أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا لاغة - التفجير الإرهابي بشارع حبيب بورقيبة: رسالة مشفّرة تحتاج إلى تفكيك















المزيد.....

التفجير الإرهابي بشارع حبيب بورقيبة: رسالة مشفّرة تحتاج إلى تفكيك


رضا لاغة

الحوار المتمدن-العدد: 6039 - 2018 / 10 / 30 - 19:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن استعراضنا للعمليات الإرهابية الفظيعة التي استهدفت أمن البلاد التونسية واستقراء بنيتها التنظيمية يفترض أن الأطراف التي تخطط تبذل جهودا لوضع استراتيجية الالتفاف على مشاكل معقدة انطوى عليها الانتقال الديمقراطي منذ بدايته. لذلك لا مجال هنا للتقييم السطحي وهو ما يستلزم بلورة تقييمات جادة لمخاطر الحرب على الإرهاب. وبالرغم من ذلك فإن استعراض هذه الاتجاهات التاريخية لا يكشف إلا على تضمينات مبهمة بخصوص مستقبل الحرب على هذه الظاهرة. في هذا الصدد يتيح لنا تصريح رئيس الجمهورية من برلين توصيفا ذا مغزى لمشكل سياسي.
إن ما يمكن فهمه من ضمنيات دعوة رئيس الجمهورية، على أعقاب العملية الإرهابية التي جدت بشارع حبيب بورقيبة مساء أمس، إلى تغليب المصلحة الوطنية من قبل السياسيين ودرء الخلافات؛ يؤذن ضمنيا بأن الإرهاب بمثابة صناعة أو بمنزلة السلاح عند فئة من السياسيين. وأنه يتعين على الأحزاب السياسية استشعار التكلفة الجسيمة والشاملة التي ستقع على كاهل الجميع. ولئن تجنّب رئيس الجمهورية ادراج اسم حزب بعينه، فإن هناك مخاوف لم يفصح عنها تعتبر أن الإرهاب هو امتداد مباشر لهذا الصراع السياسي.
إن اهتمامنا سوف لن يقتصر على تفسير منطقية الاتهام أو اللوم المبطّن لحليف تورّط في تفكيك التوازن بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، بقدر ما سنهتم بالمعضلة الأمنية قصد استكشاف فضاء هذا الصراع السياسي كخطر كامن لأحداث محرّضة على الإرهاب.
وعلى أي حال يشير علماء العلاقات الدولية بأن الحرب على الإرهاب داخل الدول في انخفاض، غير أنه يجب تقييم هذه النتيجة المشجّعة مقابل حقيقة أخرى متشائمة تشير إلى أن دول شمال إفريقيا ستتحمّل كلفة باهضة لهذا التحوّل. إنها ستكون عرضة جائحة الذئاب المنهكة وحتى المنفردة التي أعقبت صمود سوريا وتفكك داعش ببلاد الرافدين وبوادر تشكّل جيوسياسي جديد في ليبيا يخرج الحركات الإرهابية من دائرة النفوذ ويعرّض ميليشياتها إلى منصّات القصف.
لا أحد يمكنه أن يتوقّع مآل حجم التهديدات الأمنية المتنوعة عقب هذا التبدل بدءا من الإرهاب وصولا إلى عصابات التهريب والمخدرات.
في هذا الصدد سأقوم بتحليل العملية الإرهابية الأخيرة من حيث الدوافع والقوة، خلافا لتوقعات الموقف الرسمي لرئيس الحكومة الذي تجاهل بصورة شبه كاملة الملامح الموضوعية الخطيرة مفترضا أنها عملية فاشلة وناجمة عن حالة يأس وإنهاك للجماعات الإرهابية. إن استنتاجاتي تطرح مخاوف عميقة ومزعجة سأعمل على تبويبها على النحو التالي:
إن فهم عملية التفجير وملابساتها من قبل فتاة جامعية ليس لها سجلّ إرهابي وفي فضاء رمزي برمزية شارع حبيب بورقيبة يدعونا إلى أن ننتبه إلى تفاصيل فنية حول مسرح الجريمة:
هل تمّ التفجير بحزام ناسف أم عن طريق قنبلة يدوية الصنع؟
إن الإجابة عن هذا السؤال ذات أهمية بالغة. في الحالة الأولى (حزام ناسف) نحن نتحدث عن أسلوب تقليدي لما يسمى شوكة النكاية لخلايا نائمة تتحرك بتعليمات وبقصد وهمي لدى المنفّذ بأنه ينجز واجب عقائدي. ولأجل ذلك فهو طوعي. في الحالة الثانية (قنبلة يدوية) فإنه يعكس فرضية خطيرة مفادها إمكانية عدم معرفة الفتاة بما تحتويه حقيبتها لأحد أمرين: إما نتيجة التخدير أو أنها وضعت دون علمها. الأخطر من كل هذا أسلوب التفجير. أي أن الفرضية الثانية تكون معقولة متى كان التفجير عن بعد كأن يعتمد المخطط على هاتف توجيه مثلا. وهو أمر ينطوي على تناقض مربك نصوغه في السؤال التالي:
كيف يجتمع في صلب العملية بصمتين متعارضتين؟ قنبلة يدوية محدودة الأضرار وأسلوب متطوّر في التنفيذ؟
اسمحوا لي هنا أن أتحفّظ على التفاؤل الحذر والسطحي الذي وصّف به رئيس الحكومة بكون العملية فاشلة.
صحيح من المرجّح أن تقاس العمليات الإرهابية بالأضرار الناجمة عنها، و لأنها و لله الحمد لم تنل من أرواح قواتنا الأمنية البواسل ؛ فهي إذن فاشلة. هذا التفسير يكون ملائما إذا كانت غاية الجهة المخططة حصد خسائر في الأرواح. ولكن من يثبت لنا ذلك؟
