أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - بلاط الضوء














المزيد.....

بلاط الضوء


يحيى نوح مجذاب

الحوار المتمدن-العدد: 5867 - 2018 / 5 / 8 - 23:49
المحور: الادب والفن
    


بلاط الضوء


كانت تتشح بالسواد، والوهن بادٍ على مُحيّاها...
امرأة أربعينية لم يغادر قوامها وقسمات وجهها بعدُ رونق الشباب.
رجاحة عقلها وصمتها الهادئ ينبعثان من بريق عينيها الناعستين، وفمها الصغير انفرج بعذوبة ليُطلق العنان في حضرته. دعته لاحتساء فنجان قهوة، لكنه كان على عجلة من أمره فوعدها أن يلبّي النِداء في يوم آخر.
كانت فيما مضى تُمثّل له كيان امرأة ناضجة تمتلك عمق الوعي ودِراية الأنثى في قدرة التعامل مع هذا الكائن الذكري الذي اسمه رجل.
غبط زوجها في سرِّه أكثر من مرة كلما جمعتهما الصدف في رحلات الربيع الى البرايا الفسيحة حيث الآجام والحشائش الخضراء والزهور اليانعة. كان يراقبها عندما كانت تضرب المياه بساقيها المكتنزتين وهي تُداعب رفيقاتها في نشوةِ فرحٍ جذلى دون أن تبخسه حقّه بغمزةِ عينٍ تلقيها إليه من بعيد كلما مدَّ ببصره نحو النهر.
أبدى اهتمامه بها كرجل متحضّر خارج المألوف من بداوة الأخلاق التي تسدل حجب الفضيلة الزائفة عن أعين الرقباء وتبيح كل شيء تحت أردية الصلاح. حضورها الأنثوي الطاغي بجبروته الذي لا يرحم سرقه من أشد لحظاته خصوصية مع الذات فبات أسيراً لترانيم رخيمة أطلقتها مع كل موجة ماء تضرب فيها حصباء الشواطئ. جاءته أكثر من مرة في مكتبه وهي تخطف من عينيه حمى الحب الدفين الذي لم يفصح عنه سوى بخلجات الروح. ومضى الزمن وغابت رحلات الربيع وأنزل القدر ضربته برفيق دربها فبعد أن صارع المرض القاتل شهوراً طويلة فارق الحياة ليتركها وحيدة مع قسوة الزمن تقاسي مِحنة الترمّل.
سمعها في الأيام الأخيرة وهي تقول بحسرة ( ليته تزوج عليّ امرأة أخرى وتركني قبل أن يرحل) كلمات أفصحت عن عمق الهوة والشرخ العميق الذي يفصل ما بينهما رغم ما يظهرانه من انسجام خادع، ولا يمكن استجلاء حقيقة صدقها في قبولها أن تتشارك معها امرأة أخرى عشّ الزوجية، لكنهما حتماً لم يكونا على وئام حتى اللحظة الأخيرة وهذه حال الزواج عندما يعتق.
ومرَّ حولٌ من زمن، ثم جاءت بكلِّ كيانها جسداً وروحاً. وقفتْ أمامه برهة زمن، لمس في نظراتها وكلماتها الوادعة صدىً لشوق قديم، فالرغبات قد تنمو من جديد ما دامت الأجساد النابضة بالحياة يُجرجِرُها الزمن اللانهائي بحباله الغليظة ليحملها مرة أخرى إلى مصانع العشق، واللذائذ الطافحة، لينسجا معاً في لحظة هَيُوليّة مُفعمة بالسِّحر الخارق في بؤرة الذات أسطورة هيلانة وباريس فوق جبال الألب.
اقتربت منه كثيراً.. كانت أنفاسها المُختلجة ونظراتها الزائغة في الأفق هي كل ما انبعث منها... صوتٌ عذب خافت وهمهمات مبحوحة غادرتها سلامة الحروف المنطوقة. وحين انحسر النسيج المخملي الأسود عن قوام جسدها البضّ وسقط على بلاط الأرض اللامعة من هول الضياء الذي اخترق لِتَوِّه دَرفات النوافذ، انكشفت حقائق الكون المشفَّرة في هذين الكائنين المفتونين. كان بياض الجسد اللّجيني المتدفق يسحق العالم الحي بضربات الهوى الصاعق، ممتداً مع الأنوار البهية المتوهِّجة غارقاً بالوجد الدافق حتى الثمالة.


يحيى نوح مجذاب



#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوّابة القيامة
- سماواتُ الغَسَق
- القيامة الآتية
- السرداب
- صفحة القمر
- غيبة في المجهول
- تهجد مؤمن أضاع ميقاته
- صفحة الجسد
- جبروتُ القدرة العظيمة
- فقاعة صابون
- فوضى الأفكار
- فاروق مصطفى، فهد عنتر الدوخي، وعامر صادق في ملتقى (دورت يول)
- نص خارج الزمن - الرؤيا الهلامية
- نفحات صنوبر - قصة قصيرة جداً
- عصارة العشق - قصة قصيرة جداً
- حمقاوتان - قصة قصيرة جداً


المزيد.....




- جدل حول إزالة مقبرة أمير الشعراء وسط مخاوف على تراث القاهرة ...
- بدون زينة ولا موسيقى.. السويداء تحيي عيد الميلاد في جو من ال ...
- شانلي أورفا التركية على خريطة فنون الطهي العالمية بحلول 2029 ...
- ريهام عبد الغفور.. صورة الفنانة المصرية تحدث جدلا ونقابة الم ...
- زلزال -طريق الملح- يضرب دور النشر في لندن ويعيد النظر إلى أد ...
- الكوميدي هشام ماجد: أنا ضد البطل الأوحد وهذا دور والدتي في ح ...
- فنان هندي يصنع تمثالًا لبابا نويل باستخدام 1.5 طنًا من التفا ...
- مكتبة الحكمة في بغداد.. جوهرة ثقافية في قبو بشارع المتنبي
- وفاة الممثل الفلسطيني المعروف محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- قرار ترامب باستدعاء سفراء واشنطن يفاقم أزمة التمثيل الدبلوما ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - بلاط الضوء