أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - سماواتُ الغَسَق














المزيد.....

سماواتُ الغَسَق


يحيى نوح مجذاب

الحوار المتمدن-العدد: 5846 - 2018 / 4 / 15 - 00:14
المحور: الادب والفن
    


سماواتُ الغَسَق



ضربت الذكرى في عُمق الزمن واجتازت عقوداً أربعة، أو تزيد في خط الوجود الأبدي، وحين تغيب أجساد الشخوص بخرائطها وملامح ألوانها عن مرامي الأبصار لا حرج في استنهاض ما علَقَ من أسماء وكناها بحروفها الصريحة اللامعة، فمضيّ نصف قرن وتلاشيه بين النجوم البعيدة أخفت كل الملامح التي كانت تنبض بأوهاج السبعينات وما بعدها من تقاويم شمسٍ أو قمر. الأجساد اختفت في مجاهيل الغيب فلا معلومة تائهة محكيّة تلتقطها صوَاوين الآذان، أو أخبار مارقة تُسجِّلها بُؤَر المآقي والعيون، ولا غَرْو أن تكون تِلكُم الأجساد التي لعبت حينها لعبة الحياة الثرَّة العميقة الوارِفة قد غاصت في أديمِ الثرى في رحلة الموت القاهر. إنّه خُوَيلِد الشاب الوسيم ذو الملامح البيضاء والعدسات الطبّية السميكة، كستنائي الشعر أجعده، طويل القامة، رشيق الجسد، عذب الصوت يفيض برومانسية ذاك القرن الذي تخلّل موجاته الناعمة بعض عنف الشباب السادر وشقاوته. وهي؛ جولييت الأنثى المراهقة السمراء البضَّة الناعمة. في ثنايا جسدها تفتّحت كل الزنابق... الفتاة التي خبرت لعبة الحب والعشق الفاجر ومنحت قبلاتها ورضابها المعسول لمن أغدق عليها بفيض الجَوى والهيام الأرعن. كانت تعرف كيف توظِّف انوثتها لذكورة العاشقين، لكن خياراتها كانت بحسابات متقنة تَزِن فيها معاني الحب المتدفق بِدرايةِ العارف. أحبّها وأحبته، وكان أول صبي علّمها لغة الجسد وأسراره الخفية، وعندما استطعمت لذّة الغرام دخل معها الكثيرون في حلقة الحب اللانهائية وامتدت لسنين حتى التهمها الغرب بفضاء حريته الواسع. جاءتني يوماً وهي تتهادى كظبي فلاة وكنت وقتها أحمل عشرين ربيعا هائمة في شذى الأحلام وكان لي معها بعض حكاية شهدتها أحراش الغابات. اقتربتْ حتى أحسستُ بأنفاسها الدافئة تتخلل رئتي، وكتبها المدرسية لصيقة بمريولتها الزرقاء، قالت: سأهاجر فلا أحد يحب الروح التي تسكن جسدي فأنا لست سوى قطعة لحم شهية وأنتم قِططٌ جائعة لا تشبع. كنتُ ألمحُ في عينيها بريقاً غريباً وبراءة لم يُدنِّسها عبث الشياطين، وأدركتُ أنَّ النقاء الداخلي الذي يخلُد في أعماقها لا تطاله سَورة الرَّغائب الهائجة، وهَمَسَت لي بسرّ وقالت: أنا ما زلت أُحب ذاك الفتى الأول (خويلد)، وعَيبي أني لم أعرف كيف أحتفظ به لنفسي، لقد كان خطأً فادحاً حين اعتقدت أنَّ بمقدوري أن أجرِّب كل قصص الحب، وأبتلع كل العاشقين في هذا الجسد الذي تختلج فيه هذه الروح المضطربة، وانزلقتُ مع الأيام كسمكة أخذها المد دون أن أجد ضالّتي، فضعتُ وضاعت سنيني. تحدثتْ معي والأسى يخامرها. لقد كان بعيداً عنها في تلك الأيام ولم تستطع أن تلتقي به أبداً. لقد حزمت أمرها أخيراً وتركت كل شيء خلفها؛ كتبها المدرسية، مريولتها، عِطرها الذي تغلغل في خياشيم المحبّين، بعض قصاصات الورق رسمت عليها فراشات ونوارس، وحروفاً صغيرة لملمتها وصنعت منها شِعراً صبَّت في ثناياه أحاسيس وجدانها. رحلتْ إلى بلاد الثلج، وتركت خلفها لذائذ لم تتكرر، ثم تلاشتْ بعيداً في سماوات الغَسق.


يحيى نوح مجذاب



#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القيامة الآتية
- السرداب
- صفحة القمر
- غيبة في المجهول
- تهجد مؤمن أضاع ميقاته
- صفحة الجسد
- جبروتُ القدرة العظيمة
- فقاعة صابون
- فوضى الأفكار
- فاروق مصطفى، فهد عنتر الدوخي، وعامر صادق في ملتقى (دورت يول)
- نص خارج الزمن - الرؤيا الهلامية
- نفحات صنوبر - قصة قصيرة جداً
- عصارة العشق - قصة قصيرة جداً
- حمقاوتان - قصة قصيرة جداً


المزيد.....




- خريطة أدب مصغرة للعالم.. من يفوز بنوبل الآداب 2025 غدا؟
- لقاءان للشعر العربي والمغربي في تطوان ومراكش
- فن المقامة في الثّقافة العربيّة.. مقامات الهمذاني أنموذجا
- استدعاء فنانين ومشاهير أتراك على خلفية تحقيقات مرتبطة بالمخد ...
- -ترحب بالفوضى-.. تايلور سويفت غير منزعجة من ردود الفعل المتب ...
- هيفاء وهبي بإطلالة جريئة على الطراز الكوري في ألبومها الجديد ...
- هل ألغت هامبورغ الألمانية دروس الموسيقى بالمدارس بسبب المسلم ...
- -معجم الدوحة التاريخي- يعيد رسم الأنساق اللغوية برؤية ثقافية ...
- عامان على حرب الإبادة في غزة: 67 ألف شهيد.. وانهيار منظومتي ...
- حكم نهائي بسجن المؤرخ محمد الأمين بلغيث بعد تصريحاته عن الثق ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - سماواتُ الغَسَق