أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - العربة














المزيد.....

العربة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5710 - 2017 / 11 / 26 - 18:43
المحور: الادب والفن
    


صورةُ الزعيم، برزت أمام عينيّ على غرة فيما كنتُ أمسك بحرصٍ يدَ ابنتي الصغيرة.
كان يبدو على شاشة جهاز التلفزيون، الموضوع في صدر أحد المقاهي، وكأنه يوجّه خطاباً ما. ألتقط سمعي بضعَ عباراتٍ من كلمة الزعيم، وفيها يُشيد بكرد سورية وأنهم أول من لبى نداء النفير العام للدفاع عن استقلال الإقليم. وإذا بعشراتٍ من الشبان، ممن يضعون على رؤوسهم العمامات الكردية المميزة ذات اللونين الأسود والأحمر، يظهرون فجأة وهم يهرولون. أحدهم، وكانت سحنته مألوفة لي، مرّ من جانبي وهوَ يبتسم ساخراً رامقاً بعينيه ابنتي. فكّرتُ عندئذٍ وقد آذتني ابتسامته: " كأنه يقول، ها نحن نتوجه إلى الجبهة فيما أنتَ آتٍ لزيارة سياحية! ".
" يا أخ، هل مطار بغداد يبعد كثيراً من هنا؟ "، سألتُ الشاب محرجاً. أجابني، بأن المطار يبعد حوالي عشرين دقيقة بالسيارة. عدتُ لأسأله، عن مكان ركوب أوتوبيس المطار. قال لي: " لا يوجد في بغداد سوى سيارات أجرة، وإنها متوفرة طوال الوقت وبسعر معقول لمن هم بمثل حالتنا ". ملاحظته الأخيرة، كانت تدلّ على أنه يقيم أيضاً في دولة أوروبية. شكرته بإيماءة من رأسي، ثم رحتُ أحسب الوقت في سرّي: " لديّ حوالي ثمان ساعات، وإنها لكافية من أجل جولة عابرة في المدينة ". تركتُ المكان، متجهاً وابنتي نحو مدخل أحد الأسواق الكبيرة. كان ثمة متسولون كثر على جانب الطريق، أحدهم أثار شفقتي كونه عجوزاً وبأسمالٍ خَلِقة. ها هوَ يصرخ قائلاً، ملوّحاً بيديه المعروقتين: " لقد حاربتُ صدّاماً في الجبل، حينما كان حكّامُ البلد الحاليون يعيشون بأفخم الفنادق في الشام! ". لدى نطقه مفردة الختام، حدّق الرجلُ فيّ ملياً. إذاك ساورني القلقُ، فهمستُ لابنتي: " تكلمي معي بالسويدية، حَسْب ". متسوّل شاب، خاطب ذاك الرجل العجوز مُشيراً بيده إلى جهة الشمال: " دَعْ عنك هذا الكلام، وانظر إلى ما ينتظرُ كلّ من يؤمن بسيدنا الحسين ". تابعتُ إشارة المتسوّل، لأرى ما يُشبه بقعة من الجنّة تظهر بين الجبال وكأنها معلّقة في السماء. قلتُ لابنتي بنبرة متهكّمة: " يا له من مخبول! فإنّ ما بدا لعينيه أنها جنّة الله، ليست سوى كردستان ". ومع أنني قلتها بالسويدية، إلا أنّ المتسول الشاب رمقني بنظرة حادّة.
" إنها جنّة، فعلاً "، أجابتني ابنتي فيما كانت تمدّ يدها الصغيرة إلى الأعلى. وكنا قد صرنا تحت أجمة من الأشجار المثمرة، وقد تسلقت عليها أغصان الكروم المثقلة بزمعات العنب الناضج. رحتُ أداعب العناقيدَ بحركةٍ تعبّر عن الحنين، أكثر منها الإشتهاء. خطوات أخرى، وكنا قد أصبحنا هذه المرة تحت سقف السوق الكبير. المحلات ثمّة، بجدرانها المرقشة بالنقوش وواجهاتها ذات الأقواس الحجرية وبضائعها الفريدة الغريبة، كانت أقرب إلى ما أعلمه عن أسواق بلاد فارس. قالت لي ابنتي بالسويدية: " كأننا في سوق الحميدية ". وإذا بأحد الباعة يخاطبنا، مردداً وهوَ يبتسم: " الحميدية، الحميدية..! ". بادلتُ الرجلَ الابتسام، ثم ما لبثتُ أن شددت يدَ ابنتي بحركة من يبدو مستعجلاً. درتُ أوباً، عائداً نحوَ مدخل السوق بخطواتٍ سريعة. ما أن صرنا خارج السوق، إلا ونصطدمُ بإحدى عربات بيع الخضار. أمسكتُ طرفَ العربة بيدٍ، محاولاً أن أنحيها عن طريقي. وإذا بالعربة تكرجُ رويداً، فأراني مشدوداً إليها وكما لو أنّ الأمرَ يتعلق بقوة مغناطيسية. راحت العربة تزيد من سرعتها باضطراد، حتى خيّل إليّ أنها تطير بي. فكّرت عند ذلك في هلع: " هل يمكن ليد ابنتي، الرقيقة، أن تواصل التمسك بطرف هذه العربة اللعينة! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرة أخرى 54
- المبنى المهجور
- سيرة أخرى 53
- سيرة أخرى 52
- سيرة أخرى 51
- الأغراب
- الإشارة الحمراء
- أردوغان ولعنة الكرد
- سيرة أخرى 50
- مسؤولية الرئيس بارزاني
- تركيا؛ دولة غاصبة
- سيرة أخرى 49
- الإرهابيون؛ من تنظيمات إلى دول
- تشي غيفارا؛ الملاك المسلّح
- سيرَة أُخرى 48
- الفردوسُ الخلفيّ: الخاتمة
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الغين
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء 3


المزيد.....




- مصر.. إصابة الفنان أحمد سعد في ظهرة ومنطقة الفقرات بحادث سير ...
- أول تعليق لترامب على اعتذار BBC بشأن تعديل خطابه في الفيلم ا ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- لقاء خاص مع الممثل المصري حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السي ...
- الممثل جيمس فان دير بيك يعرض مقتنياته بمزاد علني لتغطية تكال ...
- ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك
- لا خلاص للبنان الا بدولة وثقافة موحدة قائمة على المواطنة
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن قائمة السينمائيين المشار ...
- جائزة الغونكور الفرنسية: كيف تصنع عشرة يوروهات مجدا أدبيا وم ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - العربة