أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضا لاغة - المشهد السادس ، رواية ريح من داعش















المزيد.....

المشهد السادس ، رواية ريح من داعش


رضا لاغة

الحوار المتمدن-العدد: 5781 - 2018 / 2 / 8 - 17:09
المحور: الادب والفن
    


بمقر المخابرات المركزية الأمريكية الكائن في لانغلي بمقاطعة فيرفاكس على طول نهر بوتوماك ، عقد بانيتا آي ليون اجتماعه الخطير بوحدة أبحاثه قائلا: >. تدخّل أحدهم كان يرتدي زيّا أشبه بالدّنقري المعروف عند الفئات العمالية قائلا: >
اختلس نظرة سريعة إليه ثم قال و قد نهض عن كرسيه: <<حسنا هذا سؤال ذكيّ >>. لم يكن يريد بانيتا أن يظل الحديث ثنائيا ، فنظر إلى جون ووكر وهو مشغول البال ثم قال: << إننا نحتكم إلي كنوز براعتك لنحلّ هذه الصعوبة يا مستر جون>>.
كان ووكر في الأربعينات من العمر ، ضعيف البنية له عينان صغيرتان زرقاوان يشعّ منهما ذكاء خارق. لقد كان شخصا بارزا جدا في رسم السياسات ويهوى الحروب ذات الطبيعة السيكولوجية التي تدمر مناعة الشعوب قبل حملها للسلاح.فقد حصل على أوسمة من البيت الأبيض على ما بذله وأظهره من تفان في خدمة وطنه. وهو الآن يشغل مركزا مهمّا في قاعدة التخابر الأمريكية بالدوحة. وهو رجل جدير بالإعجاب حتى أنه يتقن اللغة العربية فضلا عن الانجليزية و الفرنسية و الألمانية و الصينية. قال مبتسما بكل التهذيب المطلوب: << ما فاجئني لفترة وجيزة يا سيدي ملاحظاتك الشائقة ، بخصوص التنسيق الواعي مع قوى نحن على أتمّ التناقض معها .إن أسلوبك ممتاز ، فالآراء و المواقف ليس لها حمولة لمعنى ظاهري و لكنها تفسّر على ضوء فيزياء التحكم في الواقع>>.
قال بانيتا مقاطعا : << لحظة يا جون لقد صدقت إن لهذا التضاد مع الإرهاب قيمة مزدوجة. و إذا كان عملنا يقوم على تنظيم تعابير هذا التضاد في الحياة العملية و من ثمة نمذجته ، فدعني ألقي عليك سؤالا لو سمحت>>.
ووكر: <<بكل سرور سيدي>>.
انتعش بانيتا فقال بحرارة: << أنا أعرفك يا جون منذ زمن طويل ، فأنت رجل ذو فكر عظيم>>
عندئذ وقف ووكر و انحنى بتواضع: <<معذرة يا سيدي ، لا أحب أن أقع في وهم الإطراء>>
قال بانيتا وهو ينفجر ضاحكا بقهقهة رنانة: << أوه يا جون ،لست أنت من يقع ضحية الوهم يا صديقي >>، ثم ما لبث أن استرد هدوءه و أردف قائلا: <<اسمع يا جون، الإرهابيون أناس أشرار ، إنهم يسوموننا سوء العذاب. لا تنسى ما فعلوا بنا في الماضي ، إنهم جناة و سؤالي لك هو التالي: كيف نحقق هذه المجابهة المزدوجة؟>>
استأنف ووكر كلامه بصوت رصين : <<تعرف أكثر مني يا سيدي أن الأسى هو نهاية اللذة>>.