و لقراءة خلفيات هذه العملية الإرهابية الخطيرة سأنتقل إلى دوافع أحسب أنها لم تفهم من قبل الخبراء الأمنيين , ولست بذلك أبحث عن الشرف و المكانة بقدر ما أوضح ما أحسبه مهما للذود عن أمن تونس الحبيبة.
سأنطلق في تفسير الرسالة لهذه العملية الإرهابية من خلال خطاب مشفّر يسري في طيّاتها مفاده: يمكننا أن نفعل ما نشاء.
من المتكلّم هنا؟
كيف يعقل لجماعات إرهابية مشكوك في قدرتها الاستراتيجية بعد ملحمة بنقردان البطولية أن تتوعّد بهكذا خطاب؟
أنا أزعم أن هناك تفوّق هجومي لقواتنا الأمنية ومع ذلك الرسالة مربكة وتهدد بأن الجهة لها يد طولى في قلب شارع حبيب بورقيبة.
أنا أزعم هنا بأن التفسير المعقول للتخلص من هذا التناقض يدفعنا إلى القبول بأن الأطراف التي خططت للعملية موجّهة بأهداف سياسية على نحو ما أشار تلميحا رئيس الجمهورية. أي أن النزاع السياسي حين يكون مفتوحا وبدون ضوابط حفظ الذات يبدو حتميا ومدمرا.
إن هذا التأويل يستند إلى علم الجهة المخططة بأن فرضية الذئاب المنفردة، والتي لا أقبلها، قد تكون غطاء مقنعا ومنطقيا للتستر عن الجهة الفعلية. وهي تخمينات مورست في الماضي كمظلة لتبرير تصفية الشهيد شكري بالعيد والشهيد محمد البراهمي. فاختلط الإرهاب السياسي بالإرهاب التكفيري.
نحن إذن نعتبر أن الإرهاب في أحد مظاهره يمكن أن يستخدم كسلاح لإخضاع أو كسر إرادة خصم ما. إنه حالة عنف منظم رغم ما يتّسم به أحيانا من فوضوية واعتباطية التنفيذ.
ولأننا لا نعرف إلا القليل حول حيثيات ما حصل من ترتيبات لهذه العملية الإرهابية فليس لنا سوى أن ندرجها ضمن سياق سياسي مهم آخر نتائجه فك الارتباط بين حركة النهضة ورئيس الجمهورية. وهو ما أصبح يمثل مصدر قلق لقياداتها.
تطرح هذه القراءة استنتاج أساسي مفاده أن العملية الإرهابية هي اجراء تكتيكي يقرع ناقوس الخطر والتحذير ليقول لنا بأن ما حدث وقع نتيجة قرار واع من قبل جهة يمكن لها أن تستخدم القوة متى شاءت كوضعية محتملة لتصعيد مواز.
وهذا بدوره ينقلنا إلى سؤالين مهمين: الأول إذا كانت القوى الإرهابية ضعيفة بحسب المؤشرات الواقعية وهي متمركزة في الجبال ومحاصرة لوجستيا فمن يستطيع أن يلوّح بهكذا تهديد؟ والثاني ما هو التصعيد الذي حصل ليترتب عنه تصعيد مواز؟
في هذا المستوى بالذات ينبغي أن ننتبه إلى ثلاثة تحولات مهمة تهدد مصدر الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة التونسية، أسوقها على النحو التالي:
ــــ نتذكّر جيّدا التغيير الذي طال القيادات الأمنية بما في ذلك وزير الداخلية السيد لطفي براهم الذي أصبح يشكّل خطر على حركة النهضة باعتبار أن جهاز الداخلية أضحى يشتغل بوتيرة منتظمة تتسم بالنجاعة وغدى أكثر قدرة على الاعتماد على مفهوم التبادل الأمني التعاوني والمشترك مع المحيط الإقليمي. إن هذا التحوّل أثار سخط قيادات حركة النهضة وأذكى في مخيالها الضرر التقليدي للجهاز. إن هذا المؤشّر الذي يذهب في اتجاه انغلاق الجهاز وعتمة طرق تسييره افرز مخاوف قطبية انتقال السلطة وفق ما وقع الترويج له محاولات للانقلاب على المسار.
إن عملية الإقالة التي رضخ لها يوسف الشاهد هي بمثابة اجراء استباقي يستبطن حتمية وضع اليد على جهاز الداخلية عن طريق قيادات موالية أو انتداب إطارات تتسم بانعدام الكفاءة حتى يبقى الجهاز طيعا وناعما وحتى مخترقا.
ــــ الفزع الدولي والإقليمي إزاء احتمالية تطبيق استراتيجية الردع للإسلام السياسي وبالتالي اختفاء الدعم الدولي. وهو ما لاحظناه في التحول المقصود ضمن خطاب رئيس الجمهورية الذي صرّح بفك الارتباط مع حركة النهضة وسرعة تموقعه في القطب الفرنكفوني بتأييد قوي من الرئيس الفرنسي ماكرون.
إن هذا التحوّل أربك التوازن الصلب لحركة النهضة (الشق الحواري المعتدل) ورجّح على ما يبدو خيار الشق المتشدد الذي طالته سابقا تهمة فرض أولوية الأمن كممارسة وقائية أثناء مقتل شكري بالعيد ومحمد براهمي. لذلك كتبنا بأن جوهر الجرم الإرهابي هو سياسي وليس تكفيري.
تحمل هذه القراءة في طياتها احتمال قرار قد يمضي قدما في الأيام القريبة القادمة لفتح جولة جديدة للتفاوض الذي يعجّ بمعلومات ناقصة، ولكن عند من؟ عند من يحكم، عند رئيس حكومة قدّم تفسيرا بسيطا في حجم تواضع تمرّسه السياسي، وعند رئيس الجمهورية الذي لا نعرف إن كان الطلاق نهائيا أم أن مخاطرات التهديد الجسيمة تجعله يقدم من جديد على توافق جديد وبشروط جديدة.







