|
مفارقة بين من عرف قدره ومن يخون صوته ..
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 5895 - 2018 / 6 / 6 - 21:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مروان صباح / إذا صح إدراج مفاوضات طابا في باب النوايا الحسنة ، فقد قدم الأمريكي ، يهود باراك رئيس وزراء إسرائيل آنذاك ، ضمن صيغة مقبولة ، الذي جعله يشرف على تفاصيل مفاوضات الحل النهائي ، والرجل بدوره الكريم ، قد قدم عرض للفلسطينين ، يَقُول العرض ، مقابل اعترافكم ، بحق اليهودي لما هو تحت الجبل الواقع عليه الأقصى ، ينسحب الاسرائيلي من بعض احياء مدينة القدس التاريخية ، بعدها بتكي ، أصبح التفاوض على احياء المدينة القديمة ، هو العنوان الأبرز ، ومن ثم ، بدأ الحديث عن شارع هنا واخر هناك حتى وصلنا إلى عهد نتنياهو ترمب ، طارت القدس التحتة والفوقة ، وهذا يعني شيء واحد ، عندما يعترف الامريكي بالقدس كعاصمة كاملة لليهود ويتجاهل الكون برمته ، دون أن يكترث لا لأعرابي ولا لأعجمي ، أي أن المفاوضات المستقبلية ، ستكون بنودها خالية من ملف القدس ، وهذا يجعل الإسرائيلي يفكر بالخطوة التالية ، لما هو قائم فوق جبل الأقصى ، بل من الممكن ، للمفاوضات المستقبلية أن تدور حول موقع القدس من الفضاء الخارجي ، مالو الفضاء الخارجي ، كويس ، أفضل من أن يأتي يوماً ما ، ويعض العربي على يديه ويقول ياليتني قبلتُ بصورة فضائية ، اي طبوغرافية .
وطالما العربي اعتبر لغته العربية أصل كل شيء ، فقد اعتمد في سلوكه السياسي ، العبارة الشهيرة إياها ، لأحد اجداده المخلدين عمر بن عبد العزيز ، رحم الله امرئٍ عرف قدر نفسه ، بالفعل ، اعتمدها أساس أي تعامل مع القوي العايب ، المصطلح الذي عكف عليه واستخدامه الرئيس ابومازن في خطابه أثناء انعقاد المجلس الوطني ، لأن العربي ، كنظام وشعب يعلمان جيداً ، أنهم كانوا غائبون عن جميع الحصص الدراسية واستنفذوا أوقاتهم ومجهودهم في الحارات والملاهي ، بينما كان الغربي ينتقل من معرفة لأخرى ومن تطور إلى صناعة حتى تمكن من الإحكام على التكنولوجيا التى بدورها استحكمت بالبطون قبل العقول واصبح الفارق الحضري كبير ، لكن الأخطر من التفرد بالتكنولوجيا ، ارتأى الغربي وبعد سلسلة نكبات في الجغرافيا العربية ، الحفاظ على الاستبداد الذي بدوره قادر على افشال كل محاولة فردية أو جماعيّة تهدف بالنهوض .
الآن ، طالما لا يختلف إثنين ، بأن العربي في هذا الوقت حفظ قدر نفسه بعد ما عرف حدودها ، بل ، يتجنب كل الصدامات التى يعلم نتيجتها مسبقاً ، يهادن مرات ويقدم تنازلات وتسرق موارده الطبيعة امام عينيه ، بل ، هناك حقيقة تاريخية ، لم يُقدم نفسه في يوم من السنوات حكمه الحديث ، على أن جمهورياته أو دوله أو مملكاته ، انها نظم مقاومة ، بقدر أنهم قدموا قواتهم في أفضل حال ، أنها دفاعية أو بولسية ، حتى الأنظمة الشمولية ، مثل نظام عبدالناصر وصدام ، كانوا في نهاية الأمر ، يحتكمون إلى ما يسمى بالمجتمع الدولي ، لكن ، مُزاحم مثل ايران ، واصلت بمهارة دورها الصوتي حتى أماطت الجغرافيا المتحدة بين العراق ايران ولبنان وسوريا اللثام عنها وانكشف بذاءة الازدحام ، اعتمد النظام الايراني ، الظاهرة الصوتية ، كأساس في تأنيب المربع العربي ، ظهر في صراعه الأول مع صدام ، كمنقذ للشعب العراقي من طاغية العصر ولم ينفك حتى تآمر مع الغرب الاستعماري ، ليس بإطاحة صدام وحزبه فحسب ، بل ، اطاح بالعراق ، فالعراق وصل بفضل ايران وأدواتها إلى مستوى يعجز التصنيف تصنيفه ، وأدركت كما ادرك الغرب بخطورة الربيع العربي ، ساند الايراني الانتفاضات العربية التى سُميت لاحقاً. بالربيع العربي ، لكن عندما وصلت إلى الاستبداد الأسدي والحوثي انقلب على الانتفاضات وتحول بخفة إلى المربع الغربي ، الذي خلط بين المنتفضين والإرهابين .