قال بانيتا وهو يتابعه باهتمام: << رغم أني ما زلت لم افهم قصدك تماما و لكن ما تقوله صحيح. هل تتشرف بإيضاح ذلك ؟>>
قال ووكر وبروق عجيبة تتلألأ من عينيه الصغيرتين : << نستدرجهم إلى مأربهم، بمنطق لذة الإشباع ؛ فينتقلون خطوة خطوة إلى النور و الجغرافيا لننفضهم بعد ذلك كهباءة>>. إن إعلان الدولة كلذة أرضية ملموسة في الجغرافيا ستجلب كل الصالحين في العالم ليقولوا : <<هذا وطننا>>.سوف لن نحتاج إلى السجون لأن خطوتنا ستكون إما القصف المعتاد الذي تتطاول لهيبه عنان السماء أو فتنة الداخل التي تضطرم كالسعير بينهم ليجتبينا حظنا لنغدق و نبيع لهذا و ذاك السلاح في ذات الوقت . سوف يقول لنا شعبنا :<< ما من خيار آخر أمامنا ، فأوجاعهم مسمومة و العاطفة معهم عقيمة>>.
قال بانيتا و هو يصفق بحماس: << أمريكا تشكرك شكرا لا حدود له يا جون .و الآن أيها السادة سنبدأ بالتنفيذ. بهذا ختم بانيتا كلامه متناولا قبعته وهو ظاهر الانشراح.
جلس ضيف جون ووكر و علامات الضيق ظاهرة على وجهه، فقد نودي على جناح السرعة . فحجز من يومه تذكرة الطائرة من بغداد إلى قطر دون أن يعرف السبب. استقبله ووكر وهو يحدّق فيه بملء عينيه قائلا: << وا أسفاه يا سيد لؤي ، العراق تهوي إلى الحضيض و عواصف الفتن تعزف ألحانها لتقبض على ميراث جيش صدام الذي لم تكن تروّعه الصواعق الحارقة من إيران>>.
قال لؤي وهو يرشقه بنظرة هائمة حتى أنه يكاد لا يتنفس :<< يجب أن أعترف لك سيد ووكر أنني مستغرب من حفاوة الاستقبال. ثم ها أنت ذا بعد أن أمنتم الطاغية شرعت تتغزل بجيشه الذي بدأت نجومه تخبو>>.
حرّك ووكر شفتيه بابتسامة ماكرة:<< ألست تعرفني يا سيد لؤي أنني لا أحب التمـــــــلق و التكبر؟>>
لؤي:<< أرجو أن تعذرني يا سيد ووكر ، لم يكن في نيّتي أن أخدش هيبتكم ، إنني أتكلم عن سرّ هذه الدعوة المفرحة >>.
ووكر:<< لا وقت يتّسع لنا للمناقشة، لتعرف فقط أننا نحتاج إليك. لأننا نعرف أن الأذكياء فقط يتربّعون على العروش العالية. إن مهمتك تبدو جزءا هيّنا قياسا بالعمل العظيم الذي أنجزته لإسقاط صدام>>.
على كل حال كان العقيد لؤي ضابط مخابرات سابق في نظام صدام ، يعرف أن هذا العمل هو أمر لا يسعه إلا أن ينفّذه. بقي هادئا وهو يستمع إلى السيد ووكر : << لا أحد غيرك على الإطلاق يمكنه القيام بهذه المهمة>>.
بينما كان لؤي ينفث سيجارته بأنفاس طويلة أخرج ووكر صورة . كانت عيناه ترقب الصورة كي يتعرّف عن ملامحها عن كثب. كان رجلا في منتصف العمر ، رغم أن لحيته الطويلة تكاد تحجب وجهه. كانت نظرته توقع الرعب في الفؤاد . خلفه مباشرة كلمات منقوشة على قطعة قماش سوداء: لا اله إلا الله محمد رسول الله .تناول الصورة ،تأملها، لبث على هذه الحال لحظات، لمع في ذهنه سؤال تافه فقال:<<ومن يكون هذا الرجل؟>> قال ووكر مبتسما: << دعني أستخدم عباراتنا المعتادة: زبون سري>>.
لؤي: << قل لي إذن لماذا تعرض لي صورته؟>>
ووكر: << لا تكن متلهفا يا سيد لؤي، ولكن دعني أسألك : هل تعني لك الصورة شيئا ما؟ هل سبق أن رأيت هذا الشخص؟>>
لؤي: << إطلاقا>>.
ووكر:<< هذا الرجل يمكن أن يقوم بأي شيء لأجلك حتى تصبح العضد الأيمن لأبي بكر البغدادي>>.
