما بعد هووي ، فهو ذات متمردة ، ناقمة من الدولة ــــــ الأمة و من جهة ثانية لا يشفع له تحرره و ثوريته أن يكون له بصمة هووية و هي التي تقترن بالحرية؟
هذه الفكرة تجرّنا ابتداء إلى نقد عام لمفهوم الهوية بمعناه التاريخي و الذي يؤول إلى التخلي عن كل صورة لمملكة الحرية.
الهوية كشوق للتراث
لم تفلت الهوية التاريخية عند التقدميين من النقد، بل إن انتصار العقلانية التواصلية تمثّل تخلي عن البراديغم أو الإطار المرجعي للدولة ـــ الأمة و بناء إطار جديد يجد أساسه في الحاضر و المستقبل و يقوم على كسر فكرة الانغلاق و قابلية تأسيس دولة الوحدة العربية . وهو تصور استفاض فيه عصمت سيف الدولة في العروبة والإسلام ولكنه متروك عند جل القوميين. لذلك سنحدّد الهوية كنظام بنائي ينتظم داخل الممارسة الاحتجاجية التي ترفض الذوبان في الهويات الأخرى و أعني هنا الليبرالية . و هي تتضمن اللغة والدين والعادات والتقاليد والقيم الأخلاقية.واعتمادا على ذلك فنحن نقصد بخطاب الهوية مجموع النصوص والأفكار والأقوال والدلالات والقواعد التي تتحكّم في صياغة هذه المكوّنات وتحدد تمثّل الناس لذواتهم كأفراد وكجماعات داخل نفس الوحدة وكمختلفين عن الآخرين؛ وانعكاس ذلك على الواقع المادي بما هو بنيات اجتماعية وسياسية و ثقافية. إذ في كل مرّة يهتز فيها الكيان الحضاري لشعب ما أو حتى فئة اجتماعية داخل المجتمع الواحد، ويبدأ نظام القيم والعلاقات وطرق التصور والتنظيم بالتخلخل والتبدل؛ يبدأ في نفس الآن حديث الهوية للبروز.
إن الأزمة في واقعنا السياسي المحلّي تتخذ دلالات أعمق حينما يتأسس الحل على ضرورة العودة إلى الماضي لجلب الحلول.مما يؤسس لهوية يمكن أن نطلق عليها هوية نكوصية .هذا النكوص دعّمه انتصار الاسلام السياسي في اللعبة الديمقراطية و الاستعاضة بالشيوخ بدل الشباب أثناء التأسيس العميق لهذا التبدل الطارئ في المجتمع.هنا تحديدا يكمن سوء الفهم الذي يوضّحه فتحي المسكيني على النحو التالي:" إن دروس الهوية لم تهيّئنا إلا الى ثأر أخلاقي من كل أنواع الآخر ، ربما هو الأساس العميق لأي رغبة عدمية في قتله " .
لا يتعلق الأمر هنا بإنكار الهوية، إذ تبقى بمثابة الذاكرة التي نستمد منها، بمعناها الواسع، تجديدا عميقا محمّلا بدلالة انسانية. غير أن لحظة البوح بالحرية التي يحكمها التشتت لهذا الشباب الثائر، لا يمكن أن تترعرع في نسيج الهوية.لذلك " علينا أن نحترس من أيّ تأسيس للحرية على الحنين: إلى الوطن أو إلى الآلهة".
في ظل هذا المدّ و الجزر يبقى مشكل الهوية في مفترق الطرق بين اتجاه يرنو إلى التشكل وفق المتغيرات الجديدة التي فرضت مبادئ الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية ، و اتجاه ثاني نكوصي ،افتراضي ،متطفل على زمانه ، رغم مشروعية حقه في أن يوجد، و يقدم الهوية بصفتها المقدسة والمطلقة والخاضعة للتأبيد والثبات. وهو اتجاه لا يمكن أن ينتج عنه سوى كسر الحوار مقابل تركيز وصاية المرشد أو الإمام أو حتى الزعيم.
إن مثل هذا التناقض ولّد ما يشبه القلق الانفعالي عند المواطن التونسي من اختفاء الذات التاريخية التي ظلّ تمثيلها الذاتي يتتابع بحسب توجهات المشروع الثقافي للاتجاه الأول أو الثاني. فمثلما رأينا شعار: الإسلام في خطر، رأينا أيضا الجمهورية في خطر. و بقدر ما يعتمل مثل هذا الصراع الدعائي ، بقدر ما نجح في إعاقة المسار الثوري و محاولة الدفع به إلى نهايته. وما نأسف له هو أن القوى القومية ظلت دوما ترفع شماعة الحياد المضلل.
إن مثل هذا الجدل يفضي في نظرنا إلى ما هو أخطر من ذلك.إنه يؤدّي إلى تدمير النموذج العقلاني لكل عملية بناء تقدمية يمكن أن تنجح في الإيفاء بوعد التحرر الشبابي.
لا يمكن اذن الحديث عن التمارين الانتخابية للتجربة التونسية دون ربطها بالعامل التاريخي لبنية المجتمع. وهذا ما تفطن له للأسف كل من النهضة والنداء. يكفي في هذا الصدد أن ندرك أن الحدث الانتخابي يحمل معه تصوّر مجتمع لنفسه كمرحلة من التحديث. إن المرحلة التي نحن بصددها لا يمكن إدراكها سوى في إطار انتزاع الحق في الانتخاب كمصدر لصون المفهوم الزائف للهوية عند النهضة أو الحداثة الشكلية للنداء. حداثة نعري و تعري و ليست حداثة الانجاز و العلم. لقد كانت نزعة التصويت تبدو كرغبة في توحيد العقلنة و تحقيق الذات الحداثية أو الارتداد للصورة النمطية للإسلاموية. فنمت الأحزاب بشكل سريع و فوق المتوقع ، وهي لم تدرك أنها هوامش لمحفل بين خطين متوازيين ، متماهيين في العمق متعارضين في الأدوار. لقد كان المجتمع برمّته مبرمج على الحدث الانتخابي. لقد حلّت الانتخابات كصناعة ثقافية محلّ الأشكال القديمة للتحكّم السياسي والاجتماعي. في هذا الإطار بدت المناظرة بين الأحزاب حدثا تواصليّا فريدا مع الجمهور . و في المقابل استقبلت بعض النخب هذا المشهد بنوع من الإرتيابية ، خصوصا عندما اقتحم الاعلام تجربة الحوار المباشر مع زعماء الأحزاب بعقلية ربحيّة لا تبحث سوى عن زيادة نسب المشاهدة فلم يحمل الحوار داخل البيت التونسي عقلانية تواصلية كفيلة بإنضاج الوعي الديمقراطي أيا كان مضمونه ، سياسي أو اقتصادي أو ثقافي بقدر ما قدّمت صورة مهتزة عن السياسيين. وهو استدراج يتقنه بوضوح محترفي الإعلام الذين اختاروا جاذبية البرامج السّهلة التي تحوّل المشاهد إلى مجرد مستهلك.فكان النموذج الأكثر إغواء في تلك الحقبة هو الإسلام السياسي ممثّلا في حركة النهضة و الذي حمل معه صورة الضحيّة التي تأذّت دون سواها من الدكتاتورية ؛فجاءت ثمار العملية الانتخابية لصالحه في الجولة الأولى أو الحداثة المذعورة أو المعطوبة في الجولة الثانية .
إن هذه النتيجة تكشف عن خلل بنيوي عميق في طبيعة أداء الفصيل القومي كفصيل أصيل له مقدرات التصحيح و التقويم و الفضح و البديل الذي يقوم على الهجوم الشرس.
إن خلفيّة هذا الغياب تضعنا عند حادثتي اغتيال المعارض اليساري شكري بالعيد ، و النائب محمد البراهمي كأحد قيادات الجبهة الشعبية و اعتصام الرحيل الذي خطّ رسميا تآكل الشرعية الانتخابية (23 أكتوبر 2011) و تفكّك القوى السياسية. و بالتالي الحضور المكثّف مرة أخرى للفئة الشبابية التي نجحت في تكوين حركة " كاش مات" و " عدنا" و " الحركة الثقافية الثورية"...و هي كلها تمظهرات لإعادة التوازن للحداثة التي استفادت من هذا الحراك.
إن القاعدة التأويلية تفترض أن الكل ( المشهد السياسي ) ينبغي فهمه انطلاقا من الجزء ( فترة حكم الترويكا). لأن الاستحضار المسبق للمعنى الذي بفضله يدرك الكل لا يمكّننا من فهم واضح. و بالتالي نحتاج إلى أن نحدد دور الجزء في علاقته بالكل. إن الخطر الأساسي أثناء معاينة الجزء ( الترويكا)هو تباينه الشديد مع اللحظة الثورية التي يديرها بمقتضى الآلية الديمقراطية.فالأصوليات على اختلافها و تنوّعها ، مترابطة على المستويين الداخلي و الخارجي على أنها معادية للحداثة حتى أنه يمكن لنا أن نتصوّرها كنوع من التدفّق التاريخي إلى الخلف. إنها نوع من إلغاء التحديث. وما عساه يكون الاختراع الشبابي إن لم يكن تعبيرا عن رفض شديد للدولة ــــ الأمة المنضوية تحت الحكم الشمولي و الاستبدادي. بهذا المعنى بقدر ما تكون العملية الثورية ضرب من التحديث السياسي ( علمنة بالمعنى الهابرماسي) بقدر ما تبادر الأصولية إلى معارضته عبر سنّ دساتير تعيق عملية التراكم كقيمة مضافة للحداثة
تبدو الأصولية هنا تجسيدا لمعاداة الحداثة، فإنها تعكف على قلب مسار عملية التحديث. و قد لاحظنا في فترة حكم الترويكا تراجع الوعي بفكرة الصالح العام و دولة القانون ، مقابل طغيان ما بات يعرف بأخونة الدولة.إن هذا المنعطف الإيديولوجي الذي ارتدته الدولة يكرّس أزمتها بدل تجاوزها.لذلك فهو بمثابة انحراف أنتج آثار معادية للمسار الثوري . فالترويكا لم تحكم بقدر ما رتّبت أوضاعا للدفاع عن استمرارها في هياكل الدولة . فرأينا من ليس لهم الكفاءة يتولّون المؤسسات السيادية للدولة مقابل تهميش ذوي الخبرة. لقد كانت تفاصيل المشهد في مجملها غريبة عن صورتها كذات عقلانية ترسم ملامح المجتمع الجديد لنعيش بين تشكيلات سياسية مفرطة في تعارضها: أحزاب حاكمة تتمسّك بضراوة بالسلطة و تمجّد الشرعية الانتخابية و معارضة أحلّت الشرعية الثورية محلّ الشرعية الانتخابية. مما لاشك فيه ان التحالف الجامع الذي تشكّل فيما بعد بين حركة النهضة كحزب ينتسب الى مرجعية الاسلام السياسي و نداء تونس كحزب ليبرالي حداثي هو مثير للحيرة و الالتباس و يفتح مقاربات عدّة للتأويل. وهو ما سنحلّله لاحقا. غير أننا سنهتم هنا بجانب مهم لعملية التحديث التي لا تقتصر سماتها على ما هو سياسي بل تشمل بالضرورة ما هو ثقافي و اجتماعي ؛ و بالتالي فإن تغيير ملامح المجتمع صوب ما هو حداثي ، هي عملية هيكلية تعمل لا فقط على توطين الاستقطاب الثنائي لاحتكار العملية الانتخابية و إنما بالإضافة إلى ذلك تهميش من لديهم خيوط افساد هذا الانحراف . وهنا أنا أعني القوى القومية و ليس كما يطلق البعض الجبهة التقدمية اليسارية ن لتحشرنا عنوة ضمن مربع مميت غير معطاء.
نريد هنا أن نشير إلى الجانب الثاني للأزمة و الذي كان بمثابة الشفرة الانتخابية التي التقطها نداء تونس و النهضة على حد سواء.
إن المفتاح الجوهري للموقف السياسي الفعال انتخابيا هو ما أدلى به مؤسس نداء تونس الباجي قايد السبسي عندما أفصح عن رغبته في معاداة الأصولية من جهة و جدارة حزبه في إرجاع هيبة الدولة من جهة ثانية.في الشعار الأول إعلان عن خوض تجربة التحديث و في الثاني تركيز دعائم دولة المؤسسات التي بدأت تفقد سيادتها.
و على امتداد الحملة الانتخابية قام مشروع النداء، أو هكذا روّج له قياداته كبديل يقع على الطرف النقيض من الإسلام السياسي .وهو ما تسبّب في خلق فضاء عمومي تنافسي بينه و بين النهضة ضمن ما عرف بالاستقطاب الثنائي .
