أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3














المزيد.....

الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5373 - 2016 / 12 / 16 - 10:42
المحور: الادب والفن
    


عليّ أن أعودَ مجدداً إلى مخطوطة شقيقتي، لكي أمتحّ من الذاكرة شذرات من سيرة السيّدة المُحسنة، " للّا بديعة "، التي فتحت لنا بيتها وقلبها سواء بسواء. أفعل ذلك، بالإحالة إلى مصدرٍ آخر، سبقَ له أن أمدّني بمعلومة متواشجة مع رفض زوج السيّدة فكرةَ إقتران ابنه " سيمو " بفتاة سيئة السمعة. وإنها " الشريفة " نفسها، مَن أفضت لي بالأمر: " السيد الفيلالي، أثار تلك الضجة حول مشروع زواجي بإبنه خشيةً من عودة حديثٍ يؤلم أعماقه، يخصّ سيرة امرأته الثانية. لأنّ للّا بديعة أيضاً، تعرضت لظروفٍ صعبة في طفولتها وفتوّتها، أجبرتها على الخدمة في بيوت الأغنياء "، قالت لي ذات مرة حينَ ضمّنا منزلٌ واحد ثمة في ضاحية الحميدية.
لقد كررت " شيرين " في مخطوطتها هذه المعلومة، وأعني ما يتعلق بالسيّدة المحسنة. شقيقتي، كما أذكر أيضاً، لمّحت في مكان آخر من المخطوطة عن الظروف التي ألمّت بطفولة " للّا بديعة " واصفةً إياها بالمرعبة، واعدةً بالكشف عنها لاحقاً. على أنّ صفحات المخطوطة التالية، ستخلو من أيّ معلومات إضافية بهذا الشأن: فهل أنّ ذلك جرى سهواً من " شيرين "، وهيَ بوضعٍ صعب في الحجز الإحتياطيّ؟ أم أنها أستنكفت عن الخوض في الموضوع، خوفاً من الإساءة للمرأة المُحسنة؟ وإنني أخمّن بكون الإحتمال الأول هوَ الأرجح، طالما أنّ الأمرَ ليس بذي بال قياساً لمعلومات أخرى وردت في المخطوطة إن كان بخصوص السيّدة أو أفراد أسرتها.
إقليم السوس، هوَ آخر حدود موطن البربر في أقصى الجنوب على شاطئ الأطلسي. الطبيعة الجبلية الوعرة، جعلت من الإقليم قلعة حصينة كان يصعب إخضاعها على سلاطين مراكش. الممرات الضيقة والمتعرجة، التي يتخللها أشجار الأرغانة الشعثاء، لم تكن تقود عسكر الغزاة إلا نحوَ حتفهم. ثمة عاش أسلاف الطفلة الصغيرة " بديعة "، مستمدين من تلك الطبيعة قسوتهم وغلظتهم. على أنهم كانوا يتميزون عن بربر الشرق بالبشرة البيضاء، المحتفظة برونقها الشبيه بلبن موطنهم الصافي والناصع.
" بديعة "، اليتيمة الأم، كانت أصغر من أن تفهم ماهيّة الموت، لما أخرجوا جنازة أبيها من بوابة الدار الكبيرة، لكي يشيعوها لمثواها الأخير في تربة القرية. لم تكن أيضاً لتدرك سببَ نظرات الغل والحقد، التي راحَ بعضُ الأقارب يوزعونها بالتساوي عليها وعلى شقيقتها " نعيمة ". كانت تكبر هذه الأخيرة بنحو العامين، وتتميّز مثلها بالملاحة. أما شقيقهما الأكبر منهما سناً بقليل، فإنه أختفى فجأة عقب تشييع جنازة الوالد. ولن يقدّر لهما، أبداً، فرصة لقاء هذا الشقيق المبخوس الفأل: لقد مضى به خاله إلى مدينة مراكش، بغية محاولة إنقاذه من شرّ الأعمام، الذين أرادوا قتله كي يحرموه من ميراث أبيه ـ كما جرى التقليد في تلك البلاد الجبلية، الموحشة والقاسية القلب.
