أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5436 - 2017 / 2 / 18 - 12:04
المحور: الادب والفن
    


لم تظفر بطائل، محاولتي كشف ماضي " الشريفة " على لسانها هيَ. إنها كانت من النوع الراغب في عيش حاضره، ما أمكن. أما الماضي، بالنسبة إلى هذا النوع من البشر، فإنه كان يعني فتحَ قبرٍ قديم لا يُجنى من ورائه إلا القرف والغثيان. بغض الطرف عما إذا كانت امرأتي مخلوقة بائسة وضحية ظروف قاهرة، فإنني كنتُ أسعى لانتزاع ابنتي منها لكي لا تنمو في بيئة منحرفة.
كذلك كنتُ أفكّر، وأنا جالسٌ لصق " مسيو جاك " في طريقنا إلى المدينة. لقد تعهّد المسيو إيصالي بسيارته إلى مقر إقامة " سوسن خانم "، بعدما تكلمَ معها هاتفياً من منزله. كانت السيارة تخترق الطريق، محاطة بالأراضي الزراعية المتألقة بفضل الشمس الدافئة، حينَ دهمتني فكرة كانت وليدة لحظتها: " سأغادر اليوم هذه الضاحية إلى غير رجعة قط ". كانت فكرة خرقاء، كما أستدركتُ بعدئذٍ مباشرةً: " ابنتي ما تفتأ ثمة في منزل الحيزبون مع مخطوطاتي وأغراضي الشخصية، مثلما أن لوحاتي قد تركتها في الفيللا ".
هيَ ذي مراكش، تعود لاستقبال حبيبها مجدداً. ولكنها الحبيبة، المتعيّن عليها طعن محبيها بحقيقة مؤلمة؛ وهيَ أنها كالمومس، لا تتذكّر من يعبُر جسدها بعدما يدع على المنضدة المبلغ المعلوم سواءَ أكان تاجراً أو شاعراً. أجل، أعود إلى المدينة الحبيبة بعد غيابٍ قسريّ استغرقَ شهوراً. لقد تعددت زياراتي لها خلال تلك الفترة، لمراجعة الدوائر الرسمية لمحاولة تثبيت زواجي والحصول على إذن بمغادرة البلاد. إلا أنّ زيارتي الأكثر جدّة، كانت مختلفة ولا شك. مهما تكن نتيجة لقائي بالخانم، فإنني لن أرجع مرة أخرى إلى " الشريفة " إلا إذا كان الأمر يتعلق بابنتنا. " مسيو جاك "، كان قد استبق النتيجة بأن عرضَ عليّ إقتراحاً مثيراً وغير متوقّع: أن أستلمَ إدارة غاليري يملكه في مدينة الصويرة، يعرض فيه للبيع لوحاته وأعمال فنانين آخرين. إقتراحه هذا، جعلني أؤوب إلى موضوع ماضي امرأتي، وكانت نفسي قد زهدت فيه وعافته. إذ بدا أمراً محيّراً اهتمام الرسام بي، ما لو لم يكن متصلاً بذلك الموضوع.
وكان " مسيو جاك "، حين أحتوتنا السيارة وبدأت تتحرك، قد ألتفت إليّ قائلاً بصوته العميق: " الشريفة، أعرفها مذ أن كانت طفلة. مؤكد أنها مرت بتجارب مؤلمة للغاية. إلا أنها تخلط أحياناً الحقائق بخرافات، يختلقها خيالها الجامح. كونك أديباً، عليك أن تميّز بين خيوط الواقع والوهم ما لو شئت تسجيل أحداثٍ مستلة من سيرة امرأتك ". كانت هذه المرة الأولى، التي يتطرق فيها الرسام لموضوعٍ متواشجٍ مع ما كنتُ أهتم بمعرفته من ماضي امرأتي. على ذلك، أجبته وقد تلبستني حالة من الإحباط: " نعم، بالطبع.. ". جوابي المقتضب، جعله يخلد للصمت برهةً متأملاً أنني سأواصل الكلام. عاد المسيو إلى القول: " لقد زرعوا في وهم الشريفة أنني أباها البيولوجيّ، وغدا ذلك بالنسبة إليها كأنه حقيقة مطلقة. وأظنك على علم بهذا الأمر، كون امرأتك اشتكت لي أكثر من مرة بأنك كنت تعذبها بتحقيقاتك؟ "