#رضا_لاغة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشروع الوطني لحركة الشعب و نظرية الثورة العربية
- المشروع الوطني لحركة الشعب: جدلية التفاعل بين الديمقراطية و ...
- حركة الشعب : الناصرية في تونس و أسس المشروع الوطني
- دقائق متكاسلة
- كش مات ... حكومة يوسف الشاهد و شهوة المتناقضات في فلك الاتحا ...
- المشهد السابع ، رواية ريح من داعش
- المشهد السادس ، رواية ريح من داعش
- المشهد الخامس ، رواية ريح من داعش
- المشهد الرابع، رواية ريح من داعش
- المشهد الثالث ، رواية ريح من داعش
- المشهد الثاني من رواية ريح من داعش
- المشهد الأول - رواية ريح من داعش-
- في مئوية عبد الناصر، هل الناصرية ماض نبكي على أطلاله أم مشرو ...
- ديمقراطية في عصر الكوسموبوليتيكا
- العولمة و انشطار مفهوم السيادة
- مكانة عصمت سيف الدولة في بلورة فهم تقدمي للفكر القومي
- حين تكون قوميا تقدميا
- استقالة محسن مرزوق : صناعة التحولات و كسر النموذج المقفل لحز ...
- رمال القحط
- معقولية خطاب غير خلاّق


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا لاغة - التفجير الإرهابي بشارع حبيب بورقيبة: رسالة مشفّرة تحتاج إلى تفكيك