|
|
المركبة الملعونة
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5748 - 2018 / 1 / 5 - 16:58
المحور:
الادب والفن
موكبُ الكرنفال، كان يتحرك ببطء شديد بالنظر لضيق الجادّة وكثرة الخلق. السماء، سُحِرَت عندئذٍ إلى لون الغروب، الليلكيّ. فكّرتُ فيما كنتُ أمرر عينيّ على الأبنية الحديثة، المكتنفة جانبيّ الجادة: " أكان من الممكن أن أبدو فخوراً بالحارة قدّام امرأتي، ما لو بقيت بيوتها القديمة؟ ". وكأنما الفكرة انتقلت إلى رفيقة حياتي، مثلما ظهرَ من ابتسامتها. " كنتُ أتمنى أن أقيم في منزلكم القديم الجميل، الذي سبقَ ورأيتُ صوره عندما كنا في مراكش "، قالت لي ونظرتها ترسمُ ومضاً من الأسف. ها أنا ذا أجيبُ متحمساً، مُشيراً بزهو إلى الناحية المتجه إليها الموكبُ المهيب: " تلك هنالك شرفة شقتنا، ولن نلبث أن نطل منها على كرنفال رأس السنة ". الشرفة، كان منظرُها عن بعد يُبهر البصر حقاً؛ باتساعها ورونقها وزينتها . كذلك سبقَ وأعلمني الخالُ هاتفياً، آن وصولنا إلى المطار، أنه أضاف إلى مقر إقامتنا أثاثاً دمشقياً تقليدياً. في اللحظة التالية، أرتجت الأرضُ بدويّ مباغت. إلا أنّ السماءَ، التي أضيئت على الأثر بالألعاب النارية، أفرخت فوراً من روعنا. " أجل، لقد أنجلت الحربُ إلى غير رجعة! ". هذه الفكرة، كانت تجول في رأسي لما قطعها قول امرأتي: " ألأ تريدني أن أساعدك بحمل أحد هذين الكيسين؟ ". عند ذلك حَسْب، شعرتُ فعلاً بالتعب. إلا أنني أظهرتُ جَلَدي، بأن رفعتُ الكيسين إلى مستوى صدري دلالة على أنّ الأمرَ غيرَ ذي بال. " أرجوك إذاً؛ انتبه إلى هاتفي الجوال ألا يسقط من الكيس "، أردفت هيَ قائلةً بنوع من الجُهد. هنا، أنتبهتُ إلى بطنها المتكوّر بحَمل الأشهر الخمسة. إنها تأمل أن يكون الجنين بنتاً، حال الكشف عليها غداً من لدُن الطبيب. وهذا ما لم يكن بوسعنا التأكد منه، هناك في السويد، بسبب قانونٍ معروف. أشفقتُ على المرأة من المسير وسط الزحام، وعلى الرغم من أن المسافة إلى شقتنا باتت هينة. وإذا بعربة نقل تمرّ حَذاءنا، وكانت متمهلة كما لو أنها تبغي مرافقة خطونا. كانت عربة من ذات الصندوق المقفل، يُجللها من الخلف علامة تجارية. السائق، وقد بدا في العقد الخامس من عُمره، ألقى علينا نظرة ملية. ثم ما عتمَ أن خاطبني بالقول: " لديّ محل للركوب، لو شئتَ ". لما أظهرت امرأتي نوعاً من التردد، لم يكن مني سوى دفعها دفعاً نحوَ السيارة: " هيا، أنتِ في غاية الإجهاد ". قال لها الرجلُ بنبرة جافة، حينَ أرادت أن تفسح لي مجالاً للركوب: " قلنا مكاناً لشخصٍ واحد..! ". كون هاتفها الجوال في أحد الكيسين معي، فإنني شئتُ أن تحتفظ هيَ بجوّالي. كان السائق يهمّ بإغلاق باب عربته، لما مدت امرأتي يدها لتتناول مني الكيسين: " هكذا أقل عبئاً عليك ". لم أنسَ شكرَ الرجل، فيما كنتُ أناول أغراضي للمرأة الملولة. خطواتي أضحت أكثر خفة، في مُحاولتي ضبط إيقاعها مع سير العربة. وهيَ ذي العربة، بعد مسير دقيقتين أو ثلاثة، تميل فجأة نحوَ الدخلة المؤدية إلى النهر. مع بدء إنحدار السيارة في تلك الجهة، تساءلتُ في نفسي عن سبب هكذا حركة طالما أننا كنا قد أشرفنا على الوصول إلى البناء المطلوب. فلم يَرُعني سوى صراخ امرأتي، وكانت تطلب من السائق أن ينزلها. أندفعتُ كالمجنون نحوَ العربة، صائحاً بدَوري على الرجل أن يتوقف حالاً. تذكرتُ أيضاً بغير قليل من الخيبة، أنها صارت مستحيلةً مهاتفةُ امرأتي من خلال الجوال. في الأثناء، كنتُ أجتاز أحدَ الأولاد وكان يبدو خارجاً تواً من مدرسته. بصرف النظر عن اطمئناني لسير العربة البطيء، كون المنحنيات متعاقبة في الدخلة، إلا أنني شئتُ تسجيل رقمها. " أأنتَ من الحارة، أليسَ كذلك؟ "، سألتُ الولدَ قبل أن أطلب منه إعارتي قلماً. فما كان منه سوى الهروب، قائلاً بنبرة مذعورة: " أنا لا أعرف من أكون..! أنا ولدتُ يتيمَ الأبوين ". فلما عدتُ لأتابع بنظري سيرَ المركبة الملعونة، إذا بها قد أختفت عن ناظري. رحتُ بعدئذٍ أجري في المنحدر، مجتازاً العطفة تلو الأخرى. كنتُ أمر بالبيوت العتيقة ذات الحدائق، فيما ظلال الغروب تتكاثف وتكاد تخنق داخلي. ما فاقمَ من قلقي واضطرابي، أنني أنتهيتُ إلى المخرج المؤدي إلى الشارع العام دونما أملٍ في العثور على العربة. ثمة، وجدتُ ثلاثة رجال ممن يحرسون منزل " الزعيم ". تلقاني أحدهم بحركة مرحة، فبادرته طالباً النجدة. أستمع إلى كلامي صامتاً، ثم هز رأسه وراحَ ليبلغ رفيقيه جلية الأمر. بدا من وجومهم أن الأمرَ لا يعنيهم. خاطبتهم متضرعاً: " لا بد أنكم رأيتموها، تلك المركبة؛ فإنها الوحيدة مَن أجتازت هذا الدرب؟ ". على الأثر، ظهرَ من بناء المحرس رجلٌ رصينُ المظهر. مع اقترابه من موقفي، شعرتُ بأن ملامحه ليست بالغريبة عني. كانت فرصة لكي أعرّفه بنفسي، مبتدئاً بذكر اسم الوالد. قاطعني بشيءٍ من الخشونة: " أعرفه، أعرفه..! ". ولكنه ما لبث أن بث الطمأنينة في نفسي، بالقول: " لقد سبقَ وسمعتُ كل شيء، فقمتُ باللازم. هناك حاجزٌ أمنيّ عند الساحة، لا يمكن لأيّ كان أن يحيد عنه. ولقد هاتفتهم، طالباً منهم إيقافَ تلك المركبة ". شملني فرحٌ غامر، فرحتُ أشكر للرجل شهامته. إلا أن أساريره بقيت مقطبة، ولم يَزِد عن التساؤل مُشيراً إلى جهة الجنوب: " لِمَ استعجلتَ بالعودة إلى الوطن، والحالُ كما ترى؟ ". تابعتُ إشارة يده، لأبصر دخاناً كثيفاً يتصاعد من تلك الجهة. فلما أردتُ إجابته، أسكتني رنينُ هاتفه الجوال. أنصتَ الرجلُ لثوان، قبل أن يمدّ لي يده بالجوال. كانت امرأتي على الخط، تتكلم بلهجة مُجهشة. شعرتُ بعبراتها، وهيَ تسبق عباراتٍ تجمعُ بين التأنيب والمرارة: " لِمَ فعلتَ هكذا بي؟ ألم تكن تعلم أنك مطلوبٌ؟ إنهم سيأخذونني رهينة إلى أن تسلّم نفسك ".
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيرة أخرى 66
-
أدباء ورهبان
-
سيرة أخرى 65
-
سيرة أخرى 64
-
لعبة الذكرى
-
سيرة أخرى 63
-
سيرة أخرى 62
-
البُرَاق
-
سيرة أخرى 61
-
سيرة أخرى 60
-
سيرة أخرى 59
-
سيرة أخرى 58
-
سيرة أخرى 57
-
شادية وأدب نجيب محفوظ
-
الكردي كمال جنبلاط
-
القاعة رقم 1000
-
سيرة أخرى 56
-
المقهى
-
سيرَة أُخرى 55
-
العربة
المزيد.....
-
تايلور سويفت تتألق بفستان ذهبي من نيكولا جبران في إطلاق ألبو
...
-
اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج
...
-
حوارية مع سقراط
-
موسيقى الـ-راب- العربية.. هل يحافظ -فن الشارع- على وفائه لجذ
...
-
الإعلان عن الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب 2025 في دورتها الـ1
...
-
اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج
...
-
من الجو..مصور يكشف لوحات فنية شكلتها أنامل الطبيعة في قلب ال
...
-
التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
-
الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي
...
-
مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
المزيد.....
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
-
مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز.
...
/ السيد حافظ
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|