أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5391 - 2017 / 1 / 3 - 15:05
المحور: الادب والفن
    


" المهدي "؛ مَنْ تعتبره الخانمُ أستاذها، عليه كان أن ينبثق مرة أخرى من المشهد. امرأته أيضاً كانت برفقته، وقد لحظتُ مذ النظرة الأولى أنها حامل. لم يكن بطنها مَن انتفخَ حَسْب، بل وأيضاً أوداجها. آخر مرة ألتقيت بها قبل نحو ثلاثة أشهر، وكانت عندئذٍ تلتصق فيّ مُبالِغَةً بالتودد وكأنما تُناكدُ شخصاً معيناً. مسلكها، عزوتُهُ آنذاك إلى الرغبة في منافحة تلكم النسوة ممَن يتقربن لرجلها بحجّة الإهتمامات المشتركة ـ كما كان حال شقيقتي " شيرين " قبل اقترانها بمخدومها الفرنسيّ، ومن ثمّ خمود مشاعرها وميولها الأدبية سواءً بسواء.
وهيَ ذي " سوسن خانم "، تتحرك ثانيةً على أثر خلوّ الجوّ لها، مدفوعة ربما بنزواتها المألوفة، والتي تطرأ لأمثالها ممن يمتلكون الثروة والجاه. من ناحية أخرى، يمكن الإفتراض بأنّ فارق العُمر بينها وبين ذلك الرجل، المتميّز بالقوام الفارع والسحنة الشاحبة السَمحة، يضعنا أمام انسانة حُرمت في طفولتها من حنان الأب. وهذا تماماً ما كان من أمر شقيقتي، التي دأبت منذ فترة مبكرة من عُمرها على كتابة يوميات على شكل رسائل إلى والدنا، المجهول.
بيْدَ أنني لم أكن أفكّر يومئذٍ بتلك الرويّة، طالما أنّ غمامة قاتمة من الغيرة كانت مسدولة على بصيرتي. لقد ثقلت على قلبي فكرة، أنّ الخانم هزأت بي في قسوة حينَ جرّتني كالجرو إلى حلبة عبثها وحبائلها. هذه الفكرة، قرأتها كذلك في صفحة وجه المرافقة، وعلى الرغم من أنّ ذلك بدا مقروناً بالشفقة والرثاء. " الشريفة "، كانت من الذكاء أنها أدركت دوماً مآل عاطفتي تجاه الخانم من حيث كونها عبثاً وسراباً. إذ لم تكن هيَ متواطئة مع مخدومتها في ذلك اليوم ( وهذا ما تأكّدتُ منه لاحقاً )، إلا أنها في مقابل ذلك سارعت إلى استخدام غضبي وإحباطي ليخدما مصلحتها الشخصية.
" آه، أيّ روعةٍ أن تصاقبَ النزهةُ لقاءَ الأصدقاء الأحبّة..! "، كذلك هتفت الخانم آنَ اقترابها من مجلس الشاعر. علاوة على الرجل وأسرته، كان ثمة " الأستاذ محمد " وامرأته وابناهما الأشبه بالتوأم. كان واضحاً أنّ سيارتين قد نقلتا الجماعة إلى المنتزه، وأنّ شعور المفاجأة قد أنتابَ أغلب أفرادها البالغين حالَ رؤيتنا. المقهى، أين أقتعدَ هؤلاء، كان يطل مباشرةً على الوادي الممراح، المتدفق بمياه الثلوج الذائبة. المناظر المونقة، الممتدة على مدّ البصر، لعلها أسهمت نوعاً في تبديد مشاعر الغيرة والغلواء لديّ. فما أن تلاشت عباراتُ التحية والمجاملة، حتى رحتُ أتأمل ما يحيطني من سحر وبهاء الطبيعة البكر، والتي ضافرت من حميميتها طريقة عيش أناسها، شبه البدائيين. الجمال والخيول والحمير، كانت إذاك متآلفة مع الحيوانات الأهلية الأصغر شأناً كالدجاج والديكة والهررة. بل إنّ قرداً ضئيل الحجم، كان يقف بطريقة استعراضية على ظهر صاحبه، المغنّي الجوّال المكتسي بزيّ البربر. كان هذا يصدحُ على أنغام الربابة، محلّقة مفرداته فوق المشهد وصولاً إلى ذرى الأطلس، المكسوة بالثلوج. الجسور، وأغلبها نحيلة مصنوعة من الحبال وألواح الخشب والأقمشة، كانت تربط ضفتيّ الوادي وكأنها كلمات المؤرخ، التي تصل الماضي بالحاضر.