عامٌ واحدٌ على الأثر، ثمّ جاء دَور الشقيقتين لمغادرة موطن الأسلاف. جرى ذلك، بعدما بثت إحدى زوجات الأعمام خبراً في أذن خال الطفلتين: " لقد طلبوا مني أن أضع السمّ في طعام ابنتيّ شقيقتك، ولا يسعني مخالفة أمرهم ". طريقة القتل البطيء بسمّ مجرّب، كانت أيضاً من تقاليد منطقة البربر، القصية والمنعزلة. في تلك الأثناء، كان أولئك الأعمام الغليظو القلب قد توصلوا لمعرفة مكان شقيق " بديعة ". فكمن له أحدهم، هناك بالقرب من المخبأ المتواري بأزقة المدينة القديمة، فقتله برصاصة غادرة. على ذلك، سارعَ خالُ الشقيقتين اليتيمتين إلى تدبير أمر تهريبهما سراً من القرية. هكذا سار الرَحْلُ على ظهر الدواب ذات ليلةٍ كئيبة سبقت صلاة الفجر، التي تبث عادةً من أعلى منارة المسجد الوحيد، الشبيهة ببرج الحمام. أخترقوا دروب القرية، المبتلة بماء المطر ذي العبق المنعش، وصولاً إلى أولى الممرات الجبلية، المصبوغة صخورها بالتربة الحمراء وآثار دم الغزاة سواءً بسواء. من هناك، حملت الشقيقتين وخالهما سيارةُ نقل خضار متهالكة، فلم تلبث أن راحت تنهب بهم الطريقَ الوعرة والمتعرجة المسالك.
أفاقت الطفلتان على غرة، لتنبهر عيونهما بضوء النهار ومناظر مدينة لم يكونا ليتوقعان وجود ما يماثلها روعة في هذا العالم الظالم. أشجار النخيل، النحيلة والسامقة، كانت تهيمن على المشهد طوال الطريق الممتد خارج مراكش. حتى إذا أضحت العربة ضمن أسوار المدينة القديمة، فإنّ العمائر حلّت بمكان الأشجار وكانت بلونٍ قانٍ مختلف ولا شك عما هوَ مألوف في مدن وأرياف الساحل ذات المنازل الناصعة البياض. ما أن ترجّلت " بديعة " من السيارة، إلا ولفتَ نظرها مرأى منارة عظيمة تضارع في علوها الجبل المهيمن على قريتها، التي غادرتها تواً. منذئذٍ، ستصبح منارة الكتبية مشهداً أليفاً لعينيّ الطفلة الصغيرة. حتى إذا أشتدّ عودُ " بديعة " مع مرور الأعوام، فإن هذه المنارة صارت أشبه بعلامة تعينها على الإهتداء لطريقها من حيّ الملّاح إلى ساحة جامع الفنا، المفتوحة مداخلها على أسواق المدينة: لقد شاءَ الخالُ المنقذ ضمّ الطفلتين اليتيمتين إلى أسرة يهودية صديقة، كيلا يهتدي إليهما أولئك الأعمام الملطخة أيديهم بدم شقيقهما.





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 2
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 3
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء
- الجزء الثاني من الرواية: العين 3
- الجزء الثاني من الرواية: العين 2
- الجزء الثاني من الرواية: العين
- الجزء الثاني من الرواية: السين 3
- الجزء الثاني من الرواية: السين 2
- الجزء الثاني من الرواية: السين
- الفردوسُ الخلفيّ: النون 3
- الفردوسُ الخلفيّ: النون 2
- الفردوسُ الخلفيّ: النون
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الميم
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام 3
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام 2
- الفردوسُ الخلفيّ: اللام


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3