أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء 3














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5442 - 2017 / 2 / 24 - 08:50
المحور: الادب والفن
    


ذلك الحلم، وكنتُ قد أفقتُ منه مروّعاً على صوت قهقهة الشاب المتطرّف الفكر، عليه كان أن يتكرر لاحقاً ولو بصوَر مختلفة. كراريس تفسير الأحلام، المتناثرة بكثرة على بسطات الأرصفة في مراكش، ربما تُحيل المرءَ إلى نوعٍ من ضمير جماعيّ، ملوّث بالإثم. وإذ كنتُ موقناً بضميري المعذَّب، إلا أنني في المقابل يصعب عليّ إدانة أهل المدينة بالاثم.
من الممكن أنني كنتُ أحمّل ضميري فوق طاقته، وبدون أسباب وجيهة. فلطالما أقنعتُ نفسي، بأنّ الأمرَ لا يعدو عن كونه سلسلة من سوء الفهم ربطتني بمَن عرفتهم عن قرب في مراكش خلال فترة إقامتي فيها: ولكن، ماذا عن مصير " خَجي " الصغيرة، التي تمّ رميها إلى المجهول دون أمّ أو أبّ..؟
لقد أجهدتُ نفسي، في معرفة لغز تخلي " الشريفة " عن ابنتها، وكانت بعدُ رضيعاً في شهرها الرابع. إلا أنني لم أجد سوى تفسيراً واحداً، أقرب إلى طبيعة عقلية تلكم المرأة الماكرة: لقد أرادت الحيلولة دون سفري إلى الخارج بأيّ ثمن، معتقدةً أنّ وجود الطفلة في رعاية أمّها ( في رعايتها هيَ ) سيؤدي إلى نتيجة عكسية. ولعلّ إختفاء " الشريفة "، المفاجئ، كان من واردات الإخبات ذاته. فلو أنني عزمتُ على السفر، على الرغم من وجود الطفلة لديّ، فلن أستطيع العهد بها إلى أمها. هذه الأخيرة، كانت تعلم يقيناً بأنني لن أعيد ابنتي إلى الضاحية؛ إلى جدّتها الحيزبون، القاسية القلب.
كذلك كنتُ أفكّر، آنَ اتخاذي قرارَ السفر. كنتُ أتحدّى الثعلب الماكرة، بغية إخراجها من وكرها ما أن تسمع بقرب سفري وأنني سأترك ابنتنا عند مَن أصبحت غريمتها. وكانت " سوسن خانم " قد عبّرت عن تحفظها بخصوص رؤيتي للموضوع، وفي مقابل ذلك، أظهرت ترحيباً بإعادة " الشريفة " للخدمة لديها كي تبقى قريبة من الطفلة. في سبيل نجاح مسعاها، تجشّمت الخانم عناء الذهاب ثانيةً إلى الضاحية لمقابلة الحيزبون. وقد أخذت معها سكرتيرها، " آلان "، وربما بغية جعله شاهداً أمامي على صدق روايتها لما جرى بينها وبين جدّة الطفلة. الحيزبون، لم تَزِد على القول بأنها لا تعرف شيئاً عن ابنتها مذ أن أختفت. ولكنها، بخصوص الطفلة، أبدت استعدادها لإحتضانها بمقابل مبلغ جارٍ من المال يمكن الإتفاق عليه مع الخانم!
المدهش، هوَ أنّ " مسيو جاك " بادرَ على الأثر إلى الإتصال مع الخانم، لكي يعرض عليها حضانة الطفلة وأنه قادرٌ على تأمين امرأة مربية لخدمتها. ساءني الأمر، ليسَ فقط لكون المسيو قد تخطاني، بل وأيضاً لحقيقة مؤلمة، ومخزية في آنٍ؛ وهيَ أنّ ابنتي أضحت موضع مساومة. قالت لي الخانم بنبرة مقرّعة: " عليك أن تلوم نفسك، لا الآخرين. لأنك لو كنتَ تثق فيّ، لتأكدّتَ بأنّ ابنتك لن تكون بحاجة لأحد طالما هيَ في رعايتي ". كانت الخانم محقة من ناحية الثقة، المفقودة بيننا. بغض الطرف عن إحتضانها لإبنتي حتئذٍ، فإن علاقتي بها بقيت ملتبسة. كانت امرأة أعمال ومصالح، تقيس الأمور بعقلها لا بعواطفها. هذه الحقيقة، أنطبقت كذلك على حماستها لفكرة الإنتقال إلى موسكو، بهدف الإستثمار هناك بعيدَ إعتماد سياسة تحرير الإقتصاد.
