أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الثاني من الرواية: الراء 3














المزيد.....

الجزء الثاني من الرواية: الراء 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5390 - 2017 / 1 / 2 - 00:11
المحور: الادب والفن
    


لا أدري، لِمَ لاحت لفكري صورة جارنا العراقيّ حينَ كنتُ أقف أمام العمارة بانتظار الخانم ومرافقتها. أستعدتُ صورته المشعّة بالأمل، مثلما بدت خلال لقائنا الأخير. آنذاك، كان " رفيق " يتكلّم معي كما لو أنه شخصٌ آخر؛ كما لو أنّ دخان الحرب قد أدخله في دوخةٍ شبيهة بالنيرفانا. كون الوقتُ مبكراً، ويوم عطلة أيضاً، فإنني كنتُ أستبعد مصادفته على غرار المرات السابقة. وإذاً، كنتُ أراوح قدميّ قدّام مدخل العمارة وعلى عينيّ نظارة شمسية من النوع الرخص، سعيداً بالشمس والنسيم والهدوء. وإذا سيارة الرانج روفر تقتحمُ المشهدَ على غرّة، مغطيةً إياه بالغبار والضجة.
" بكّرنا قليلاً بالمجيء، أليسَ كذلك..؟ "، خاطبتني الخانم وهيَ تُخرج رأسها خِلَل نافذة السيارة. قبل أن أفتح فمي، حيّدتُ النظارة قليلاً كي أمتّع عينيّ بهيئة المرأة الجميلة. أجبتها، فيما كنتُ أجلس في المقعد الخلفيّ: " بلى، مع أنني أنشغلتُ عن النظر إلى الساعة بتأمّل مشهد هذا الصباح البهيّ ". مرافقة الخانم، ردّت على تحيتي وقد أنطبعت صورتها في المرآة الصغيرة، الخاصّة بسائق العربة. كانت تضع أيضاً نظارة شمسية، إنما بلون أخضر قاتم. وهذه هيَ " سوسن خانم "، تلتفت نحوي لتخاطبني: " النظارة السوداء، تحيلُ أيّ مشهد إلى الكآبة. فإنها صُنعت لمناسبات الجنازة والعزاء، حَسْب! "
" الله يستر..! "، ندّ عن المرافقة هذا التعبيرُ المحليّ وقد أختفت بسمتها. إذاك، كانت هيَ قد مضت بنا في العطفة المؤدية لجهة جبل غيليز. ولم تلبث أن زادت السرعة، مع وصولنا إلى المفرق المفضي لشارع فرنسا. ثمة، كانت تنتصبُ لوحة مرور سوداء معدنية سجّل عليها إتجاهات الطرق بأحرف كبيرة: أوريكا وأوكايمدن في الجهة المستقيمة، أما طريق فاس فإلى اليسار. هذا الأخير، عليه كان عندئذٍ أن يذكّرني بمغامرة ليلة رأس السنة، التي كانت " الشريفة " بطلتها.
في الأثناء، كانت مخدومتنا تعلّق على كلام المرافقة: " شعبٌ عجيب، رأسه مترع بالخرافات وتفكيره متناقض! يقودون عرباتهم بسرعة جنونية، ولكنهم يتطيّرون خلال الطريق من ذكر الجنازة والعزاء.. ". شاركتنا المرافقة بالضحك، فيما كانت تهدُرُ المزيدَ من البنزين مستغلّة خلو الشارع الفرعيّ من السيارات والمارة. ثم عادت الخانم لتخاطبني، على أثر توقف عربتنا أمام محطة للوقود: " أما زالت النظارة السوداء ترمز لرجال السلطة، ثمة في سورية؟ "
" هم كذلك دوماً حتى في صالة المطار، المغلقة! "
" ثمانية أعوام لم أعد خلالها مرة قط إلى الوطن، لكي لا أرى تلك الوجوه القبيحة. أي منذ سفري إلى موسكو، لكي أدرس الطب في جامعتها.. لم تكن تعرف ذلك، ها؟ "
" أبداً، وكيفَ لي أن أعرف؟ "
" بلى، بعد عام اللغة الروسية كان من المفترض أن أشرع بدراسة الطب. إلا أنّ هذه كانت رغبة الأهل لا رغبتي، كوني أميل إلى الأدب منذ الصغر. وقد سعيتُ لتغيير دراستي إلى كلية الصحافة، وكنتُ أرتاد سفارتنا بغية تحقيق ذلك. وهناك ألتقيتُ إتفاقاً برجلٍ غريب، شاءَ أن يغيّر مجرى حياتي كلها "، قالتها وقد ظهرَ بعضُ الانفعال في نبرة صوتها. بدَورها، لاحظت " سوسن " ولا غرو علامات التعجّب على ملامحي. إلا أنها توقفت عن سرد حكايتها، آنَ عودة المرافقة لتجلس وراء مقود السيارة.