لؤي: << ليكن سيدي ، و لكن أرجو ألا تكون ذكرت الاسم الخطأ. فهذا الرجل الكاسح يكاد ذكر اسمه يطيح برقاب ملوك الشام>>.
يقهقه ووكر بقلب متحجّر و يميل بجسمه كأنما يقف على منحدر: << الآن عرفت سبب لهفتك.لا تضق ذرعا بي، سأشرح لك إستراتيجيتنا. سنعين خصومنا المحتملين ، سنساعدهم في بناء دولة الخلافة>>. ينفجر ضاحكا مرة أخرى و يصيح : <<هذا كل ما في الأمر يا سيد لؤي>>.
لؤي مستغربا: << و هل هذا ممكن؟ أنتم تنتهجون الدفاع التحسّبي>>
ووكر: << يا صديقي الشهم ، الأمر في غاية البساطة ، دولة خلافة ، فزعزعة أمن المنطقة ، فهجرة منظمة للانضواء في تنظيم الدولة، فقصف و حروب و سوق منتعشة للأسلحة ...لامناص من ذلك ، لم نعد نتحمّل أن نعيش معا في أمريكا مع من يحمل لنا ثقافة معادية . تخيّل يا صديقي ، هل يعقل أن نسجنهم جميعا ؟ ها ها كيف يحصل ذلك ؟ آلاف بل ملايين من البشر يحملون لغتنا ، لهم جوازت كتلك التي أحملها أنا . تصور أنا الذي أفنيت حياتي لأجل أن تنعم أمريكا بالسلام ؛ أشارك عدوّا لدودا في نفس الأرض ، في نفس الجنسية ؟ هراء . و لكن ما عسانا نفعل و حقوق الإنسان تأبي حتى السجون المكلفة . نريدهم أن يحملوا أغراضهم الى وطنهم الجديد ، أجل بالكاد يصلوا ليتحوّلوا إلى وحوش ضارية يأكلون بعضهم بعضا ، ونحن نشحنهم بالذخائر و حين نسأم من اللعبة نقصف ، أجل يا سيد لؤي ؟ كم أنت شهم أيها الرجل ، نقصفهم بضراوة كعادتنا ، من سيجرأ أن يلومنا ؟ لا أحد هاها>>.
غادر لؤي مكسور الجناح أو هكذا افترضت الشائعات . لقد تحسّر على حقيقته كضابط عراقي يستحق أن ينال شرف الانتماء إلى جيش كان يضرب به المثل في الساحات العربية و العالمية، و لكن وحده فقط من يعرف سبب انهياره المفاجئ. في تلك الليلة المشؤومة التي اندفعت فيها وحدات من المارينز الأمريكية لاقتحام ساحة بغداد و الإطاحة بتمثال الرئيس صدام . كان الحدث استعراضيا و بالرغم من ذلك كانت الحماسة تطفح على وجوه الجيش العراقي. كان يمكن أن تكون ليلة دامية بحق و لكن الجيش تلاشى في طرفة عين. كانت التعليمات الساخنة و الموثوقة أن يخلع الجنود بزاتهم العسكرية و أن ينزلوا على مهل ليذوبوا في الشعب. كان لؤي هو من يملك كلمة السر التي تبدد معها الجيش كالسكر. لقد استيقظت العراق في صبيحة ذلك اليوم بدون جيش، موجات من التــــعاليق و الســـخافات و الشائعات التي لاكتها الألسن حتى أن أمه أيقظته باكرا وهو الذي بالكاد يهجع إلى فراشه ، لتعلمه بالأمر وهي تبكي . كان لؤي مقربا من الرئيس و قد شوهد لآخر مرة حذوه في تكريت قبل أن تحلّ الفاجعة بسقوط بغداد. لقد نفّذ مهمته بحذافيرها. لم يكن صعبا عليه أن يتآمر على بلده، فقد كان طماعا و جشعا، وهو من أولئك الذين يعتبرون أن الوطن هو الجيب. هو الآن يتحسّر و يشعر بالعار و وخز الضمير لأنه يعرف كل شيء فهو من مرر كلمة السر المزيفة إلى قيادات الجيش و حرضهم على مغادرة الثكنات و الظهور بمظهر مدني إلى أن تأتيهم التعليمات الجديدة. كانت البرقية واضحة و صارمة: <<إخلاء الثكنات و ترك البزاة العسكرية، نفّذ>>.
