أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 55














المزيد.....

سيرَة أُخرى 55


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5713 - 2017 / 11 / 29 - 01:00
المحور: الادب والفن
    


1
في مثل هذه الأيام من تشرين الثاني / نوفمبر، يقوم أغلب الأهالي بتركيب الصوبيا بعدما تكون قد أجتازت عملية نفضها من السخام وتنظيفها. الصوبيا، كانت ولا تزال وسيلة التدفئة الأساسية عند السوريين. أيام زمان، كان الحطب وقشر الجوز هما وقود المدفأة. لاحقاً، صرنا نعرف الصوبيا المستخدم فيها المازوت. هذه الأخيرة، كانت تشبه الأولى لناحية تزودها بأنبوب من المعدن الرقيق ( بوري )، لكي يخرج الدخان من خلاله إلى فتحة علوية بجدار الحجرة.
عندما كنا صغاراً، أعتدنا على التحلق حول مدفأة المازوت تلمساً للدفء. هذه المدفأة، كانت موضوعة بالقرب من العتبة في حجرة الجلوس. مدفأة أخرى، أكثر أناقة، أحتفت بها غرفة الضيوف. إلى مدفأة في حجرتي، كانت تعمل على الحطب وقشر الجوز. في حجرة البنات، والتي كانت جدتي لأمي تنام فيها أيضاً، كان ثمة منقل نحاسيّ تشتعل جمراته خلال المساء. كنا نضع فيه حبات الكستناء، لتنضج على مهل. ذات ليلة، وكان الوقتُ شهرَ الصيام، جلستُ أمام المنقل أتمتع بالدفء ومنظر الجمر الجميل. بعد قليل، شعرت بحكة شديدة في أماكن عديدة من جسمي. والدي، بادر عندئذٍ إلى دهن جسمي بمرهم خاص بالحساسية. في صباح اليوم التالي، أفقت مُعافىً تماماً. إلا أنني ما لبثتُ أن ثرت بوجه أمي، لأنها لم توقظني على السحور. هذا، على الرغم من أنّ الصيام لم يكن من شِيَمي!

2
بردى؛ أسماه الإغريق " نهر الذهب "، بالنظر لنقائه وعذوبة مياهه. لقد أنشد له الشعراء قصائدهم على مر العصور، مثلما أن المطربين تغنوا فيه. أحد اللاجئين السياسيين العراقيين، وكان رجلاً ظريفاً ومثقفاً تعرفنا عليه ببداية الثمانينات من خلال ارتيادنا لمطعم ومشرب " السفراء "، قال لنا ذات مرة ضاحكاً: " يا معوّد، كنت أسمع منذ الصغر فيروزَ وهي تتغنى ببردى. وكنت أعتقد أنه نهر عظيم كدجلة أو النيل، فلما جئت لدمشق إذا بي أجده جدولاً صغيراً ونحيلاً! ".
إلا أن بردى ليس نهراً عادياً، يقاسُ بحجمه أو طوله. بل هو نهرٌ يتميز برفده لطبيعة ساحرة وخلابة، حين مروره خِلَلها. إنه ينحدر من منابعه في وادي بردى، ليستهل دخوله إلى أحياء دمشق القديمة بعدما ينقسم إلى سبعة أفرع لكلّ منها اسمه؛ كالقنوات وبانياس وثورا ويزيد. هذا الأخير، يشق حيّ الصالحية وصولاً إلى حيّنا ( ركن الدين ). ثمة تنبثق عدة سواقي عن النهر، لكي تروي البساتين المزدهرة والمتصلة بالغوطة الغنّاء. وكان نهر يزيد في زمن طفولتنا غزير المياه، خَطِراً على الأطفال. آنذاك، كنا لا نأبه بأي خطر ونحن نرتاد النهر يومياً تقريباً خلال الربيع والصيف. ذات مرة، راح من هم أكبر منا يتبارون في الشك من أعلى الأشجار إلى النهر، عندما مرّ أحد جيراننا وكان بعمر الوالد. صاح بالفتية قائلاً: " يا أولاد يا حمقى! إذا مات الواحد منكم فإنه لن يرى رفاقه مرة أخرى أبداً! ".

3
حي سوق ساروجة، من الأحياء الصغيرة والأقرب إلى المدينة القديمة. في الزمن الغابر، كان هذا الحي يتصل مع الصالحية والأكراد من خلال البساتين. بلغ من رقيّ حي سوق ساروجة، وسكانه، أنه أطلق عليه في العهد العثماني نعتُ " آستانة الصغرى ". أبنيته، وغيرها من معالمه الأثرية، ذات رونق خاص يمتّ لذلك العهد علاوة على ما نعرفه عن دمشق الأموية مع بعض التطعّم من عهدها الفرنسيّ. أما سكان الحي، فإنهم كانوا بالأصل خليطاً من عائلات الأعيان وقادة العسكر؛ الأتراك والكرد بشكل خاص.
ذلك الحي الراقي، تعرفت عليه جيداً حينَ كنتُ في المرحلة الإعدادية. آنذاك، أعتدتُ على مرافقة شقيقتي الكبرى إلى " معهد الألسن " وكانت تتابع فيه دورة مسائية باللغة الانكليزية. إذ أعتدتُ على التجوّل خلال ساعتيّ الدروس تلك، حيث قادتني قدماي إلى دربٍ يؤدي إلى سوق ساروجة محاذٍ لسينما " الخيّام ". بعد حوالي ثلاث سنوات، كان على أحد أقاربي أن يقودني هذه المرة إلى بيت عمه، الكائن في ذلك الحي. كان بيتاً عتيقاً، تفوح من أثاثه الرائحة الحرّيفة، الأنتيكية. زياراتنا أضطردت لبيت أقاربه أولئك، وكانت تتم دوماً في أوقات المساء. إلى أن امتنعت بعد ذلك عن مرافقته تماماً. فقد كان يحوم حول ابنة عمه، وكانت تماثلني في السنّ وذات جمالٍ مشهود. طلب مني ذات مرة أن أكتب لها رسالة ( كان بالكاد يفك الخط )، وفوق ذلك، أن أسلمها لها خفيةً. مع أنني تمنيتُ إذاك لو كان لديّ الجرأة لكتابة هكذا رسالة، ومن ثمّ تذييلها باسمي!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العربة
- سيرة أخرى 54
- المبنى المهجور
- سيرة أخرى 53
- سيرة أخرى 52
- سيرة أخرى 51
- الأغراب
- الإشارة الحمراء
- أردوغان ولعنة الكرد
- سيرة أخرى 50
- مسؤولية الرئيس بارزاني
- تركيا؛ دولة غاصبة
- سيرة أخرى 49
- الإرهابيون؛ من تنظيمات إلى دول
- تشي غيفارا؛ الملاك المسلّح
- سيرَة أُخرى 48
- الفردوسُ الخلفيّ: الخاتمة
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 55