ولكي تكتمل الصورة على نحو أكثر وضوحاً ، ونفكك عناصر التكوين الصوتي ، الذي لا يكف الايراني ومربعه من الصراخ على القدس والأقصى وفلسطين التاريخية ، وقد جعل للقدس يوماً في السنة ، يذكر فيه العالم باحتلالها ، في البداية كانت الفكرة معقولة ، بل ، لسنوات طويلة ومع ظهور حزب الله في لبنان ومن ثم انسحاب الاسرائيلي من جنوبه ، وحرب 2006 م بين الحزب والجيش الإسرائيلي أعطى كل ذلك مؤشرات طيبة لدى الشعب العربي ، تعزز المقبول ، ليصبح فيما بعد ، حسن ، لكن الدهاء السياسي الامريكي ، فضح الإيراني بشكل مقصود تدريجياً ، انسحاب الامريكي من العراق وباتت الساحة كاملة تحت سيطرته ، زادت الأمور تعقيداً ، غطى النظام الايراني فساد وإفساد رئيس وزراء آنذاك المالكي ، ثم سكت عن مشروع تسليم مناطق السنة والتى تتصل بالاراضي السورية لتنظيم داعش ، فدخل العراق في عملية تدمير واسعة ومتجذرة ، والاخطر من ذلك ، قام النظام الايراني بأكبر عملية تجانسية بين سوريا والعراق مع صمت وتواطؤ دولي وكان الهدف الأساسي من كل ذلك ، عمليات تطهيرية مذهبية بعد ما قاموا بأكبر عملية هدم للعراق .
يتسأل المراقب الأمين ، على التقيم السهل ، ربما مع تردد في كثير او قليل ، ما هي الصفقة الحقيقية لمسألة أرض جولان المحتلة ، مع تأكيد على أن الصفقة لا تشمل كل سوريا ، بل ، يتعامل الروسي والاسرائيلي والأمريكي مع قوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها ، كونها جهات إرهابية مهذبة ، يديرها الروسي بعناية فائقة ، وهنا تكشف لنا قصة الجولان ، حقيقة الانتفاضة السورية التى تحولت بمجهود استعماري إلى صراع إقليمي ، ليس أبداً كما يروّج انها دولية ، هذه القوىّ الكبرى ، هي ذاتها لا سواها تحدد جهات ومواقع الاقتتال ، بل جميع الأطراف المحلية ترضخ إلى تل ابيب وموسكو وواشنطن وسبب في ذاك ، الحفاظ على وجودها ، أي أن سرديات المقاومة وتحرير فلسطين ، هي باطلة حسب توازن القوة ، وإذا كان الواقع بثقله يفضح هذه السرديات ويكشف عَن حجم التلاعب الكلامي والفارق بين الخطاب والإمكانيات ، إذاً ، ما هو الهدف من تبني خطاب غير قابل للترجمة .
مفارقة أخرى لا يمكن الاغماض العين عنها ، عندما تولى الأسد الابن حكم الجمهورية السورية ، شهد العالم الغربي وإسرائيل صمت نادر ، كانت هناك حالة سكوت ، انعدمت تماماً المعلومات ، حول اغتيالات أشخاص من الصفوف الاولى للنظام ولم يتطرق المجتمع الدولي حول الأموال المنقولة وغير منقولة من الاب إلى الابن حتى الحياة الشخصية لعائلة أسد الاب والأب معاً ، كانت مغيبة عن الإعلام ، في المقابل ، شهد انتقال الحكم من الإخوة إلى الأبناء ال سعود ، أكبر رصد إعلامي ، وعلى سبيل المثال ، الأمير محمد بن سلمان مازالت المكنات الإعلامية العالمية منذ توليه ولاية العرش تعمل على رصد وتفنيد وفضح قراراته ومشترياته وتأجيج الحالة الاجتماعية السعودية وصنع سرديات مع خصومه ، حتى حرب اليمن التى تشهد تقدم نوعي لصالح الجيش اليمني ، يظهر التقدم عن حجم نوايا الغرب بعدم الرغبة بحسم المعركة لصالح الشرعية ، فقط ، نكايةً بأن سلمان ، وهذا يفسر باختصار ، كيف تكيل القوى المتحكمة بأدوات الصراعات في المنطقة ، بترجيح ميزان الأقلية على صالح الأكثرية ، وبالتالي ، تتوالى دون رحمة الضربات بمختلف أدواتها باتجاه الأكثرية من أجل الحفاظ على الأقلية وبالنهاية المحافظة على قوة اسرائيل ، مادامت الأقلية تتصدر وهّم المقاومة .