تنفس لؤي عميقا في تلك الليلة و هو يعدّ نفسه لمقابلة العميل السري للمخابرات الصهيوينة و الأمريكية في بيت مهجور مجاور للأسوار الحجرية للمدينة. حصل ذلك في دقائق معدودة . كانت الخطة أن ينشر كلمة السر لقيادات الجيش . و في الصباح كان كل الشعب يسأل: <<أين جيشنا المغوار؟>> ، اعتقد الجميع يومها أن هناك خطة. كان البعض يقول بتعصب و حماس: <<على الأرجح أن هناك خطة، القائد يعدّ لأمر ما، لقد اختار طريق المقاومة المسلحة في شكل عصابات>>. عندما طال الغياب و قبض على القائد انكشفت النهاية. لم تعد هناك معنويات ، كانت البلاد مقبلة على الاندثار و التشظي لتتناسل منها جحافل من المافيات و الاصطفافات المذهبية و العرقية. كانت المعركة مع صدام مختصرة، لقد تم جذّه من الداخل عبر الدسائس. كان هذا كل شيء ، سقوط مباغت قلب المشهد رأسا على عقب.
تلبدت السماء بالغيوم مساء هذا اليوم و ها هي الشمس توشك على الغروب . نزل لؤي من الباص رقم 101 الذي يقلّ إلى حي البنوك و الذي يعتبر من الأحياء الجميلة و الراقية ببغداد.كانت الحركة عادية في الشارع المفضي إلى جامع عبد الله بن عمر ؛ و فجأة تراءت جسيمات غبار متناثر في كل مكان جرّاء انفجار سمع في المنطقة مما أثار حالة من الذعر لدى متساكني الحي ، فقد لحقت أضرار بالغة بالأبنية المحيطة . سمع البعض يقول: << نحن محظوظون لأنه لم يصب أي أحد منا>>. كما عثرت أجهزة الأمن على جهاز للتفجير موصول بأسلاك كهربائية وهاتف محمول، على بعد بناية واحدة من مكان الانفجار ثم أزيلت بطريقة آمنة.كانت مضخات صوت الوحدات الأمنية تحاول أن تهدأ من روع المتساكنين لتقول لهم أنه لا توجد خطورة تهدد أرواحهم لأن الأمور تحت السيطرة.لم يعرف حتى الآن الجهة المسؤولة عن هذا الانفجار. ذكرت تقارير في وقت لاحق أنها عملية إرهابية استهدفت منزل أحد القيادات الأمنية و بلغ عدد القتلى في مسرح العملية خمسة و عشرين شخصا منهم زوجته و وولده و أنه لا توجد خطورة تهدد أرواح المصابين باستثناء ابنته التي لا تزال في حالة خطيرة. شهود العيان يقولون، أنهم شاهدوه مذهولا في موقع الانفجار على أمل أن تنجوا عائلته. و ثمة أنباء تقول إن ابنته هي الأخرى قد لفظت أنفاسها بمجرد وصولها إلى المستشفى.
هذا وقد صرّح أحد الأمنيين قائلا: << توقّعنا هذا و حذّرنا قواتنا منه و لكن الإرهابيين يستغلون مساحة الديمقراطية لكي يتحرّكوا بحرية>>. هرعت سيارات الإسعاف و مكافحة الحرائق إلى الموقع و ذكر شهود عيان أن الانفجار أحدث دويا هائلا جدا.كل شيء كان يهتز . لقد كان مروعا. و في هذه الأثناء سمعت بعض الاستنكارات من قبل عــــديد المارة و أصواتهم تتعالى: <<لا حول و لا قوة إلا بالله>>.
لم يمض وقت طويل حتى وضعت المنطقة تحت إجراءات أمنية مشددة مع إعلان الحكومة عن حالة الطوارئ القصوى بالتزامن مع بدء عملية تمشيط عسكرية.هذا وقد صبّ سكان الحي جام غضبهم على السلطات الحكومية وإخفاقها في توفير الحماية للناس.و يقال أيضا أن الطريقة المستخدمة في التفجير ليست مألوفة. هناك استياء صغير ظل يقفز في ذهن لؤي و يغيظه بين الفينة و الأخرى ،فالوصف لم يكن صحيحا و الهدف كان خارج دائرة الانفجار. لا يمكن التهاون أبدا في إجراءات التنفيذ و كثيرا ما تكون التفاصيل مدمّرة .
لقد بات واضحا أن الخطة تقتضي زعزعة الأمن الذي ينتج شرارة تفريغ كبيرة لدى عموم الناس. كان واضحا أيضا للمحققين أن أسلوب الإعداد للعملية يرتقي إلى مستوى الحرفية ، فقد تعرضت وسائل الاتصال للتخريب كما أن الانفجار أنجز باستخدام صمامات أوتوماتيكية عند تعرضها لضغط معين تدفع للاشتعال في الأماكن الخطرة عبر أنابيب الغاز لتحدث انهيارا كاملا للمباني.لا بد أن هناك دراسة استطلاعية مسبقة قبل تثبيت هذه المعدات.
ورغم أن أجهزة مكافحة الإرهاب لا تملك حاليا معلومات عن الحادث، فإن لؤي هو المنفذ المرجح للتفجير الإرهابي فمن المعتقد أن متشددين في تنظيم القاعدة أرادوا الانتقام من قيادي أمني كان مسؤولا عن إعدام البعض من عناصرهم. تلك المهمة الأولى التي أوكلت له للبرهنة على تضامنه مع التنظيم الذي لم يطلق منصّته بعد و يعلن عن بناء الدولة الإسلامية. لقد حرّضه الزبون السري ع / م على القيام بعملية نوعية تثير الرأي العام ، وهو من جانبه سيتواصل مع قيادات القاعدة و يقترح عليهم أن الشروع في رسم خارطة جيوسياسية للمنطقة ، لن تنجح دون الاستفادة من الخبرات العسكرية للجيش العراقي المنحل. إن شهادة كهذه تكتسي قيمة بحد ذاتها ليصبح من الشخصيات النافذة و صناع القرار داخل تنظيم القاعدة . وقد عرف عنه استقطابه للشباب الذين ينحدرون من عائلات فقيرة، والذين ربما حفزتهم المضايقات التي يتعرضون لها على أيدي الأجهزة الأمنية على الانضمام إلى صفوف القاعدة.
لقد حفز الهجوم على منزل القيادي الأمني على التواصل مع الرجل الأول الذي يعتمد عليه البغدادي ليعرض عليه أمرا ما كان ليخطر على باله. كانت وسيلة التواصل الأولى رسالة نصية وجهها إلى حجي و قال له فيها:" هناك معلومات سأكشف عنها". بعد أسبوع عرض العمل على لؤي مع تنظيم القاعدة و الذي تمكن في نهاية المطاف من إقناع رجل القاعدة أبو بكر البغدادي للانتقال من العمل السري إلى إعلان دولة الخلافة، فالرجل كان معروفا لدى كبار القياديين في الجيش العراقي و بمجرد أن أعلن انتماءه للتنظيم بدأ يزوّدهم بالكوادر و المعلومات الأمنية عن الخطط الحربية و كيفـــــــية خـــوض حروب العصابات و نصب الكمائن و تفخيخ السيارات التي تكررت في أنحاء كثيرة من العراق لتحصد الأرواح في صفوف الشرطة. سار لؤي على مقربة من وحدات الشرطة مفتعلا صدمته الشديدة و هو يصيح: << تحت أية ذريعة يموت الأبرياء؟ الويل لكم أيها التكفيريون الذي تريدون تدمير الأخضر و اليابس>> ، حتى أن أحد الأمنيين دعاه إلى ضبط نفسه. ومن على مسافة غير بعيدة عن موقع التفجير ، تناول لؤى صحن المقبلات و البيتزا الساخنة في مطعم الملكة.إن المكان يجذب الشباب الذين يريدون مكاناً هادئاً، يمكنهم فيه التحدث بحرية وتناول الأكلات اللذيذة. و فيما يبدو كان يستعد لحضور الموعد الذي جرى الاتفاق عليه بعد العملية مباشرة مع الزبون السري.كان يقول دائما للمجندين الذين اختاروا الانخراط في صفوف تنظيم الدولة بأن أهم إجراء يستخذم عند تنفيذ هجوم ما هو التلاعب بصانع القرار و النزول للضوء و الشارع.من هناك فقط تنعكس لكم سطوح الثغرات الأمنية اللامعة.
إن تمركز الضربات في المدن العراقية خلق بصورة تدريجية هجرة جماعية سرعان ما عمت جل مدن العراق و تحولت إلى اصطفافات عشائرية شحذت بنزعة التمذهب إلى أقصى طاقتها . لقد خلقت حقا أكذوبة دمرت تلاحم الشعب الواحد و نجحت في وأد جميع مظاهر التكافل الاجتماعي لتجعل منها علاقات عدائية. إن هذا التناقض المذهبي تحول إلى أرضية خصبة لاستقطاب مؤيدين لتنظيم الدولة . هذا الأمر يزداد وضوحا من خلال حملات الاستقطاب الواسعة التي كان يقوم بها لؤي في صفوف الجيش العراقي.إن العبارة التي كثيرا ما يرددها له، العقيد حجي بكر لينتزع مكانته في تنظيم الدولة:<<لا بد أنك وجدت قيادات عسكرية قد طوروا تقييماتهم إزاء الصفعات القاسية التي نالت من مصائرهم>>
لؤي: <<من المحتمل و لكنهم ما زالوا محتفظين بنمط عملهم السابق>>
حجي بكر:<<أستخدم خبرتك في التدبير و غالبا ما ستنجح في مهمتك>>
لؤي:<< لنفترض أن هذا اللقاء مساحة لتبادل الخبرات فهل يمكن دمج القديم في نظام جديد أكثر غنى؟>>
حجي بكر:<<في هذا أنت على المحك و لا تنس أن ضمائر الجنود تتردد في أحاديثهم>>.
لؤي: <<تقصد همومهم >>
حجي بكر:<<و ربما تطلعاتهم أيضا, فكل ما يريده الجندي اليائس هو ألا يكون وجوده متروكا للمصادفة لذلك لا مفر من تذكيرهم بأن تنظيم الدولة ضمان لعيشهم الكريم>>.
استعاد لؤي صلته بجل الكوادر العسكرية على طريقته الخاصة مستغلا المعلومات التي تزود بها من المخابرات الأمريكية . و غرس في أذهانهم الروح القتالية حيال الانتهاكات التي تقترفها مليشيات بدر الشيعية في حق السنة.كان يقول لكل مجموعة تلتحق بتنظيم الدولة:<<إن كل واحد منكم يظهر لي كقائد ينتقم لمصيرنا المشترك>>.و ها هو الآن يتنفس بحرية بعد أن حاز وضعا مرموقا داخل التنظيم حتى أنه يعد المبجل الثاني لدى أبي بكر البغدادي بعد حجي بكر.كان صوته يرتجف في أول لقاء جمعه به.لا شك أنه حلم كثيرا لكي يحظى بهذه المنزلة.



#رضا_لاغة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشهد الخامس ، رواية ريح من داعش
- المشهد الرابع، رواية ريح من داعش
- المشهد الثالث ، رواية ريح من داعش
- المشهد الثاني من رواية ريح من داعش
- المشهد الأول - رواية ريح من داعش-
- في مئوية عبد الناصر، هل الناصرية ماض نبكي على أطلاله أم مشرو ...
- ديمقراطية في عصر الكوسموبوليتيكا
- العولمة و انشطار مفهوم السيادة
- مكانة عصمت سيف الدولة في بلورة فهم تقدمي للفكر القومي
- حين تكون قوميا تقدميا
- استقالة محسن مرزوق : صناعة التحولات و كسر النموذج المقفل لحز ...
- رمال القحط
- معقولية خطاب غير خلاّق
- رسالة مفتوحة إلى فخامة رئيس الجمهورية التونسية
- القمع الفتّاك للفكر
- صرخة في مشهد
- ناخب فطن يبوح بأسرار عميقة
- صراعات مكشوفة
- عقاب مكرور
- تقادمية حالة حرب


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضا لاغة - المشهد السادس ، رواية ريح من داعش