يحيى نوح مجذاب
الحوار المتمدن-العدد: 5882 - 2018 / 5 / 24 - 23:56
المحور:
الادب والفن
سيلُ العَرِم
كينونته لا تحتمل الهزّات، ولا المواقف المتقلِّبة، أو المتأجِّجة...
تلك المبنية على الإغراق في الأنا والعواطف اللاموزونة، والرغبات الغائبة عنها موازين العقل السليم.
ليس غريباً أن يميل المرء في خريف عمره إلى الهدوء، والبحث عن السكينة، بعد أن خلّفَ وراءه سنينَ طويلة من العمل المُضني والأزمات والمنغصّات اللامتناهية، لكن ليس كل شيء في متناول اليد، والحياة لا تعرف كبيراً أو صغيراً، والآخرون لن تقف رغائبهم في حدود الأخلاق العليا للنُخبة من بني البشر؛ أنبياء الله، المُصلحون، الأولياء، الأتقياء، والمُتفانون من أجل ديمومة السلام لخلق الله.
أقضّتْ مضاجعه هذه الانحدارات المتكررة التي أبعدته أشواطاً طويلة عن الرؤى المشتركة التي صَنعها لينعم هو ونسله ومحبِّيه في دنياه الفسيحة.
كلّما همّ بالبناء والتشييد لصرح السلام السامق تسلل فأر مأرب لينخر قلب السد حتى يجرفه السَيل العَرِم، ولن تقف أمام طغيان مدِّه حُلُم طفولة أو رغبات شيخ عتيد.
مأساته أنه يُصدِّق بسرعة، وينسى بسرعة، ولم يَعُد في مقدوره بعد التخطيط لقابل الأيام، فكلًّ شيء مضى وانحسر، والزمن عنده لا يمثله غير ماضٍ سَبَقْ، ضبابي المعالم، وحاضر بائس يدقُّ صُمَّ الجلامد دون أن تنفذ رؤاه إلى حقائق الوجود القصيّة.
أما ما يسمونه بزمن المستقبل الآتي فلا يدرك من ابعاده وفحواه شيئا وقد تجمّدت أنسجته وخلاياه وحركة أجرامه.
هو واحدٌ وحيد في دنيا غارقة بالأصنام وقطع الشطرنج الجامدة...
جنوداً أو قلاعاً أو حتى ملوكاً تتصدر رقع الساحات في قراع الأضداد...
أحجاراً مسلوبة الإرادة، فنقلاتها الوئيدة لا تحركها إلاّ الأهواء،
وغباءُ الشعوب والأمم ليس بأقل فداحة عن غباء الأفراد.
جدٌ وابناءٌ وأحفاد...
زوجةٌ وكنّات...
بناتٌ وأصهار...
أصدقاءٌ وأصحاب...
مُنَغّصو العيش وأخلاّء
عمومُ كلّ البشر...
كلُّهم يرقصون رقصة العدم في ساحة لا يعرف مداها إلاّ الرب العظيم.
يحيى نوح مجذاب
#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