ما أن صرنا على الطريق السريعة، المحاذية لأسوار المدينة القديمة، إلا والخانم تطلب من مرافقتها تخفيف سرعة السيارة. كان تلك فرصة سانحة، كي يتأمل المرء مناظر الطريق بهدوء وروية. غير أنّ الخانم، على دهشتي، أخرجت أوراقاً من حافظة جلدية وراحت تمعن النظر فيها طوال الوقت. السماء، كانت خالية من السحب. ولكنّ الجبال القصية، كانت تتبدى عن بُعد كأنها غيمات زرق وبيض، وعلينا كان أن نمضي نصف ساعة أخرى قبل أن نتعرّف على لونها الحقيقيّ؛ النبيذيّ والأخضر. إذاك، كانت السيارة قد استهلت في ارتقاء الطريق الجبلية الوعرة، المحصورة بين صخور الجبال والوديان السحيقة. التربة النبيذية، الممتحّة منها المدينة الحمراء شهرتها ومداميك أبنيتها، هيَ ذي تترامى على مدّ البصر وقد غُرست فيها الأشجار فرادى أو على شكل غابات. الأوكاليبتوس والصنوبر والصفصاف، كانت أبرز تلك الأغراس يتخللها بعض أشجار التين والرمان والزيتون. بين الصخور المشرفة على الطريق، كانت تكمن جدعات الصبّار كما قطّاع الطرق، ويمكن رؤيتها أيضاً معتلية قمم الجبال. ما تخايل لي أنه الوهمُ، صوّر لعينيّ بعضَ تلك الجدعات وهيَ تتقافز على الصخور. وإذا بمرافقة الخانم تشير بيدها إلى الأعالي، آنَ انفتاح الطريق عند مدخل إحدى القرى: " إنها القردة..! أحياناً تنحدر من الجبل إلى القرى، لكي تصيب شيئاً من الغذاء ".
منذئذٍ صار الطريقُ أكثر سويةً، يتصلُ بين عدة قرى تحمل جميعاً أسماء أمازيغية. وهذا هوَ مكاننا المقصود، تخترقه العربة وقد حفّ به من جانبه الصخريّ منازل القرويين المبنية من الطين والقصب. الوادي هنا، أضحى ممتلئاً بالماء ذي الزبد الأبيض، الناتج عن ذوبان الثلوج في هذا الفصل من العام. كانت السيارة تمضي ببطء بمحاذاة الأشجار، الناشرة ظلها على مقاهٍ ومطاعم شعبية، ذات مداخل مجللة بقماش تقليديّ مرقّش بتخطيطات أسمائها ورسومٍ توحي بما تقدمه من أطعمة وأشربة وحلوى. عبقُ أنسام الوادي، كان يتماهى عندئذٍ مع روائح شواء اللحوم. صفّ طويل من السيارات، كان يركن عند مداخل تلك المطاعم علامةً على انتهاء الرحلة الجبلية. وإذا بمخدومتنا تشير إلى ناحية السيارات، قائلةً ببساطة: " أعتقدُ أنّ صديقنا، المهدي البغدادي، قد سبقنا في الوصول إلى أوريكا! ".





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة أُخرى 43
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الراء
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 3
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 1
- الجزء الثاني من الرواية: القاف
- سيرَة أُخرى 42
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 2
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 3
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء
- الجزء الثاني من الرواية: العين 3
- الجزء الثاني من الرواية: العين 2
- الجزء الثاني من الرواية: العين
- الجزء الثاني من الرواية: السين 3
- الجزء الثاني من الرواية: السين 2
- الجزء الثاني من الرواية: السين
- الفردوسُ الخلفيّ: النون 3


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الجزء الثاني من الرواية: الراء 3