عندما يتبرأ النظام الأسدي من وجود قوات إيرانية في جنوب سوريا ، بل ، يكرر ليلا نهارا بعدم وجودها في كامل الجغرافيا السورية ، باستثناء بعض المستشارين ، وهذا النفي لا يُلغي واقع الوجود، فكثافة القتل والتهجير والتنكيل والإحلال ، دليل كافي على وجود ايران ومليشياته المذهبية ، لكنه ، يكشف ايضاً ، أمر ليس أقل دلالة ومأساوية ، بأن الصراع الدائر في سوريا والمنطقة ، لا يخرج عن الأدبياته البسيطة ، بأن هناك بشر أرادوا التخلص من الاستبداد ، فاصتدموا باستبداد اخطر ، يدعي مقاومة اسرائيل وتحرير القدس ، وحسب الواقع والتجربة ، اخر همه القدس وفلسطين ، ومن جانب أخر ، كلما تناس حدوده ، يتدخل الإسرائيلي لتأديبه ، وإعادة وضعه على خطوط المواجهة ، مع تذكيره أن استمرار مقاومته تكمن في تخريب الجغرافيا العربية ، وهذا يجيب عن تساءل كبير ، كيف تحيي إيران يوم القدس ، رغم القدس لم تشهد منها يوما ما دولار ، كدعم لصمود أهلها ، في حين ، تُتهم السعودية والخليج والعرب بالتقصير والتفريض ، رغم أن ، جميع أسباب الصمود يَأْتِي منهم ، لكن ، المفارقة الكبرى ، لا احد يتكلم عن كل ما أسلفناه ، ايضاً ، في جانب هو على مقربة من القدس ، لا أحد يتكلم عن صفقة الجولان بقدر تنهال الروايات حول صفقة القرن .
في النهاية ، هناك حكمة من كل ما يجري في المنطقة العربية ، وبعيد عن الإستبداد ، يوجد حقيقة لا يمكن إنكارها ، لقد فقدت الشام قيمتها التاريخية التى كانت تعرف عنها ، وفقدت أيضاً ما تراكم عبر القرون من حِكم متخلفة ، وهذا ، لا يقوم به سوى عدو وليس ابداً مستبد، تماماً كما يجري في القدس وفلسطين وكما حصل في العراق . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إيقاع المسحراتي واخر مطبلاتي ...
-
دول فاضلة وأخرى شريرة وواحدة بينهما فاصلة
-
تحديات تنتظر سعد الحريري / أمل بين حقول من الكاذبين ..
-
الشرق يغرق في التقليد والأمريكي يركض في المريخ الأحمر
-
العراق بعد تحجيم داعش ونتائج الانتخابات / مقتدى الصدر امام ا
...
-
الانتقال بمهارة من تمزيق الحضارة العربية إلى الاسلامية
-
يَوْم زفافي للإسرائيليون ومأتمي للفسلطينيين ...
-
فضائل تيار المستقبل ...
-
تسول شوارعي وأيضاً عقلي ..
-
ذكرى الخامسة لرحيل ابو محمود الصباح / ياسر عرفات ابو صالح اخ
...
-
في ذكرى رحيل ابو محمود الصباح .
-
البقرة والملك مفتاح المملكة اليهودية ...
-
بين الاهتداء إلى الذات والتيهة داخل الذات .
-
دولة اللصوص
-
تحالفات ما قبل القيامة .
-
تغير نمط التفكير ..
-
الانحياز الكامل
-
السادة معهد غوتة المحترمين ..
-
نبيه بري يأسف وباسيل يفشل في تقمص شخص بشير الجميل .
-
الحقيقة ليست خيانة للحق .
المزيد.....
-
نتنياهو: قرار ترامب -الجريء- بضرب إيران -سيُغير التاريخ-
-
أول تعليق رسمي من إيران بشأن الضربة الأمريكية على المنشآت ال
...
-
ما هي القاذفات الشبحية -بي-2- التي نقلتها الولايات المتحدة إ
...
-
ترامب يعلن تنفيذ -هجمات ناجحة جدا- على 3 مواقع نووية إيرانية
...
-
القناة 14 الإسرائيلية: ترامب أبلغ نتنياهو بتوقيت الهجوم على
...
-
من بينها فوردو.. ترامب يعلن قصف 3 مواقع نووية في إيران
-
مسؤول إسرائيلي: إدارة ترامب أخطرتنا مسبقا بضرب إيران
-
ترامب: موقع فوردو -انتهى-
-
ترامب: يجب أن توافق إيران الآن على إنهاء الحرب
-
بعد ضرب أميركا لإيران.. إسرائيل ترفع التأهب وتمنع التجمعات
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|