" عجباً! كيفَ علمتَ أنت منها بهكذا أمر، مع أنني لم أفتحه معها سوى ليلة أمس؟ "
" لا أعرف شيئاً عما دارَ بينكما ليلة أمس. ولكنني أتحدث عن الأشهر المنصرمة، وتقريباً منذ بداية حلولكما في الضاحية "
" لا أذكر أنني تطرقتُ معها سوى لأشياء متعلقة بأشخاص آخرين كنا على صلة بهم، كسوسن خانم مثلاً. أما ليلة أمس، فإن الحديث خرجَ عن السياق، آنَ معرفتي بامتلاكها نسخة عن مذكرات مسيو غوستاف "، قلت له ذلك وقد انتعشت من جديد رغبتي بالتقصّي. اتكأ الرجل بيده اليسرى إلى نافذة باب السيارة، فيما مقودها بقبضة اليد الأخرى. خِلَل النافذة المفتوحة، كانت تأتي رائحة الريف متماهية مع هبوب الغبار والأتربة. عقّبَ الرسام على كلامي قائلاً: " جائز أنّ الأمر كما أوضحتَ أنت. لأنّ الشريفة، كعادتها، كانت تلمّح ولا تصرّح رأساً بمكنوناتها ". ثم أضافَ، محدقاً فيّ بعينيه الزرقاوين الصافيتين كسماء مراكش: " أودّ أن أسرّ لك بشيء يخصّ مذكرات صديقي الراحل غوستاف، وأعتمد عليك بألا يصل لمسمع الشريفة أو غيرها.. ". كنتُ أتأمل أشجار النخيل، المنتصبة على طول شارع فاس، آنَ فاجأني بقوله. بادلته النظرات، قبل أن أهتف بسرعة: " بالطبع، بالطبع! ".
عندما كانت السيارة تجتاز الشارعَ الآخر، المحتفي باسم الدولة المستعمرة، متجهة إلى منزل الخانم، كنتُ عندئذٍ مستنداً برأسي إلى مسند مقعدي أفكّر بما أخبرنيه والد الشريفة، المفترض. هذه الأخيرة، لن تعرف بحال ما دار بيني وبين الرجل. إذ لن يتسنى لي أن ألتقيها مرة أخرى، أبداً. مع أنني كنتُ قد خرجتُ بملابسي حَسْب، للقاء الخانم، معتقداً أنّ الموضوع لا يعدو عن اجتماع عملٍ عابر.
في عصر اليوم التالي، عادت " سوسن خانم " بسيارتها من الضاحية، وهيَ تحمل معها حقيبتي وبعض مقتنياتي الشخصية من مخطوطات ورسوم وكتب. فكم كانت دهشتي عظيمة، وفرحتي غامرة، لما أبصرتُ " خَجي " الصغيرة بين يديّ الخانم. هذه الفرحة، سرعان ما كدّرها خاطرٌ مرعب تبيّن أنه في غير محله لحُسن الحظ: " مخطوطة شيرين..! ". بعد اطمئناني على مذكرات شقيقتي، وأن الخانم أيضاً لم تنتبه لها ( ظنتها على الأرجح جزءاً من كتاباتي )، كان الوقتُ قد حان للتفكّر بمصير صغيرتي المسكينة وهيَ بعدُ رضيعٌ معتادة على حليب أمها. قالت لي الخانم بنبرتها المؤذية المألوفة، وكما لو أنها تطلق نكتة: " أنا أمها الآن..! لا تقلق عليها من هذه الناحية، لأنني سأجلب لها مرضعة تمتلك ثديي بقرة! ".









#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 3
- سيرَة أُخرى 47
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء
- سيرَة أُخرى 46
- سيرَة أُخرى 45
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 3
- سيرَة أُخرى 44
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 3


المزيد.....




- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الضاد