قلتُ للخانم، مضطراً للكذب: " لو أنني لا أثق بك، ففيمَ كانت محاولاتي المضنية لإنتزاع ابنتي من أمها؟ إلا أنك ستضطرين إلى ترك الطفلة هنا، ما لو حانَ وقتُ انتقالك إلى موسكو.. فمن سيرعاها عند ذلك؟ ". قولي، بدا أنه بدد غمامة الشك، المحلّقة فوق رأس المرأة الجميلة. إذ أنها كانت على علم، ولا مِراء، بفقدان أوراق رسمية خاصّة بالطفلة. فعلى الرغم من الرشاوى، التي بذلتها الخانم في هذا السبيل، فلم أتمكّن قبيل سفري من إنهاء معاملة تسجيل ابنتي باسمي. وكان للخانم فضل آخر عليّ، كون مالها قد أسهمَ باستعادتي لجواز سفري اليونانيّ المزيف، وذلك لاستعماله في الوصول إلى موسكو. لهذا الغرض، رافقتني هيَ إلى العاصمة الرباط وكان السكرتير من قاد سيارتها. فيما بعد، علينا كان أيضاً ثلاثتنا استخدام السيارة ذاتها، في الطريق إلى مطار محمد الخامس، الكائن بالقرب من الدار البيضاء: إنه ذات المطار، مَن استقبلني وشقيقتي قبل أكثر من عام ونصف، بصفة لاجئين، ليتمّ شحننا لاحقاً إلى مراكش بالقطار ومن ثمّ رمينا في الشارع.
" يُخيّل إليّ أنك عشتَ حياةً كاملة، ثمة في مراكش. ألا تفكّر في تسجيل تجربتك هذه على الورق؟ إنها ستكون سيرة أدبية، فريدة.. "، قالت لي الخانم الجالسة في المقعد الخلفيّ مع " خجي " التي كانت قد فُطمت مذ بعض الوقت. كانت على علم، بطبيعة الحال، بالسيرة المدوّنة من لَدُن " شيرين ". إلا أنني تكتّمتُ عن موضوع نسخة السيرة، الموجودة في حقيبتي. أجبتها بنبرة خالية من الإهتمام: " لا أدري، فإنني سأكون في مغترب جديد مع ما يترتب على ذلك من هموم ومشاكل. عدا عن قلقي على خجي... "
" ولِمَ ستكون قلقاً على ابنتك، وهيَ في رعايتي، فضلاً عن قرب لحاقنا بك في موسكو؟ "، قالتها فيما كانت تعتنق طفلتي. ثم أردفت بعد وهلة صمت: " لو أن كل شيء على ما يرام، وفكّرتَ بالكتابة، فأرجو منك أن تبلغني ذلك في رسالة ". كلامها، فاقمَ من قلقي بخصوص صدقها في موضوع لحاقها بي إلى موسكو. ولكي أخفي أضطرابي، عمدتُ إلى القول متكلّفاً المرح: " أعتقد أنني سأسمع منك، أيضاً، بخبر عن عزمك كتابة سيرة مماثلة؟ ". فما كان منها إلا الردّ مع ضحكة مقتضبة: " وإذاً، ستحظى مراكش بأربع سيَر عنها، مسجّلة بأقلام أربعة رجال أعمال، منهم سيدتين! ". ولكن وجهها ما عتمَ أن تجهّم، فلزمت الصمت ملقيةً ببصرها عبْرَ النافذة إلى مناظر الطريق. ربما تنبّهت الخانم إلى حقيقة، أنّ السيرتين الوحيدتين، المكتوبتين فعلاً، كان صاحباها قد رحلا بطريقة مأسوية.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 3
- سيرَة أُخرى 47
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء
- سيرَة أُخرى 46
- سيرَة أُخرى 45


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الظاء 3