من هنا تأتي أهمية سيكولوجية التأثير في الجماهير التي شغلت لوبون و فرويد ليختلط الفعل الاستراتيجي بالتلاعب السياسي.إذ بيّنت التجربة أن هذا التعارض مصطنع أو على الأقل ليس تعارضا هيكليا بقدر ما هو ذريعة أداتية ناجعة للوصول إلى السلطة. وهو ما احدث خلل في الشروط الانضباطية المقيّدة للعملية الانتخابية. فهناك استخدام للحيلة بدل الأمانة و التأثير العاطفي بدل العقلانية التواصلية. إن استغلال الناخب من أجل امتلاك السلطة في ظلّ مرحلة حياتية دقيقة يثير مقاومة تبرر ما انتهي إليه سابقا فتحي المسكيني بأن " "المواطنة" لا تزال في ثقافتنا فكرة هلامية فارغة من أيّ محتوى حقيقي" .
من المفيد أن نتذكر هنا المواجهة الفعّالة التي بذلها شباب الثورة الذي و إن ظلّ خارج المعادلة السياسية ، فإنه لم ينقطع ليعلن عن نفسه كشريحة تدحض ، من جهة الأبعاد النظرية للتعاليم الليبرالية في الفلسفة السياسية ، من خلال الإيقاع الفوضوي للرفض ، و من جهة أخرى كقوّة توجيه ، أثارها العملية واضحة لتصويب المسار .
إن منهجية الفعل السياسي للقوى القومية وفق هذا التقدير تستدعي الاشتغال على الهوية لا الانسحاب من ساحتها ، لأن الفهم التقدمي حين ينتجها يضرب الأساس الواهي لها بكونها قفزة إلى الوراء كما يسوق الاسلام السياسي و يدحض دعاة الحداثة الزائفين إذ لا هوية بدون حداثة. والمقصود بقولنا هذا أن الحداثة ليست مفهوما قدريا غربيا وإنما كل ثقافة تنتج حداثتها عندما تتصالح مع المستقبل.

المراجع:
ماركيز(هابرت). الأنسان ذو البعد الواحد .تر ،جورج طرابيشي ،دار الآداب ،بيروت .لبنان ،ط3 ،1988 .
المسكيني ( فتحي).الثورة و الهوية ، الحوار المتمدن عدد 3264 ،01/2/2011
المسكيني ( فتحي) الهوية و الحرية ، نحو أنوار جديدة، جداول ،الطبعة 1 ،2011 .
بلوزير الطاهر، المجتمع المدني كبديل سياسي في الوطن العربي ، مجلة العلوم الاجتماعية و الانسانية ،15 -2006
الجابري محمد عابد ، في نقد الحاجة إلى الاصلاح، مركز دراسات الوحدة العربية.بيروت ، لبنان ،ط 1 - 2005
دبّاش كوثر ، القانون الانتخابي التونسي ، نحو القطع مع الاستبداد،دار الطائر للنشر.تونس 2011



#رضا_لاغة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفجير الإرهابي بشارع حبيب بورقيبة: رسالة مشفّرة تحتاج إلى ...
- المشروع الوطني لحركة الشعب و نظرية الثورة العربية
- المشروع الوطني لحركة الشعب: جدلية التفاعل بين الديمقراطية و ...
- حركة الشعب : الناصرية في تونس و أسس المشروع الوطني
- دقائق متكاسلة
- كش مات ... حكومة يوسف الشاهد و شهوة المتناقضات في فلك الاتحا ...
- المشهد السابع ، رواية ريح من داعش
- المشهد السادس ، رواية ريح من داعش
- المشهد الخامس ، رواية ريح من داعش
- المشهد الرابع، رواية ريح من داعش
- المشهد الثالث ، رواية ريح من داعش
- المشهد الثاني من رواية ريح من داعش
- المشهد الأول - رواية ريح من داعش-
- في مئوية عبد الناصر، هل الناصرية ماض نبكي على أطلاله أم مشرو ...
- ديمقراطية في عصر الكوسموبوليتيكا
- العولمة و انشطار مفهوم السيادة
- مكانة عصمت سيف الدولة في بلورة فهم تقدمي للفكر القومي
- حين تكون قوميا تقدميا
- استقالة محسن مرزوق : صناعة التحولات و كسر النموذج المقفل لحز ...
- رمال القحط


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا لاغة - المرجع الهووي و رنين ملاعق التطبيع