أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - أنثيات البحر














المزيد.....

أنثيات البحر


يحيى نوح مجذاب

الحوار المتمدن-العدد: 5949 - 2018 / 7 / 31 - 01:15
المحور: الادب والفن
    


أُنثيات البحر

أَنَسَة – بفتح الألف والنون والسين – وهي غير ما تُكنَّى بها الصبيّة العزباء.
كلمةٌ جذرها واحد واشتقاقاتها عدة ..
أَنَسَة قدحت في الذهن كمدينة غريبة لا مكان لها في تشبيكات خطوط الطول والعرض؛ يو-تي-إم، ولامبرد، وجي-پي-إس، في هذا الكوكب المُعَلَّق في الفضاء منذ ما يربو على الأربعة مليار وخمسمئة مليون عام أرضي. هادئة غريبة خيالية أسطورية، فضاؤها شاسع كالقدر، دروبها ليست كالدروب، ترابها بُنّي ذو دكنة غريبة يتدرّج لونه بانكسارات عجيبة كلما تعمّقت المسافات في رحلة الأسفار الطويلة والقصيرة ويتحول الى اللون الصحراوي المُبهر المُضيء.
مدينة خالية إلاّ من نساء اعتمرت رؤوسهن عصائب سود كالغُدفان، وجوهٌ مضيئةٌ مصابيح كاشفة مُشرقة حتى في عمق الليالي المُدلهمَّة. مدينة انبثقت كينونتها في عماء من ديجور أخرس؛ محطات هادئة، قطارات ساكنة حتى في حركتها يكادُ لا يُسمع هديرها؛ لا كما ألفها أهالي الهند الذين يتناسلون كالقطط والأرانب حتى باتت أراضيهم وتخومهم شبيهة بِقارّة منبثقة من جُغرافية العالم القديم.
الكلمة غريبة لا يألفها المبهورون برطانة اللّكنات واللهجات وأصول اللغات الحية والمندثرة ليستكشفوا أسرارها وخباياها، ولأن الإجابة على مُبهمات الوجود ومتاهاته وإغفالات المعرفة كانت جاهزة دوماً في زمن لحظي لا يزيد عن معجزة الذي كان عنده علم من الكتاب عندما أحضر عرش بلقيس للنبي سليمان (أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك)، بذات الوقت أو ربما أقل، امتدت الأصابع تضرب لوحة المفاتيح السود بحروفها وإشاراتها ورموزها المصفوفة باحثة عن لغز الكلمة، وعندما سبرت بِخِفّة مجاهيل الشبكة العنكبوتية جاءت المعلومة بلمح البصر؛ صور متحركة لجسد يتلوى رقصاً، وأصوات منبعثة أُغنيات لعالم أثيري في دنيا أشد غرابة. إيقاعات هارمونية متناغمة ساحرة لبقعة منسية من عالم غريب. امرأة ألبانية هي نتاج تلاقح لثقافات حملت سحر الشرق وجماله وقدرة الغرب وطاقاته بلغة غير مألوفة لأسماع الكثيرين ممن عشقوا لعبة اللغات واشتقاقاتها، لكن الصوت الآتي من الجسد المشتعل المُتلوي يقظةً وفخامةً وحباً وهلعاً وإيروسية، ألوان عجزت أطياف الشمس عن مجاراتها وتعريفها وتخليدها. لقد كانت الصور لا تعكس الضوء فقط بل الأعطار الفائحة.
ألبانيا، أرض النسور، واللغة المستمدة من الدوثروكي القديمة، ونساء تيرانا ثم عصائب النساء المليكات المحجبات الملثمات المُنسدرة جلابيبهن على أخامص الأقدام في غطسة الحلم.
الريح لم تكن تعول فقط بل كانت تلفُّ الآكام، وقيظ الصيف اشرأبت عنقه ولم تعد للبوارح والسموم مواطئ قدم. أما هو فقد كان منبهراً من صور الأشكال والعالم الذي لا يخضع لفيزياء الكون أو أخلاق الأقوام الضالة والمتحضرة. مزيجٌ من كينونات لا تحدُّها خطوط واضحة أو معالم خاضعة لتفسير العقل الأرضي الذي حُفظت معارفه وأعرافه بأنماط لولبية حملتها جينات تريليونيه منذ الأميبا الأولى ونشأة الحياة في الكوكب الأزرق وحتى عالم الروبوتات التي تحرِّكها عقول البشر، ومن حادَ عن خط المعرفة والأعراف الموروثة سجنه طواغيت العقائد الدوغمائية كغاليلو، أو بات منبوذا كإخوان الصفا.
اخترق المدينة بمركبة وحيدة إطاراتها خشب الزان كان يسمع صريرها. مدينة ساكنيها قد غادروا منذ انبلاج الصبح المنير، وبقي هو وحيداً غريباً مع إطلالات هذه النسوة اللائي يخفين أجسادهن الآلهات القديمة، ويشعُّ من نظراتهن فجورٌ ورغبة، وحكمةُ وصبرُ الصيَّادين، وعلى الجانب الثاني من سجل الزمن رقصت أنسا عارية الا من رداء لحمي التصق بجلدها الناعس الرطب حتى لم تعد مساماته تتنفس، التواءات مكبوتة وزخارف وَشَمَت الأَكُفَّ والأذرع والأفخاذ والسيقان، وحتى بواطن القدم. كان الصوت منداحاً شجياً قوياً متمرداً أوبرالي النمط ذو طبقة سوبرانو، وهي بجسدها الهائل محاطة بمجاميع من أُنثيات شققن سطح البحر بنسقٍ متحرك كألسنة لهب.
العري إذا احتوته موسيقى الخلود خرج من دائرة البهيمية وارتقى الى ذرى الإبداع والفن.
كانت غطسة عميقة حيث الجسد يلتحف نجوم السماء والأعين منغلقة لا ترى إلاّ أعماق الذات المنصهرة في أتون الكون.
إنها قدحة الفكر ورحلة الرؤيا والحلم في العالم المجبول بالغموض والغرابة.
يحيى نوح مجذاب



#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بائع الكروت
- الأخرق
- هرطقات في مفهوم الوجود
- سيلُ العَرِم
- الهجرة نحو العالم الآخر
- بلاط الضوء
- بوّابة القيامة
- سماواتُ الغَسَق
- القيامة الآتية
- السرداب
- صفحة القمر
- غيبة في المجهول
- تهجد مؤمن أضاع ميقاته
- صفحة الجسد
- جبروتُ القدرة العظيمة
- فقاعة صابون
- فوضى الأفكار
- فاروق مصطفى، فهد عنتر الدوخي، وعامر صادق في ملتقى (دورت يول)
- نص خارج الزمن - الرؤيا الهلامية
- نفحات صنوبر - قصة قصيرة جداً


المزيد.....




- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...
- تنسيق كلية الهندسة 2025 لخريجي الدبلومات الفنية “توقعات”
- المجتمع المدني بغزة يفنّد تصريح الممثل الأوروبي عن المعابر و ...
- دنيا سمير غانم تعود من جديد في فيلم روكي الغلابة بجميع ادوار ...
- تنسيق الجامعات لطلاب الدبلومات الفنية في جميع التخصصات 2025 ...
- -خماسية النهر-.. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد
- لهذا السبب ..استخبارات الاحتلال تجبر قواتها على تعلم اللغة ا ...
- حي باب سريجة الدمشقي.. مصابيح الذاكرة وسروج الجراح المفتوحة ...
- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - أنثيات البحر