" الأستاذ محمد "، لم يلبث أن استأنفَ حديثه مع الشاعر، وكما لو أنّ الضيوف قد أنصرفوا بعيدَ أداء واجب التحية. وكان يعود كل مرة إلى فكرته، حالما ينتهي أحد الحضور من ابداء ملاحظة أو طرح سؤال. الحديث، كان يُقارب الأحداث السياسية الناجمة عن حرب الخليج. ولقد زهدتُ في النقاش، كونه يداور كالمعتاد حول المؤامرة المؤبدة، التي تعصف كلّ آونة بالأمة العربية. على أنّ الرجل لم يدعني في سلام، فلم يتأخر عن الالتفات إليّ ليسألني فيما عيناه الباسمتان تحاولان اختراقَ حُجُب داخلي: " ألا توافقني الرأي، في أنّ الغربَ يثير الأقليات الأثنية، جاعلاً منها كحصان طروادة، لكي يهيمن على مصادر النفط في المنطقة؟ "
" إذا كان قصدك الشيعة والكرد، فالأولون هم أغلبية سكان العراق فيما أنّ نفطه ينبع من أرض أولئك الآخرين "، أجبته مُنساقاً دونما وعي إلى الحديث. ارتسمت ابتسامة عريضة على فم محدّثي، وفيما كان يهمّ بالتعقيب انبرت شقيقته لتخاطبني بنبرة لئيمة: " وهل ينقص العربُ مصائبَ جديدة..! ". قالت ذلك، فيما هيَ تمرر عينيها على هيئتي فتتلوى في استخفاف بيّن. مخدومتي، تقصّدت بدَورها أن تنقل نظرة دهشة متكلّفة بيني وبين المرأة المتنمّرة، المنتفخة الرحم. زوج هذه الأخيرة، ما عتمَ أن تدخل ليخفف من تأثير القول المتطاير جُزافاً: " لا شكّ أن الأكراد عانوا ظلماً مجحفاً، ولم يكن بإمكانهم رفض اليد المنقذة، التي مدّها لهم الغربُ مهما تكن غايته ". هزّ رأسه " الأستاذ محمد "، رامقاً إيايَ بنظرة مواربة، قبل أن يعقّب قائلاً: " الأكراد، لا يمكنهم أن يتخلوا عن تاريخ مشترك يربطهم بالعرب عدا عن الدين الواحد والجغرافية المتداخلة. الغرب، سيتخلى عنهم أيضاً كما فعل من قبل. فها هوَ يدير ظهرَ المجن للشيعة، بعدما حرضهم على الإنتفاض ضد دولتهم. وإذا كنتُ أعتبر هؤلاء أقلية، فلكون العراق يتمتع بعمقٍ عربيّ ممتدّ إلى جبال الأطلس... "
" ولكن، مهلاً يا أصدقائي! فإننا هنا في سبيل النزهة، فلنؤجل مطارحة السياسة إلى وقتٍ آخر "، قاطعت مخدومتي الرجلَ. إلا أنها خففت من وطأة تدخلها، بأن وجهت خطابها إلى معشرَ الرجال كما عبّرت نظرتها العابرة. في الأثناء، كانت الخانم تبدو متململة وكأنها مأسورة الحركة. وإذا هيَ تثنّي على اقتراحها، بأن هبّت واقفة لتتناول معطفها الرقيق، المعلق بكرسيها: " هلمّوا إلى جولةٍ على الأقدام، إلى أن تحين ساعة البطون المتطلّبة! "، قالتها متضاحكة بخفّة. وإذا بها تلتفت من ثمّ إلى مرافقتها، لتستطرد مومئة نحوي: " إنه لم يرَ بعدُ الشلالات، فامضي به إلى الجبل مع من يرغب بذلك من الأصدقاء.. ". حينَ ألتفتت الخانم إلى " لبنى "، مستحثة إياها على مرافقتها في الجولة المقترحة، فإنّ هذه الأخيرة ردّت عابسةً فيما كانت تشير إلى صغارها: " وهؤلاء، ماذا أفعل بهم؟ ".









#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 3
- سيرَة أُخرى 43
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الراء
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 3
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 1
- الجزء الثاني من الرواية: القاف
- سيرَة أُخرى 42
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 2
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 3
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء
- الجزء الثاني من الرواية: العين 3
- الجزء الثاني من الرواية: العين 2
- الجزء الثاني من الرواية: العين
- الجزء الثاني من الرواية: السين 3
- الجزء الثاني من الرواية: السين 2
- الجزء الثاني من الرواية: السين


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين